04 مارس 2015

حكم اعتبار حركة حماس إرهابية رؤية قانونية

الدكتور/ السيد مصطفى أبو الخير
فى 28 فبراير الماضى أصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة حكما باعتبار حركة حماس حركة إرهابية هذا الحكم منعدم قانونا لمخالفته للمبادئ العامة والقواعد الآمرة فى القانون الدولى العام والقانون الدولى الإنسانى والقانون الدولى لحقوق الإنسان كما أنه يعد جريمة ضد الإنسانية وسوف نبين ذلك فى البنود التالية:
ليس من اختصاص محكمة الأمور المستعجلة النظر أو الفصل فى مثل هذه القضايا لأن محاكم الأمور المستعجلة تختص بالنظر فى خطر حال يستحيل تداركه بعد التنفيذ فأين هذا فى حالة حركة حماس. ومحاكم الأمور المستعجلة تحكم بظاهر الأوراق ولا تنظر إلى الموضوع وهذا يتنافى مع اعتبار حركة حماس حركة إرهابية لأن ذلك يحتاج إلى تحقيق جنائى وأدلة ومستندات تؤكد على أرتكاب هذه الحركة أو أفراد تابعين لها بجرائم إرهابية ضد مصر أو في مصر وهذا الأمر لم يثبته تحقيق قضائى نزيه ومستقل وهذا غير موجودفى هذه الدعوى. 
والغريب أن المحكمة أوردت فى حيثيات حكمها أنه ثبت يقينا أرتكاب حماس لعمليات إرهابية داخل مصر، ما هى المستندات التى قدمها المدعى تثبت ذلك علما بأن هذه المستندات لا تملكها إلا الجهات السيادية فى مصر؟ وهل كانت هذه المستندات تحت بصر المحكمة مما جعل اليقين قد أستقر ضمير وعقل المحكمة؟ ومن أين وكيف حصل المدعى على هذه المستندات الخطيرة التى تمس أمن الدولة القومى الخارجى والداخلى؟ هل قدمتها الأجهزة السيادية التى تملك مثل هذه المستندات الخطيرة؟ وإذا كانت هذه الأجهزة السيادية تملك تلك المستندات الخطيرة لماذا لم تقم هى بتقديمها للنائب العام للتحقيق فيها والتحقق والثبت من صحتها ثم يقوم النائب العام بتحريك الدعوى الجنائية طبقا لقانون الإجراءات الجنائية المصرى؟.
كما أن المحكمة أستندت فى حيثيات حكمها باعتبار حركة حماس إرهابية أنها هى التى قتلت عدد (25) جندى فى سيناء وهذا لم تصرح به الجهات المسئولة وخاصة القوات المسلحة المصرية وحتى تاريخه لم يصدر إعلان رسمى من مؤسسات الدولة فى مصر بمسئولية حماس عن قتل هؤلاء الجنود فضلا عن أن الرئيس الشرعى لمصر الاستاذ الدكتور محمد مرسى صرح أمام محكمة الجنايات أن من قتل هؤلاء الجنود هى المخابرات الحربية بل صرح أيضا بأن من قتل ثوار ثورة 25 يناير هى المخابرات ولكنه رفض التصريح بذلك احتراما للمؤسسة العسكرية وكرامتها أمام الشعب المصرى.
كما أستندت المحكمة فى حيثيات حكمها باعتبار حماس إرهابية أنها تعتبر الذراع والجناح العسكرى لحركة الأخوان المسلمين الإرهابية، علما بأن لم يثبت حتى الآن – على الأقل- ما يعتبر جماعة الأخوان المسلمين إرهابية فقد رفضت دول بريطانيا منها الولايات المجرمة الأمريكية وبريطانيا ودول عربية أيضا منها الكويت اعتبار جماعة الأخوان حركة إرهابية لم ينعت جماعة الأخوان باإرهاب إلا الدول التى مولت الإنقلاب على الشرعية فى مصر وهما السعودية والإمارات، كما أن وصف جماعة الإخوان بالإرهاب صدر عن محكمة غير مختصة وقد نفى ذلك روؤساء وزراء مصر سابقين عن جماعة الأخوان المسلمين. 
هذا الحكم يعد مخالفة لكافة دساتير مصر وأخرها دستور عام 2012م الذى نص فى المادة(154) منه على اعتبار الاتفاقيات الدولية قانون وطنى حال التصديق عليها وأيضا نص المادة (151) من دستورعام 1971م وهناك من الاتفاقيات الدولية الكثير يعتبر حركة حماس حركة تحرر وطنى وأهمها اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبروتوكولين الإضافيين لهم لعام 1977م. ويؤكد على أن حركة حماس حركة تحرر وطنى إعتراف الكيان الصهيونى لها بهذه الصفة من خلال عقد هدنة معها وعقد اتفاقيات تبادل أسرى.
وتنطبق على حركة حماس الشروط الواجب توافرها فى حركات التحرر الوطنى فى القانون الدولى الإنسانى وهى أن يكون لها قيادة موحدة وزى موحد وتلتزم بقواعد القانون الدولى الإنسانى وقواعد القانون الدولى أثناء ممارستها لحقها فى الدفاع الشرعى ضد العدو، طبقا للمادة الأولى من البرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف المعقودة في 12 آب/أغسطس 1949م والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية الذى اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام من قبل المؤتمر الدبلوماسي لتأكيد القانون الدولي الإنساني المنطبق علي المنازعات المسلحة وتطويره وذلك بتاريخ 8 حزيران/يونيه 1977م تاريخ بدء النفاذ: 7 كانون الأول/ديسمبر 1978، وفقا لأحكام المادة 95 منه التى نصت على (1- تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم وأن تفرض احترام هذا اللحق "البروتوكول" في جميع الأحوال. 2- يظل المدنيون والمقاتلون في الحالات التي لا ينص عليها هذا اللحق "البروتوكول" أو أي اتفاق دولي آخر، تحت حماية وسلطان مبادئ القانون الدولي كما استقر بها العرف ومبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام. 3- ينطبق هذا اللحق "البروتوكول" الذي يكمل اتفاقيات جنيف لحماية ضحايا الحرب الموقعة بتاريخ 12 آب/أغسطس 1949 علي الأوضاع التي نصت عليها المادة الثانية المشتركة فيما بين هذه الاتفاقيات. 4 - تتضمن الأوضاع المشار إليها في الفقرة السابقة، المنازعات المسلحة التي تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية. وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير، كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقا لميثاق الأمم المتحدة.) وهذا ما ألتزمت به حركة حماس أثناء ممارستها لحق الدفاع الشرعى فى كافة حروبها ضد الكيان الصهيونى.
خاصة وأن اتفاقيات جنيف الأربعة لعام1949م والبروتوكولين الإضافيين لهم لعام 1977م تعتبر قطاع غزة أرض محتلة وأكدت ذلك فتوى الجدار العازل الصادرة عن محكمة العدل الدولية عام 2005م التى أعتبرت الكيان الصهيونى خارج قرار التقسيم 181 الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة قوة احتلال.
وقد طالب القانون الدولى الدول بالامتناع عن مساعدة الدولة المعتدية وهى هنا الكيان الصهيونى وهذا الحكم يعتبر مساعدة لهذا الكيان الغاصب المحتل لفلسطين.وألزم الدول أيضا بالامتناع عن الاعتراف بالتوسع الاقليمي وهذا الحكم يعتبر إقرار من سلطات الإنقلاب بتوسع الكيان الصهيونى على حساب فلسطين المحتلة أرضا وشعبا. وعلى الدول ايضا واجب التقيد بالقانون الدولي الذى يفرض على الدول ضرورة مساعدة حركات التحرر الوطنى حتى بالسلاح ولا يعد ذلك تدخلا فى الشئون الداخلية للدول وأيضا ألزم القانون الدولى الدول بواجب احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومن هذه الحقوق الأساسية حق الدفاع عن النفس الذى كفله كافة مواثيق المنظمات الدولية الإقليمية والعالمية وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة فى المادة (51) منه، كما نص عليه أيضا كافة الإعلانات والاتفاقيات والمواثيق العالمية والإقليمية لحقوق الإنسان وعلى رأسها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان لعام 1948م. 
وهذا الحكم يخالف إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصيلة الذى اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61/295، المؤرخ في 13 أيلول/سبتمبر 2007م، وحق الشعب الفلسطينى فى الدفاع عن نفسه بتشكيل حركات تحرر من الحقوق الأصيلة لهذا الشعب وكافة شعوب العالم، وهذا الحكم يصادر حق الشعب الفلسطينى فى الدفاع عن نفسه وأرضه، علما بأن حق الدفاع الشرعى من الحقوق الطبيعية للدول التى لا يمكن التنازل عنها، ومثل هذه الحقوق لا يملك القانون الدولى والقضاء حيالها إلا تنظيمها وتسهيل الحصول عليها ولا يجوز تقيدها أو الأنتقاص منها، يقع أى قرار أو حكم من محكمة أو قانون يمنع أو ينتقص من هذه الحقوق الأصيلة والطبيعية منعدما قانونا، أى يعتبر فعل مادى لا يرتب عليه القانون والقضاء الدوليين أى آثار قانونية ويقف عند حد الفعل المادى المنعدم.
كما يخالف هذا الحكم إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة اعتمد ونشر علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (1514د-15) المؤرخ في 14 كانون الأول/ديسمبر 1960م، لأنه يصادر حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، وهذا الحق منصوص عليه فى ميثاق الأمم المتحدة فى المادة الثانية والمادة (55) منه، وهو من الحقوق الأصيلة للدول التى لا يمكن التنازل عنها أو الانتقاص منها.
هذا الحكم يخالف المبادئ ألأساسية الخاصة بأستقلال السلطة القضائية، التى اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في ميلانو من 26 آب/أغسطس إلى 6 أيلول/ديسمبر 1985، كما اعتمدت ونشرت علي الملأ بموجب قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 40/32 المؤرخ في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1985 40/146 المؤرخ في 13 كانون الأول/ديسمبر 1985م، لأنه يؤكد على عدم أستقلال القضاء فى مصر منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011م حتى الآن. ويخالف هذا الحكم الإعلان العالمى بشأن حق الشعوب فى السلم ، الذى اعتمد ونشر علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 39/11 المؤرخ في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 1984م. لأنه يحرم ويجرم على الشعب الفلسطينى حقه فى السلم ودفع العدوان عن نفسه.
وهناك العديد من الوثائق الدولية التى يخالفها هذا الحكم منها:
- المبادئ والأعمال المعتمدة بشأن المساعدة والحماية في إطار العمل الإنساني
الواردة بالقرار رقم (4) الصادر عن المؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر (3 -7 ) كانون الأول/ديسمبر 1995، جنيف. وتطبيقا لهذا الحكم سوف تمتنع مصر عن المساعدة الإنسانية لقطاع غزة المحاصر بل سوف يتم تشديد الحصار الذى يشكل جريمة ضد الإنسانية. 
القرار رقم (5) الصادر عن المؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر، 3-7 كانون الأول/ديسمبر 1995، جنيف بشأن دعم القدرة الوطنية على تقديم المساعدة فى الشئون الإنسانية والإنمائية وحماية المستضعفين، وقد أستغلت مصر ذلك وأغلقت معبر رفح فى وجه العديد من قوافل المساعدات الإنسانية الذهابة لغزة.
3 – الإعلان الختامى للمؤتمر الدولى لحماية ضحايا الحرب الصادر فى 30 أغسطس- الأول من سبتمبر عام 1993م بجنيف. لأنه بناء على هذا الحكم لن تقدم مصر المساعدات الإنسانية لقطاع غزة المحاصر وسوف تغلق معبر رفح وتنمع مرور المساعدات الإنسانية عن الشعب الفلسطينى فى غزة وهو تفعله مصر حاليا.
4 – اجتماع فريق الخبراء الدولى الحكومى المعنى بحماية ضحايا الحرب الصادر فى 23 – 27 يناير عام 1995م جنيف. يترتب على هذا الحكم عدم تقديم الحماية لضحايا الحروب والغارات التى يشنها العدو الصهيونى على الشعب الفلسطينى داخل فلسطين ومنها منع تقديم السماعدات ومنع علاج المصابين فى المستشفيات المصرية وغلق معبر رفح.
5 – قرار احترام القانون الدولى الإنسانى ومساندة العمل الإنسانى فى المنازعات المسلحة الذى اتخذ دون تصويت من قبل المؤتمر البرلماني الدولي التسعون، 13 إلي 18 أيلول/سبتمبر 1993، كانبيرا، استراليا.
6 – قرار لمجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية في دورته العادية الستون، 6 إلي 11 حزيران/يونيو 1994، تونس بشأن احترام القانون الدولى الإنسانى ومساندة العمل الإنسانى فى المنازعات المسلحة. خاصة وأن الحصار المفروض على غزة هو بمثابة إعلان الحرب على غزة وغعلاق المعبر جزء من تلك الحرب. 
7 – قرار للجمعية العامة لمنظمة الدول الأمريكية، الدورة العادية الرابعة والعشرون، اللجنة الأولي، المسائل القانونية والسياسية، 6 حزيران/يونيه 1994، بليم جو بارا، البرازيل بشأن احترام القانون الدولى الإنسانى. وبهذا الحكم تكون مصر قد خالفت وأنتهكت قواعد القانون الدولى الإنسانى ولم تحترم تلك القواعد.
8- نتائج وتوصيات الندوة الإقليمية بشأن التدابير الوطنية لتطبيق القانون الدولى الإنسانى، سان خوزيه، كوستاريكا فى الفترة من 18 حتى21 يونيه. وهذا الحكم يعد عائقا ومانعا من تطبيق قواعد القانون الدولى الإنسانى على الشعب الفلسطينى.
9 – إعلان بشأن زيادة فعالية مبدأ الأمتناع عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها فى العلاقات الدولية، الذى اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ فى 18 ديسمبر عام 1987م. هذا الحكم يساعد العدو الصهيونى فى عدوانه المسلح على قطاع غزة ويشرعن للعدوان باعتبار حركة حماس حركة إرهابية وليست حركة تحرر وطنى ضد الاحتلال الصهيونى، وذلك مفادة وجوب قتال وحرب تلك الحركة.
10 - الإعلان الصادر عن" الجمعية العامة للأمم المتحدة" رقم 375 (4) لعام 1949 بشأن حقوق الدول وواجباتها وهو يتألف من /14/ مادة تتضمن أربعة حقوق وعشرة واجبات وواجبات الدول تتمثل فى عدم التدخل، عدم إثارة الحروب الأهلية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وعدم تهديد السلم ، وتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية، وعدم اللجوء إلى الحرب، وعدم مساعدة الدول المعتدية، وعدم الاعتراف بالاحتلال الحربي، وتنفيذ المعاهدات، والتقيد بالقانون الدولي. نظرة فاحصة للآثار القانونية المترتبة على هذا الحكم يتبين أنه مخالفة جسيمة لهذا الإعلان. لأن هذا الحكم يعد مساعدة للعدوان الصهيونى على الشعب الفلسطينى فى غزة.
كما أن تنفيذ هذا الحكم يعد مخالفة جسيمة لقواعد وأحكام مبادئ القانون الدولى لحقوق الإنسان الواردة فى اتفاقيات واعلانات ومواثيق حقوق الإنسان العالمية منها والإقليمية لأن ذلك سوف يؤثر تأثيرا كبيرا على حالة حقوق الإنسان فى غزة ويزيد من معاناة الشعب الفلسطينى فى غزة ويحد من ممارسة حقوقه الطبيعية والأصيلة التى يوفرها القانون الدولى لحقوق الإنسان لكافة شعوب الأرض.
إضافة إلى ما سبق فأن هذا الحكم يكرس الحصار المفروض على قطاع غزة الذى يشكل جريمة ضد الإنسانية طبقا للمادة السابعة من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية كما أن من توابع هذا الحكم إحكام الحصار الظالم على الشعب الفلسطينى فى غزة.
ترتيبا على ما سبق، يعتبر هذا الحكم منعدما قانونا لمخالفته المبادئ العامة والقواعد الآمرة فى القانون الدولى العام والقانون الدولى لحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنسانى، لذلك فأنه يعد عمل مادى لا يترتب عليه أى آثار قانونية ويقف عند حده، كما أن مخالفة تلك القواعد الآمرة والمبادئ العامة لا يجوز حتى الأتفاق على مخالفتها من قبل الدول ولا حتى المنظمات الدولية الإقليمية منها والعالمية.

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: ماذا يدبرون لغزة؟

لا افهم مبررات التصعيد الرسمى المصرى ضد المقاومة الفلسطينية فى هذا التوقيت، وأخشى أن يكون مقدمة لأشياء سيئة.
***
فى البداية لم نتوقف كثيرا، أمام حكم محكمة الامور المستعجلة الصادر فى 31 يناير الماضى والقاضى باعتبار كتائب القسام منظمة ارهابية، واعتبرناه حكم عابر فى دعوى فردية لا تعبر الا عن صاحبها، سيتم نقضه وتصحيحه فى درجات التقاضى الاعلى، خاصة وقد صدر عن غير اختصاص، وبالتزامن مع دعاوى مماثلة منظورة ضد حركات مدنية مصرية لا تنتمى الى التيار الاسلامى، ولا يمكن اتهامها بالعنف او بالإرهاب مثل 6 ابريل.
كما اننا لم نتوقع مزيد من التصعيد ضد غزة، الذى بلغ ذروته فى الشهور الماضية، بعد ان تم اتخاذ حزمة من المواقف والاجراءات غير المسبوقة حتى فى عصر مبارك، بدءا باغلاق المعبر فوق الارض رغم هدم الانفاق تحت الارض، وتنفيذ المطلب الاسرائيلى القديم بعمل منطقة عازلة مصرية على حدود غزة، ناهيك عن الانحياز الى اسرائيل فى عدوانها الاخير، وتعليق شرط اعادة الاعمار على شرط نزع سلاح غزة، وفقا للموقف الرسمى المصرى فى مؤتمر الاعمار الذى انعقد فى القاهرة. وفى عديد من مواقفها الأخرى.
وهى المواقف التى اعتبرناها بمثابة عربون صداقة من السيسى الى اسرائيل، كمدخل وبوابة لنيل الرضا والقبول والاعتراف الامريكى والدولى به وبنظامه الجديد.
ولم نتوقع ان يتمادى النظام المصرى فى مزيد من الاجراءات، بعد ان نال بالفعل ما يريده، فلقد تصدت اسرائيل جنبا الى جنب مع اللوبى الصهيونى فى امريكا بقيادة منظمة الايباك والجمهوريين فى الكونجرس، للدفاع عن السيسى ونظامه، والضغط على ادارة اوباما للافراج عن باقى المساعدات العسكرية الامريكية. كما انطلقت الصحف العبرية بكتابها ومفكريها وقادة اسرائيل فى الدفاع عنه.
لم نظنه سيتمادى اكثر من ذلك، خاصة بعد ان تصاعدت مؤخرا بعض الاصوات فى اسرائيل تحذر من خطر المبالغة المصرية فى التضييق على غزة، والتى قد تؤدى الى انفجار الموقف فى غزة فى وجه اسرائيل وليس وجه مصر.
***
ولكننا فوجئنا بالحكم الثانى الصادر من محكمة القاهرة للامور المستعجلة يوم السبت الماضى 28 فبراير2015، ليشكل مع الحكم السابق سوابق لم تحدث من قبل فى تاريخ المحاكم المصرية أو العربية منذ بدايةالمشروع الصهيونى، فى تماهى كامل مع مواقف وادعاءات وحملات العدو الصهيونى ضد المقاومةالفلسطينية.
· وهو حكم متناقض مع تاريخ قضاء مجلس الدولة الذى اصدر حكم رفض تصدير الغاز لاسرائيل.
· وهو حكم متناقض أيضا مع الثوابت الوطنية المصرية والعربية، التى لا تزال تعتبر ان اسرائيل هى العدو الرئيس لمصر وللأمة العربية،وهو حكم معكوس، يصدر ضد أهلنا وإخوتنا فى فلسطين. وكان الأولى أن يصدر ضد اسرائيل واحتلالها ومذابحها وارهابها.
· هذا بالإضافة الى كونه حكم متجاوز حدود الاختصاص، من منظور الاستعجال أو السيادة.
***
لتنضم هذه الاحكام الى ما شهدته الاسابيع الماضية، بدون مناسبة، من حملة اعلامية جديدة ضد المقاومة فى غزة على "الحدود الشرقية"، بعد لحظات من جريمة ذبح المصريين فى ليبيا على"الحدود الغربية.
ان هذه الحملة وهذا التصعيد لا يبشران بخير، خاصة وان الاهداف من وراءهما فى هذا التوقيت غير مفهومة :
· فهل هو تمهيد لعدوان اسرائيلى جديد على غزة؟ وهو ما نراه مستبعدا بسبب قرب الانتخابات الاسرائيلية التى لا تحتمل مغامرات عسكرية جديدة غير مضمونة النتائج. وبسبب رغبة الولايات المتحدة فى تركيز جهود كل حلفائها على حملتها فى العراق وسوريا.
· أو ربما عدوان اسرائيلي محدود، بغطاء مصرى، يسعى لاسترداد اسرائيل السيطرة على الشريط الحدودى مع مصر داخل غزة، ليتوائم مع المنطقة العازلة السيساوية فى سيناء.
· ام انه كما يخشى البعض تمهيد لدور عسكرى مصرى ما فى غزة؟ أراه منافيا لكل حسابات العقل والمنطق، ناهيك على انه صادم ومعادى لكل القواعد والثوابت والسوابق الوطنية والتاريخية.
· ام انه بمثابة مزيد من رسائل الطمأنة والتحفيز للكونجرس الامريكى وهو بصدد مناقشة المساعدات الامريكية المجمدة لمصر؟
· ام انه تمهيد لأحكام قاسية فى قضية التخابر مع حماس المتهم فيها محمد مرسى؟
·ام انه مجرد استمرار للحملة الحكومية الهادفة الى اخافة الناس من المؤامرات الخارجية، لتبرير قبضتها البوليسية واجراءاتها الاستثنائية؟
· ام انه امر يرتبط بكواليس التنسيق الامنى المصرى الاسرائيلى عالى المستوى، الذى لا نعلم عنه شيئا؟
· أم انها لا تعدو ان تكون ضغوطا اضافية على حماس لاجبارها على تسليم ادارة غزة لابومازن؟
· ام انها تغطية لانسحاب مصر من دورها المنتظر فى رعاية المصالحة الفلسطينية، واعادة اعمار القطاع؟
· أم أن انها خليط من كل ذلك ؟
***
الله أعلم، ولكن اياً كانت الدوافع والأهداف، فان كل شئ سيتكشف فى الاسابيع القادمة.
وربنا يستر
*****
موضوعات مرتبطة :

25 فبراير 2015

المدونة تتوقف مؤقتا عن النشر لحين عودة الحد الادنى من مناخ الحريات

تعتزم المدونة التوقف عن نشر الاخبار والموضوعات الصحفية .. وستواصل فقط نشر مقالات الرأى الخاصة بكاتبها .. وذلك تجنبا منها لاثارة المشكلات الناجمة عن بيئة غير آمنة وغير عاقلة وغير وطنية وغير مؤمنة بحرية النشر والرأى والتعبير. يتعرض فيها اصحاب الاقلام لابشع انواع الترويع والتضييق النفسي والامنى والاقتصادى والسياسي والجسدى.
وتتعهد بمواصلة النشر متى تحسنت البيئة العامة في مصر وعودة الحد الادنى من مناخ الحريات.. وخاصة بعد اصدار قانون "الكيانات الارهابية" الذى ممكن بمقتضاة الزج بجميع من لا يرضى عنهم النظام في السجون.. وهو القانون الذى يعد الاكثر ارهابا وفاشية في تاريخ البشرية حيث يمكن من خلاله اعتبار كل كائن حى كائن ارهابي.
المدونة تعد قرائها بالعودة سريعا بعد تحسن المناخ السياسي العام خاصة ان الاجواء الان لم تعد تتسع لحملة الاقلام
وتحب المدونة ان تلفت نظر متابعيها الكرام ان حدة التربص بالمدون والمدونة بلغت حدودا قصوى ابتدت من محاولات الايذاء البدنى لشخص المدون واسرته انتهاء بقيام محامون تابعون لاجهزة الامن بتحرير بلاغات كيدية ضدنا وهو ما يدل على عمق الفضح الذى تسببه لهم اخبارها.. وكان قد سبق ذلك اصدار النائب العام قرارا بمنعى من السفر قبل ان تقوم اجهزة الامن بالايعاز الى صاحب جريدة الاسبوع لفصلى من عملى تعسفيا بل وقيام القاضى باحالة القضية التى رفعتها بخصوص ذلك الى ثلاجة الخبير وذلك في جلسة النطق بالحكم في الحكم الاستئنافي.. فضلا عن قيام الاجهزة بشطب اسمى من صحفيتين لندنيتين امعانا في الايذاء وهما "صباح الثورة" و"الوطنى الحر" بوصفى مشاغبا على حد زعمهم.. لكونى رفضت الخنوع في حظيرة السيسي وحاشيته.
ونسيت ان انبه قبيل وقف نشر الاخبار الى ان نشر مقالات كاتبها لا زالت مستمرة.
وان المحرر ليس ارهابيا ولا محرضا ولا خائنا  ولا غاويا لللشهرة كما نشرت عدة مواقع ولكن السيسي ونظامه هو كل هؤلاء
كما اننى على يقين بأن ثورتنا الحرة الابية ستنتصر وقريبا جدا.

ردا على هجوم mbc والموجز والنهار ضدى في فضيحة الرجل الذى مات مرتين كجندى ومرة كقبطى

تحت عنوان "المصريون يردون على «الكذبة الأغبى» حول أحد «المذبوحين» في ليبيا" نشرت عدة صحف ومواقع فضائيات منها mbc net  والموجز  والنهار ونهار وليل  واقباط مصر وغيرها خبرا بنص واحد وعنوان واحد قالت فيه :
هز فيديو إعدام المصريين ذبحا على يد التنظيم الإرهابي "داعش" في ليبيا ردود فعل غاضبة ليست على المستوى العربي فحسب، ولكن على المستوى العالمي أيضا.
وعلى الرغم من كثرة التحليلات للفيديو الذي تم تصويره بتقنية عالية، (!!) والتي تجزم بأن الفيديو حقيقي(!!!!)، ظهرت آراء أخرى تشكك في حقيقة الفيديو من الأساس، ولكن ادعاء وصفه المصريون بـ"الكذبة الأغبى" حول أحد المذبوحين، هو أكثر ما أثار غضبهم.
وعلى نطاق واسع تم الترويج لرأي كتبه أحد الصحفيين ويدعى سيد أمين على مدونته وعنونه بـ"شغلته يعمل ميت ..أنيس ناصر سعد النبي.. مات مرتين كمجند ومرة كقبطى".
 ويدعي أمين أن أنيس ناصر سعد النبي -21 عاما- من المنوفية، هو نفسه الشخص الذي ظهر في فيديو إعدام الأقباط في ليبيا، مشيرا إلى أن هذه المعلومة حصل عليها من إحدى صفحات فيس بوك.
وقال أمين: "الاسم هو لشخص مسلم ومن المنوفية وتم نشر اسمه ضمن شهداء حادث رفح 2013. واخدين بالكم.. يعني ولا مسيحي ولا من المنيا.. كده احنا اتأكدنا أن الـ21 مسيحي لم يقتلوا".
ويبدو أن هذا الادعاء جاء على هوى البعض، لذلك قاموا بنشره بكثافة شديدة على "فيس بوك" ليقابله هجوم آخر من نشطاء رأوا أن الكلام غير منطقيا ووصفه بأنه "الكذبة الأغبى"، وعددوا ثلاثة أسباب وهي:
1- اسم الذي ذُبح في ليبيا عصام بدر وليس أنيس ناصر سعد عبد النبي.
2- صفحات الـ"فيس بوك" ليست مصدرا للمعلومات خاصة فيما يتعلق بمثل هذه الأحداث.
3- كون الضحية مسيحيا أو مسلما، من المنوفية أو من الصعيد، لا يقلل من جريمة الذبح.
ووصف النشطاء سيد أمين بالـ"مستفز"، وقالوا إنه يبحث عن الشهرة بأي ثمن، حتى وإن كان التقليل من شأن حادث إجرامي هز العالم كله."
الى هنا انتهى الخبر الذى اشد ما يلفت الانتباه فيه انه كتب حرفيا دون زيادة او نقصان في كل المصادر.
ان المحرر اختلق كلاما على لسانى لم اقله لتبرير هجومه على شخصي وان اسلوب كتابة الخبر يوكد انه خبر كتبه شخص واحد وانه تم نقله حرفيا.
ولقد ارسلت الى هذه المواقع الرد التالى متمنيا منهم نشره وهو ما لم يحدث وما لن استطيع طلبه بالقانون لكونه معطل.
السلام عليكم ورحمة الله
تحية طيبة وبعد
فوجئت بقيام موقعكم بنشر تقرير تناقلته وسائل اعلام كثيرة حول خبر نشرته في مدونتى بعنوان" شغلته يعمل ميت.. مات مرتين كجندى.. ومرة كقبطى" وقلتم اننى انا من ادعيت ذلك واننى شخص اخترع اغبي كذبة واننى ساع للشهرة وبأى ثمن واتهامات كثيرة.
هنا رابط الخبر الذى نشر
واعمالا لحق الرد اود الاشارة للاتى:
1- ان المدونة وكاتب الخبر يتقدمان باحر التعازى لاسر شهداء مصر في هذا الحادث وغيرها من الحوادث التى تضرب مصر ليل نهار منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 ونحن نستنكرهذا الحادث وكل الحوادث التى سبقته سواء ضد الجنود او الاقباط او المتظاهرين والمعتصمين بذات القدر والمستوى.
2- وان المدون الصحفي لم يكتب الخبر ولكن نقل جرءا منه من صفحة  "الجبهة الشعبية- مسار"علي الفيس بوك وهو ما نشرته عدة صفحات اخري .. وقلت في الخبر ذاته اننى في محاولة لتوثيق مصادر هذا الخبر قمت بالبحث عن اسم "أنيس ناصر سعد النبي" والذى اوردت صفحة الفيس بوك انه هو ذاته احد الاقباط الذين ظهروا في الصورة .. واثناء محاولة المدونة" توثيق تلك الواقعة عثرت على معلومات اخري اكثر غرابة تؤكد ان نفس الشخص ظهر اسمه ضمن عدة قوائم للشهداء من الجنود وفى فترات زمنية متفاوتة حيث ظهر اسمه في حادث رفح ونشرت الاهرام اسمه بتاريخ 19 اغسطس 2013 في احد الحوادث الارهابية ثم نشرت اسمه "الدستور" بتاريخ الإثنين 17/فبراير/2014 كشهيد في حادث ارهابي جديد.
ولم تكتب المدونة حرفا غير ما جاء في المصادر الثلاثة للاخبار وهى الاهرام والدستور والجبهة الشعبية مسار على الفيس بوك.
3 - ان الرد تطرق الى شخصي وليس الى ما جاء في الخبر والبراهين الثابته فيه
4- وحاول التقرير ان يوحى بان الموضوع مستقي من الفيس بوك والسؤال هل مواقع الاهرام وهى اكبر صحيفة قومية  في البلاد تعد صفحة لا قيمة لها وانها شغل "فيس بوك" .. وكذا الامر ينطبق على جريدة الدستور.
5- وما وجه الشماتة في مثل هذا الموضوع ..فهل البحث عن الحقيقة والتفكير وطرح التساؤلات جريمة , علما بان التقرير حاول اعطاء ايحاء اننى انا من اشكك وليس الروابط والمواقع والصفحات هى من قالت بذلك لو ضاهينا بياناتها.
6- التقرير انتقل دون الى الهجوم على شخصي الضعيف والبسيط والمتواضع بدون سبب ما يلفت الانتباه الى ان المقصود من التقرير التعريض بي  بدليل انه اختلق كلاما لم اقله.. كقول التقرير"وقال أمين .. الاسم هو لشخص مسلم ومن المنوفية وتم نشر اسمه ضمن شهداء حادث رفح 2013. واخدين بالكم.. يعني ولا مسيحي ولا من المنيا.. كده احنا اتأكدنا أن الـ21 مسيحي لم يقتلوا".وهذا مجافي للحقيقة لكون تلك الفقرة تم اقتصاصها من صفحة الجبهة الشعبية مسار والتى نقلته عنها عشرات المواقع الاخري وليس كلامى.
7- التقرير لجأ الى سبي وقذفي بوصف ذلك مطلبا مصريا ما يشير الى مؤامرة تدبر ضدى.
8- ان المدونة اعتادت ان تنشر اسفل كل خبر انه من حق كل متضرر مما تنشره ان يرد عليها وان المدونة ملتزمة بالتوضيح والرد فورا متى وصلتها الردود.
لذلك يرجى نشر التصويب لديكم لمسح الصورة الذهنية التى ترسبت في ذهن من قرأ الخبر طرفكم باننى شامت في دماء المصريين على خلاف الحقيقة
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
سيد أمين
كاتب صحفي عربي مصري

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: مذبحة ليبيا فى زمن الظلم والشك والاستقطاب

Seif_eldawla@hotmail.com
الموقف الفطرى الانسانى:
كان افضل تكريم لأرواح شهدائنا فى ليبيا، هو الامتناع عن اى تحليل او كلام فى السياسة، على الاقل فى الايام الاولى، فلقد كانت لحظات للصدمة والذهول و الصمت والاستيعاب والترحم والحزن والغضب.
لم ارَ فى حياتى جريمة ابشع ولا احط من جريمة هؤلاء المجرمين المتوحشين الذين ذبحوا اهالينا فى ليبيا.
ان هؤلاء الذين ارتكبوا هذه المذبحة، لا يمكن أن يكونوا ثوارا أو ليبيين أو عربا أو مسلمين أو آدميين.
من يقتل الناس فهو مجرم، ومن يقتل أهلنا فهو عدو مجرم، ومن يقتلهم لدينهم فهو عدو مجرم طائفى وصهيونى. ومن يبرر القتل بأى ذريعة فهو شريك فى الجريمة، ومن يخفف من وحشيتها فهو عنصرى، ومن يوظف الحدث سياسيا فهو انتهازى أو منافق.
لماذا تقتل الناس؟
ولماذا تقتل المصريين؟
ولماذا الاقباط؟
ولماذا تقتلهم وهم عمال مدنيون جاؤوا الى ليبيا وراء الرزق ولقمة العيش؟
ولم يأتوا معتدين أو مقاتلين أو طامعين
وليسوا جزءا من اى طائفة ليبية تقاتلونها فى صراعكم على السلطة والنفوذ
وليسوا جزءا من نظام ليبي تعادونه ويعاديكم
او من النظام المصرى الذى تكرهونه
وليسوا عملاء للأمريكان والغرب واسرائيل
انهم مواطنون عرب فقراء عاديون، عاندتهم ظروفهم فى اقطارهم ، فسافروا بحثا عن القوت.
ولماذا تقتلهم وهم رهائن لديكم، لا حول لهم ولا قوة؟
ولماذا تقتلهم وهم عُزَّل مكبلون
ولماذا تقتلهم ذبحاً ؟
ولماذا تقتلهم على الهواء امام الكاميرات؟
وما كل هذا الهراء فى بياناتكم قبل وبعد المجزرة؟
لستم سوى جماعة بربرية صهيونية مجرمة،
ولو كان ‫‏عمر المختار حيا، لبصق عليكم.
***
كان هذا هو رد الفعل الفطرى الطبيعى المتوقع فى أى مجتمع سوى، ولكن فى حالتنا فانه، وللاسف، لم يستمر الحزن على شهدائنا فى ليبيا سوى بضعة ساعات قليلة، قبل ان تجرفنا صراعاتنا واستقطاباتنا الداخلية الى قضايا وملفات اخرى بعيدا عن مأساة الجريمة والضحايا والأهالى :
1) الاستقطاب والتوظيف السياسى:
حاول اعلام النظام توظيف المذبحة للانتصار للرواية الرسمية الكلاسيكية، بان الاسلاميين كلهم ارهابيين واشرار، لا فرق فى ذلك بين داعش والاخوان. للدفاع عن شرعيته أمام المجتمع الدولى. وان الدولة فى خطر، وان على الجميع ان يدعمها ويدعم السيسى وأن يقف وراءه بلا تحفظ او تعقيب. وان اى معارضة له هى خيانة وتهديد للأمن القومى. مع الاشادة بالضربة الجوية المصرية وكأنها نصر أكتوبر جديد، مما ذكرنا بأسطورة الضربة الجوية الاولى لحسنى مبارك.
أما رافضو النظام ومعارضوه، فسرعان ما ركزوا على دور النظام فى هذه الجريمة، من اول افقار الناس ودفعهم للهجرة بحثا عن الرزق، وتعريض حياتهم للخطر بانحيازته السياسية عموما، وفى ليبياعلى وجه الخصوص، وفى تجاهله واهماله الحفاظ على حياة الضحايا منذ علم باختطافهم، وفى التذرع بالجريمة لدعم حلفائه فى ليبيا وفى قتله لعدد من المدنيين فى غارته الجوية، والتحذير من خطورة الثأر الارهابى المحتمل، على حياة وسلامة باقى العمالة المصرية هناك. ناهيك عن التحذير الدائم من أن استبداد الأنظمة العربية هو الصانع الحقيقى للارهاب فى المنطقة.
وتحت وطأة تبارى الجميع فى التوظيف السياسى الفورى للمذبحة، توقف الحديث تماما عن الشهداء.
***
2) الظلم:
أما اهالى شهداء الاعتصامات والمظاهرات فى مصر، فتساءلوا فى عتاب وحزن، لماذا لم ينَل قتل المتظاهرين فى رابعة ونهضة وسيارة ترحيلات ابو زعبل، ذات الاهتمام والغضب والتركيز الذى نالته جريمة قتل اقباط المنيا فى ليبيا ؟ ولماذا تفرقون بين القتلة والقتلى فى مصر وبين امثالهم فى ليبيا؟
***
3) الشك :
ذهب البعض الى ان الفيديو مزيف، وان ما شاهدناه هو مشهد سينمائى تمثيلى، وانه لا يمكن التيقن من وقوع جريمة القتل أصلا أو وقوعها بهذه الوحشية، وطالبوا بالتروى فى الغضب والحماس والإدانة ورد الفعل.
وذهب آخرون الى ان وراءها اجهزة استخبارية عالمية لتوريط مصر فى ليبيا،
وذهب الخيال بالبعض من ناحية أخرى الى انها عملية مخابراتية حفترية لتبرير التدخل المصرى فى ليبيا،
وحكايات وتحليلات أخرى كثيرة، تعكس حالة الشك العميق التى تضرب المجتمع بسبب حجم الاكاذيب التى نسمعها كل يوم.
ولكن كل هذه الشكوك على ضعف وتهافت بعضها، لا تفيد شيئا ما لم تقدم دلائل على ما تدعيه. و اياً كانت الجهات المنفذة ودوافعها ومخططاتها وحقيقة جريمتها، فانه لا يخفف من وقع هذه الجريمة البربرية.
وبمعنى آخر، اننا ندين الجريمة ايا كان مرتكبها، وندين القاتل ونعاديه كائنا من كان، أما من فعلها ولماذا فهذا موضوع آخر يأتى فى المرتبة الثانية.
***
4) الأمن القومى والكرامة الوطنية :
لا يمكن لأى دولة فى العالم، أياً كانت طبيعة نظامها، وسواء كان من الاخيار او من الاشرار، وحتى لو كان متهما بقتله الآلاف فى المظاهرات والمباريات الرياضية، ان يصمت امام الاعتداء على المصريين فى ليبيا والفرافرة وسيناء، فلابد ان يرد بقوة، دفاعا عن دولته ونظامه وحفاظا على شرعيته امام انصاره ومواطنيه. هكذا فعل وهكذا سيفعل اى نظام آخر فى مصر او فى العالم.
نستطيع ان نناقش ونختلف فى الاستراتيجيات والتحالفات والتوقيتات والضمانات والحسابات وفى الضمائر والنوايا والمصداقيات، ولكن ليس فى الحق فى رد العدوان او فى الثأر منه. مع الاعتراف بأننا جميعا تنقصنا المعلومات والحقائق الكاملة التى تؤهلنا لتكوين لرأى قاطع فيما حدث.
***
5) الطائفية:
اخترقت حالة الحزن والغضب العامة، بعض الاصوات الشاذة القليلة التى حاولت على استحياء التلميح الى حركة التبشير المسيحى فى ليبيا. وهو ما لم تدعيه بيانات داعش نفسها.
او محاولات أخرى تشير الى موقف قيادات الكنيسة الداعم لقتل المتظاهرين فى رابعة والنهضة، ومباركتها لاجتثاث التيار الاسلامى. متجاهلين ان كل مؤسسات الدولة العميقة اشتركت فى هذا الموقف، وكان الازهر قبل الكنيسة فى ذلك. ثم ما علاقة الشهداء بالمواقف السياسية لقادة كنيستهم. وكيف نأخذهم بجريرتها؟
وهناك آراء أخرى تعاطفت مع الضحايا ولكنها تحفظت على توصيفهم بالشهداء، وكأن الشهادة والاستشهاد تقتصر على المسلمين فقط !!
وكان من المشاهد الملفتة فى ذات السياق، هو تقديم كبار رجال الدولة العزاء للكنيسة وليس لأهالى الشهداء، وكأن هويتهم المسيحية تأتى قبل الهوية المصرية، رغم ان اجراء مماثل لا يتم مع الازهر حين يسقط لنا شهداء من المصريين المسلمين.
***
6) التحالفات والصراعات الاقليمة :
أيد البرلمان الليبى الضربة الجوية، بينما رفضها المؤتمر الوطنى الذى أدان الاعتداء على السيادة الليبية وقتل المدنيين، وشكك فى صحة فيديو المذبحة. وله فى ذلك ألف حق ولكن بشروط، أهمها أن يتحمل مسؤولية الحفاظ على حياة المصريين هناك. وان يدين ما سبق من استدعاء الناتو للتدخل فى ليبيا من قبل. وان ينهى حالة انقسام السيادة فى ليبيا.
ثم أخطأت مصر بسعيها الى تدويل القضية، وما أدراك ما هو التدويل، حين طالبت مجلس الامن بتدخل عسكرى دولى لصالح بنى غازى، ورفع الحظر عن تسليحها، بينما تمسكت طرابلس وحلفاؤها فى الخارج بالحل السياسى الدولى أيضا، وما تبع ذلك من ادانة قطرية للضربات الجوية.
وبسرعة البرق، خفضت الجزيرة من تركيزها على ضحايا المذبحة الـ 21 ، وانتقلت للتركيز على المدنيين الليبيين السبعة، وهو ما لم تفعله أبدا مع الضربات الجوية الامريكية المماثلة، ثم جاء رد الفعل المصرى بادانة قطر، ثم بيان مجلس التعاون الخليجى للدفاع عنها، وترحيب البعض من المعارضة المصرية به، رغم ان من يقاوم التبعية والاستبداد فى مصر، لا يمكن ان يقف فى كفة واحدة مع دول الخليج فى اى موقف، وهم منبع التبعية والاستبداد فى الوطن العربى.
وتحتدم الاشتباكات السياسية والاعلامية، لتنزوى تماما المأساة الرئيسة لشهداء المذبحة.
***
7) التحالف الدولى فى مواجهة داعش :
لا صوت يعلو فوق صوت التحالف الدولى لمكافحة الارهاب. والظاهر أن المشاركة ليست خيارا حرا، بل يبدو انها مشاركة بالاكراه، ووراءها قوة اقناع فولاذية.
هكذا يبدو المشهد من اول شارلى ابدو، واعدام الصحفيين اليابانيين، وحرق الكساسبة، ومذبحة ليبيا وعملية درنة، وقتل اربعة من الحرس الوطنى التونسى.
ان رسائل داعش الدموية، لغز كبير فى اهدافها وغاياتها، فهى تبدو وكانها تحرض العالم عن قصد ضده نفسها. وكأنها توجه دعوة الى الجميع ان تعالوا الى منطقتنا لتقاتلونا و تقتلونا. تعالوا الى العراق وسوريا وليبيا ومصر،ولا تترددوا فنحن نستحق القتل لاننا اشرار وخطرين جدا جدا !!
والله أعلم.
***
وفى الختام وعلى سبيل المثال وكمحاولة للفهم والتحليل، فان اى مقارنة بين رد فعل المجتمع الفرنسى وبيننا فى مواجهة مثل هذه الاعتداءات الارهابية، يكشف حجم المأساة والاضطراب التى يعيشها مجتمعنا اليوم بسبب القهر والاستبداد، وهى حالة لم يعد يحتملها أحد، ولم يعد بالإمكان الاستمرار فيها.
*****

السيسي وليبيا: أسطورة البطل والوحش!

بقلم : أحمد بن راشد بن سعيّد 
طائرات مصرية تقصف «أهدافاً» في مدينة درنة الليبية يتحصن فيها «إرهابيو» داعش. عنوان يتصدر صحيفة أو قناة إخبارية. قد تجد عنواناً مختلفاً للحدث نفسه: «طائرات السيسي تعتدي على مدينة درنة الليبية فتقتل عدداً من الأطفال». هذا هو ما يُعرف في التناول الإخباري بالتأطير (framing)، وهو عملية بلاغية يستطيع من خلالها المحرر أن يولّد روايات مختلفة عن حدث واحد، اعتماداً على «الرؤية الكونية» التي ينظر منها إلى الحدث. اللغة منظمة إرهابية كما يقول محررا كتاب «اللغة الرديف»، جون كولنز وروس غلوفر، والسياسة، في جوهرها، لعبة كلمات، والحملات العسكرية تبررها الدعاية قبل خوضها من خلال شيطنة العدو ونزع الأنسنة عنه، ثم تدافع عن «أخلاقيتها» و «نجاعتها» أثناء خوضها عبر مزاعم النيل من العدو وإضعاف قدراته، فضلاً عن مزاعم أخرى كتجنيب المدنيين آلة القتل أو «تخفيضها إلى أدنى حد ممكن»، وبعد أن تضع الحرب أوزارها تستمر الدعاية مرددة أن الحملة حققت أهدافها بأقل قدر من الخسائر.
الدعاية تجعل الأطفال الذين قتلتهم طائرات الجيش المصري في درنة مجرد «أهداف»، وهو التعبير الشائع الذي ساقته منظمات إخبارية كبيرة كوكالة الأنباء الفرنسية والأسيوشيتد برس ورويترز. مصطلح»أهداف» (targets)، وشريكه «مواقع» (positions) ينزع الإنسانية عن الضحية، ويحولها إلى حجر شطرنج بعيداً عن مشاهد الدم والأشلاء. إنه بديل سهل ومريح ينأى به القادة العسكريون عن العنف المحض، أو يحاولون من خلاله صرف الأبصار عنه. هؤلاء القادة يشاهدون ساحة المعركة عن بعد، ويحلو لهم أن يسمّوها: «مسرح عمليات»، ولذا ليس بمستغرب أن يجنحوا إلى التجريد (abstraction) في خطاب الحرب لاسيما إذا كان القصف الجوي هو وسيلة الهجوم. مصطلح «الأهداف» يساعد كلاً من المتحدث والجمهور على رؤية الحرب بصورة تجريدية تختزل الإنسان في مواقع جغرافية أو مجرد أرقام.
تخفي كلمة «أهداف» وراءها تفاصيل مروّعة لا يُراد لها أن تظهر. ويجري عادة التفريق بين «الأهداف» العسكرية و «الأهداف» المدنية، ما يوفر الغطاء لجرائم واسعة النطاق ضد عسكريين وكأن دماءهم حلال، وكأنهم ليسوا بشراً. ثم إن القول بأن تدمير «الأهداف» العسكرية لا يؤذي المدنيين ليس سوى أسطورة، إذ يلقى، في كثير من الأحيان، غير مقاتلين حتفهم في حالات قصف مقاتلين. وحتى «الأهداف» المدنية قد تصبح بفعل الدعاية «عسكرية» ومن ثم «أهدافاً مشروعة» (legitimate targets). في الحروب الأميركية والصهيونية، تصبح المستشفيات والمدارس والمساجد ومحطات التلفزيون والماء والكهرباء، كلها أو بعضها، «أهدافاً»، والحجج مألوفة: استخدام العدو لها، أو التترس فيها، أو الاستعانة بها، أو إطلاق النار منها، ولا يعدم المعتدي ذريعة لضرب تلك «الأهداف» لاسيما أن سياق ما يُسمى»العمليات» العسكرية يستهجن الاستقصاء، ويخوّن المساءلة، ويضغط بقوة في اتجاه الصمت بحجة «الأمن القومي»، و «دعم أولادنا في الجبهة»، وبهذا، تتوارى كل الشكوك والاعتراضات حتى تضع الحرب أوزارها؛ حينئذ فقط يمكن فتح «تحقيق» أو «مجلس استماع» قد يلقي اللوم على مسؤول هنا أو هناك، الأمر الذي يوحي بديموقراطية المحارب، ويساعد على «لملمة» أخطائه-وهو أسلوب دعائي يُعرف بـ «السيطرة على الضرر» (damage control).
يشير فيلِب نيسر، أحد المشاركين في كتاب «اللغة الرديف» (Collateral Language) إلى أن « الأهداف» العسكرية في الحروب قد تكون جسوراً، أو خطوط غاز، أو محطات معالجة ماء، وغيرها مما يعتمد عليه المدنيون في ضروراتهم الحياتية، مضيفاً أن الولايات المتحدة دمّرت في حرب الخليج عام 1990 الكثير من البنية التحتية العراقية «بطرائق أسهمت في الدفع بآلاف المدنيين إلى الفقر واليأس والمرض والموت». ويلفت نيسر الانتباه إلى أن قتل المدنيين «يصبح أكثر يسراً من خلال التحدث عن الحاجة إلى تفادي قتلهم»، إذ يؤكد القاصفون مراراً حرصهم على أرواح المدنيين، ما يجعل استمرار المعركة أكثر قبولاً، وإذا قاموا بقتل مدنيين، سارعوا إلى وصف ذلك بأنه «خطأ» واضعين القتل في خانة «الاستثناء»، وهو ما يوحي للرأي العام أنهم لا يتعمدون قصف المدنيين فحسب، بل إنهم أيضاً «متفوقون أخلاقياً» على العدو.
تعمل التجريدات على إخفاء الحقائق وتهميش قضايا «الحياة» و «الموت». بعد عدوان طائرات مصرية على ليبيا، لم تكتف بعض الوسائط السائدة بالتبرير، بل رقصت ابتهاجاً. جريدة «الشرق الأوسط» اختارت كعادتها تأطيراً منبتّ الصلة بالمهنية: «مصر توجه ضربة القصاص، وتبدأ حرباً مفتوحة على الإرهاب خارج حدودها. سلاح الجو ينفذ عمليات مركزة ضد معاقل داعش في ليبيا». عنوان مفخخ لو اقتربت منه لتطايرت الشظايا: ضربة، قصاص، حرب على الإرهاب، عمليات، داعش، معاقل (قريبة من «أهداف» و «مواقع»). موقع العربية نت نشر ما يلي: «الجيش المصري يقصف مواقع داعش في ليبيا. 8 غارات استهدفت مراكز تدريب ومخازن أسلحة وذخائر تابعة للتنظيم الإرهابي». طبعاً، لا مجال هنا للحديث عن قيم الأخبار كالتوازن والصدقية والدقة والنأي عن «التلوين». موقع الجزيرة نت اختار تأطيراً مختلفاً: «عشرات القتلى والجرحى بغارات مصرية على درنة الليبية»؛ مصحوباً بصورة أطفال لقوا حتفهم بسبب العدوان، وهو ما تجاهلته وسائط سائدة ومعلّقون ومغردون، بل وياللهول، أنكروا حدوثه متهمين قناة الجزيرة وناشطين ليبيين بتلفيقه.
التناول الإخباري لقصف ليبيا يتجاهل السياق الذي حدث فيه القصف وكان من أبرز دوافعه، وهو سلسلة التسريبات الفضائحية التي كشفت جشع الطغمة العسكرية في مصر، واحتقارها دول الخليج وشعوبه. التناول أيضاً يشير إلى تبسيط أسطوري فج: ثنائية الخير والشر. السيسي بطل في حرب مقدسة، وداعش المتوحش الذي يجز رقاب المسيحيين يمثّل معسكر الشر. لا مفر إذن من الحرب؛ لا مفر من الدم، لا حل سوى القتل، والمزيد من القتل. لا حديث عن أفق سياسي، ولا عن مطالبة بتسليم الجناة، ولا ضغوط دبلوماسية، ولا لجوء إلى تحكيم عربي. أعلن الحرب أيها البطل، أعلن الحرب على..........املأ الفراغ بما تشاء، فلن نسألك على ما قلت برهانا، كلما قتلت أكثر، ارتفع رصيدك أكثر، يا رسول العناية الإلهية، قاتل من أجل سلام العرب والعالم، «أعد بناء الدولة الليبية»، كما زعق عبد الحليم قنديل في قناة سكاي نيوز عربية. في غضون ذلك، تهيج الورقيات والفضائيات المهيمنة، وتجلجل أبواق «البطل»: اضرب، اضرب، وتصبح الدعوات إلى «عقلنة» الخطابات والاستجابات ضرباً من «الإرهاب» نفسه.
*العرب القطرية

بالصور مرور 1325 عام علي تعامل الإنجليز بدينار من ذهب يشهد بنبوة محمد


هذا العام يصادف مرور ” 1325″ سنة على سك أول دينار باللغة العربية، وهو المعروف بـ”دينار 77 ” الذي أصدره الخليفة الأموي الخامس “عبدالملك بن مروان” عام 77 للهجرة، أي 690 ميلادية، وللمناسبة نتذكر ملكًا في إنجلترا القديمة، قد يكون مهمًا التعرف إليه، لأن بعضهم يعتقد أنه “اعتنق الإسلام”، بسبب سكه لدينار نقش فيه قبل 1241 سنة عبارات غريبة عليه
وعلى رعاياه معًا، وكانت عربية وإسلامية الطراز بامتياز، وفوق ذلك أرّخه بعام هجري أيضًا.
كان من ذهب، صغيرًا وخفيفًا بوزن 4 غرامات، لكنه أثار جدلًا كبيرًا، ولا يزال، ولولا العثور في 1841 على قطعة من الدينار المحفور اسم ” Offa Rex ” عليه، وعرضها في المتحف البريطاني ليراها الراغبون، لما صدق أحد بأن “أوفا” حفر عليه “لا إله إلا الله وحده لا شريك له” مع معظم الآية 33 من سورة “التوبة” بالقرآن، والتي تقول “أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله” إضافة لشهادة “محمد رسول الله” المكررة على الوجهين.

وسط “لا إله إلا الله وحده لا شريك له” التي جاءت في 3 أسطر، حفر الملك اسمه ” ” Offa بين السطر الأول “لا إله” والثاني “إلا الله وحده” وبينه وبين الثالث “لا شريك له” حفر كلمة ” Rex ” ومعناها ملك بلاتينية ذلك الزمان.
لكن الناقش ارتكب خطأ دل بأنه، لا هو ولا الملك، كانا يعرفان معنى العبارات، لذلك يذكر المتحف البريطاني في موقعه الذي تجولت فيه “العربية.نت” أن الغرض من سك ذلك الدينار “غير أكيد” في رد منه غير مباشر على المعتقدين بأن سبب سكه قد يكون اعتناق “أوفا” للدين الحنيف.

– الاسم ينقلب “احترامًا” لشهادة التوحيد


ونرى الخطأ الذي ارتكبه الناقش من نظرة على الدينار، حيث نجد الكلمات العربية مقلوبة رأسًا على عقب حين قراءة اسم الملك واضحًا بالحرف اللاتيني، أو ينقلب اسمه إذا ما أردنا للكلمات العربية أن تكون واضحة للقراءة، وهذه حجة تمسك بها المؤكدون بأن “أوفا” لم يصدر ديناره لأنه اعتنق الإسلام، وإلا لنقش الكلمات العربية وتحتها اسمه اللاتيني بطريقة تتم قراءتهما معا بوضوح، بل لسبب آخر.

 إلى اليمن، دينار “أبو جعفر المنصور” من 4 غرامات ذهب، ثم تفاصيل دينار أوفا، وهو بالوزن نفسه

ويرد المعارضون بأنه تعمّد قلب اسمه “احترامًا للآية القرآنية وللشهادة بنبوة محمد” حين تبدوان واضحتين للقراءة، فقلبه كي لا يختلط اسمه بهما، مع أنه باللاتينية وليس بالعربية، وهو ما نراه في الصورة التي تنشرها “العربية.نت”، حيث يظهر ” Offa ” مقلوبًا على الدينار المؤرخ بعبارة: “بسم الله ضرب هذا الدينار سبع وخمسين ومائة” وهو عام 774 ميلادية.
في ذلك العام كان “أوفا” بأوجّ حكمه الذي طال 39 سنة، انتهت بوفاته في 796 وتوريث ابنه الذكر الوحيد “ايكغفيرث” مكانه، لكن الابن لم يعش بعد توليه العرش سوى141 يومًا، وبموته انتهت السلالة “الأوفية” وطوى الزمن التداول بذلك الدينار، إلا أن السؤال المحير بشأنه استمر: ما الذي دفع ملك في بلاد غارقة بالمسيحية ذلك الوقت إلى إصدار نقد يبشر بالإسلام؟

– الرأي والرأي الآخر

المعروف عن “أوفا” أنه كان أقوى ملوك إنجلترا في عهدها “الأنغلوسكسوني” المبكر، وبدأ ملكه أولًا على Mercia ” ” التي كانت واحدة من 7 ملكيات، بحسب ما جمعت “العربية.نت” ما تيسر عنه من معلومات، ومعظمها يشير إلى أنه وسّع حكمه بفتح ملكيات أصغر، وقام بتزويج ابنتيه إلى حاكمي “وسيكس” و”ساكسون” فشمل نفوذه معظم إنجلترا، وعقد معاهدتين: مع ملك فرنسا شارلمان، والبابا أندريان الأول.
كل ما بقي من أوفا هو آثار سوره القديم في انجلترا، وقطعة من ديناره في المتحف

ولم يبق مما ترك “أوفا” إلا أثر لسور معروف باسمه الآن، إضافة للدينار الذي خرجوا في شأنه بأهم 4 تفسيرات: أن يكون اعتنق الإسلام، أو استعمل الكلمات العربية والآيات للزخرفة، من دون أن يفهم معناها، أو لأن المعاهدة التي عقدها مع البابا عام 787 تضمنت مادة يدفع بموجبها فدية سنوية معلومة إليه، فراح يسددها بدينار ذهبي، أو ربما لأنه كان عاجزا عن سك النقود فاستعان بخبراء الدولة العباسية ذلك الوقت.
ويقول معتقدون باعتناقه للإسلام، ومنهم “ابن الكلبي” الذي اشتهر زمن “أوفا” كمؤرخ وعالم بالأنساب، إن الفرضية الثانية لا تتفق مع المنطق، فمن المستحيل أن ينقش عبارات لا يعرف معناها، ولو سأل وعرف لرفضها لأنها شهادة إيمان بدين آخر، أي ليست للزخرفة كيفما كان.
ويرد المعترضون أن ديناره نسخة تقريبًا عن دينار الخليفة العباسي “أبو جعفر المنصور”، لكن المنقوش عليه ليس كل المحفور على الدينار العباسي، وهذا يؤكد أنه لم يكن مهتما بنوعية العبارات، لذلك فما حفره على ديناره كان زخرفة وديكورًا.
– مسلم من دون أن يدري بإيمانه أحد؟
أضاف آخرون أن بعض ملوك أوروبا “ممن بهرتهم الحضارة الإسلامية” كتبوا أسماءهم بالعربية على نقود كثيرة سكوها، ومنهم “ألفونسو الثامن” وبعض أمراء النورمان، حتى إن امبراطور الدولة الرومانية المقدسة، هنري الرابع “سك نقدًا معدنيًا ممهورًا باسم الخليفة العباسي “المقتدر بالله”، فقط لمجرد إعجابه به”، وفق تعبيرهم.
ويرد المعتقدون باعتناقه للإسلام بأنه لا يوجد ملك أوروبي حفر مثله شهادة التوحيد الإسلامية على أي نقد أصدره، وبأنه من غير المعقول نقشه لشهادة تعترف بنبوة الرسول على نقد ليدفع به جزية للبابا، لأن الحبر الفاتيكاني لن يقبل بالتعامل مع نقد يتضمن عبارات تروّج لدين آخر، كما هناك الأهم، وهو أن تاريخ سك الدينار سابق لعقده الاتفاق مع البابا بحوالي 13 سنة.
أما اعتماده على خبراء بالسك من بلد إسلامي ذلك الوقت، فاعتبروه أضعف الحجج، لأن “أوفا” كان هاويًا لسك النقود على أنواعها، ففي أرشيفات راجعت “العربية.نت” بعضها وموجودة “أون لاين” نجده سك نقودا معدنية كثيرة ونقش عليها اسمه وصورته، كما وصورة زوجته الملكة سينيثريث أيضا، لذلك فالجدل مستمر ومعه السؤال المحيّر: هل كان “أوفا” مسلمًا يخفي إيمانه، ومات ولم يدر بإسلامه أحد

24 فبراير 2015

بلال فضل : الطغاة هم اكثر الناس حديثا عن الوطنية وصناعة الاخطار الوهمية

في مقال تحت عنوان "الملجأ الأخير للأوغاد" نشرته العربي الجديد تحدث الكاتب والسيناريست بلال فضل عن صناعة الديكتاتور وادعياء الوطنية وقدرتهم على الحشد في معارك وهمية ومصطنعة واخبار مضللة وابطال وهميين .. مسقطا كلامه على النظام الحالى الحاكم في مصر.. وجاء في المقال: 
كان يُفترض بالتجارب المريرة التي اكتوينا بنارها، عبر عقود من ممارسة "الوطنية الكذابة"، أن تعلمنا أن أكثر من يتبارون في إعلان حب الوطن هم المستبدون والضلاليّة وهلّيبة المال العام، لأنهم لن يجدوا وطناً أفضل منه، يتقبل حكمهم الفاشل بهذه السهولة. ولذلك، كان علينا تذكير أنفسنا بأن إنقاذ الوطن المنكوب بأفعال هؤلاء لن يكون بالتهليل والزعيق و"الخيلة الكدابة"، والتغني بالشعارات الرنانة التي "جابتنا ورا"، ولا تزال. 
"اللي يعيش يا ما يشوف"، وقد عشنا وشفنا كثيراً من قبل، كيف تنجح الدعاية الكذابة في حشد المواطن البسيط نحو معارك مصنوعة، تشعره بانتصارات كاذبة، تخرجه من بؤس واقعه، وتجدد بداخله الأمل أنه يعيش في دولة لها رأس من رجلين، حتى لو ألهاه الصخب المفبرك عن إدراك أنه لا نفع من رأس دولته وأرجلها الراكلة وأذرعها الباطشة، إن لم يكن لديها عقل. لكن الجديد الذي عشنا وشفناه، في هذه الأيام المريرة، هو أن يتورط في ممارسة "الوطنية الكذابة" مثقفون كنا نراهم يعربون، دائماً، عن احترامهم وتقديرهم شخصيات مثل مايكل مور وناعوم تشومسكي وهوارد زن وجور فيدال وشين بين ومحمد علي كلاي، وعشرات غيرهم من المثقفين والفنانين، حين يتخذون مواقف جريئة ضد الحروب التي تخوضها الإدارة الأميركية، بدعوى الحرب على الإرهاب، أو الدفاع عن الأمن القومي واستعادة الهيبة الأميركية، معتبرين أن تلك المواقف المستقلة قمة الوطنية الحقيقية التي لا تربط مصالح الوطن بقرارات هوجاء، يصدرها الجنرالات، ليدفع أثمانها الباهظة الجنود والمدنيون، معتبرين أن هوجة الاتهامات التي تطال أولئك المثقفين، بسبب موقفهم، ينطبق عليها ما قاله صمويل جونسون في عبارته الشهيرة عن خطورة الوطنية حين تصبح "الملجأ الأخير للأوغاد". 
ثم فجأة، وفي أعقاب طلعة جويةٍ، لا يعرف أحد لها "ساساً من راس"، وجدنا كثيرين من هؤلاء يتحولون إلى فروع متحركة للشؤون المعنوية، تردد كلاماً ظاهره الوطنية، وباطنه من خلفه الفاشية، يصادرون به على كل من يخاف على مصر من الدخول في مستنقع خارجي، للهروب من تبعات المستنقع الداخلي الذي قادها إليه نظام السيسي، ويفترضون أنك حين تنتقد جر الوطن إلى حرب غير محسوبة، وتتساءل عن جاهزية وكفاءة من يقود الحرب على داعش، أو حتى نزاهته، وأهليته المعنوية، لخوض الحرب، فأنت بالضرورة تؤيد داعش، وتقف معها، وهو ما يعيدنا ثانية إلى عقلية جورج بوش الصغير التي رفعت في أعقاب "11 سبتمبر" شعار "من ليس معنا فهو ضدنا"، وهي نفس عقلية خصمه أسامة بن لادن التي تحدثت عن انقسام العالم إلى فسطاطين، وهي ذاتها عقلية كل القادة المستبدين الذين أدخلوا بلادهم في مغامرات عسكرية، للتغطية على فشلهم وتخبطهم. 
ليس من حق أحد، أياً كان موقفه، أن يلقي على الناس محاضرات في الوصفة المثالية لحب الوطن، فمن حقك أن تحب مصر كيفما شئت، وأن تتهم من شئت بعدم حبها، إذا كان ذلك يريحك، لكن ذلك لن ينفي حب مصر عمن يرفض أن يسلم المصريون عقولهم لأحد ثبت فشله وتخبطه، لأن حالة الحشد للحرب، في ظل الشعارات الوطنية الزاعقة، ونظريات المؤامرة، وروح الغضب الجماعي، ارتبطت بكوارث لا حصر لها عبر التاريخ. ومع أن الشعوب لا تستغني، أبداً، من أجل تحقيق التقدم، عن إذكاء الهِمَم وتحفيز الطاقات، لكن ذلك لن يكون إلا بترشيد الوطنية وعقلنتها، وليس بإشاعة مناخ الفاشية والتخلي عن حرية التعبير والديمقراطية وحق النقد، بزعم توحيد الصفوف، لأن وحدة الصف تصبح عيباً قاتلاً، حين يكون القائد متخبط القرار، أو منعدم الكفاءة، فينتهي بالصف الواحد إلى قرار الهاوية. 
كان ينبغي لسكة "عندما نكون في حالة حرب لا تحدثني عن الحرية"، والتي "اتهرست في كذا شعب عربي وهرست كذا دولة"، ألا تنطلي من جديد على الذين رأوا كيف تم إدارة أكبر حملات نهب منظمة، بدعوى أن "مصر مستهدفة". لكن، إذا كان لتلك السكة المهروسة أن تؤتي أكُلها مع المواطن البسيط الذي وقع أسيراً لمناخ الهستيريا الإعلامية، المدارة بالأمر المباشر، فمن العار أن يتبناها كثير من المثقفين الذين يفترض أن يكونوا قد تعلموا من الواقع المرير الدامي، وإذا لم يستطع هؤلاء أن يدفعوا ثمن الوقوف ضد التيار، كما فعل المثقفون والفنانون الغربيون الذين كانوا يحترمونهم، فأقل واجب عليهم أن لا يتورطوا في التهليل لحروب غامضة النوايا، غير محسوبة الإجراءات، خصوصا إذا كان يقودها من لم يتورعوا عن قتل أبناء الوطن في شوارع الوطن.

د خليل العنانى يكتب: هل بدأ "خريف" الثورات المضادة؟


لكل ثورة خريف، بما فيها الثورات المضادة. وقد حملت الأسابيع الماضية مؤشرات ودلالات تشي بأن الثورات المضادة تعيش، اليوم، مأزقاً حقيقياً، وربما تكون قد دخلت في مرحلة "الخريف". وما عاشته المنطقة العربية، في العامين الأخيرين، يكشف أن معركة التغيير لا تزال طويلة، على الرغم من محاولات التعطيل والإجهاض المتواصلة، وأن الحسم لا يبدو ماثلاً في الأمد المنظور. 
فمن جهة أولى، لا تصب التحولات الإقليمية المتسارعة في صالح القوى التي سعت، ولا تزال، إلى وقف "الربيع العربي" وإجهاضه. وقد أشرنا إلى بعض هذه التحولات في مقال سابق، والتي ربما قد تؤدي إلى إعادة تشكيل المواقف والتحالفات التكتيكية في المنطقة. ومن جهة ثانية، لم تحقق الثورة الإقليمية المضادة أياً من أهدافها حتى الآن. وللتذكير، تمثلت هذه الأهداف في وقف دعوات التغيير في المنطقة، وإقصاء قوى الإسلام السياسي وتحقيق الاستقرار من خلال الإقصاء والقمع. فعلى الرغم من تراجع الأصوات المطالبة بالتغيير في المنطقة، بسبب القمع أو الإحباط وخيبة الأمل، إلا أن ثمة شعوراً عاماً بأنه لا مناص من التغييرواستكمال ما بدأ قبل أربع سنوات، وأن الثمن الذي دُفع لا يجب أن يضيع هدراً. في حين صمد الإسلاميون، على الرغم من محاولات القمع والاستئصال التي يتعرضون لها، ولا يزالون رقماً صعباً في المعادلات المحلية والإقليمية. في الوقت الذي تعم فيه المنطقة فوضي عارمة، ولا يوجد أي استقرار حقيقي في البلدان التي أصابها "الربيع العربي"، ولن يكون هناك سبيل لوقفها، في ظل استمرار الخيار الأمني. ومن جهة ثالثة، يبدو أن الغرب أصبح على قناعة بأن الأنظمة السلطوية العربية المناهضة للتغيير باتت عبئاً عليه، وأن من الخطأ الانصياع لها، أو مجاراتها في مغامراتها الداخلية والإقليمية. وهو ما بدا بوضوح في الحالة المصرية التي رفض فيها المجتمع الدولي الانصياع للنظام المصري وداعميه، فيما يخص الوضع في ليبيا. 
ما حدث في الأسابيع الماضية، أعاد خلط الأوراق في المنطقة، ودفع بأطراف الثورة المضادة إلى إعادة تقييم مواقفها وعلاقاتها ببعضها. فعلى سبيل المثال، يبدو أن العلاقات بين النظام المصري الحالي وبعض داعميه في الخليج لم تعد كما كانت عليه قبل شهور، خصوصاً بعد فضيحة التسريبات الأخيرة التي كشفت حجم ازدراء الجنرال عبدالفتاح السيسي واحتقاره 
حلفاءه، وهو ما حاول استدراكه في خطابه قبل يومين، عندما تحدث بلغة اعتذارية كاشفة. صحيح أن ثمة مصالح مشتركة لا تزال تربط الطرفين، إلا أن ثمة تململاً واضحاً من طريقة إدارة السيسي الأوضاع الداخلية، والتي قد تمهد إلى انفجار كبير في مصر. وقد سمعنا، لأول مرة منذ انقلاب يوليو 2013، أصواتاً خليجية، تنتقد بشدة طريقة التعاطي مع السيسي، وتطالب بضرورة وقف دعمه، أو تأييده. بل ثمة مطالب وتحذيرات صريحة وواضحة من مثقفين وكتاب خليجيين، بعضهم قريب من دوائر صنع القرار، تنادي بضرورة إعادة النظر في العلاقة مع نظام الجنرال السيسي وعدم الانسياق وراء مغامراته الداخلية والخارجية. 
يبدو الصراع بين الثورة والثورة المضادة أكثر وضوحاً في الحالة اليمنية. فبعد شهور من التحالف بين جماعة الحوثيين وبقايا نظام الرئيس اليمني السابق، على عبدالله صالح، والذي سعى إلى إجهاض الثورة اليمنية والاستيلاء على السلطة، انقلبت الأوضاع بعد خروج الرئيس عبدربه منصور هادي إلى عدن، وإعلانه رفضه الانقلاب الحوثي. ويبدو أن ثمة تقارباً بين السعودية والأطراف المناهضة للحوثيين داخل اليمن، وفي مقدمتهم تكتل اللقاء المشترك، وفي القلب منها "التجمع اليمني للإصلاح" المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، والذي زار وفد منها المملكة قبل أيام. 
ولعل ما يزيد الأمر تعقيداً تداخل المحلي مع الإقليمي. فالأوضاع في مصر واليمن وسورية وليبيا لم تعد محصورة داخل هذه البلدان، وإنما متداخلة مع بعضها، ما يتطلب قدراً عالياً من الحكمة والذكاء في بناء التحالفات وتحديد المواقف. فقد تخيل الجنرال السيسي أن في مقدوره استنساخ النموذج المصري في ليبيا، وهو ما رفضته، ليس فقط الدول الكبرى، وإنما أيضا دول إقليمية أخرى مهمة، كتونس والجزائر. كما أن عدم قدرة دول التحالف على حسم الصراع مع تنظيم الدولة "داعش"، يكشف، من جهة، مدى محدودية الخيار العسكري، أو الأمني، في التعاطي مع مثل هذه التنظيمات المتوحشة، ويؤكد، من جهة أخرى، الحاجة إلى قوى معتدلة، يمكنها تحقيق قدر من التوازن الاجتماعي والفكري مع هذه التنظيمات. 
بكلمات أخرى، يخطئ من يظن أن المعركة أو الصراع بين ثورات الحرية والثورات المضادة قد حُسم، أو انتهى، لصالح هذه الأخيرة. بل على العكس، دخل الصراع مرحلة جديدة من خلط الأوراق والحسابات. وهي معركة لن ينتصر فيها إلا من ينحاز لطموحات الناس وآمالهم ورغبتهم في العيش بمجتمعات تقوم على الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية.
عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.
من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".

روث: عبد الفتاح نسي أن السيسي يسمح فقط بمظاهرات التملق

قال كينيث روث مدير منظمة هيومن رايتس وواتش إن المدون المصري علاء عبد الفتاح صدر ضده حكم بالسجن خمس سنوات لنسيانه أن الرئيس لا يسمح إلا بالمظاهرات "المتملقة" على حد قوله.
وكتب المسؤول الحقوقي عبر حسابه على تويتر اليوم الإثنين قائلا: ” المدون المصري البارز علاء حُكم عليه بالسجن 5 سنوات لنسيان أن السيسي يسمح فقط بمظاهرات التملق".
وفي ذات السياق، اعتبرت وكالة أنباء أسوشيتد برس إصدار محكمة الجنايات الإثنين قرار محكمة الجنايات ضد عبد الفتاح، أحد رموز ثورة 2011، بأنه يمثل إصرارا من القضاء على خنق المعارضة رغم وعود السيسي بالإفراج عن "شباب أبرياء".
جاء ذلك في إطار إعادة محاكمة المدون المصري، الذي صدر عليه في وقت سابق حكم بالحبس 15 عاما لتنظيمه احتجاجا دون ترخيص، والادعاء باعتدائه على شرطي.
ولفتت إلى أن قاعة المحكمة انفجرت بالضجيج في أعقاب الحكم، حيث صرخ البعض "يسقط القمع"، كما انهار أحد أقارب عبد الفتاح، وانهمر أفراد عائلته وأصدقائه بالبكاء هاتفين "يسقط حكم العسكر".
ونقلت الوكالة الأمريكية عن محمد عبد العزيز محامي المتهم وصفه للحكم بـ" القاسي والظالم"، ومضى يقول: ” المحكمة لم تأخذ في الاعتبار أيا من الأدلة التي تظهر البراءة".
من جانبه، قال المحامي الحقوقي طاهر أبو نصر: ”لقد كان الحكم متوقعا، لم نعد نتوقع البراءة".
الاتهامات ضد عبد الفتاح تنبع بشكل مباشرة من قانون حظر التظاهر دون موافقة حكومية، وهو الإجراء، والكلام للوكالة، الذي أعقب الإطاحة بمرسي، والذي أثار انتقادات عديدة، بدعوى أنه وسيلة لخنق كافة أشكال المعارضة.