22 مارس 2018

محمد سيف الدولة يكتب: خرائط الغضب فى مصر

تناولنا فى مقال سابق بعنوان "انتخابات بالاكراه"، حزمة السياسات التى أدت الى تأميم الحياة السياسية والانفراد بالسلطة الى ما شاء الله، واليوم سنتناول جانباً آخر من المشهد: سنلجأ فيه الى ابسط قواعد المنطق والتحليل الموضوعى، لعمل حصر بالمتضررين من حكم السيد عبد الفتاح السيسى والرافضين، لأسباب وطنية أو طبقية واقتصادية أو دستورية أو حقوقية، للكثير من سياساته وقراراته على امتداد السنوات الأربع الماضية، والذين يشكلون معا ما يمكن ان نطلق عليه خرائط الغضب فى مصر:
1) عشرات الملايين من الفقراء الذين ازدادوا فقرا بعد قراراته الاقتصادية بتنفيذ تعليمات وروشتات صندوق النقد الدولى بتعويم الجنيه وتخفيض قيمته الى أكثر من النصف مع الغاء الدعم ورفع الاسعار.
2) ومعهم بالطبع عشرات الملايين الأخرى من الطبقات المتوسطة الذين تدهورت مستويات معيشتهم وانكمشت مدخراتهم لأكثر من النصف تقريبا لذات الاسباب، وانتقل العديد منهم الى مرتبة الفقراء.
3) غالبية الملايين الذين شاركوا فى ثورة يناير، ثم رأوا السيسى ونظامه يعاديها ويجهضها ويقضى على مكتسباتها ويصادر حرياتها ويطارد كل من شارك فيها ويكمم أفواههم.
4) غالبية الملايين الذين ذاقوا طعم الحرية والانتخابات الحقيقية النزيهة لأول مرة فى حياتهم، ووقفوا بالساعات فى طوابير الاقتراع بعد ثورة يناير، ثم شاهدوا ما آلت اليه الأمور اليوم، من العودة الى عصور الـ 99 %.
5) كل المؤمنين بالحق فى التظاهر بعد أن تم حظره وتجريمه. وكذلك غالبية الملايين الذين افترشوا ميدان التحرير وباقى شوارع وميادين مصر، بعد أن أُغلقت امامهم وحرمت عليهم.
6) ملايين المصريين الوطنيين الذين رفضوا التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير المصريتين لمملكة آل سعود، والسير فى ركابها.
7) كل من يرفض اخلاء الحدود الدولية وشمال سيناء وتهجير سكانها، لإقامه المنطقة العازلة التى كانت اسرائيل تطلبها منذ سنوات طويلة وكان مبارك يرفضها، وعلى رأسهم بالطبع أهالي شمال سيناء الذين تم تهجيرهم من مساكنهم لاقامة هذه المنطقة.
8) كل من يحرص على احترام الدستور والقانون وعلى قيم العدل والفصل بين السلطات، والرقابة القضائية والبرلمانية على السلطة التنفيذية، الذين تأذوا بشدة مما يروه من انتهاك يومى لمواد الدستور وتجميد لأحكامه ونصوصه، وما يشاهدوه من الضرب عرض الحائط بأحكام المحكمة الادارية العليا ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية.
9) كل الذين كانوا يحلمون ببرلمان حقيقى يعبر عن جموع المصريين ويحمى مصالحهم ويحافظ على حرياتهم وحقوقهم فى مواجهة تغول السلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية.
10) وكذلك كل الرافضين لهيمنته على السلطة القضائية وتسييس احكام القضاء وأحكام الادانة والاعدام بالجملة والحبس الاحتياطى الى ما شاء الله بالمخالفة لأحكام القانون. وعلى رأسهم غالبية القضاة، الذين يتألمون فى صمت من تدخل السلطة التنفيذية فى شئونهم والضغط عليهم وتجريدهم من حقهم فى اختيار رؤساء هيئاتهم ليتم تعيينهم بقرارات يصدرها رئيس الجمهورية.
11) ملايين من طلبة الجامعات الذين حُرم عليهم العمل السياسى، لتعود الجامعة لتكون سجنا كبيرا تحت ادارة ورقابة وهيمنة الاجهزة الامنية، ومعهم ألاف الاساتذة والعاملين فى هيئات التدريس الذين إُنتزع منهم حقهم فى انتخاب عمداء كلياتهم ورؤساء جامعاتهم التى عادت مرة أخرى لتكون بالتعيين.
12) كل الاقتصاديين الوطنيين الذين يرفضون اغراق مصر فى الماكينات الجهنمية للقروض والديون الخارجية وفوائدها، مما يفقد مصر ما تبقى من استقلالها ويثقل كاهل الاجيال الحالية والقادمة بأعباء لا قبل لهم بها.
13) وكذلك كل رجال الاعمال الذين يعانون من اقتحامه لقطاعات الانتاج والأعمال ومنافستهم فى ارزاقهم ومجال أنشطتهم والاستحواذ والاحتكار والسيطرة على الاسواق المصرية، لأهداف ربحية رأسمالية بحتة وليس من منظور الاشراف والتنظيم والحراسة وفقا لدور الدولة فى النموذج الرأسمالي، أو حتى من منظور الادارة والتخطيط وفقا لنموذج التنمية الاشتراكي. 
14) كل المفكرين والشخصيات العامة المستقلة التى نأت بنفسها طول عمرها عن مهادنة اى سلطة ونفاق أى رئيس، الذين يشاهدون اليوم اعادة الانتاج الفجة لأنظمة الفرعون والزعيم الأوحد.
15) كل المثقفين الذين يتأذون بعد كل خطاب او كلمة يلقيها، من مستوى الافكار وتهافت المنطق وضعف اللغة وفقر المفردات وكارثية الارتجالات.
16) كل من يعلم قيمة مصر وقدرها، الذين تأذت كرامتهم الوطنية بشدة حين سمعوا الكلمات المهينة لمكانة مصر فى تصريحاته مع الرئيس الامريكى او الرئيس الفرنسى. وكل من شاهد صورته وهو يقف مع الواقفين خلف الرئيس الامريكى الجالس وحده، وكأنه واحدا من حاشية البيت الابيض.
17) كل من يدرك مكانة مصر وريادتها العربية، حين شاهد فضيحة سحب بعثتها الدبلوماسية لقرار ادانة المستوطنات الاسرائيلية من مجلس الامن بناء على تعليمات السيسى بعد مكالمة تليفونية مع ترامب. وكذلك كل الذين امتعضوا من خطابه الأخير فى الأمم المتحدة، حين أشاد بنتنياهو بأنه رجل سلام، بينما شوه الفلسطينيين وطالبهم بإثبات مصداقيتهم فى الرغبة فى السلام وكأنهم هم الجناة وليسوا الضحايا. وكذلك كل من يكره اسرائيل ويحب فلسطين، ويرفض التنسيق والتحالف المصرى الاسرائيلى ويرفض لقاءاته السرية مع نتنياهو. وكذلك كل الذين شاركوا فى اغلاق مقر السفارة الاسرائيلية فى 9/9/2011، بعد أن رأوا السيسى يعيد فتحها فى ذات يوم اغلاقها فى 9/9/2015، فى مكايدة مصرية رسمية مع اسرائيل ضد ثورة مصر وشبابها.
18) كل الغاضبين من قرار ترامب بأن القدس عاصمة لاسرائيل، الذين يشكون فى وجود تواطؤ رسمى مصرى سعودى خليجى مع الادارة الامريكية لتمرير هذا القرار وامتصاص وتصفية الغضب الشعبى العربى فى مواجهته.
19) كل المؤمنين بقيم المساواة والتواضع وهم يشاهدونه يتفاخر بنفسه وبعبقريته وبفلسفته وتميزه عن باقى خلق الله، وكذلك كل المحبين للصدق والصادقين، حين يسمعونه يعيد ويكرر ادعاءات لا تمت للحقيقة بصلة.
20) وعلى المستوى السياسى، غالبية عناصر التيار الليبرالى وكل الأحرار المؤمنين والمدافعين عن حقوق الانسان وحرياته بعد ان شاهدوا العدوان اليومى عليها.
21) غالبية عناصر التيار الاشتراكى وكل المدافعين عن حقوق الفقراء والمطالبين بالعدالة الاجتماعية بعد ان شاهدوا الاستسلام الكامل لشروط الرأسمالية العالمية وممثليها من صندوق النقد والبنك الدوليين وتنفيذ اجندتهم الاقتصادية المدمرة فى مصر، كما شاهدوا الانحياز المطلق الى الطبقات الاكثر غنى فى مصر من خلال الاستثمار فى مشروعات مثل العاصمة الجديدة.
22) غالبية عناصر التيار القومى وكل الوطنيين بعد ان شاهدوا عمق العلاقات بينه وبين اسرائيل ونتنياهو ومشاركته فى حصار غزة ومباركته لصفقة القرن التى تسعى لتصفية القضية الفلسطينية ومبايعته على بياض للرئيس الامريكى العنصرى دونالد ترامب.
23) غالبية عناصر التيار الاسلامى الذين يشاهدون محاولاته الحثيثة لاجتثاثهم من الحياة السياسية تماما، بالحظر والاعتقال واحكام المؤبد والاعدام بالجملة.
24) غالبية جبهة 30 يونيو من القوى والشخصيات التى شاركت فى ثورة يناير، بعد أن غدر بهم، وقام بإقصائهم وحصارهم وتشويهم ومطاردة واعتقال شبابهم.
25) مئات الآلاف من عائلات وأصدقاء وزملاء وجيران المعتقلين وضحايا قمع المظاهرات التى بلغت اعدادهم عشرات الآلاف.
26) كل الكارهين لأعمال البلطجة والدولة البوليسية، حين يشاهدون هجمات البلطجية و"المواطنين الشرفاء" والاعتداءات الاجرامية على شباب الثورة ورموزها كما حدث لشيماء الصباغ وهشام جنينية وغيرهم الكثير.
27) كل المفكرين والمتخصصين والوطنيين والخبراء الحقيقيين، حين يتم حظرهم من الكتابة الصحفية والظهور الاعلامى ومخاطبة الراي العام المصرى وتنويره، لحساب حزمة من أردأ وأجهل العناصر الاعلامية الأمنية. وكذلك كل الذين يحترمون عقولهم، حين يرون مدى التدنى والابتذال قى الخطاب الاعلامى والسياسى الموحد والموجه للدولة.
28) كل الرافضين لتوظيف مؤسسات الدولة الدينية وقياداتها فى الازهر ووزارة الأوقاف ودار الافتاء وفى الكنيسة للترويج للسيسى ونظامه.
29) كل الكارهين للإرهاب والإرهابيين، الذين يرون كيف يصنع السيسى بسياساته واستبداده وإجراءاته القمعية حاضنة شعبية للإرهاب.
30) كل الرافضين للعنصرية الغربية التى تعادى الاسلام والمسلمين حين يرونه يردد مقولاتهم العنصرية ويتبنى خطابهم ويتهم 1.7 مليار مسلم بالارهاب علنا فى أحد خطبه بمناسبة المولد النبوى الشريف، ويُلحق مصر بالأحلاف الامريكية الاستعمارية الجديدة تحت ذريعة مكافحة الارهاب.
***
اذا كان ذلك كذلك، فمن اذن كل هؤلاء القوم الذين نشاهدهم كل يوم فى البرلمان وفى الصحف والفضائيات، وفى مؤتمراته التى لا تنتهى، ومن اين جاءت كل هذه التفويضات التى تقدر بعشرات الالاف؟
انهم ببساطة كبار رجال الدولة والعاملون بها وقيادات الاجهزة الامنية وعناصرها ومخبريها وشبكات المصالح المرتبطة بهم، بالإضافة بالطبع الى كل الموظفين الخائفين من اغضاب السلطة أو السائرين فى ركابها طمعا فى عطية او اتقاء لشرها.
هؤلاء موجودون فى كل عصر وفى كل نظام، يدينون بالولاء لكل من يعتلي الكرسى، فان ذهب، غيروا ولاءهم للوافد الجديد فورا، وتسابقوا وتصارعوا على الفوز برضاه وعطاياه.
هؤلاء ليسوا الا قلة قليلة لا تجد لها أثر حين تنتفض الشعوب وتثور، حينها يهرولون الى الجحور، أتتذكرون الحزب الوطنى الديمقراطى.
*****
القاهرة فى 22 مارس 2018

15 مارس 2018

سيد أمين يكتب: صُنّاع الانقسام

من المعلوم أن أجواءً سلبية من التشكيك والتخوين سادت -ولا تزال- بين قوى ثورة يناير/كانون الثاني المصرية، وأوصلت المصريين إلى الجحيم الذي يعيشون فيه، وصار نجاح تلك الثورة مرهوناً بزوال هذه الأجواء التي وصلت أقصى مداها بعد الانقلاب العسكري؛ حيث اتسع رتق الانقسام بفعل التداخل المؤثر الذي أحدثته الثورة المضادة في الثورة، ووقفت فوق ميادينها وبنفس شخوصها للأسف.
وراح كل فصيل يُلقي بالمسؤولية على الآخر مستخدماً منطلقاته الدعائية الخاصة، وإن طال التيار الإسلامي واقعياً القسط الأكبر من دعايتها السوداء -خاصة أن وسائل إعلام السلطة ورجال أعمالها هي من كانت تؤدي تلك الوظيفة- وارتبطت به على سبيل المثال تهمة الانتهازية التي أوجزتها عبارة "باعونا في محمد محمود"، وهي التي تحولت إلى مزحة مبتذلة من فرط استخدامها من قِبل كل شارد ووارد، يبرر صمته، وخوفه، ونضوب إنسانيته، أمام الجرائم التي ارتكبت بحق هذا التيار الذي لا يعرف لطريق المكايدة السياسية التي تشيع في مثل هذه الأجواء سبيلاً.
وهى التهمة التي صارت أيضاً تعبّر عن مظلومية الإخوان وليس ظلمهم، خاصة مع حالة القمع الوحشي التي يتعرضون لها، وصمت الآخرين المطبق، وأحياناً تأييدهم لهذا القمع، بل وإيعازهم به.
ولعلنا لا نجافي الحقيقة أو نمسي من "مطيبي الخواطر" إن قُلنا إن كل قوى الثورة شاركت في تأجيج الانقسام المجتمعي بشكل أو بآخر، بقصد أحياناً أو بسوء قصد غالباً، ورغم ذلك نجزم أن تلك القوى لم تكن هي من خلقت الانقسام، وذلك لسبب منطقي وهو أنه كان موجوداً أصلاً في المجتمع قبل نشأة تلك القوى، بل وفي أكثر فترات التاريخ الحديث انسجاماً.

الانقسام والتنوع

وقبل الخوض في تاريخ الانقسام، يجب الإشارة إلى أن ثمة فارقاً كبيراً بين الانقسام والتنوع، فالتنوع هو عامل "تكامل" مهم من عوامل النجاح الاجتماعي والاقتصادي للدول، ويؤتي ثماره متى توافرت الإدارة الديمقراطية الحكيمة التي تساوي بين حقوق الناس، وتحترم اختلافهم الفكري والعِرقي والمذهبي والديني، ولنا في الهند مثل واضح.
أما لو كانت الإدارة استبدادية، لم تصعد الحكم بطريق ديمقراطي، فإنها تتمسك بقوة بسياسة تحويل هذا التنوع إلى انقسام، بما يضمن لها ولاءً مطلقاً من قِبَل فصيل ما من الفصائل، تحتمي به متى ضاقت عليها الدوائر، وتضحي به متى لزمت التنازلات، وتبرهن عليه إعلامياً، وتحتفظ باستمرار ولائه عبر سياسة إطلاق الفزاعات، ونشر أجواء الخوف والتشكيك، وإقامة سواتر الدخان التي تحجب الرؤية الكاملة عن الجميع، ما يمكنها من ملء الفراغات بنفسها بما يجافي الحقيقة، ولنا في المشهد المصري مثال واضح.

انقسام طائفي

لعله من البديهي والمعلوم أن تكون "فرّق تسُد" هي السياسة المعتمدة لقوى الاستعمار لأسباب كلنا يعرفها، ولذلك سعى البريطانيون إلى إحداث تلك الفرقة بين المسلمين والمسيحيين، والتي بدأت باختيار الخديو، بإيعاز من الإنكليز، لبطرس باشا نيروز غالي -جد عائلة بطرس غالي الحالية- ليكون رئيساً للوزراء عام 1908، وكان ذلك أمراً مستحدثاً على الناس آنذاك أن يتولى حكمهم مسيحي، بينما هم يتبعون وجدانياً دولة الخلافة العثمانية، ولكن لأن ذلك لا يمنعه الإسلام فقبلوه.
لكن ما رفضوه هو أن "بطرس غالي باشا" راح بإملاء من الإنكليز يعين قِساً اسكتلنديا يسمى "دانلوب" وزيراً للتعليم "المعارف"، فأصدر قانونا سمّوه باسمه يحارب اللغة العربية، والأزهر، وعلوم الدين تحديداً، ويسعى لتغريب التعليم عبر جعله بالإنكليزية، وقصره على طبقة "الأفندية" وما فوقهم، وهم الذين يمكن الاستعانة بهم لإدارة المستعمرة الإنكليزية.
وكان رأي دانلوب الصريح أنه "متى توارى القرآن ومدينة مكة من بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يندرج في سبيل الحضارة".
المهم أن المصريين قتلوا بطرس غالي في 1910، وأسقطوا "دانلوب" وقانونه، ولكن بقي الانقسام مستعراً حتى ثورة 1919 التي قامت في الأساس لجبره والتئامه، وينبغي الإشارة إلى أن قانون تعليم "دانلوب" هو ذاته ما يطبق في مصر الآن.

الانقسام السياسي

جددت اتفاقية "كامب ديفيد" عام 1979 الانقسام مجدداً في المجتمع المصري وعمقته على كافة الأصعدة، بين المسلمين والمسيحيين مجدداً؛ حيث أيّد كثير من المسيحيين -غير الرسميين- الاتفاقية ليس حباً فيها فحسب، ولكن أيضاً نكايةً في التيار الإسلامي الذي رفضها بقوة، وأيضاً رغبة في تبريد خلافتهم المستعرة مع الرئيس بسبب أحداث الزاوية الحمراء، بينما كان غالبية المسلمين يرفضونها.
وبين الفقراء والأغنياء؛ حيث أدت سياسة الانفتاح الاقتصادي، وهي أحد تداعيات تفاهمات "كامب ديفيد" إلى إحداث خلخلة كبيرة وإعادة تسكين لطبقات المجتمع.
وطال الانقسام الذي خلفته "الاتفاقية المشؤومة" كل الحيز الثقافي والسياسي والاجتماعي والديني في مصر، وقسمت الناس بين مطبّعين وغير مطبّعين، وما زال تأثيرها التخريبي في المجتمع فعالاً، ويحاول "السيسي" حسمه لصالح "التطبيع"، وأعتقد أنه سيفشل.

انقسام جغرافي

وجّهت إلى نظام مبارك اتهامات واضحة بأنه قسم الناس على أساس جغرافي ومناطقي، وأن مبلغ عنايته كانت بالدلتا دون سواها، فيما أهمل الصعيد وسيناء والوادي، وهو نفسه اعترف بذلك في أواخر عهده.
نظام مبارك فتح الباب لأبناء محافظات الدلتا لا سيما "المنوفية" للترقّي في دواوين الدولة، فكان منهم معظم رجالات الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، وبالطبع اختار منهم أيضاً معظم قيادات الحكم، الوزراء، والمحافظين، ورؤساء المدن وغيرهم.
وخلق ذلك التمييز شعوراً بالغبن لدى أبناء الصعيد، خاصة حينما أذكته الدراما والإعلام وبررته.
وكان موقف نظام مبارك من القضية "العراقية" مثار انقسام جديد واضح وعميق في المجتمع المصري.
ومن الانقسام الجغرافي أيضاً، ما حدث في عهد المجلس العسكري بعد مذبحة استاد بورسعيد الشهيرة؛ حيث راح الإعلام الرسمي يذكي ويساند الهجوم على أهل بورسعيد.

الانقسام الأيديولوجي

الانقسام الفكري موجود على الدوام كـ"تنوع"، لكن أن تدعم الدولة فكراً دون فكر فهذا هو ما يخلق الانقسام.
فقد حرض السادات على "الاشتراكيين" و"الشيوعيين" و"الناصريين" في بادئ الأمر حتى طال تحريضه كل القوى الفكرية بما فيها حلفاؤه القدامى "الإسلاميون".
وحرض مبارك على فصيل من "الإسلاميين" في تسعينيات القرن الماضي وارتكب به مجازر، إلا أن الجديد في نظام السيسي أنه قد حارب فكراً، بل ديناً بأكمله في صورة تحريض على فصيل "إسلامي".
أخطأ ثوار يناير حينما انساقوا وراء خدعة تقسيم المجتمع إلى فلول وثوار، وهي خدعة أريد بها إيهامهم بنجاح ثورتهم من جانب، والتكريس للانقسام الذي يمكن رده في مشهد قادم إليهم فيجعلهم شيعاً وطوائف وهو ما حدث بالفعل.
صنع العسكر كل ما من شأنه تعزيز الانقسام، بدءاً من التعديلات الدستورية التي ثبت أن الهدف من ورائها كان فقط صناعة الانقسام، والتهويل من نتائجه، ثم حولوا الانتخابات البرلمانية إلى انقسام جديد، وكذلك تمت صناعة انقسام حول لجنة إعداد الدستور، وتوالت مهمة صناعة الانقسام حول كل قرار يتخذه الرئيس مهما قلّ تأثيره، وتم تعزيز ذلك بصناعة مشهد "30 يونيو/حزيران"، ثم الانقلاب، ثم التفويض وهو إحدى أبرز مراحل صناعة الانقسام قساوة، ثم فض رابعة وما تلاها وسبقها من مجازر، حتى حظر الإخوان، وما تلا ذلك من تشويه وشيطنة وذبح، واعتبار ذلك من أعمال الوطنية.
بدأ السيسي خطوات صناعة الانقسام في مصر من خلال إثارة أجواء التشكيك من الآخر، وإطلاق الشائعات، والتحذير من المخاطر، وكشف التحالفات السرية الكاذبة، تدعمه في ذلك ماكينة دعائية جبارة جرى تدشينها على عجالة، انطلقت من ميدان الثورة لصناعة الالتباس، وإحكام الشَّرَك حول الثوار.

حرف المفاهيم

وكان حرف المفاهيم عن طبيعتها واحدة من أدوات تلك الصناعة، فالصراع الحزبي الطبيعي على كسب الشارع يسمونه "استحواذاً"، وإذا أحرق أناس مقراً للإخوان فإنه عمل ثوري، ولكن إذا اقترب "إخواني" من سور حزب الوفد مثلاً بسوء فهو عمل "إرهابي".
وإذا وصفت إخوانياً بأنه "خروف" فهذا حق في التعبير يجب أن يصان، وإذا وصف إخواني أحد معارضيه بأنه مأجور أو بلطجي فهو يتجنى عليه، وبذلك يخرج عن القانون، ثم اتسع رتق التفريق رسمياً وإعلامياً إلى حق الحياة نفسها؛ ليتم تعظيم حق الحياة لمن يؤيد نظام الانقلاب بينما تتم الاستهانة به عند من يعارضه.
ورغم أنه من حق الحزب الفائز بالانتخابات تشكيل الحكومة وشغل كافة المناصب الإدارية للبلد، فإنه كان يتم رمي محاولة حزب الحرية والعدالة أن يمارس حقه الطبيعي في الحكم تنفيذاً لنتائج الانتخابات بتهمة "الأخونة".

08 مارس 2018

حمل كتاب شمعون بيريس "الشرق الأوسط الجديد"


ترجمة محمد حلمي عبد الحافظ
كثيرون الذين سينخدعون وللوهلة الأولى بموضوعية بيريز ومنطقه وهو يتحدث في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" عن فشل الحروب وأهمية السلام، غير أنه سرعان ما يكشف القارئ الواعي أن هذا السياسي الإسرائيلي المخضرم إنما يدس السم بالعسل وأن دعوته الظاهرية للسلام لا تخفي الإستراتيجية التوسعية التي التزم بها قادة إسرائيل والحركة الصهيونية حتى من قبل قيام دولتهم على أرض فلسطين، وهي استراتيجية تعبر عن قناعة راسخة موجودة في عقول قادة حزبي العمل والليكود في نفس الوقت، قناعة تقوم على ضرورة استمرار-الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة وإن اختلفت الوسيلة، وتغيرت من دبابة إلى بضاعة متقنة الإنتاج. غير أن الكتاب لا يخلو في الوقت ذاته من اعترافات أجبر بيريز على تدوينها ليس أقلها أن الحروب التي خاضتها إسرائيل لم تستطع أن تضمن لها النصر النهائي أو حتى الأمن. كما ويعترف بيريز مكرها أن الانتفاضة كانت الذخيرة الحية والنضال الحاد الذي أكد فشل الأمر الواقع الذي صمم لغرض فرض نظرية الأمن الإسرائيلية. كتاب بيريز يجب أن يقرأ من زاوية عليها الحذر والتمعن وقراءة ما بين السطور. فالمؤلف عدو ماكر وخطير.
تنبع أهمية كتاب الشرق الأوسط الجديد من كون مؤلفه يعتبر مهندساً للسلام من ناحية وواحداً من أهم صانعي القرار السياسي في تاريخ إسرائيل، قدّم بيريز كتابه كأسلوب جديد في التفكير للوصول للأمن والإستقرار، والذي يتطلب من دول المنطقة ككل تحالفات سياسية ونظام أمني وترتيبات إقليمية مشتركة، ربما كمشروع بديل للجامعة العربية، وتحدث عن فشل الحروب وأهمية السلام، وبرر الحروب فقط لضمان الأمن والإستقرار، وليس للتحكم بالآخرين، وأنه يتوجب تحقيق السعادة والرخاء لكافة شعوب المنطقة، مما يفرض علينا سوق شرق أوسطي، ينتمي إلى مكان دون زمان أو تاريخ، في علاقة تعاقدية بين دول الشرق الأوسط فقط، وفي مواجهة مد الأصولية الدينية والارهاب والبطالة .
شمعون بيريز ولد في بولندا 1923، هاجرت عائلته إلى فلسطين عام 1934 أيام الإنتداب البريطاني وإستقرت في مدينة تل أبيب، إنضم إلى قيادة منظمة الهجاناه 1947، وكان مسئولاً عن شراء العتاد والموارد البشرية، عمل كدبلوماسي في وزارة الدّفاع الإسرائيلية، وتدرج حتى أصبح المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية، ونجح في بناء المفاعل النووي الإسرائيلي مفاعل ديمونة، ونظم مع فرنسا العدوان الثلاثي على مصر في 1956، وهو ضابط الموساد الإسرائيلي المكلف بتدريب الجاسوس المصري أحمد الهوان ما بين عامي 1967 و1977، حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1994 وإقتسم الجائزة مع كل من ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، كان رئيساً لحزب العمل، ثم إنتقل إلى حزب كاديما، تولى رئاسة وزراء إسرائيل على فترتين، الفترة الأولى من 1984 إلى 1986، والفترة الثانية من 1995 إلى 1996، ورئيس دولة إسرائيل من 2007 حتى الآن، وأهم كتبه الخطوة القادمة 1965 ، و الشرق الأوسط الجديد 1993 ، و معركة السلام 1995 .

07 مارس 2018

محمد سيف الدولة يكتب: التطبيع بين الثورة والثورة المضادة

Seif_eldawla@hotmail.com
الذين دأبوا على تشويه الثورة المصرية باتهامها كذبا بما يسمى "بالربيع العبرى"، آن الآوان لهم أن يبتلعوا ألسنتهم ويبحثوا لهم عن كذبة أخرى يشوهون بها ثورة يناير غير حكاية " العبرى" تلك.
فإن اى مقارنة او كشف حساب بسيط و منصف، سيكشف الى مدى كانت الثورة المصرية معادية لاسرائيل ومناهضة للتطبيع ومناصرة لفلسطين، وفى المقابل كيف جاءت الثورة المضادة معادية لفلسطين راعية للتطبيع متحالفة مع (اسرائيل).
·فمظاهرات الثورة المصرية هى التى اغلقت مقر السفارة "الاسرائيلية" فى مصر لأول مرة منذ 32 عاما، غضبا من قيام قوات الاحتلال بقتل عسكريين مصريين على الحدود فى اغسطس 2011.
بينما كان عبد الفتاح السيسى هو الذى قام بفتح مقر جديد للسفارة بعد اربع سنوات وفى ذات اليوم الذى اغلقت فيه فى 9/9/2015 فى مكايدة مصرية رسمية اسرائيلية مشتركة للثورة وشبابها.
***
·والثورة المصرية هى التى ارغمت (اسرائيل) على ايقاف اعتداءاتها على غزة مرتين، الاولى فى ابريل 2011 والثانية فى نوفمبر 2012. بعد أن كانت تعربد وتقتل مئات من الفلسطنيين بلا عقاب أو حساب مثلما حدث فى عدوانها على غزة 2008/2009 الذى اسقط 1500 شهيد، ثم عدوانها فى صيف 2014 الذى اسقط 2000 شهيد .
***
·والثورة المصرية هى التى كسرت الحصار على قطاع غزة، وفتحت معبر رفح الذى شاهد زيارة آلاف المصريين الى فلسطين لاول مرة فى حياتهم .
بينما مبارك قبل الثورة والسيسى بعدها هما اللذان أحكما الحصار على القطاع وأغلقا المعبر، بل و زاد الأخير بقيامه  بتدمير الانفاق التى رفض مبارك نفسه تدميرها.
***
·والثورة المصرية هى التى انهت وأبطلت عقود وصفقات تصدير الغاز المصرى لاسرائيل، بل وقدمت مبارك للمحاكمة بسببها، اما الثورة المضادة فهى التى وقعت صفقة جديدة لاستيراد الغاز الاسرائيلى.
***
·والثورة المصرية هى التى تصدت لرفض قرض صندوق النقد الدولى، الذى اعلن حينها انه لن يوافق على القرض الا بعد ان يتأكد من القبول الشعبى له، بينما مصر السيسى هى التى اخذت القرض مقابل الخضوع لشروط وتعليمات وروشتات الصندوق وما ترتب عليها من نتائج كارثية لجموع المصريين.
***
·كما أنه بعد اجهاض الثورة، بدأ الحديث عن صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية ودمج اسرائيل فى المنطقة وتأسيس تحالفات عربية اسرائيلية برعاية امريكية ضد ايران، وتفاخر نتنياهو فى كل مناسبة بان الدول العربية اصبحت تنظر لاسرائيل كحليف وليس كعدو، وتجرأت أمريكا لأول مرة على اعلان القدس عاصمة لاسرائيل الذى لو كان قد صدر فى سنوات الثورة المصرية لإنفجر الشارع المصرى فى وجه كل ما هو امريكى.
***
· وفى ظل الثورة المضادة دنس نتنياهو التراب المصرى سرا، وقابله السيسى سرا ايضا فى العقبة بالاردن، وبدأ الترويج لأحاديث السلام الدافئ والسلام الرائع والسلام المستقر فى وجدان المصريين، وتم اخلاء المناطق الحدودية من السكان لإقامة المنطقة العازلة التى كانت تطلبها (اسرائيل) منذ سنوات طويلة وكان مبارك يرفضها على الدوام.
***
·وفى ظل الثورة المصرية تعالت الاصوات التى تطالب بتحرير مصر من القيود المفروضة عليها فى سيناء بموجب الترتيبات الامنية فى اتفاقيات كامب ديفيد، بينما فى ظل الثورة المضادة تعمق التنسيق الامنى المصرى الاسرائيلى الى درجة غير مسبوقة، بل وتم تكبيل مصر بقيد جديد سيزيد من التحديات والمخاطر التى تهدد الامن القومى المصرى، بعد التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير الاستراتيجتين للسعودية فى اطار الرعاية المصرية لعملية تطبيع سعودى اسرائيلى من بوابة الترتيبات الامنية المنصوص عليها فى المعاهدة المصرية الاسرائيلية.
***
· لقد كانت الحقوق والحريات الواسعة التى انتزعها الشعب المصرى فى ثورة يناير حائط صد منيع ضد اى اتفاقيات او صفقات او تنازلات تدور فى الكواليس، فلقد كان كل الامور تدور على الهواء رغم انف الجميع.
· وكان الحق فى التظاهر الذى انتزعته الثورة بدماء شهدائها قادرا على ارغام اى حكومة او اى سلطة او اى رئيس ان يفكر الف مرة قبل ان يتخذ قرارا يمس المصالح او الثوابت الوطنية.
***
· كان الشارع رقما مهما فى صناعة القرار المصرى، او كما صرح واشتكى القادة الصهاينة اكثر من مرة من ان اسرائيل قد اعتادت التعامل مع قصور الحكم العربية، ولكنها عاجزة عن التعامل و التواصل مع الشارع العربى.
· وفى ظل الثورة، اعلنت القيادات والكتاب ومراكز الابحاث الصهيونية عدة مرات عن خوفها الشديد من تغير الميزان الاستراتيجى ضدها، وقدمت عشرات النداءات والشكاوى "المنشورة والموثقة" للادارة الامريكية حول خطورة ما يجرى فى مصر على وجودها وامنها، اما اليوم فان نتنياهو يتفاخر فى كل مكان بأن  الدول العربية الكبرى اصبحت تنظر لاسرائيل كحليف وليس كعدو.
***
 وفى ظل الثورة المصرية بسقف حرياتها اللامتناهى انطلقت مئات الحملات الاعلامية والسياسية لتوعية الراى العام بحقيقة الكيان الصهيونى وبقيود اتفاقيات كامب ديفيد وتنازلاتها ومخاطرها، لتعيد الاعتبار للخطاب الوطنى الاصلى لمصر العربية ولثوابتها الوطنية، وتشكلت مئات اللجان والجمعيات المناصرة لفلسطين، وعقدت آلاف الفاعليات والمؤتمرات والندوات لنصرة القضية، اشهرها مليونية فلسطين التى تم تنظيمها فى ميدان التحرير فى منتصف شهر مايو من عام 2011. بينما اليوم عجزت كافة القوى الوطنية وأحزاب المعارضة عن حجز قاعة فى اى نقابة أو جهة عامة  لتنظيم ولو ندوة واحدة يتيمة لرفض القرار الأمريكى بنقل السفارة الى القدس المحتلة.
فعن أى ربيع عبرى تتحدثون !؟
*****
القاهرة فى 7 مارس 2018

19 فبراير 2018

زهير كمال يكتب: أم رامز




محمد بوعزيزي
محسن فكري
وغيرهم كثير  لا نسمع عنهم
يتكرر المشهد المؤلم نفسه في كيفية التعامل مع الفقراء في الوطن العربي من محيطه الى خليجه، هؤلاء الفقراء الشرفاء الذين يحاولون تحصيل لقمة عيشهم بعرق جبينهم وبشرف ويبذلون  كل ما يستطيعون وكل ما تتفتق عنه أذهانهم من أجل البقاء على قيد الحياة في مجتمعات لا تعرف الرحمة، مجتمعات انقلبت فيها الموازين تسودها شريعة الغاب ويأكل القوي فيها الضعيف .
دول سُنت قوانينها من أجل خدمة الأقوياء والأغنياء،  تدوس بقدمها الثقيلة فوق رؤوس الفقراء والمستضعفين ثم عندما تقوم الثورات يدهشون ويحتارون ويلومون كل شيء إلا انفسهم وما فعلت أيديهم على مر السنين . لقد بلغ الطمع فيهم أنهم لا يريدون حتى ترك الفتات للناس يقتاتون به.
صادرت البلدية عربة خضار محمد بوعزيزي ولم يجد هذا الفقير أية بارقة أمل له في هذه الحياة القاسية فأحرق نفسه فكانت الشرارة التي أشعلت الثورة في المجتمع العربي ، فأمثال الشاب بو عزيزي هم الغالبية من المحيط الى الخليج .
لقد أحسن من أطلق على ما حدث اسم الربيع العربي فهو اعتراف ضمني  بأن المجتمع العربي واحد وأن حاله واحدة . وبالطبع فإن الكثير يصبون جام غضبهم على الربيع العربي حيث ينظرون بعين واحدة الى النتائج المأساوية التي تمخضت عما حدث وينسون أو يتجاهلون السبب الحقيقي في لماذا حدث ما حدث.
تفكير المثقفين  بهذه الطريقة مريح لهم فبما أن النتيجة مأساوية إذاً فالحدث مأساوي وخاطئ وعفا الله عما سلف.
لم يتغير شيء في الوطن العربي بل زاد القهر والظلم بعد انتصار الثورة المضادة ، فجاء محسن فكري بائع الأسماك الفقير الذي أراد إنقاذ بضاعته فتبعها الى داخل جامعة القمامة فطحنته ماكنة الدولة فهو بالنسبة إليها مجرد رقم وشيء تافه سيّان إن عاش أو مات .
انطلقت انتفاضة الغلابة  مرة ثانية في الوطن العربي وفي أقصى الغرب منه ، وكان الحل بالنسبة للدولة  طرد بعض الموظفين من الوزراء بحجة التقصير في أداء عملهم وتم استبدالهم بوجوه جديدة وعفا الله عما سلف مرة ثانية .
يتم محاكمة قادة الانتفاضة الآن فقد كدروا الصفو العام والسلم الاجتماعي ولكن ترجمة ذلك الى اللغة العربية هي تكدير راحة الحاكم فقد انزعج أيما انزعاج مما حدث وعلى أجهزة الدولة إعادة الصفو والهدوء الى نفسه .
هل تعلّم شرق الوطن مما حدث في غربه ؟ ما حدث مع أم رامز في عمان يثبت أن الدول العربية لا تتعلم من أخطاء غيرها .أم رامز بائعة ساندويتشات على عربة صغيرة في أحد شوارع عمان الغربية حيث تعيش الطبقة المتوسطة والغنية ، وهي المعيل الوحيد لثمانية أطفال ومصدر رزقها عربتها اليدوية هذه.
جاء موظفوا البلدية وصادروا عربتها وبعثروا محتوياتها على الرصيف وجلست مدهوشة لا تدري ما تفعل أو تقول بعد أن ضاعت تحويشة العمر ومصدر الرزق وتواجه مستقبلاً مجهولاً .
وحتى لا نضيع الوقت لنتخيل المشاهد التالية:
المشهد الأول:  في دولة تحترم مواطنها - قد تكون مثالية بالنسبة لنا في العالم الثالث - تدفع الدولة لهذه العجوز راتباً شهرياً يكفيها هي وأولادها ، وتؤمن لهم التعليم والرعاية الصحية وتوفر عليها التعب والمشقة لتركز همها في رعاية أولادها. دول كهذه موجودة على خارطة الأرض فمواطنيها يدفعون الضرائب من أجل غاية مثل هذه، أن تحقق الدولة التكافل الاجتماعي وتضمن السلم الأهلي ، فهذه مسؤوليتها الأساسية  .
أثناء جولاته اليومية رأى عمر بن الخطاب شيخاً كبيراً يعمل وقد ظهر عليه الوهن والتعب ، لفت هذا المشهد عمر فالمفترض أن لا يعمل بعد أن خصصت الدولة راتباً لكبار السن، سأله لماذا يعمل فقال إن عليه دفع الجزية لبيت المال، سنّ عمر قانوناً جديداً بإعفاء غير المسلمين من الجزية وتخصيص راتب لهم أسوة بكبار السن من المسلمين . وقال قولته المشهورة : ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته، ثم نخذله عند الهرم.
والكلام هنا عن دولة ما زالت تتشكل ولم يكن فيها قوانين تنظم الحياة الاجتماعية.  ولكن الفقر والجوع والعجز لا تميز البشر حسب الدين أو الطائفة او العرق.

المشهد الثاني:

تدرك الدولة التي تحترم نفسها أن هناك مواطنين لا يستطيعون فتح محال تجارية ولكن يستغلون مهاراتهم الفردية وقدرتهم على العمل في الارتزاق وهم الباعة المتجولون ، تقوم الدولة بتنظيم المهنة وتراقب البضاعة خاصة إذا كانت طعاماً فمهمتها الحفاظ على صحة المواطنين ، تراقب الأسعار وتمنع الغش والتلاعب.
هؤلاء الباعة المتجولون تجدهم في كل مدن العالم الكبرى في طوكيو وباريس ونيو يورك ولندن ولم يقل أحد إنهم يشوهون وجه المدينة الحضاري وغير ذلك من الترهات ، بل على العكس فهم يلبون حاجات المواطنين الذين يبحثون عن خدمة سريعة.

المشهد الثالث:
وهو ما حدث عندنا في تونس والحسيمة وعمان على التوالي، وهو يعبر عن التخلف المريع في مفاهيم المواطنة وفي تطبيق قوانين عفا عليها الدهر بدون استيعاب لروح القانون ، دولة خلقت لتحافظ على مصالح الأغنياء وراحتهم ولا تراعي الأغلبية من الفقراء والمعوزين ، دولة ليس فيها عقل مفكر فيعدل ويحسن وينظم بعد أن يلاحظ ويدرس ويفكر فيما ينبغي عمله.   دولة غبية تتميز بالترهل،  وعدم الفاعلية هي السمة الغالبة فيها ، ليس فيها مساءلة أو محاسب ، دولة يأتي فيها الموظف ليجلس على كرسيه يقضي نهاره ويقبض راتبه آخر الشهر ، وهذا ليس ذنبه، دولة لا تعمل بل تسير بالقصور الذاتي فقط.

المشهد الرابع:
ماذا يمكن توقعه لو وصلت أم رامز الى مرحلة اليأس الكامل بعد أن فقدت مصدر رزقها وقامت بحرق نفسها مثلما فعل محمد بوعزيزي ، هل يمكن لأحد أن يتخيل رد فعل الجماهير الأردنية التي تحتاج شرارة لتشتعل وهي التي تتظاهر في كل المدن الأردنية احتجاجاً على رفع الأسعار .
في تونس لم يكن هناك احتجاجات سابقة قبل حرق محمد بوعزيزي نفسه، مصر كذلك لم تشهد احتجاجات قبل أن تسلم الشرطة جثة الشاب خالد سعيد  وعليها آثار التعذيب المروع الى ذويه .
كذلك المغرب لم يكن فيها ما يشير الى انتفاضة قبل طحن محسن فكري.  ولكن في الأردن الجالس على صفيح ساخن، كان متوقعاً أن يكون المشهد  بمنتهى العنف والدمار.
ولكن في العموم فإن تحمّل المرأة للمصاعب والشدائد أقوى من تحمل الرجل ، وإحساسها بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها يمنعها من ترف التخلص من مسؤوليتها وإنهاء حياتها.
وهذه الحكمة هي التي حمت الأردن من دمار شديد.
وصفها محمد بن عبدالله  ص قبل أربعة عشر قرناً إن المجتمع مثل السفينة المبحرة يتكافل فيها المجتمع للوصول الى بر الأمان، ولا يستطيع أحد أن يخرق السفينة فتغرق كلها.
أنظمة حكمنا بلا استثناء تقوم بخرق السفينة كل يوم بالفساد والنهب وعدم التفكير في عواقب أفعالها وبعد هذا يتساءلون لماذا تثور الشعوب.

محمد سيف الدولة يكتب :مصر تضفي البهجة على قلوب (الاسرائيليين)


Seif_eldawla@hotmail.com
قال نتنياهو اليوم *: ((أرحب بهذه الاتفاقية التاريخية التي تم الإعلان عنها للتو والتي تقضي بتصدير غاز طبيعي إسرائيلي إلى مصر. هذه الاتفاقية ستدخل المليارات إلى خزينة الدولة وستصرف هذه الأموال لاحقا على التعليم والخدمات الصحية والرفاهية لمصلحة المواطنين الإسرائيليين)).
وأضاف: ((لم يؤمن الكثيرون بمخطط الغاز وقد قمنا باعتماده لأننا علمنا بأنه سيعزز أمننا واقتصادنا وعلاقاتنا الإقليمية لكن فوق كل شيء آخر، إنه يعزز المواطنين الإسرائيليين. هذا هو يوم عيد)).
***
نشرت وكالات الانباء خبرا نقلا عن شركة «ديليك» للحفر، إن الشركاء في حقلي الغاز الطبيعي الإسرائيليين «تمار ولوثيان»، وقعوا اتفاقات مدتها 10 سنوات لتصدير غاز طبيعي بقيمة 15 مليار دولار إلى شركة دولفينوس المصرية المملوكة لمجموعة عرفة لصاحبها علاء عرفة أحد أهم مصدرى اتفاقيات الكويز.
وهو ما احتفى به نتنياهو احتفاءا كبيرا واصفا الاتفاقية بالتاريخية، ومعددا فوائدها الجمة لاسرائيل، ومعتبرا، على غرار أغنية شادية الشهيرة، أن " اسرائيل اليوم فى عيد".
***
·مصر الرسمية تستورد الغاز من العدو الصهيونى بعد اسابيع قليلة من اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لاسرائيل، كتمهيد لتصفية القضية الفلسطينية، المشهورة بصفقة القرن.
·وبعد ايام قليلة من مؤتمر حاشد وخطبة عصماء للسيسى فى افتتاح حقل "ظهر"، الذى تصور المصريين أنه سيحقق لنا الاكتفاء الذاتى ويغنينا عن استيراد الغاز
·وبعد ساعات قليلة من حُكم دولى بالزام مصر بدفع تعويضات 1.03 مليار دولار لشركة غاز الشرق المتوسط التى يمتلك رجل اعمال اسرائيلى حصة فيها، عقابا لها على الغاء تعاقدها معها.
·وبعد سويعات من خطبة نتنياهو فى مؤتمر ميونخ للأمن التى ردد فيها للمرة العاشرة، انبهاره بحميمية العلاقات مع دول عربية كبرى فى المنطقة.
· لم يكن من الممكن ان توقع مثل هذه الاتفاقيات، فى عهد ثورة يناير، التى قدمت مبارك للمحاكمة على عدة جرائم منها تصديره الغاز لاسرائيل.
·ولم يكن من الممكن أن يتم توقيع مثل هذه الاتفاقية، لولا القبضة البوليسية التى يفرضها السيسى على كل القوى الوطنية المصرية، وزجه بالاف من الشباب والثوار والمعارضين والسياسيين فى السجون، وإغلاقه التام للمجال السياسى وتأميمه الكامل لكل المنابر الاعلامية. وسيطرته على السلطة التشريعية وتأسيسه لبرلمان موالى تم تشكيله واختيار عناصره من قبل الاجهزة الأمنية، وقبل ذلك وبعده حظره لحق المصريين فى التظاهر.
·ولم يكن من الممكن ان يتم توقيعها لو ان هناك فى مصر معركة انتخابات حقيقية نزيهة، يتنافس فيها الجميع منافسة شريفة، ويتم الكشف فيها عن حقيقة توجهات وانحيازات وتحالفات المرشح الرئاسى عبد الفتاح السيسى.
· ولو لم يكن من الممكن توقيع اتفاقية مدتها عشر سنوات، لو يكن هناك ثقة اسرائيلية فى ان السيسى باقى فى منصبه 10 سنوات على الاقل لتأمين العلاقات والاتفاقيات والذى منه.
· ولم يكن من الممكن توقيعها لو أن هناك سلطة وطنية ترفض دعم اقتصاد العدو الصهيونى، وترفض الترويج لرواية نتنياهو عالميا بأن فلسطين لم تعد تمثل اهمية بالنسبة للحكام العرب وان العلاقات العربية الاسرائيلية ممتازة رغم قرار القدس ورغم المستوطنات ورغم عدم نية اسرائيل الانسحاب من اى ارض محتلة.
· ولم يكن من الممكن توقيعها لو أن هناك سلطة وطنية تدرك مخاطر تكبيل مصر بمزيد من القيود والاتفاقيات لصالح اسرائيل، فى ظل عداء شعبى للكيان الصهيونى ورفض التطبيع معه، وما يمكن أن يترتب على ذلك من توريط مصر مرة أخرى فى تعويضات مالية ضخمة فى حالة تفجير خطوط نقل الغاز كما حدث فى الشهور الاولى لثورة يناير.
·ماذا سيقول اليوم أولئك الأفاقون المضللون الذين دأبوا على وصف ثورة يناير "بالربيع العبرى"؟ هل سيخجلون ويبتلعون ألسنتهم، أم سيذهبون للاحتفال مع نتنياهو؟
*****
الهوامش
القاهرة فى 19 فبراير 2018

15 فبراير 2018

منال الكندي تكتب : مثقفو العرب بين اسطوانة الإسلام المتخلف وبلاد الكفر أوطاني

(الغرب تخلى عن الدين فتقدم .... ونحن تخلينا عن الدين فتأخرنا) محمد عبده


بقلم/ منال الكندي ــــ اليمن

أحيانا نُصاب باكتئاب شديد أو الدهشة من مُثقفينا وضيق الأفق الذي يُظهره عقولهم، وعناءهم وعجزهم عن التوصل إلى أشد الحجج إفحاما، وسرعة تصديقهم بلا نقد لأكثر القضايا قابلية للمنازعة.

فقد قرأت مقال للأديب السوري السيد محمد البوادي يتحدث عن مستقبل وطنه سوريا بعد طرد الدواعش بعنوان " نريد وطننا سوريا أن يكون مثل بلاد الكفار"، فأجابه أحد المشايخ" الناطقين باسم الله" بأن سبب تخلفنا هو الابتعاد عن الكتاب والسُنة.

فرد البوادي مهاجما" دوما ترددون كالببغاوات نفس الأسطوانة، إن سبب تخلفنا هو ابتعادنا عن الإسلام.

والحق إن كل إنسان يرى الناس بعين طبعه، فالبوادي للأسف هو نفسه يردد نفس الأسطوانة المشروخة، بأن الإسلام وشيوخه ولم يحدد من هؤلاء الشيوخ الذين نعرفهم بأنهم مجرد أبواق لعملاء وعبيد لسيدهم الأمريكي وُيطلق عليهم بشكل عام متأسلمين ويتخذون من الإسلام غطاء لخدمة مصالح السيد الرجل الأبيض ومن أمثاله من المثقفون العرب الكارهون لأنفسهم. رغم اعترافه بنهاية مقاله بأنه يؤمن بالله ورسله وكتبه ...الخ إلا أن هذا الإسلام هو سبب التخلف والحروب التي يعيشها العالم العربي، مستندا بذلك عن حقائق يرى إنها حجة على الإسلام وتخلفه. وإن بلاد الكفر وتقدمها كأمريكا وروسيا والصين وأوروبا وغيرها هو نتيجة عدم اتخاذها الإسلام كشريعة ودستور لها.

للأسف نسى أديبنا بأن صراعات المصالح بين الناس تسوى باستخدام العنف، وكل ما أبتلى به المسلمون اليوم هو بسبب صراع الدول العظمى كأمريكا والصين وروسيا وأوروبا على الشرق الأوسط وبلاد المسلمين بداية من صراعات وحروب العالم الأولى والثانية، وتقسيم دول الشرق الأوسط وصناعة إسرائيل في قلبها كالسرطان، واحتلال العالم العربي وإعطائه بعد ذلك استقلال وهمي وإرساء الحكم فيه لعملائهم.
وهم بذلك لم يحتاجوا لفتاوي بل صنعوا قوانين دولية عبر منظمتهم الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظماتهم الدولية التي بقوانينها دمرت دول وقارات وأفقرتها وصمموها لتخدم مصالحهم.
كتب مهاجما عن تخلف الإسلام وتناسى الفيلم الهوليودي الذي أنتجته أمريكا بلاد الكفار حول تدمير أبراج التجارة العالمية 11سبتمبر، ليصدروا بعده قانون عدو مجهول تحت شعار فضفاض أجوف محاربة الإرهاب الذي صنعوه في مراكز استخباراتهم، وكانت بداية هذه الصناعة لمحاربة روسيا والشيوعية وبتمويل عربي متبطر، فصنعوا القاعدة تحت شعار جهاد الكفار في أفغانستان، وتركوا الجهاد لسواد عيون أمريكا، ضد إسرائيل الإرهابية التي زرعتها بريطانيا كالسرطان في قلب الشرق الأوسط تقتل وتعتقل الشعب الفلسطيني وتشرده في العالم دون أن يردعها قانون دولي أو فتوى من فتاوي شيوخ بلاد العملاء من حكام وملوك العالم العربي خدمة لمصالح سيدهم أمريكا.
من أجل الديمقراطية ونشرها خرجت أمريكا تقود العالم الأعمى عبر قوانين دولية صماء لتدمر العراق وتقتل خيرة علماءه دون فتوى إسلامية.
يقول فرويد من بلاد الكفار ( عندما نقرأ عن المذابح الجماعية التي كانت ترتكب في الماضي( ومازالت ترتكب) فأنه يبدو أحيانا كما لو أن الدوافع المثالية كانت مجرد ذريعة للشهوات التدميرية)!!! وهذا ما تقوم به اليوم أمريكا والغرب عبر عملاءها بالوكالة تحقيق شهواتها في التدمير والسيطرة على العالم.
سأسرد ما كتبه أديبنا وأورده كحجة على كوننا مسلمون وسبب تخلفنا، حيث يقول:
_ من أراد منا تحصيل العلم يذهب إلى بلاد الكفار!! حقيقة لا غبار عليها ولكن تقدمهم الحقيقي سببه إن الثرات العلمي العربي في ظل الحضارة العربية الإسلامية الممتدة من القرن 8 الميلادي وحتى القرن 16 للميلاد، كان يتحتم على الإنسان المثقف الذي يريد الإلمام بكل جوانب علوم عصره أن يتعلم اللغة العربية.
قال المؤرخ والفيلسوف جورج سارتون في كتابه تاريخ العلم:" إن علماء الإسلام والعرب عباقرة القرون الوسطى، وتراثهم من أعظم مآثر الإنسانية ". وهذا يعني أن العرب قام بدورهم في تقدم الفكر وتطوره، ولم يكونوا مجرد ناقلين كما قال بعض المؤرخين بل إن في نقلهم روحا وحياة.
حيث من المعروف منذ القدم أن النهضة العلمية الموجودة في أوروبا هي إسهام العلماء والمفكرين العرب، ففي الوقت التي كانت فيه أوروبا تعيش ظلام الجهل والتأخر في العصور الوسطى، كانت الحضارة إلى المغرب المشرق العربي العربية الإسلامية قد بلغت أقصى ازدهارها. إن الإسلام بتعاليمه التي تحث على العلم وتأمر بالنظر والتأمل في الكون وظواهره المختلفة من أرض وكواكب واختلاف الليل والنهار وهو الباعث الحقيقي للحركة الفكرية عند العرب ورفع مستواهم.
عندما استيقظت أوروبا من نومها في مطلع العصر الحديث وحاولت الخروج من عصور التأخر والتخلف لجأت إلى الحضارة العربية واعتمدت عليها في بناء نهضتها العلمية، ونقلت عن العرب علومهم وفنونهم واستفادت منها لبناء ما نراه اليوم من تقدم علمي بها.
ولكن الدنيا دول يوم لك ويوم عليك، واليوم صارت لدول الكفار القوة والتقدم و العربي المثقف تأثر بحضارة الغرب من باب التهافت على المظهر الحضاري الذي اعتقده بأنه صحيح، وطبيعة الإنسان مقلد لحضارة الأكثر تقدما منه ومن مجتمعه، وفي ظل الصراع المستميت من قبل الدول القوية اليوم، لن تسمح للدول الفقيرة أن تتقدم إلا بما تتيحه هي وترضاه.
-يقول البوادي- من أراد أن يحافظ على أمواله يضعها ببنوك بلاد الكفار، وكأنه لا يعرف بأن من يحكم هذه البنوك هي كبريات العائلات اليهودية والبريطانية والأمريكية ولديها قوانين لتحمي اللصوص من عملاءها في العالم العربي الإسلامي!!
-من أراد الحصول على أي نوع من المعلومات يلجأ إلى مصادر معلومات بلاد الكفار، لكن يا عزيزي بما يتيحه هو ويقرر أي معلومات لابد أن نحصل عليها، وكيفية استخدامها بما يخدم مصالحه، لذلك نشرت الإدارة الأمريكية الأكاذيب حول الإرهاب وصاغت القوانين وجعلت من منظمات المجتمع الدولي الأمم المتحدة ومجلس الأمن مطية لتنفيذ مخططاتها في تدمير وجدولة الشرق الأوسط كما تراه مناسبا لمصالحها ولأمن إسرائيل، والغرب خلفها لأن مصالحه مرتبطة به، والعرب خلف أمريكا سيدهم !! حتى موقع ويليلكس الذي تكفل بنشر حقائق ومعلومات وتلقيناها وكأننا أول مرة نعرف بها، نشرها من مكاتب المخابرات الأمريكية والغربية ليساهم في نشر الفوضى التي تم صياغة نظرياته والاعتراف بها على لسان كوندا رايز وفريق البيت الأبيض. أما فتاوي الشيوخ المتأسلمين وخدام بلاط الحاكم، تم إصدارها ليخدم السيد الأمريكي... ولا علاقة للإسلام بذلك، سوى أن العرب بكل مؤسساتها صارت خاضعة للقوة المارقة أمريكا وأخواتها من دول الغرب والصراع بينهم حول المنطقة وأمن إسرائيل..
وبعد كشف تلك الأكاذيب لم يخرج المجتمع الدولي ممثلا بأعضائه ولم تخرج الشعوب لتحاكم أمريكا أو الغرب وبلاد الكفار بما فعلته من تدمير للعراق، أو على الأقل تحاسبهم على تلك الأكاذيب..
قرأت عن حوادث قتل وإرهاب يقوم بها مواطنون أمريكيون وأوروبيون في بلدانهم ومازال القتل مستمر بين قتل مرضى في مستشفيات من باب التسلية، أو قتل مواطنون آمنون بصلاتهم في كنيستهم، أو قتل مواطنون في الشوارع، ويقال بأن هذا ليس إرهاب فقط مرضى يعانون من مرض عقلي، لكن إذا كان القاتل مسلم ستنبري الأقلام وستخرج الأبواق العربية قبل الأمريكية والغربية في لصق تهمة الإرهاب عليه، ويوصم الإسلام بأنه يدعو للقتل والإرهاب !!
- يكمل البوادي مقاله بقوله، بالرغم من ملايين الهاربين من بلاد الهداية والإسلام، فلم يلجأ أحد منهم إلى أرض السعودية النبوية، أو باكستان النووية، أو أرض الخليج الثرية، أو جمهورية إيران الإسلامية، أو لأرض الكنانة المصرية، بل كلهم يهربون إلى بلاد الكفار.
أولا مسألة اللاجئين تحكمها أيضا قوانين دولية يتحكم بها منظمات المجتمع الدولي الذي صنعته الدول العظمى القوية التي يخوض العملاء في العالم العربي في السعودية، وباكستان ودول الخليج وإيران وغيرها بالوكالة عنها الصراع على المصالح! ومنظمات المجتمع الدولي لديها تمويلات ضخمة للشحاذة بهؤلاء اللاجئون.
ثانيا لم تسأل من السبب في هذه الحروب وإشعال الفتن بدءا من الحرب على العراق ومروراً بما يسمى بالثورات، ومن صنع داعش ليقوم بالمهمة تحت شعار إسلامي لضرب الإسلام بالإسلام وبتمويل دول عربية سوى برضاها أو غصبا عنها عليها أن تقوم بتنفيذ ما يأمرها سيدها..
يقول أحد قامات بلاد الكفار الصحفي والمحلل السياسي تيري ميسان، " إن الولايات المتحدة اقترحت إعادة تفعيل تنظيم داعش بعد تغييبه سابقا، لارتكاب ما لا يستطيع الجيش الأمريكي فعلا من ممارسات التطهير العرقي الذي يعتبر جريمة ضد الإنسانية، حيث أدركت أمريكا ضرورة إعداد خطة لإعداد جدولة الشرق الأوسط العام ولذلك لأمن إسرائيل أولا، ثم لإعلان بأن القدس عاصمة إسرائيل وهذا ما حصل وتم، بعد ما نشرت الفوضى التي تبنتها بعد حرب العراق! وثانيا جاري ترتيب المنطقة حسب الاستراتيجية الأمريكية والغربية.
ويؤكد ميسان أن داعش تقوم بالاستيلاء على حقول النفط، وتنقله علنا عبر شاحنات إلى تركيا ودولة أوروبية. كما أن في عام 2010 حازت أمريكا على ثقة الحكومات العربية العميلة لها وبدأت بتنسيق ما يسمى بالربيع العربي في تونس ومصر والهدف إضعاف قدرة العرب وتقسيم مناطقهم، في حين أصر العرب على عدم تصديق أن العدو الحقيقي هو أمريكا والغرب التي كانت قد وضعت خارطتها حتى تركيا والسعودية سوف تتقسم في النهاية. كما يوضح بأن داعش اليوم بدأت حربها على المدى الطويل والولايات المتحدة تحاول إنشاء خارجية لداعش لتستخدم هذه القاعدة لنشر الرعب وإخلال التوازن في العالم العربي بما فيهم حلفائها والسعودية، وبعد ذلك سيستخدمون العناصر التي صنعوها في الشرق الأوسط ضد روسيا والصين، لأن أغلب عناصر التنظيم من الشيشان وجورجيا واستحضار متأسلمون صينيون.
كذلك معظم عناصر التنظيم هم من عصابات متفرقة قدمت من أنحاء أوروبا، ليس لديهم هدف مجرد كونهم مرتزقة ضائعون، جعلت منهم مخابرات أمريكا أوراق تحركها ضد اتحادي دول البريكس وشنغهاي، فخطة الولايات المتحدة هي أن تستخدم الإرهاب ومحاربته ضدهم لإضعافهم..
سوى بإدراك العملاء من حكام وملوك أو عدم إدراكهم لهذه اللعبة، ليس أمامهم سوى المضي بها محاولين استدار العطف وكسب صداقة الرجل الأبيض الأمريكي، متناسين بأن أمريكا لديها مبدأ لا تحيد عنه ليس لدينا أصدقاء أو أعداء ولكن لدينا مصالح مشتركة ومن كان عدو الأمس قد يصبح صديق اليوم والعكس صحيح وقواعد اللعبة تفرض تحديد لاعبون جدد.
كتب البوادي في مقاله بأن سفن الهاربون من رحمة الإسلام عندما تغرق أمام شواطئ الكفار! الكفار هم الذين ينقذون المسلمون ويوفرون لهم المأوى والطعام والشراب والدواء، أما شيوخ المسلمون فأنهم يفتون بقتل المسلمون وتدمير زرعهم وقطع مياه الشرب عنهم... والطلب من الأسر الشريفة إرسال بناتها العفيفات لنكاح المجاهدون!!!!
واضح أن أديبنا غير مطلع على أوضاع الحرب وما يترب عليها، ففي الحرب تظهر أنواع جديدة من التجارة، كتجارة السلاح ، وتجارة التهريب والرق تحت مسميات إنسانية، ليس لها علاقة بالإسلام المتخلف... خاصة في بلاد الكفار.
الحروب هي أحد وسائل الشعوب العربية في تحقيق حلمهم في الهجرة لبلاد الكفار لما يعتقدونه بأنها أرض الأحلام، وهذا نتيجة لنشر الأكاذيب حول تلك البلدان وبأنها لا تحتوي على شرور وتتنفس حريات وإنسانية..
يقول فرويد" يقال لنا أن هناك ــــ مناطق سعيدة معينة من الأرض، حيث تقدم الطبيعة بوفرة كل ما يتطلبه الإنسان ـ أجناس تمضي بحياتها في هدوء، لا تعرف اندفاعاً أو عدوانية، لا أكاد أصدق هذا، ويسرني أن أسمع عن هذه الكائنات المحظوظة"!!! وهذا وهم في رأي، لأنه لا فائدة من محاولة التخلص من ميول الناس العدوانية..
فما بالك بميول حب السيطرة والتملك وشهوة امتلاك العالم والسيطرة على ثرواتها وأمن إسرائيل، تقوم به دول متقدمة ومسحلون بأدق درجات الانتباه لمصالحهم وصنع أسلحة وجراثيم تدميرية، في كل مرة يتم بيعها وتجربتها على الدول الفقيرة النامية التي هم سبب فقرها وتعاستها وكل هذا تحت شعارات الإنسانية وحقوق الإنسان..
وهذا يبدو جليا و اختبرناه بأنفسنا، حيث الديمقراطية وحقوق الإنسان شعارات جوفاء في مواجهة سلوكيات القوة الغاشمة التي اتبعتها إدارة بوش الابن ومن وراءه المجتمع الدولي إزاء كل من أفغانستان والعراق فالمثالية قد سقطت كقناع عن سياسة خارجية أمريكية وغربية لا تعدم الوسيلة للوصول إلي أهدافها حتى لو كانت غير شرعية.
فحين تتوق العائلات السورية والشباب وغيرهم من اللاجئون للوصول إلى أوروبا بحثا عن ملجأ وهربا من ويلات الحرب في بلادهم، معتقدين أن أوروبا هي الحل الأمل، وطوق النجأة والجنة التي تنتظرهم بمجرد وضع أرجلهم داخل حدود هذه البلاد .. لكن يُصدم هؤلاء بواقع مختلف عن تلك الروايات التي تتحدث عن احترام فرنسا للإنسان وحب اسبانيا للعرب وتقديس السويد للعائلات واشتياق المدن الألمانية للغرباء !!!
فلقد عانى اللاجئون في بلاد الكفار يا عزيزي الكثير بين النهب وازدهار تجارة تهريبهم التي تتم عبر منظمات دولية وبموافقة حكومات لأن الجميع يستفيد، وعانوا من الضرب والاعتقالات وسرقتهم، وأما عن خدمات المخيمات تفتقر إلى أدنى من احتياجات الإنسان فلا يوجد حمامات ولا غذاء جيد ولا أسرة وغرف كافية..
يقول أحد اللاجئين"أوروبا التي تتغنى بالدفاع عن حقوق الإنسان لم تستطع الدفاع عنا لا في بلادنا وها هم يحرمونا حقوقا وقعوا عليها الاتفاقيات في بلادهم".
ويعزو كل هذا الإهمال وعدم الاهتمام بحقوق الإنسان في بعض الدول الأوربية لتواجد عصابات عنصرية لا تريد دما غير دمائهم، كعصابات بلغاريا التي ضربت واعتدت بالقتل بدوافع عنصرية، السويد التي تتعمد وضع اللاجئون في منازل بقرى بعيدة عن المدن الرئيسية وتكاد مقطوعة، هولندا التي تتجسس سلطاتها على اتصالات اللاجئون. ولا صحة لما يشاع عن أن لا أحد ينام في الشارع في فرنسا، حيث وصلت عائلة سورية من الرقة ونامت في الشارع عدة أيام رغم البرد القارص في العاصمة باريس!!! هذا بالإضافة لمنظمات أوروبية تأخذ نسخة من أوراق اللاجئون لتشحذ بهم وترفع من رصيدها في البنوك..
يقول البوادي متهجما، السيارة التي تركبها والكمبيوتر الذي تستعمله والهاتف الذي لا يفارقك، و الدواء الذي تشربه، والطيارة، والدبابة والمدفع والبندقية والمسدس جاء من بلاد الكفار.. فعلا جاء من بلاد الكفار وكل شيئ له ثمنه، وهم المستفيدون فالحرب اليوم اقتصادية بامتياز، فما يطلق عليها بالشركات عابرة القارات هي شركات يملكها أباطرة من الحكام وساسة العالم ورجال أعمال، عبر سماسرة تحت الباطن، وهي أحد التطورات دراماتيكية، حيث تتجاوز أهميتها حدود المجال الاقتصادي إلى التأثير العميق في المجالات السياسية والاجتماعية، وبصفة خاصة في دور الحكومات في ممارستها لمسئولياتها، وفي سير العلاقات بين الدول..
فالشركات متعددة الجنسيات هذه تفرض شروطا باهظة ومجحفة على دول العالم الثالث النامية، مقابل تقديم رؤوس الأموال الأجنبية إلى هذه الدول، ولا تقوم بالاستثمار في الدول النامية إلى بشروط تحقق لها أرباحا أعلى بكثير من تلك التي تحصل عليها من الاستثمار في الدول الصناعية المتقدمة.
كما إنها فيما تقيمه من مشروعات في البلدان النامية تفرض عادة مشروعات ليست ذات أولوية عالية في التنمية، وحين تهتم هذه الشركات الدولية بالصناعة، فإنها تنتج سلعاً لا تستجيب لاحتياجات الناس، وسلعاً ليست في متناول دخولهم، وإنما تستهلكها الأقلية الغنية. فهناك أكثر من 600 شركة عابرة القارات وهي تعتبر من حيث نشاطها وطرق تنظيمها وإدارتها ذات طابع سياسي واجتماعي عميق، إذ تعتبر هذه الشركات أحد أرقى الأشكال الاستثمارية المعاصرة للرأسمالية، و لا يصدق الإنسان العادي بأن النظام العالمي فيها لا يعي خطورة تدمير بلدان جنوب العالم، ولقد أبيدت مجتمعات لصالح نهوض مجتمعات، ودمرت قارات لصالح بناء قارات، وسحقت طبقات في سبيل حياة طبقات، وضيقت احتكارات أدنى من أجل دعم احتكارات أعلى.. فهل مثقفو العرب يعون هذا أم مجرد أبواق للدعاية لبلاد الكفار وترديد الأسطوانة المشروخة بأن الإسلام وهو برئ من هذا ومجموعة عصابات متأسلمة عميلة صنعتها بلاد الكفار هي سبب في تخلفنا!!!!
ويضيف البوادي في مقاله، بأن في بلاد الكفار لا يبحثون عن فتاوي تبيح لهم قتل بعضهم لمجرد الاختلاف بالرأي أو المنهج، وشيوخنا يبيحون ذلك، وفي بلاد الكفار لا يحكم على الإنسان بالقتل إذا كان على منهج مختلف، ولا يقتل لأنه غير مذهبه أو دينه، أما شيوخنا فهذه لعبتهم، فيأمرون بهذا بل أشد. كما لا يعتقل المواطن ويُقتل لأنه عارض رئيسه أما عندنا يحصل...
وكأن مثقفونا وأدبائنا يصيبهم العمى بما يخص الوجه القبيح الآخر من بلاد الكفار رغم المعلومات التي تنشُرها مصادرهم أنفسهم حيث يرى الأحرار منهم ويشهد شاهداً منهم، أن أمريكا لا تراعي إلا مصالحها على حساب حقوق الشعوب الأخرى ومصالحها وتطلعاتها الوطنية والقومية، والغبن والظلم الذي يصيب تلك الشعوب جراء التفسيرات الأميركية الخاصة للقانون الدولي، التي تحرَّف روح القوانين والغاية منها، وتبرر ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وذلك لاستلاب حق الشعوب في الاستقلال والحرية وتقرير المصير. والوقائع التي يشهدها العالم اليوم خير برهان على هذا، فهم ليس لديهم فتاوي ولكن لديهم قوانين يتم صياغتها حسب ما يخدم مصالحهم وإن كانت على حساب أمم وتدميرها.
اعتراف كلينتون بقتل الناس في أمريكا وشهد شاهد من أهل بلاد الكفار!!!
أثناء الحملة الانتخابية للمرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون، أعلنت في مناظرة لها في جامعة نيفادا بلاس فيجاس أن هناك 33 ألف حالة وفاة سنوياً بسبب استخدام الأسلحة بطريقة عشوائية مما يعني انه يومياً يقتل أكثر من 90 أمريكيا اغلبهم على أيدي الشرطة الأمريكية حيث يجب إعطاؤها دروس في الحقوق الإنسانية”. ارتفاع غير مسبوق في السجناء السود في الولايات المتحدة، كما أشار موقع “لابروجيرسيو” الأمريكي في دراسة له إلى ارتفاع عدد السجناء السود بشكل غير مسبوق في أمريكا، ويقول الموقع الأمريكي “أن عدد السجناء السود في أمريكا أكثر من عدد السود الذين تم استعبادهم في عام 1850 وقبل الحرب الأهلية. ونذكر صمت المجتمع الدولي على المذابح التي قام بها الجيش الأمريكي وتحالفه الغربي في العراق وسجونه، وما أفرزه بعد ذلك من سجون سرية وغير سرية كغوانتانامو وأساليب التعذيب وهتك الكرامة..
ولن ننسى كيف تم صياغة قانون بريطاني وعبر قنوات دولية لإعطاء إسرائيل بلد ليس من حقها لتحتله وتهتك عرضه وتشرد شعبه وتقتله بكل وحشية وتنشر الإرهاب، دون رادع قانوني يمنعها واليوم على مرأي ومسامع العالم الأصم تم إعلان القدس مصلى الرسول عليه الصلاة والسلام عاصمة لإسرائيل، هكذا بجرة قلم، أما هذه يا عزيزي لا تعتبرها فتوى قانونية أعطت بلدا كاملا لعصابة صهيونية، أم لأنها ليست إسلامية ولم تصدر من شيخ متأسلم عميل لبلاط عملاء السيد الأمريكي.. فأعتبرها قيمة إنسانية التي يتصدق بها علينا بلاد الكفار!!!!
يضيف في دفاعه البوادي عن بلاد الكفار لا يتخفى الكاذب والمسئ واللص وراء لحية ومسبحته الطويلة، أما عندنا فما أكثرهم!!
للأسف أخبرك بأن في بلاد الكفار يكذبون ويسرقون وينهبون دولا وقارات وبجرة قلم يعطون بلد لعصاباتهم، ويتعاملون كما يقال في المثل العربي" عاهرة وعلى عينك يا تاجر".. دمر بوش العراق ودمروا العالم العربي بثوراتهم الملونة ، حيث لعبت أمريكا بمنظماتها وسفاراتها ودول الغرب عبر سفاراتهم في مرافقة وتدريب وتأطير وتمويل أبرز النشطاء السياسيين، من أجل إشعال فتيل الاحتجاجات في الشارع العربي للتخلص من عملاء قدماء عاف عليهم الزمن، وليأتوا بعملاء جدد قادرين على خدمة أسيادهم في بلاد الكفار وخدمة مصالحهم، والنتائج بدأت تتثمر، أبرزها إعلان القدس عاصمة لإسرائيل.... وصاغوا القوانين الدولية، وتحت شعارات جوفاء لنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان دمروا الدول وأدخلوها في حروب وتشريد لشعوبها، وأشعلوا فيها عبر عملائهم من ساسة وملوك وأحزاب دينية أو مدنية أو قومية أو من تتبنى فكر غربي ومنظمات مجتمع مدني نيران الحروب الأهلية خدمة لمصالح الغرب وأمريكا وأمن إسرائيل، وإعادة جدولة الشرق الأوسط وتتبيث استراتيجيتها في الشرق الأوسط وأهمها:
الحفاظ على مكانتها في المنطقة كقوى عظمى .
- تأمين مصادر الطاقة والمحافظة على (النفط.(
- ضمان علاقاتها الاقتصادية .
- تأمين ديمومة بيع الأسلحة .
- ضمان امن وسلامة دولة إسرائيل .
- الحفاظ على تحالفاتها في المنطقة وخاصة مع دول الخليج .
- محاربة امتلاك السلاح النووي .
- قطع الطريق أمام أي قوة منافسة إيجاد نفوذ لها في المنطقة حتى وان اضطرت لتحقيق ذلك اللجوء إلى الحل العسكري.
يقول أحد الكتاب" إن القرن الثامن عشر كان فرنسيا، والقرن التاسع عشر كان إنجليزيا، والعشرين أمريكيا، والقادم سيكون كذلك" .
لا نتحدث من باب نظرية المؤامرة لكن حقائق ومعلومات لا يمكن لبصير التعامي عنها وتجاهلها، أمريكا ومن خلفها العالم الغربي عملت برامج واستراتيجيات منذ بدايات القرن في غسل أدمغة الشعوب العربية وتفريخ منها مجموعات وتنظيمات تخدم المصالح تحت شعارات دينية لضرب الإسلام بالإسلام، وتفريخ شباب عربي خاصة المستخدم للإنترنت وعبر منظمات المجتمع المدني المحلي الحامل لأفكار المدنية وحقوق الإنسان الجوفاء لنشر الفوضى في المنطقة، ليسهل ترتيب المنطقة بما يخدم مصالح أمريكا والغرب وأمن إسرائيل سياسيا واقتصاديا وعسكريا...
يقول شيخ التنوير محمد عبده، حيث يقول" كل ما يُعاب على المسلمين ليس من الإسلام، وإنما هو شيئ آخر سموه إسلاماً"ـ ويقول" نعم إن المسلمين أصبحوا وراء الأمم كلها في العلم، حتى سقطوا في جاهلية أشد جهلا من الجاهلية الأولى، فجهلوا الأرض التي هم عليها، وضعفوا عن استخراج منافعها، فجاء الأجنبي يتخطفها من بين أيديهم وهم ينظرون، وكاتبهم قائم على صراطه يصيح بهم".
ولمثقفينا العرب القامات يا من تعول عليهم أحياء الإسلام و الفكر النير وفهم الحقيقة ونشرها والدفاع عن الحق وليس مجرد أبواق ومعاول للهدم... " أكبر بدعة عرضت على نفوس المسلمين هي بدعة اليأس من أنفسهم ومن دينهم، وظنهم أن فساد العامة لا دواء له، وإن ما نزل بهم من ضر لا كاشف له، وأنه لا يمر عليهم يوم إلا والثاني شر منه، مرض سرى في أنفسهم وعلة تمكنت من قلوبهم، لتركهم المقطوع به من كتاب ربهم وسنة نبيهم، وتعلقهم بما لا يصح من الأخبار أو خطئهم في فهم ما صح منها، وتلك علة من أشد العلل فتكاً بالأرواح والعقول وكفى في شناعتها قول جل شأنه( لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" الإسلام بين العلم والمدنية محمد عبده

المصادر:
ــ موقع موسوعة معلومات.
كتاب أربيسك أمريكية/ الدور الأمريكي في الثورات العربية ـ دراسة تأليف الأكاديمي الكندي من أصل جزائري ـ أحمد بن سعادة.
موقع wiki مساق
موقع Orient netl
موقع Alukah net
موقع MSS

08 فبراير 2018

محمد سيف الدولة يكتب: انتحار ابراهيم عيسى

Seif_eldawla@hotmail.com
حين يتهم ابراهيم عيسى فى برنامجه الجديد، حوش عيسى، على قناة وثيقة الصلة بالأجهزة الأمنية.. حين يتهم عمليات المقاومة الفلسطينية عامة بالعنف والارهاب ويشبهها بداعش، ويصف عملية ميونيخ 1972 على وجه الخصوص بالعملية الارهابية ويصف من نفذوها بالارهابيين(1)، وحين يحتفى الصهاينة به وبما قاله، ويستدلوا به على صحة اتهاماتهم للمقاومة الفلسطينية بانها ارهابا (2)، فاننا نكون للأسف الشديد بصدد عملية "انتحار وطنى" فى وضح النهار.
***
لم أشارك من قبل فى تحليل ظاهرة "عيسى"، بكل توافقاته أو مشاغباته مع السلطة، وبكل انتقاداته لها أو تغزله فيها، التى كانت تنتهى دائما بالعودة الى أحضانها واللعب على ارضها وفقا لقواعدها، فى وقت فرضت فيه الحظر والحصار الشديدين على آلاف من الكتاب والصحفيين والاعلاميين والسياسيين الذين رفضوا التفاوض معها أو التنازل لها.
كما أن ظاهرة "المثقف برخصة" معتمدة من الأنظمة والسلطات توهبها أو تسحبها أو تجددها متى شاءت، هى ظاهرة منتشرة وكثيفة، لا وقت عندنا لمتابعتها والتعليق عليها، وان كان ابراهيم عيسى واحقاقا للحق، يتميز عن الكثير منهم بقدر أكبر من الثقافة والشطارة.
                                                                     ***
ولكن حين تمتد "شطارته" الى  تزييف وتشويه تاريخ و عمليات وحركات المقاومة للعدو الصهيونى، فان هذا يستوجب وقفة نذكره فيها بالثوابت والحقوق الوطنية، وبالحدود الفاصلة بين معسكرى الأصدقاء والأعداء:
1) ان المشروع الصهيونى هو أكبر مشروع ارهابى شاهده العالم فى العصر الحديث، يمثل العنف والارهاب ركنا اصيلا فى عقيدته وليس مجرد وسيلة. وهو ما يعلمه أى طفل فلسطينى وعربى يعيش بيننا، بدءا بمذابحه التى لم تنقطع فى فلسطين منذ عام 1948و حتى يومنا هذا، ومرورا باعتداءاته ومذابحه على مصر نفسها، ليس فى 1956 و1967 فحسب، بل فى غزة 1955 ومدرسة بحر البقر ومصنع أبو زعبل وقتله للاسرى المصريين واسقاطه لطائرة سلوى حجازى، والقائمة تطول.
2) اضافة بالطبع الى عمليات القتل والاغتيال التى يقوم بها ضد القيادات الفلسطينية وانصار المقاومة فى أى مكان خارج الارض المحتلة ليس أولها اغتيال أبو جهاد فى تونس عام 1988، وليس آخرها اغتيال المهندس محمد الزواوى فى تونس ايضا عام 2016.
3) ناهيك عن اغتيال علماء الذرة المصريين والعرب على امتداد ما يزيد عن نصف قرن.
4) كما أن الصهاينة يشنون كل يوم غارات واعتداءات على من يرون فيهم تهديدا لأمنهم القومى، ضربوا المفاعل النووى فى العراق وضربوا مصانع فى السودان، ولا يزالوا يضربون سوريا كل يوم.
5)كما أنه فيما يتعلق  بالكيان الصهيونى على وجه التحديد، الذى له طبيعة غير مسبوقة من حيث هو استعمار استيطانى "احلالى"، لا مجال للحديث عن صهاينة ابرياء، او صهاينة مدنيين او صهاينة رياضيين، فكل صهيونى يعيش فى الارض المحتلة اغتصب مكان ومنزل وهواء ومضمار للركض كان يمتلكهم مواطن فلسطينى.
6) كما اننا حين نفرض حظرا على اللاجئين الفلسطينيين المطرودين من ارضهم، فى القيام بعمليات ضد (اسرائيل) خارج فلسطين، فاننا انما نحمى ونكافئ الصهاينة على تشريد اصحاب الارض الحقيقيين ونؤمنهم من العقاب ودفع الثمن.
7)   كما ان فى ذلك اعفاء لملايين اللاجئين الفلسطينيين من مسئولية وحتمية المشاركة فى معارك المقاومة والتحرير.
8) كما أن العدو الأصلى هو الحركة الصهيونية العالمية، التى تأسست قبل (اسرائيل) بنصف قرن وقامت بتأسيسها، ولا تزال تحشد لها الدعم والداعمين على مستوى العالم، فهى وشبكاتها ومراكزها وقياداتها واعضائها أهداف مشروعة للمقاومة والمقاومين ولو كانت تقع خارج الأرض المحتلة، وفى الادعاء بغير ذلك مطالبة بتأمين وحماية مصادر القوة الرئيسية الداعمة لدولة الاحتلال.
9)كما أن فى وصف المقاومة بالعنف والارهاب، انحياز الى ذات الادعاءات الصهيونية والامريكية، وترديد لذات خطابها الذى تطالب فيه برأس المقاومة الفلسطينية وبنزع سلاحها، توحد بينها وبين داعش كما ادعيت أنت فى برنامجك تماما.
10) ان ألف باء الصراع العربى الصهيونى، هو اننا نواجه مشروعا استعماريا كبيرا بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وقاعدتها العسكرية الاستراتيجة الرخيصة المسماة بـ (اسرائيل) ، والذي يستهدفون فيه تجريد العرب من السلاح ومن القوة والحفاظ على التفوق العسكرى لاسرائيل، وامدادها بسيول من الأموال والسلاح لنجاح مشروعهم، ويشنون علينا اليوم حملة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية فيما يعرف بصفقة القرن، فتأتى أنت لتشارك فى حملاتهم لإدانة المقاومة والعنف، وتجردنا أنت الآخر من الحق فى المقاومة وحمل السلاح، بدلا من أن تطالب بتوسيع دائرة المواجهة لتشمل (اسرائيل) ومن يقف وراء (اسرائيل).
***
وأخيرا أعتذر للقراء الأعزاء عن اضطرارى لتكرار مجموعة من البديهيات التى يعلمونها ويحفظونها عن ظهر قلب هم وأبناؤهم.
*****
الهوامش
القاهرة فى 8 فبراير 2018

06 فبراير 2018

سيد أمين يكتب: اهدار اللغة العربية.. جزء متقدم من الحرب على الإسلام


الثلاثاء 6 فبراير 2018 17:00
 مما لا شك فيه أننا كعرب ومسلمين نتعرض لحرب ثقافية ضروس تستهدف ضمن أهم ما تستهدف محو هويتنا الثقافية، التي من أهم ركائزها ذلك المزيج الفكري والقيمي المتين والمتجانس الناتج عن انصهار الأعراف العربية الحميدة مع قداسة الإسلام بعد تهذيبه لها لتناسب تلك القداسة، وهو المزيج الذي مكن العرب من أن يقهروا بالإسلام كل قوى الاستكبار في زمانهم، وأن تنصاع الدنيا لصوتهم رغم ما كان فيهم من ضعف وشتات وتشرذم.
ولقد كانت اللغة العربية واحدة من أهم أدوات تلك الثقافة نظرا لكونها أهم أدوات التعبير عن الحضارة بين قوم لا يمتازون عن العالمين إلا ببلاغة لغتهم، خاصة أنها هي من حازت دون لغات الأرض على شرف احتكار التعبير بنص القرآن الحكيم لتعجز فصاحته فصحائهم، وتؤخذ عليهم آية.
الاستعمار واللغة العربية
لهذا كان هدم اللغة العربية واحدا من أهم أهداف الاستعمار بدليل أن المستعمرين جميعا قصدوا أول ما قصدوا في استعمارهم لشعوبنا العربية سحق تلك اللغة التي هى منبع قوتنا وايماننا واستبدالها بلغاتهم القومية ، فراحت فرنسا تفرض الفرنسية في مستعمراتها وكانت المطبعة أهم اسلحتها وكذلك فعل الإيطاليون والإسبان ، وكذلك الإنجليز الذين عينوا قسا اسكتلنديا متطرفا يدعي دوغلاس دانلوب وزيرا للتعليم في مصر ليصدر قانونا سمى باسمه يسعي فيه لسحق اللغة العربية في هذا البلد وجعل الإنجليزية لغة التعليم الوطنية الأولى فيه لولا قيام فدائي باستهداف موكب رئيس وزرائه غالي باشا عام 1910 ما عطل المشروع التغريبي تماما،  الذي ساهم في تعطيله أيضا جهل الكثير من المصريين بالقراءة والكتابة أساسا بسبب انصرافهم عن التعليم نظرا لتفشي الفقر.
خطورة اللهجة الدارجة
لقد أدرك أعداء الامة أن الاسلام هو مصدر قوة أمتنا وأن خطورته تكمن في أنه دين مجتمعي يقوي بتحالف قوى المجتمع، وأن فصاحة العربية هي فقط القادرة على التعبير عن مدلولاته المقدسة، وبالتالي كان لابد من هدمها في عقول وقلوب وألسنة ناطقيها.
وكانت اللهجة العامية هى أولى الطعنات وأخطرها التي تلقاها قلب هذه اللغة والتي يعتقد أنها تكونت عربيا كرواسب لتمدد وترامي الأراضي والثقافات التي طالتها الفتوحات الإسلامية، كما أنها تكونت مصريا جراء تعدد لغات المستعمرين الذين تناوبوا استعمار مصر.
ورغم أن استخدام هذه اللهجة بدت مكروهة من الجميع ويجلب استخدامها لصاحبه العار إلا أن يدا غريبة امتدت سرا على ما يبدو للإعلاء من شأن تلك اللهجة وتنصيبها لغة للمجتمع ككل وبدلا من أن تعيش حالة عداء للثقافة والفنون والأدب، صارت هى اللغة المستخدمة فيهما بدعوى البساطة.
الغريب أن تلك اللهجة الدارجة صارت بمفرداتها المبتذلة بعيدة كل البعد عن اللغة العربية كما لو كانت لغة أخرى بديلة لها حتى إنه مع إدامة استخدامها اجتماعيا صارت العربية الفصحى هى اللهجة المستغربة في المجتمع.
تدمير النشء
ولما كان من المفترض أن البلاد تحررت من الاستعمار وهو من كان يفرض لغته علينا قسرا قبل منتصف القرن الفائت، تغير الحال فصرنا نتعلمها وبإسراف أكبر ولكن تحت دعاوى من قبيل أن من تعلم لغة قوم أمن مكرهم وأن مواكبتهم والاستفادة من علومهم واجبة، وما الي ذلك، إلا أنه رغم ذلك ما استفدنا من علومهم ولا أمنا مكرهم ولا حتى تعلمنا لغتهم أو حافظنا على لغتنا.
ولقد لعب الفن والإعلام المصري، وهو إعلام وفن موجه في الغالب، دورا كبيرا في جعل رجال اللغة العربية مثالا للسخرية وإظهارهم في صورة المغفلين التافهين الرجعيين، كما أظهر شخصيات من يتحدثون بلغات غير العربية الأكثر وعيا وعولمة وحداثة من أولئك المتشبثين بالعربية.
 ولا يفوتنا الحديث عن أن هناك كتاب تفرغوا تماما لهدم اللغة العربية وقام أحدهم بكتابة كتاب يتهم فيه تلك اللغة بأنها لقيطة.
ولأن الحرب على اللغة العربية هى في الاصل جزء متطور ومتقدم من الحرب على الإسلام، فقد تحول التعليم الأزهري إلى نموذج واضح ومخيف للتسرب من التعليم ومفرزة واسعة لإنتاج المتعلمين الأميين الذين حتى لا يجيدون القراءة والكتابة.
ورغم كل تلك المخاطر إلا أن الأخطر تمثل في تعليم النشء اللغة الإنجليزية حتى قبل أن يتعلموا لغتهم القومية، ونتج عن ذلك الوضع الكارثي أن أصبح الطفل لا يجيد أبسط بديهيات اللغة العربية، بل وكثيرا ما يتم كتابة الكلمات العربية بالحروف اللاتينية على طريقة مستحدثة خبيثة أسمها "الفرانكو أراب"، فضلا عن تداول الألفاظ والمصطلحات الأجنبية في كثير من تعاملات حياة الشباب اليومية وذلك على سبيل الوجاهة" والروشنة" وبالطبع المؤامرة ليست بعيدة.
لغة مقدسة
وليكن معلوما أن اللغة العربية تحمل في معتقد غالبية الشعب الدينية درجة من القداسة بوصفها لغةالقرآن الوحيدة، وهناك عديد من الأحاديث المتداولة والتي لا نعرف مدى صحتها عن الرسول الكريم كقوله "تعلموا العربية وعلموها الناس فإنها لسان الله الناطق" و"أحبوا العرب لثلاث.. لأنني عربي والقران عربي وكلام أهل الجنة عربي" وقوله "حينما خلق الله الخلق اختار العرب ومن العرب اختار بني هاشم ومن بني هاشم اختارني.. فأنا خيار من خيار"
كما روى عن الرسول الكريم أنه سأل ذات مرة الصحابي سلمان الفارسي: أخاف أن تكرهني يا سلمان؟ فأجابه سلمان: كيف أكرهك وأنت رسول الله. فأجابه الرسول الكريم: أن تكره العرب فتكرهني.
لقد بات واضحا الآن أن الحرب على اللغة العربية هي في الأصل جزء متقدم من الحرب على الإسلام.

اقرأ المقال الجزيرة مباشرهنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا