القاهرة ــ طارق نجم الدين
كشف موقع "
العربي الجديد" عن وثيقة قال انها رسمية بحوزته صادرة من الاستخبارات العامة المصرية، تؤكد مؤامرة إتلاف أدلة تدين الرئيس المخلوع، حسني مبارك، ووزير داخليته، حبيب العادلي، و6 من كبار مساعديه، بقصد تبرئتهم في قضية قتل المتظاهرين، إبان ثورة 25 يناير 2011، وإتلاف التسجيلات في الفترة نفسها والنطاق الزمني فقط، والتي حددت المحكمة أن تكون محل التحقيقات.
وتحمل الوثيقة، المُدوّن عليها في بدايتها "سري للغاية" صادرة بتاريخ 16 مارس 2011، وموجّهة من الاستخبارات العامة إلى النائب العام المساعد الأسبق المستشار، عدنان فنجري، وجاء فيها "أنه بالإشارة لطلب النيابة رقم 19 لسنة 2011 بتاريخ 13 مارس عام 2011، في شأن طلب أشرطة تسجيل كاميرات المراقبة بالمتحف المصري خلال الفترة من 25 يناير وحتى 3 فبراير فإنه مرفق بهذه الوثيقة 6 أشرطة فيديو، تمّ تسجيلها خلال الفترة من 1 فبراير وحتى 3 منه فقط. أما المدة من 25 يناير وحتى 31 منه، وهي الفترة التي تُظهر قتل الشرطة للمتظاهرين، والفترة التي حددتها المحكمة ضمن النطاق الزمني للقضية، واستبعدت ما بعدها من أحداث، فقد تم التسجيل عليها".
وذكرت الاستخبارات، في ردّها في الوثيقة، أن "هذا النظام تم تركيبه منذ عام 1995 ولا يقوم بالتسجيل الأوتوماتيكي للكاميرات، إنما يعتمد على الإنذار وأفراد التشغيل". وأكد المستشار، مصطفى سليمان، المحامي العام الأول لنيابات استئناف القاهرة وقاضي التحقيقات مع مبارك، في قضية قتل المتظاهرين وقضايا الفساد، والذي حملت الوثيقة توقيعه في أعلاها لجهة اليسار، صحة الوثيقة. ولفت إلى أنه "كان يوجد كاميرات موضوعة في 3 أماكن في منطقة ميدان التحرير: في المتحف المصري وفي الجامعة الأميركية ومجمع التحرير".
وأضاف أنه "قام بمراسلة هذه الجهات، فعمدت إدارة المتحف إلى إرسال خطاب إلى النيابة العامة، تؤكد لها أنه يتمّ إرسال التسجيلات بشكل مباشر إلى الاستخبارات العامة، وهو أمر معتاد من قبل الثورة".
وبدورها خاطبت النيابة جهاز الاستخبارات العامة من أجل إرسال أقراص مدمجة بالتظاهرات والأحداث، فردّت أجهزة الاستخبارات على النيابة بالوثيقة التي كانت ضمن ملف قضية مبارك وقتل المتظاهرين. وهو ما يوضح أن إتلاف التسجيلات تمّ خلال تواجدها في جهاز الاستخبارات العامة.
مبارك والعادلي أمرا بإطلاق النار
كما حصلت "العربي الجديد" على أوراق قال انها ايضا رسمية تظهر استخلاص نيابة الثورة، التي شكلت خلال عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي، فيما يتعلق بقتل المتظاهرين إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وذلك في القضية المعروفة إعلاميّاً بـ"محاكمة القرن"، الذي بُرّئ فيها الرئيس المخلوع،
حسني مبارك، ونجلاه علاء وجمال ووزير داخليته الأسبق، حبيب العادلي، و6 قيادات أمنية من كبار مساعديه، من محكمة جنايات القاهرة، يوم السبت الماضي.
وكشفت نيابة الثورة في تقريرها المحرّر بتاريخ 7 مايو/أيار 2013، أنه "في سبيل تنفيذ المتهم حسني مبارك عزمه قمع التظاهرات السلمية، أمر بعقد اجتماع في تاريخ 20 يناير/كانون الثاني 2011، برئاسة رئيس مجلس الوزراء (أحمد نظيف)، وحدد أطرافه من المسؤولين عن أمن البلاد في الداخل والخارج، ووجههم للاستجابة لما يطلبه المتهم حبيب العادلي من أجل تنفيذ خطة القمع".
وأوضحت المذكرة الختامية لنيابة الثورة أن "مبارك عُرض عليه ما انتهى إليه الاجتماع الأمني في حينه، فقبله، وجنّب الوزراء المعنيين بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعلى رأسهم رئيس مجلس الوزراء، التعامل مع الأحداث منذ ذلك اليوم، وحتى 31 يناير/كانون الثاني، وانفرد وحبيب العادلي ومساعدوه بالتعامل معها".
ويشير التقرير إلى "أن العادلي، وفي إطار تنفيذ أوامر مبارك بمجابهة التظاهرات السلمية، أمنيّاً، عقد اجتماعاً في 24 يناير/كانون الثاني مع مساعديه، اتفقوا خلاله على خطة قمع المتظاهرين بالقوة، ومنعهم من التجمع والحيلولة دون بلوغهم الميادين العامة وتفريقهم، وهو ما عكسته أوامر عمليات مديريات الأمن".
وبحسب التقرير فإن "المتهمين حسن عبد الرحمن، وإسماعيل الشاعر، وأحمد عبد الرشيد، وعدلي فايد، نفّذوا ما تم الاتفاق عليه في الاجتماع، وقمعوا تظاهرات يوم
25 يناير بقوة وعنف، واستخدموا خلاله أعيرة الخرطوش والمطاطية، المحظور استخدامها لفض التظاهرات السلمية، مما أسفر عن سقوط 4 قتلى وعدد من الجرحى من المتظاهرين في محافظتي السويس والقاهرة".
وانتهت نيابة الثورة إلى التأكيد أن "مبارك شاهد كيفية فض الشرطة لتظاهرات ميدان التحرير في نهاية يوم 25 يناير، وتابع نتائج ذلك في محافظات السويس والقاهرة والإسكندرية، وأنه على الرغم من تحذيرات العادلي من كثافة حشود المتظاهرين المتوقعة وحاجته لمعونة القوات المسلحة، وما نتج عن مواجهة الشرطة للمتظاهرين السلميين من سقوط قتلى ومصابين، قبل نتيجة فض قوات الشرطة لتظاهرات 25 يناير، أصرّ على استكمال قوات الشرطة لخطتها في مواجهة التظاهرات، غير عابئ بالنتيجة الحتمية لذلك في التظاهرات اللاحقة في 28 يناير".
ويضيف التقرير أنه "في سبيل تنفيذ الاتفاق على قمع التظاهرات السلمية ومنع المتظاهرين من الوصول إلى الميادين العامة، حشدت وزارة الداخلية جميع جهاتها وقطاعاتها، واستخدمت قواتها القتالية من العمليات الخاصة وكتائب الدعم المسلحة تسليحاً ناريّاً قتاليّاً، المنوط بها التعامل مع البؤر الإجرامية والإرهابية، والمحظور استخدامها في مواجهة التظاهرات".
وبحسب التقرير "استخدمت قوات الأمن التابعة لمديريات الأمن، مجموعات قتالية أيضاً، أثبتت عدم أهليتها للتعامل مع التظاهرات، كما جهّزت الذخيرة النارية الحية والخرطوش (الرش والمطاطي)، لاستخدامها في مواجهة المتظاهرين العزّل".
وتُظهر الشهادات العامة في التقرير "أنه في إطار تنفيذ ما اتفق عليه المتهمون من ضرورة تفريق المتظاهرين ومنع بلوغهم الميادين العامة وعلى رأسها ميدان التحرير، صدر في تمام الواحدة والنصف ظهر يوم 28 يناير أمر بتفويض قادة التشكيلات والقوات المنتشرة في القاهرة التعامل مع المتظاهرين بالقوة، حسب رؤية كل منهم للموقف، عالمين بأن تلك القوات مدججة بالفعل بأسلحة وذخيرة قاتلة".
وتابع التقرير "استمرت قوات الشرطة في إطلاق أعيرة الخرطوش والمطاط صوب المتظاهرين، لمنعهم من بلوغ ميدان التحرير حتى الساعة الخامسة والنصف مساء يوم 28 يناير، فاستدرجوا المتظاهرين لعبور الأطواق الأمنية الموضوعة على منافذ الميدان، وعندما بدأوا في الولوج إليه صدر الأمر لقوات خدمات تأمين وزارة الداخلية بإطلاق النار مباشرة صوب المتظاهرين، الذي لم يكن ليصدر إلا من خلال وزير الداخلية وبعد موافقة رئيس الجمهورية".
وبحسب التقرير "فإن خدمات تأمين وزارة الداخلية، الصادر لها أمر بإطلاق النار، مقصود بها القوات المتواجدة في المحيط البعيد للوزارة المطل على ميدان التحرير، والذي يبعد عن سور مبناها حوالي 300 متر، وتمّ سحب القوات الأخرى كافة المشاركة في قمع التظاهرات، لتعزيزها، وأغلبها مدججة بالخرطوش (الرشّ والمطاطي)، والطلقات الآلية، وفي نهاية الأمر تم تدعيمها بقوات قتالية من العمليات الخاصة، وقوات الأمن بتسليحها القتالي، فباتت كل القوات منوطة بتنفيذ أمر إطلاق النار صوب المتظاهرين".
ومما خلصت إليه نيابة الثورة أن "خطة تأمين وزارة الداخلية كانت لمحيطها المُطلّ على ميدان التحرير وشارع القصر العيني وميدان لاظوغلي والتقاطعات المؤدية إلى تلك الشوارع، وتعاملت قوات الشرطة بالفعل مع المتظاهرين السلميين حال وصولهم إلى مشارف ميدان التحرير، الساعة الخامسة والنصف مساءً، بطلقات الخرطوش والمطاطي والحي، من دون وجود ضرورة لذلك أو وجود محاولة لاقتحام مبنى الوزارة".
وأشار التقرير إلى أن "ما ثبت من أقوال الشهود والمصابين، يؤكد أن أماكن التمركز السابقة، هي ذات أماكن إطلاق النار من قوات الشرطة، والذي أدى إلى تزايد أعداد حالات الوفاة والإصابات، وفي ساعة وتاريخ يتطابقان مع ما أُثبت في بند سابق، في أن الحادثة وقعت عند الساعة الخامسة والنصف مساء بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني 2011".
ويُظهر التقرير أن "أمر إطلاق النار مباشرة على المتظاهرين، صدر في وقت لم تقترب فيه أي تظاهرات من وزارة الداخلية، ولم تحدث أي محاولة لاقتحامها، أو أنها معرّضة لخطر محدق، يستدعي معه صدور أمر بإطلاق النار مباشرة على المتظاهرين، وهو ما يؤكد أن المقصود منه كان إطلاق النار مباشرة على المتظاهرين الذين تمكنوا من عبور الأطواق الأمنية".
ومن بين الملاحظات التي انتهت إليها النيابة "أنه صدر أمر آخر بعد ما يزيد عن الساعة وعشر دقائق بإطلاق النيران على أقدام المتظاهرين في حال محاولة اقتحام الوزارة، في حين أن الأمر الأول صدر بالإطلاق المباشر على المتظاهرين من دون شرط محاولة اقتحام الوزارة، وتزامن ذلك مع توقيت بدء تزايد حالات الوفاة والإصابات بالأعيرة النارية والخرطوش".
ويكشف التقرير "أنه على الرغم من سقوط المتظاهرين بين قتيل وجريح، وعلم المتهمين بذلك، استمر إمداد الذخيرة لقوات الشرطة بقية يوم 28 يناير، واليوم التالي، بما يؤكد انصراف نية المتهمين إلى إزهاق المزيد من الأرواح، باعتبارها نتيجة حتمية للقوة المفرطة التي استخدمتها الشرطة مع المتظاهرين السلميين".
وأكدت أقوال الشهود والملاحظات التي وقفت عليها النيابة، أن "قوات الشرطة الموجودة في منافذ الميادين في القاهرة والمحافظات، تتبع مختلف قطاعات وزارة الداخلية، ويخضع كل منها لقيادة مغايرة للأخرى، إلا أنها اتخذت نهجاً واحداً في تعاملها مع المتظاهرين بالعنف والقوة، بما يقطع بأن الأوامر الموجّهة إليها صدرت من قيادات شرطية عليا تقودها جميعاً".
وأوضح التقرير "أن وزارة الداخلية عكفت على طمس بعض من أدلة إدانة المتهمين بالتلاعب في دفاتر الأسلحة والذخيرة، تحديداً التابعة لجهات الأمن المركزي، فتارة توافي النيابة العامة ببيانات غير صحيحة ومتناقضة، وتارة أخرى دأبت على تغيير البيانات المثبتة بالدفاتر ونزع بعض من أوراقها، ولم تكن وزارة الداخلية في حاجة إلى ذلك إلا لإخفاء الدليل على استخدام قوات الشرطة الأسلحة وذخيرة قاتلة في مواجهة المتظاهرين، وليس بهدف التأمين أو الدفاع".