المصريون
فى عام 1999 أدان ليبراليون مصريون الجنرال "برويز مشرف" عندما قاد انقلابًا عسكريًا فى أكتوبر 1999 على حكومة "نواز شريف" المنتخبة من قبل الشعب الباكستانى. وبعد الهجوم على برجى مركز التجارة العالمى بالولايات المتحدة الأمريكية ومقر البنتاجون، فى 11 سبتمبر عام 2001، صدرت الأدبيات الليبرالية فى مصر وهى تثنى على "الانقلابى" برويز مشرف، واعتبرته "قائدًا ديمقراطيًا عظيمًا" !!، فور موافقة الأخير على السماح للقوات الأمريكية، باستخدام أراضى بلاده، فى الاعتداء على أفغانستان وتدمير حركة طالبان الحاكمة! .الموقف الأول، من مشرف ـ موقف الإدانة ـ لم يثر استغراب أحد، إذ أنه يأتى متسقًا مع قناعات الليبرالى المصرى الذى ينحاز عادة للديمقراطيين. غير أن الموقف الثانى (الدفاع عن مشرف)، هو اللافت حقا للنظر، إذ أن الأخير لم يتغير فهو الجنرال، الديكتاتورى، الانقلابى، الذى أطاح بالديمقراطية وفرض الأحكام العرفية على البلاد والعباد. الذى تغير فقط هو موقف القوة العظمى الوحيدة فى العالم (الولايات المتحدة): "من الإدانة إلى التأييد" فتأتى تحولات الليبرالى المصرى متسقة مع التحول الأمريكى !! .
حتى ذلك الحين كان ثمة افتراض بأن تنقل الليبرالى المصرى من النقيض إلى النقيض، ربما يكون ثمرة المناخ العام، الذى أفرزته المشاهد المروعة لهجمات الحادى عشر من سبتمبر عام 2001، قرأت لأحدهم فى جريدة الحياة اللندنية، وهو يفتى فيها بأن الإسلام "رخّص للخيانة" وأنه أباح للمسلم التعاون مع أمريكا وبريطانيا، فى الاعتداء الوحشى على بلاده، إن كان ذلك "درءًا لمسفدة" !!
إن موقف الليبرالية المصرية، هو فى واقع الحال، شأنه شأن من سلف، حيث يعيد تشكيل الرؤى و المواقف السياسية والثقافية، ليس استلهامًا من "المثل الايديولوجية العليا" ولكن استنادًا إلى المحصلة النهائية لاتجاهات القوى (الدولية أو المحلية)، وهو سلوك لا تذهب إليه الجماعات التى يكون ولاؤها "للمثل" وتتمسك بعروته الوثقى، أى تجمع ـ فى قوامها الأساسى ـ شروط ومواصفات "الحركة السياسية" أو الفكرية أو الثقافية ولكنه منحى "زئبقى" يتخذ شكله النهائى هيئة الوعاء الحاضن له: قد يكون هذا الوعاء قوى محلية (السلطة أوالنظام السياسى القائم)، أو نظامًا دوليًا ترى أنه من الضرورى الدعاية له أو الدفاع عنه، المهم أن المعيار فى هذه وتلك هو "المصلحة"، فيما تعبر الأخيرة عن غايات وأهداف مطاطية وفضفاضة، ظاهرها الرحمة والمشروعية، وباطنها مترع بالشهوات وما تهوى