Wed, 27 Aug 2014
• من سار في موكب الشهداء لم يعد أمامه إلا أن يحقق حلم الشهيد لأنه حلم وطن
• أصبحت المعركة وجودية بعد المحرقة فالمعركة الآن بين التحرر والحكم العسكري
• لم يعد هناك إلا الحرية تعالج جراح المحرقة وتعيد الحق وتحقق القصاص
• استخدام سلاح الجيش في المحرقة تحول درامي في بنية وعقيدة الجيش المصري
• بعد المحرقة أصبح سلاح الجيش يقتل لتأمين وصول القيادة العسكرية لسدة الحكم
• في المحرقة سالت أنهار من الدماء لإجهاض الثورة تتحملها قيادة الجيش وأجهزة الأمن
• القيادة العسكرية تصورت أن المحرقة تكسر إرادة الثورة ولكنها جعلت إرادة الثورة لا تقهر
• قلبت المحرقة موازين القوة وثبت أنه من خلال المذابح لم يستقر الحكم العسكري
• بذكرى المحرقة الثورة أقوى وتزداد قوة وتوسعا والحراك الثوري يمتلك قراره
• بذكرى المحرقة القيادة العسكرية مازالت غارقة ومستمرة في الحسابات الخطأ
• رغم فشل استراتيجية الصدمة والرعب لم تتبنَّ القيادة العسكرية أي استراتيجية أخرى
أكد المفكر والباحث السياسي د. رفيق حبيب على أن محرقتي رابعة والنهضة ليست مجرد حادثة في التاريخ المصري، وليست أيضا مجرد مرحلة في مسار الثورة، بل اللحظة التي أحدثت تغييرا واسعا، فتغير المجتمع كما تغير مسار الثورة. فالمحرقة التي جرت في رابعة والنهضة، هي أكبر مذبحة بشرية في التاريخ المصري الحديث. فعمق المأساة الإنسانية التي تمثلها محرقة الفض، يجعل لها أثرا على الوعي الجمعي، يمتد لعقود. ولقد أصبحت محرقة الفض، هي قصة من القصص التي يرويها التاريخ مرارا بلا توقف، وترويها الأجيال المتعاقبة جيلا بعد آخر.
وأضاف في دراسة حديثة عنوانها: "عام على المحرقة.. ماذا تغير؟"، فمحرقة رابعة والنهضة تمثل أكبر مواجهة دموية بين سلاح الدولة والمواطنين، جعلت بين أجهزة الأمن والقمع، وقطاع واسع من المجتمع، قصة دامية. فالمحرقة تعيد السؤال مرة أخرى إلى مجراه، حول دور سلاح الدولة، وهل هو لحماية المجتمع أم الطبقة الحاكمة؟
وفيما يلي عرض لأهم القضايا التي تناولتها الدراسة:
فماذا تغير؟
قال "حبيب" استخدام سلاح الجيش في محرقة ومذبحة مروعة ضد قطاع من الناس، هو تحول درامي في بنية الجيش المصري، بل وفي العقيدة العسكرية للجيش المصري. فعندما يستخدم سلاح الجيش ضد طرف من المجتمع، يصبح سلاح الجيش جزءا من الصراع السياسي، وجزءا من المعركة بين الثورة والثورة المضادة. ومنذ الانقلاب العسكري، أصبح سلاح الجيش يستخدم لصالح طبقة حكم ما قبل الثورة، ويستخدم لحماية سلطة القيادة العسكرية. وبعد المحرقة، أصبح سلاح الجيش يقتل من أجل أن يؤمن وصول القيادة العسكرية لسدة الحكم، ويضمن بقاء الحكم العسكري.
مشيرا إلى أنه في محرقة رابعة والنهضة، وما قبلها وما بعدها، أصبح سلاح الجيش يوجه إلى بعض المصريين، وهو تحول مهم في مفهوم وطنية الجيش المصري، وفي دور سلاح الجيش، والذي يختلف عن سلاح أجهزة الأمن، مما جعل قوات الجيش تتحول إلى قوات أمن داخلي.
وبرأي "حبيب" كانت المحرقة محاولة لفرض الأمر الواقع، ولتثبيت الحكم العسكري ليسيطر بالكامل على السلطة السياسية والدولة، مما جعل سلاح الجيش هو أداة فرض الحكم العسكري، لصالح قيادة الجيش، وهو ما يضع القوات المسلحة في مأزق.
رأس الحربة
ورصد أن القيادة العسكرية تصدرت مشهد الثورة المضادة، في المعركة ضد الثورة، مما جعل القيادة العسكرية للجيش هي رأس حربة الثورة المضادة، وهو ما يُدخل الجيش طرفا في صراع الثورة والثورة المضادة، ويجعل انتصار الثورة رهنا بإفشال مخططات قيادة الجيش. وفي المحرقة سالت أنهار من الدماء، تتحملها قيادة الجيش وأجهزة الأمن، مما حمل الجيش تبعات إراقة دماء المصريين بهذه الصورة المروعة، وهو أمر يؤثر سلبا على علاقة الجيش بالمجتمع، ويجعل على المؤسسة العسكرية مسئولية دماء شهداء تسأل عنها. وتعد المحرقة هي ذروة تفكك المجتمع، وتحوله إلى مرحلة النزاع العميق. ويرى أن محرقة رابعة والنهضة، هي بداية الصراع الوجودي في مصر، سواء بين الثورة والثورة المضادة، أو بين الثوار والقيادة العسكرية المتحكمة، أو بين القطاع الثائر في المجتمع والقطاع المؤيد للاستبداد العسكري. في كل الأحوال، فما تغير في مصر بعد المحرقة، أنها دخلت معركة الصراع الوجودي.
المحرقة ومسار الثورة
كشف "حبيب" أن المحرقة كانت هي لحظة المواجهة الأصعب بين الثائر والمستبد، وبين الحراك الثوري والحكم العسكري، فهي ذروة المواجهة الدموية في صراع القيادة العسكرية على السلطة مع الثورة.التي يراد منها فرض الحكم العسكري بلا منازع. والمحرقة هي ذروة استراتيجية الصدمة والرعب، والتي استهدفت إشاعة حالة من الخوف لدى الحراك الثوري، ولدى جماعة الإخوان المسلمين خاصة.
حكم على المذابح
ونبه إلى أن قائد الانقلاب أراد تكرار تجربة محمد علي باشا، عندما أسس حكمه من خلال مذبحة القلعة، فكانت مذبحة رابعة والنهضة، من أجل تأسيس حكم العسكر في مصر مرة أخرى، وبصورة مباشرة هذه المرة. فالبعض من القيادة العسكرية، يعتقد أن الحكم المستقر، يتأسس على المذابح، التي تخيف العامة، فيستقر الحكم، هكذا يقول البعض ويردد، فهي عقيدة عسكرية لديهم. وأوضح أن بشاعة المحرقة دليلا على رغبة بعض القيادات العسكرية في أن يتم استعادة وتأمين الحكم العسكري المباشر، مرة واحدة وأخيرة، دون أن تظهر أي معارضة له أو ينازعه أحد في شرعيته، أو يتمكن أحد من رفض الأمر الواقع، أو يتمكن أحد من منع استقرار الحكم. وكان يفترض أن تكون المحرقة إذن، نهاية المواجهة، أو مشهد من مشاهد تلك النهاية.
إرادة الثورة
وظن أنه يمكن في القرن الحادي والعشرين، أن يتم تأسيس حكم بالقيام بمذبحة، ونسيت قيادة الانقلاب العسكري، أن الزمن تغير، وأن مرحلة الثورات قد بدأت، وأن هناك بالفعل ثورة حدثت في بر مصر. ويرى "حبيب أن الرد جاء من الحراك الثوري، بعد تجربة دامية في أرض رابعة والنهضة، فإذا به يتجدد بعد أيام، ثم يتمدد عبر الأيام. فكانت صدمة بالفعل، ولكنها لم تؤدِّ إلى ترويع الحراك الثوري، بل أدت عمليا إلى تعضيد إرادة الثورة.
الثورة حتمية
وأكد "حبيب" أنه بعد المحرقة، أصبحت الثورة بالنسبة للمنتمين للحراك الثوري حتمية، وأصبح الاستمرار في الثورة من أجل تحقيق أهدافها واجب والتزام. فبعد المحرقة، أصبحت الثورة هي النتيجة الوحيدة المقبولة من أجل تحقيق أحلام الشهداء. إذا كانت الثورة هي الهدف في كل الأحوال، فإن دماء الشهداء تجعل التمسك بهذا الهدف حتميا، بل وواجبا لا يستطيع التخلي عنه كل من شارك في مراحل الحراك الثوري المختلفة، وكل من آمن فعلا بالثورة، ووقف ضد الحكم العسكري.
إرادة لا تقهر
وقال: تصورت القيادة العسكرية أن المحرقة كافية لكسر إرادة الثورة، فإذا بالمحرقة تؤدي عمليا إلى تقوية إرادة الثورة، بل إن المحرقة جعلت في مصر، بل وفي غيرها من الدول العربية، إرادة للثورة لا تقهر، فهي إرادة تأسست بدماء الشهداء. تلك هي مشكلة حسابات الانقلاب العسكري الخاطئة منذ البداية، والتي جعلته فعلا غير متوقع من البعض، وكاتب هذه السطور منهم. فقد تصور قادة الانقلاب العسكري، أنه يمكن إنجاح الانقلاب بالقوة المفرطة، وأنه يمكن هزيمة الثورة، ولم يدرك قادة الانقلاب، أننا دخلنا بالفعل في مرحلة الثورة. ولم يدرك قادة الانقلاب، أن في مصر قطاعا مستعد لدفع ثمن الحرية.
قلبت الموازين
ويرى أنه جاءت المحرقة لتقلب موازين القوة على الأرض، فمن خلال المذابح لم يستقر الحكم العسكري، ولم تعد المذابح وسيلة للحكم. وبعد المحرقة، تأكد أن في مصر ثوارا قادرين على دفع ثمن الحرية، ولديهم قوة وعزيمة، وأصبحت إرادة الثورة تقوى بدماء الشهداء. بعد المحرقة لم تعد الثورة قابلة للإجهاض، هكذا أتصور، وكأن الثورة انتصرت بالفعل في يوم المحرقة، أي كأن الثورة امتلكت إرادة الصمود والبقاء والاستمرار حتى النصر في يوم المحرقة. فقد أصبح الوفاء لشهداء المحرقة، هو تحقيق الانتصار للثورة.
في ذكرى المحرقة
ورصد أنه جاءت ذكرى المحرقة لتكشف عن حقيقة ما جرى في مصر، فإذا بذكرى المحرقة وكأنها لحظة من لحظات ذروة الثورة، كما كانت المحرقة لحظة ذروة المواجهة مع الثورة المضادة والحكم العسكري، وكأن رابعة والنهضة، هي رمز المواجهة، ولحظة الحقيقة. وأصبحت الثورة أقوى، وتزداد قوة وتوسعا. وتمكن الحراك الثوري من امتلاك قراره، فاستمر دون توقف، وصعد عندما قرر ذلك. وأيضا أصبح تصعيد الاحتجاج السلمي، ومحاصرة قلب العاصمة أمورا صعبة، وأصبح تحديد خطة لحسم المعركة من خلال تصعيد الاحتجاج والتظاهر السلمي أمرا صعبا، بعد أن تبنت القيادة العسكرية استراتيجية القتل من أجل تثبيت الحكم العسكري.
الحسابات الخطأ
واعتبر "حبيب" أنه بعد عام على المحرقة، تأكد أن الحراك الثوري غير قابل للإجهاض، ولكن تأكد أيضا أن الحكم العسكري قادر على تمديد فترة بقائه في السلطة. وتأكد في ذكرى المحرقة، أن القيادة العسكرية مازالت غارقة في الحسابات الخطأ، وأنها سوف تستمر في تلك الحسابات الخطأ. فبعد عام على المحرقة، ورغم فشل استراتيجية الصدمة والرعب، لم تتبنَّ القيادة العسكرية أي استراتيجية أخرى، فخلال عام كامل، كان الاعتقال والقتل والحكم بالإعدام والسجن، وقرارات الحل والحظر، هي وسيلة الحكم العسكري الوحيدة.
حلم الشهيد
فبعد عام على المحرقة أصبح الطريق في اتجاه واحد بحسب "حبيب" وهو المواجهة بين الثورة والحكم العسكري. ولم تعد هناك خيارات كثيرة، بعد أن أصبحت دماء المحرقة، هي التي تحدد الطريق. فمن استخدم سلاح الجيش والشرطة في القتل، مستمر في نفس طريقه لا يستطيع العودة للوراء، وليس لديه بدائل أخرى، ولم يعد قادرا على تغيير مساره، ومن سار في موكب الشهداء، لم يعد أمامه إلا أن يحقق حلم الشهيد، لأنه حلم وطن، وهو الثورة والتحرر.
المعركة وجودية
تلك هي النتيجة برأي "حبيب" أصبحت المعركة وجودية بعد المحرقة، فالمعركة الآن بين التحرر والحكم العسكري، وهي معركة لا تنتهي إلا بنهاية الحكم العسكري، وإنهاء مرحلة سيطرة الجيش على السلطة السياسية والدولة. وهي أيضا معركة لا تنتهي إلا بالتحرر. في بعض مراحل التاريخ، يصبح وجود المجتمع نفسه، رهنا بقدرته على التحرر، وربما تكون مصر وبلاد الربيع العربي، بل وكل الدول العربية والإسلامية، على أعتاب تلك المرحلة.
الحرية والقصاص
ويرى "حبيب" أنه لم يعد هناك إلا الحرية، التي يمكن أن تعالج جراح المحرقة، وتعيد الحق وتحقق القصاص، وتعيد بناء المجتمع على أساس العدل والحرية، ففي المحرقة وما قبلها وما بعدها، غاب العدل بالكامل، فأصبح المجتمع في أزمة، لن يخرج منها إلا بتحقيق العدل، والذي لا يتحقق إلا بالتحرر الكامل غير المنقوص.
مصر بعد المحرقة، دخلت فعليا في مرحلة الانهيار السريع والشامل، ولم يعد أمام مصر الأرض والإنسان، إلا أن تتحرر حتى يمكن أن تستمر. قد يتأخر موعد التحرر، ولكن يبدو له أنه أصبح المخرج الوحيد والملاذ الأخير.