الناصرة – “رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
تنظيم “الدولة الإسلاميّة” بات يقضّ مضاجع صنّاع القرار في المملكة العربيّة السعودية، وتحديدًا لأنّه يُهدد المملكة الأردنيّة الهاشمية، والكويت، التي يعتبرها جزءً من العراق، علاوة على ذلك، فإنّ الوضع الاقتصاديّ السيئ في المملكة لفئة الشباب، الذي يُشكّلون أكثر من 60 بالمائة من سكّان السعودية، هو عامل آخر يدفع هؤلاء الشباب إلى تأييد أفكار التنظيم، وأكثر من ذلك، يُقنعهم بالانضمام إلى صفوفه.
المأزق السعوديّ في هذه القضية العينيّة، تهديد “الدولة الإسلاميّة”، تحوّل إلى مُعضلة مفصليّة في المملكة، وبالتالي، من غير المُستبعد بتاتًا أنْ يُقدم النظام الحاكم في الرياض على تشكيل حلف مع العدو اللدود: الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة لدرء هذا الخطر المُحدّق، هذا ما جاء في دراسة جديدة أعدّها مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب، والتي جاءت تحت عنوان: الطريق إلى مكّة.
وبحسب الدراسة، التي قام بإعدادها الباحث يوئيل غوجانسكي، فإنّ تهديد تنظيم “الدولة الإسلاميّة” ينسحب أيضًا على جميع دول الخليج، وعليه، فإنّ السعودية هي المُبادرة الأولى والمركزيّة في تشكيل ائتلافٍ واسعٍ لمعالجة هذا الخطر الإستراتيجيّ الكبير عليها وعلى باقي دول الخليج، كما أكدّت الدراسة الإسرائيليّة.
وبرأي الدراسة، فإنّ التنظيم المذكور خلق التحدّي الأكبر للشرعية الدينيّة للمملكة السعودية، التي اعتبرت هذا التهديد غير مسبوق، كما أنّه يُشكّل خطرًا كبيرًا على هيمنة السعودية على الإسلام الوهابيّ، إذ أنّ زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، أضافت الدراسة، يرى في نفسه الوريث الحقيقيّ لزعامة العالم الإسلاميّ، وهذا الأمر يُعتبر من التحدّيات الجسام لآل سعود، الذي يرون في أنفسهم حراس الأماكن المُقدّسة للمسلمين، وعليه اضطرت المملكة إلى تجنيد العاهل السعوديّ والمفتي العام للمملكة لإدانة التنظيم، والإعلان عن مبادئ “الدولة الإسلاميّة” كانحراف عن الإسلام الصحيح، واعتباره التهديد المركزيّ على الدين الإسلاميّ.
بالإضافة إلى ذلك، رأت الدراسة الإسرائيليّة أنّ المملكة قلقةً جدًا من التأييد الذي يحظى به تنظيم “الدولة الإسلاميّة” في صفوف الشباب السعوديّ، فمؤخرًا، أضاف الباحث، نُشر استطلاع غير رسميّ للرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعيّ تبينّ منه أنّ 92 بالمائة من السعوديين يؤمون بمصداقية الأيدلوجية وبأنّها تتماشى مع قيم الإسلام والشريعة.
بالإضافة إلى ذلك، لفتت الدراسة إلى أنّ حوالي 65 بالمائة من سكّان المملكة السعوديّة هم من جيل الشباب، أوْ بالأحرى تحت فئة العمر 30 عامًا، والسواد الأعظم منهم عاطلون عن العمل، ووجدوا في مواقع التواصل الاجتماعيّ وسيلة للتعبير عن سخطهم من الوضع الاقتصاديّ، بالإضافة إلى إعلانهم التأييد لمبادئ تنظيم “الدولة الإسلاميّة”، وكردّ فعل من قبل السلطات السعودية، قامت وزارة الداخليّة والأجهزة الأمنيّة بتشديد الرقابة على الإنترنت وعلى الأئمة في المساجد، وقامت أيضًا بتخصيص ميزانيات لحلّ مشاكل السكن في المملكة، وإيجاد أماكن عمل وأماكن تعليم لهذه الفئة العمريّة من السعوديين، إلا أنّ الدراسة الإسرائيليّة، ترى في هذه الخطوات قلية جدًا ومتأخرة أكثر من ذلك.
وتطرّقت الدراسة إلى احتمال عودة المُقاتلين في صفوف التنظيم إلى السعودية، مؤكدّة على أنّ هذه الخطوة ستزيد من التهديد الداخليّ في المملكة وستمس مسًا سافرًا بالاستقرار الأمنيّ النسبيّ في السعوديّة، خصوصًا وأنّ السعوديين في التنظيم يُشكّلون العدد الأكبر من المُقاتلين، وبالتالي فإنّ عودتهم ستكون بمثابة مشكلة أمنيّة عويصة للنظام الحاكم في الرياض، على حدّ قول الباحث غوجانسكي.
كما لفت الباحث إلى وجود خلايا نائمة للتنظيم في المملكة، والتي ستخرج إلى النور عاجلاً أمْ أجلاً لتنفيذ عمليات عسكريّة ضدّ المنشآت الحيويّة في المملكة، وفي مقدّمتها آبار النفط. ولاحظت الدراسة أنّ السعودية وعدّة دول خليجيّة دعمت في السابق هذا التنظيم بالمال والعتاد، وخصوصًا في العراق وفي سوريّة، وهذا الأمر يُعتبر أيضًا مشكلة كبيرة للنظام السعوديّ، الذي تبرع مؤخرًا بمبلغ 100 مليون دولار لمركز مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدّة. وهناك نقطة أخرى، تطرّقت لها الدراسة وهي تتعلّق بسيطرة تنظيم “الدولة الإسلاميّة” على مساحات واسعة غير بعيدة عن الحدود مع السعودية، وهذه السيطرة، أكدّ الباحث غوجانسكي، من شأنها أنْ تُشكّل تحديًا عسكريًا كبيرًا وخطيرًا للسعودية، لافتًا إلى أنّه في السنوات الأخيرة قامت المملكة بتحصين حدودها بهدف منع تسلل السعوديين من وإلى العراق، ولكن بما أنّ الحدود تصل إلى 850 كم، فإنّ الدراسة تُشكك في تمكّن النظام السعوديّ في السيطرة على الحدود بشكلٍ كاملٍ.
وخلُصت الدراسة إلى القول إنّه من وجهة نظر السعودية تهديد “الدولة الإسلاميّة” هو تهديد جديّ وخطير، وبالتالي لا يُمكن استبعاد الحف بين السعودية وإيران، التي تُعتبر خصمها الإقليميّ الرئيسيّ، أيْ إيران، على حدّ قول الباحث غوجانسكي