د.يحيى القزاز
سيدى الرئيس يظل الاحترام دوما بين الحاكم والمواطن بقدر احترامه للشعب، وادراكه ومتابعته لهمومهم، والوقوف عليها بنفسه، وليس بعين وأذن وألسنة مستشاريه أو مساعديه. وتكون الخطيئة القاتلة فى التبرير دوما من قبل حاشية الرئيس لأفعال غير مقبولة بأن الرئيس لا يعلمها ولا يرضاها، ولا نظن أن الرئيس مغيب أو يقلد من ثار الشعب عليه.
مصر الآن تختلف كثيرا عما تمنيناها، وتقترب بدرجة ملحوظة إلى ما كرهناه. نعرف أن أمن وتأمين الرئيس الوطنى شيئ هام لأمن وتأمين الوطن والمواطن، والاستمرار فى عمليات أمن الرئيس وتأمينه، والابتعاد عن مشاكل الشعب تأتى بنتائج عكسية. مايدور فى مصر الآن واستعادة هيبة الشرطة على حساب الأبرياء بالاعتداء على المعتصمين فى جامعاتهم وقتل المتظاهرين الغاضبين لإساءة النبى فى ميدان التحرير واتهامهم بالبلطجة، وترك الأمن العام منفلتا فى ربوع مصر، وانتشار ظاهرة الخطف والقتل والاغتصاب دونما مواجهة من شرطة أحد فلول النظام البائد اللواء أحمد جمال الدين، وازدواج خطاب جماعته بالانجليزية مع الغرب وبالعربية مع المسلمين يضع الرئيس فى حرج. أظن أنك تذكر ممارسات الجلاد "حبيب العادلى" كانت عاملا معجلا فى سقوط مبارك وأعوانه، ولا أتمنى أن تكون ممارسات "أحمد جمال الدين" وزير داخليتك عاملا مبكرا فى التحريض على كراهيتك. مازال الناس ينسبون الأخطاء لرئيسهم كما الحسنات والتوجيهات.
وبعين الراصد لا المتربص، نرصد إسرافا فى محاولة تأمين السلطة لك، وترك المجتمع ينتفخ، والمظاهرات الحقوقية تنفجر. كنتم تعلمون وأنتم تصارعون على الرئاسة، أنكم مقبلون على رئاسة أرضها بور وحجراتها خرابة، وخزانتها خاوية، ومع ذلك أسرفتم فى الوعود، وبالغتم فى القدرة على تحقيق الآمال والأمن والاستقرار وتلبية المطالب الحقوقية التى يسميها النظام حاليا بالفئوية، وحددتم موعدا مائة يوم، وانا أعلم أنها قليلة جدا فى المراحل الانتقالية.. لكنكم وعدتم وأكدتم فتعلق البسطاء والمقهورون بالأمل، ولم يحتملوا ومازالوا يعانون ويمنون النفس بالتمنى بين مصدق ومرتاب. الشفافوباية أهم ملامح الحكم النظيف، وهى العنصر الحاكم والعاصم للشعب من الانفلات والزلل، والشعب بحاجة إلى مصارحة قبل المصالحة مع الفلول الذين اطصحبتهم فى زيارتك للصين وهم رجال مال استفادوا من العصر البائد ويستفيدون من العصر الحالى.. وللاسف هذا بعلمكم وموافقتكم. ووزارة تحكم من اختياركم غالبيتها من الفلول وكأن الثورة لم تقم، والشباب لم يصابوا ولم يستشهدوا، وأخشى أن يدون التاريخ فى مضبطته بأن أول حكم كان بعد ثورة 25 يناير 2011 هو حكم "الإخوافِل" فى زمن "الإخوافِل" بكسر الفاء، و"الإخوا فل" هى كلمة مركبة من كلمتين: الإخوان والفلول، ولتخفيف النطق ادمجتا الكلمتان وصارتا كلمة واحدة "الإخوافِل". نريد أن يكون الحكم –حتى لو اختلفنا معكم- يسمى بحكم "الإخوافل" بضم الفاء لمصلحة مصر قبل الجماعة، وأحداث التاريخ تؤكد الحقيقة الجيولوجية الأزلية بأنه لاشيئ ثابت على الأرض إلا التغير. ولا تفرحوا وتغرنكم قوتكم وأعدادكم وتنظيمكم الواحد القوى وتفاخرون بجاهزيتكم وانفراط عقد غيركم، فالأحادية هى الميل وعدم الاتزان، والثنائية هى اتزان كفتى الميزان، والحكم الرشيد بحاجة إلى معارضة قوبة وميزان ذى كفتين وليس كفة واحدة يمسك صاحبها برمانتها يرفعها ويخفضها ويزود وينقص كيفما يشاء. هذا التنظيم الواحد القوى يذكرنا بنتظيم "الحزب الوطنى" أيام "مبارك المخلوع" فى مقابلة أحزاب ورقية هزيلة، ويشابه الحزب الواحد "الاتحاد الاشتراكى العربى" مع الفارق أن "الاتحاد الاشتراكى" لم يدع ديمقراطية زائفة، ولم يفاخر بفوز من أغلبية شعبية على معارضة ورقيةغير موجودة، كان حزبا واحدا واضحا لم يدع ديمقراطية سياسية ولا تعددية حزبية. ومن الواضح أنه لا الحزب الواحد ولا الحزب الأقوى بين أحزاب هشة أقام نظاما ديمقراطيا ولاحقق استقرارا لدولة. وماحدث من حصد الجماعة لمراكز البرلمان فى خضم الثورة كان نبيجة لعوامل كثيرة غابت عنها ندية المنافسة لعدم تكافؤ الفرص واتسمت بغطاء ديمقراطى لايستر عورتها. وبدا الشباب الذين قاموا بالثورة، وكأنهم عامل حفاز ضحوا من أجل استلام الجماعة الحكم قبل أن ينظموا صفوفهم ويكونوا تيارهم.
وما أرجوه –خشية مما سمعته- إقامة نصب تذكارى للشهداء فى منتصف ميدان التحرير فى الحديقة الدائرية، مع الحفاظ على شكل وطابع الميدان كما هو وقت قيام الثورة لأنه الشاهد الحى الوحيد على الثورة، والأثر الباقى منها، ونحذر من دعاوى نسمعها الآن من وزرائك تدعو إلى تطوير وتحديث الميدان وتحويله إلى ركن للمكلمة والخطابة والتسالى يسمى "هايد بارك كورنر" تشبها بركن ومكلمة لندن الشهير، نحن لانريدها مكلمة ترفيهية، نحن نريد شاهدا حيا، يذكر ويحكى للأجيال القادمة نبل ثورة وعظمة شعب، وتضحية جيل استشهد ليحكم غيره ويعيش شعبه من بعده مرفوع الرأس، ويستقر وطنه فى حرية وأمان. التطوير وتغيير معالم الميدان ولوكان للأفضل هو القضاء على شهود الثورة ورواة أحداثها. لانريد محاكاة للـ "هايد بارك كورنر"، فى المحاكاة خيانة وفى الإبقاء على الأثر أمانة.
مازال يحدونا الأمل فى إدراك واستدراك الخطا الذى يقع فيه نظامك حتى ولو كان بسيطا. وأرجو أن أن يكون زيادة دخل المواطن أسبق من قرار إلغاء مجانية التعليم أو ترشيدها بغرض القضاء عليها، إلغاء المجانية يعنى تصحير عقول الفقراء وموتهم بالجهل. وإننى –وأنا لا أنتمى لجماعاتكم- إلا أننى مع عودة مجلس الشعب المنحل، وبقاء مجلس الشورى حرصا على أموال أنفقت من خزينة الدولة، وشعب تحمل عناء الخروج للانتخاب واختار نوابه، كما أن نسب أعضاء مجلسى الشعب والشورى الجديدين لن تتغير كثيرا، فالجماعة لديها السلطة والثروة بالإضافة للتنظيم القوى، وكلها عوامل مؤثرة. وفى المراحل الانتقالية من تغيير النظم المصحوبة بالفقر المدقع والفساد الذى طغى حتى غطى رؤوس العباد يختار الشعب حزب الرئيس. الانتخابات لاتعرف نظافة اليد ولا طهارة القلب.. إنها الأعداد ذات القلب المطاط، والاستحواز بكل الطرق، وتخدير المشاعر، وغزو البطون وسد الاحتياجات مؤقتا. وكلنا يعلم كيف كانت تصدر الأحكام فى فترة "المجلس العنترى" المدعو بالعسكرى، من يقبل بحل مجلسى الشعب والشورى عليه بأن يقبل بحل رئاسة الجمهورية، وأن تكون الانتخابات للجميع ومن جديد بعد الدستور الجديد.
18/9/2012