هناك إصرار من دوائر تابعة للنظام السابق للزج بالقوات المسلحة في الصراع السياسي الدائر، وسحب المؤسسة العسكرية إلى اللعبة التي تخطط لها المخابرات الأمريكية والغربية لتحويل الجيش المصري إلى طرف في عملية الفوضى الخلاقة التي لا هدف لها إلا تفكيك مؤسساتنا الوطنية الحامية لوحدة الدولة المصرية.
مصر مهددة الآن من مجموعات من المخربين، تعمل ضد الثورة ولا تتورع عن الانقلاب على القانون والدستور لمنع مصر من استكمال مؤسساتها الجديدة عبر الصندوق الانتخابي بديلًا عن تلك التي انهارت بفعل الثورة.
للمرة الثانية نرى المحكمة الدستورية تقول رأيًا صادمًا وغير دستوري، ففي ملاحظاتها على قانون الانتخابات الجديد وضعت قنبلة جديدة، وهي مشاركة العاملين في القوات المسلحة والشرطة في الانتخاب بالمخالفة للقوانين والأعراف، وبما يتعارض مع الدور الوطني لهاتين المؤسستين.
المحكمة الدستورية تخالف الدستور الذي استفتى عليه الشعب المصري حيث ورد في ديباجته
النص التالي:" ثامنا: الدفاع عن الوطن شرف وواجب؛ وقواتنا المسلحة مؤسسة وطنية محترفة محايدة لا تتدخل فى الشأن السياسى، وهى درع البلاد الواقى".
هذا الرأي من المحكمة الدستورية يؤكد أن هناك من يسعى لتعقيد المشهد السياسي، لمنع الوصول إلى الانتخابات باختراع أزمات مفتعلة، غير قابلة للحل، لتظل مصر في هذه الحالة المرتبكة إلى الأبد، فهذا الرأي المطروح مستحيل التنفيذ، للعديد من الأسباب، أهمها ما يأتي:
1- تطبيق هذا القرار يعني الموافقة على نقل الفوضى التي نراها الآن في الشارع إلى مؤسساتنا العسكرية والشرطية -التي تستمد قوتها من أنها ملك الجميع- بإدخالها في العمل السياسي والحزبي.
2- الأخذ بهذا القرار يخشى منه التأثير على تماسك المؤسسة العسكرية وأجهزة الشرطة عبر إشاعة الحزبية داخلا، ويقسم الولاءات، وينشر الانقسامات بين حماة الوطن.
3- هذه المؤسسات تعمل وفق قاعدة السمع والطاعة، فحماية الوطن قضية عليها إجماع ولا تقبل الخلاف، ولكن هذه القاعدة مهددة إذا تم تبني مواقف سياسية، الأصل فيها الخلاف وعدم الاتفاق، فإلى أي حزب ستقف قيادات هذه المؤسسات؟ وإلى أي مرشح ستنحاز؟
4- هذا القرار يفتح الباب لأن يؤسس الجيش والشرطة حزبا سياسيا لهما، أو حزبا لكل منهما، أو أن كل قطاع قد يؤسس حزبا أو ينحاز إلى حزب.
5- ماذا لو أن قيادة الجيش انحازت لحزب ما، وانحاز قادة الشرطة إلى حزب آخر؟
6- ماذا لو أعلن قادة الجيش والشرطة الانحياز لمرشح أو حزب مرفوض شعبيا؟
7- ماذا لو أن قيادة الجيش أو الشرطة انحازت لمرشح أو حزب ورفض الضباط والجنود قرار قادتهم؟
8- ماذا لو أعلن الضباط والجنود العصيان السياسي وعدم الانصياع لقرارات قادتهم؟
9- أين ستكون صناديق الانتخابات؟ داخل الوحدات أم خارجها؟ وماذا لو صوتت كتيبة لصالح مرشح أو حزب بالمخالفة للتعليمات؟
10- ماذا لو انقسمت الجيوش حول التوجهات السياسية فكيف سيكون موقف القيادة؟
11- إذا انحاز الجيش وأجهزة الشرطة لمرشح أو حزب فهذا يعني أنهم فقدوا حيادهم ولا يجوز أن يشرفوا على الانتخابات؟
12- من الذي سيشرف على الانتخابات إذا انشغل الجيش والشرطة بالتصويت؟
13- إذا اصبحت مؤسساتنا العسكرية والأمنية طرفا في اللعبة السياسية فهل يبحث الشعب عن حكام أجانب للإشراف على الانتخابات؟
14- ماذا لو وقف قادة مؤسساتنا العسكرية والشرطية في جانب والشعب في جانب آخر؟
من الواضح أننا أمام حالة بالغة الخطورة لا شك أنها في مصلحة بقايا النظام السابق، وقد تبدو للمعارضين -في ظاهرها- أنها وسيلة ممكنة لإسقاط حكم الإخوان، ولكن في باطنها فتنة إسقاط الدولة كلها وتفكيكها، والقضاء على مؤسساتنا الباقية منذ سقوط نظام مبارك.
ولنا أن نتساءل: لماذا لم تقل المحكمة الدستورية هذا الرأي الخطير في المرة السابقة، عندما وضعت ملاحظاتها والتي ضمنتها رأيًا غير دستوري أيضًا، وهو المتعلق بمنع السياسيين المستبعدين من الخدمة العسكرية بقرارات من مباحث أمن الدولة؟
نحن أمام حالة خطرة واضحة المعالم، منذ الثورة وحتى الآن. لقد شاهدنا من يعمل على استدراج الجيش للمحرقة السياسية لإنهاكه، بل هناك بعض من المغيبين الذين أعمتهم كراهيتهم لحكم الإخوان راحوا يشاركون في الفوضى والتشجيع لها دون تقدير العواقب التي لا نتيجة لها إلا احتراق الجميع بنارها وتخريب مصر.
الجيش خط أحمر، فهو الجيش العربي الوحيد الباقي أمام الكيان الصهيوني، ولا تورطوه في لعبة، يمسك بمعظم خيوطها شياطين.
ويا قضاة مصر الشرفاء كونوا عونًا للشعب، وانتصروا للحق، "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة".
**رئيس تحرير جريدة الوادي