حسن حسن
17 يونيو/حزيران، 2014
استعداء المالكي للأفرقاء السنّة يقع في قلب النجاح الذي يحقّقه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في العراق.
الأحداث المتلاحقة التي يشهدها العراق هي وليدة الفرص المهدورة. بحلول كانون الأول/ديسمبر 2013، كان عدد كبير من القادة السنّة قد ضاقوا ذرعاً بممارسات التنظيم الجهادي المعروف بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، في مناطقهم وفي الطرف الآخر من الحدود في سورية، وأبدوا دعمهم علناً للحملة العسكرية التي شنّتها الحكومة المركزية في العراق ضد قواعد التنظيم. في ذلك الوقت، أتاح الزخم الذي انطلق ضد داعش فرصة متجدّدة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من أجل العمل مع هؤلاء القادة القبليين والدينيين السنّة لمكافحة الإرهاب.
لكن بدلاً من ذلك، ألقى المالكي
خطاباً وصف فيه حملته العسكرية المقرّرة آنذاك في الأنبار بأنها حرب قديمة بين "أتباع الحسين وأتباع يزيد"، في إشارة إلى معركة شيعية أساسية وقعت في القرن السابع. منيت الحملة في الأنبار بإخفاق ذريع يمكن القول الآن بأنه مرتبط مباشرة بالأزمة الحالية. لقد فشلت القوات العراقية في طرد الجهاديين، وأسوأ من ذلك، اتّخذ المالكي خطوات عدّة صبّت في مصلحة المتطرّفين. فقد عمد في خطوة متهوّرة إلى فضّ معسكر احتجاجي شعبي احتشد فيه آلاف العراقيين السنّة طيلة أشهر للمطالبة بالتغيير السلمي، واعتقل النائب السني النافذ أحمد العلواني وقتل شقيقه. لم تهدر بغداد وحسب فرصة فريدة لتجاوز الانقسامات المذهبية بل جعلت الوضع في المناطق السنّية أكثر مؤاتاة لنمو الجهاديين.
اليوم، ربما يتكرّر الخطأ نفسه من خلال لجوء وسائل الإعلام والسياسيين في المجتمع الدولي إلى التبسيطية في وصفهم للتمرّد في العراق. فقد ركّزت العناوين الرئيسة والتصاريح السياسية على تنظيم الدولة الإسلامية معتبرةً أنه القوة الوحيدة التي تقف خلف السيطرة على العديد من المدن السنّية شمال بغداد. وعلى الرغم من أن التغطية الأخيرة بدأت تأخذ في الاعتبار وجود قوى أخرى، إلا أن الديناميات في المناطق السنية لاتزال أشدّ تعقيداً بكثير.
فتنظيم داعش، وبغض النظر عن حجم الدور الذي يقوم به، ليس سوى مجرد فصيل واحد في التمرد. لقد شاركت ست مجموعات على الأقل في الهجوم.
فإلى جانب التنظيمَين الجهاديين، داعش وأنصار الإسلام، يضم المتمردون في صفوفهم ائتلافاً من نحو 80 قبيلة سنّية عربية يُعرَف
بالمجلس العسكري لثوار عشائر العراق، وله حضور قوي في المناطق السنية لاسيما في الفلوجة والرمادي وفي مناطق متعدّدة من نينوى وصلاح الدين.
نقلاً عن موقع "العربي الجديد"، يضم الائتلاف، بحسب التقديرات، نحو 41 مجموعة مسلّحة مؤلفة من جنود وضباط سُرِّحوا من جيش صدام حسين.
ثم هناك جيش رجال الطريقة النقشبندية الذي يتردّد أنه بقيادة نائب الرئيس العراقي السابق عزت الدوري. يتألف التنظيم الذي أنشئ في العام 2007، من آلاف الأعضاء السابقين في حزب البعث، وكذلك من مقاتلين صوفيين ومؤيّدين للإخوان المسلمين. وهو خصم قوي لتنظيم داعش، أقلّه على مستوى الأعداد، كما أنه متجذّر بقوة على صعيد المجتمع. في العام 2009، نبّه مسؤولون أميركيون إلى أن جيش رجال الطريقة النقشبندية قد يكون أشدّ خطراً من تنظيم القاعدة بسبب نجاح أعضائه في مدّ جذور عميقة في المجتمع السنّي العراقي.
يقلّل النقشبنديون الذين يتحرّكون في شكل أساسي في الموصل، من شأن تركيزهم على الطائفة السنية، ويزعمون أن في صفوفهم عناصر أكراداً وشيعة. يقول المراقبون المواكبون لنشاط التنظيم إنه يعمل أيضاً تحت مسمّيات مختلفة، أبرزها المجالس العسكرية والقبلية المؤقتة. لكن يبدو أن الموالين لحزب البعث العراقي المنحل يسيطرون على الجيش كما يفعلون في عدد كبير من الجماعات السنية التي ظهرت في أعقاب الحركة الاحتجاجية التي اندلعت بين العامَين 2011 و2013، مثل المجلس العسكري العام لثوار العراق. وقد أكّد أبو ماريا القحطاني، أحد كبار الجهاديين العراقيين الذي يعمل الآن مع جبهة النصرة في سورية، هذه النزعة لدى أنصار البعث العراقي بالتحرّك عبر جبهات مختلفة، وذلك من خلال تغريدة له عبر موقع تويتر جاء فيها: "ينشط البعثيون على كل المستويات وبوجوه وأشكال متعددة". قال متحدّث باسم المجلس العسكري العام لثوار العراق لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يوم الأحد الماضي، إن مجموعته أقوى من تنظيم الدولة الإسلامية، وإنهم يتلزمون بمبادئ اتفاقية جنيف خلافاً لتنظيم داعش الذي وصفه بـ"البربري".
فضلاً عن داعش، أدّت المجموعات الأخرى دوراً مهماً في القتال، كما ذكرت مصادر محلية. فهي لم تشارك في القتال وحسب، بل أصبحت أيضاً القوة المسيطرة في العديد من المناطق، ومنها الموصل وكركوك. ورد في
تقرير بثّته قناة العربية الفضائية السعودية أن الجيش الإسلامي، الذي يُعتقَد أنه المجموعة المسلّحة الأكبر بعد داعش والمجالس العسكرية، منع تنظيم الدولة الإسلامية من دخول الضلوعية على بعد نحو 55 كلم شمال بغداد بعد سيطرته عليها، وذلك بسبب الخلافات العقائدية. كما سيطرت القوات العشائرية، بحسب التقرير نفسه، على مناطق مثل العلم وحجاج والبو عجيل؛ وفي الموصل، سيطرت القوات العشائرية والنقشبنديون على مناطق مثل الوحدة وسكر وبلديات.
المقلق في الأمر هو أن هذه القوات تتدخّل إلى جانب تنظيم داعش، وليس مصدر القلق أنهم يقاتلون مع الجهاديين بل إن عدداً كبيراً من أولئك المقاتلين وقف من قبل جنباً إلى جنب مع الحكومة المركزية في وجه المتطرّفين. هذه الحقيقة لوحدها كافية كي يتمكّن المجتمع الدولي من تحديد الأسباب الحقيقية خلف الأزمة الراهنة. لقد أظهر القادة الدينيون والقبليون السنّة مرات عدّة أنهم مستعدّون لدعم الحكومة المركزية ضد التطرف: خلال زيادة عديد الجنود الأميركيين في العراق عام 2007، وقبل حملة الأنبار في كانون الأول/ديسمبر 2013، وبضع مرات بين المحطّتَين.
ليست لهذه القوات قواسم مشتركة كثيرة مع تنظيم داعش. بل إن التشنّجات تشتدّ بين الفريقَين، في الإعلام والميدان على السواء. بعيد الاستيلاء على الموصل الأسبوع الماضي، وجّه تنظيم الدولة الإسلامية تحذيراً إلى النقشبنديين لإزالة صور صدام حسين من شوارع الموصل في غضون 24 ساعة، ثم فرض ألا تُصدر أي مجموعة أخرى سواه بيانات عن التطوّرات على الأرض. تعكس هذه التوتّرات خلافات عميقة، إذ تعتبر الدولة الإسلامية في العراق والشام أن البعثيين كفّار في حين ينبذ البعثيون تشدّد داعش الديني.
المؤشر الآخر هو أن السنّة في العراق يخشون رداً عسكرياً من الحكومة أكثر من خشيتهم من الميليشيات في أحيائهم. يعود السكّان إلى مناطقهم، ويعربون، بحسب مصادر في الموصل، عن شعور بالارتياح لرحيل القوات الحكومية. تروي إحدى السيدات أن شقيقها الأصغر قال لها إنه لم يسبق له أن رأى المدينة من هذا المنظار: "نشأ في ظل العقوبات، والاحتلال و[القمع] الأمني من جانب الحكومة. يرفض المغادرة الآن لأن المدينة تبدو حقيقية لأول مرة بالنسبة إليه".
الإقرار بهذه الديناميات، بدلاً من التركيز على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ضروري لتسوية الأزمة. الرهانات الآن في العراق أعلى من أي وقت مضى، ولم يسبق أن بلغ الوضع هذا المستوى من الخطورة. عندما واجه العراق حربا أهلية وصعود عناصر تنظيم القاعدة بين 2005 و2007، كانت القوات الأمريكية لا تزال في البلاد والزعماء الدينيين من كلا الجانبين يدعون الى الهدوء. اليوم، تواجه البلاد تحدّيات مماثلة لتلك التي واجهتها سابقاً إنما في غياب القوى التي ساعدت من قبل على إنقاذ العراق: فالقادة الدينيون السنّة إما يدعمون التمرّد وإما فقدوا الصدقية إلى درجة أنهم لم يعودوا قادرين على ممارسة أي تأثير. أصدر آية الله العظمى علي السيستاني الذي أدّى دوراً محورياً في تهدئة التشنّجات المذهبية خلال الحرب الأهلية بين العامَين 2005 و2007، فتوى دعا فيها العراقيين إلى حمل السلاح والانضمام إلى القوات الحكومية لقتال تنظيم الدولة الإسلامية. على الرغم من أن السيستاني أراد مخاطبة جميع العراقيين بغض النظر عن مذهبهم، إلا أن فتواه اعتُبِرت دعوةً لحمل السلاح ضد السنّة نظراً إلى الاستقطاب الشديد.
الطريق نحو الأمام يمرّ بعملية سياسة شاملة وذات صدقية. لايزال العراقيون السنّة الراغبون في المشاركة في العملية السياسية أكثرية. لكن بالنسبة إليهم، أظهر المالكي مراراً وتكراراً أنه لايمكن أن يكون محط ثقة. في العام 2010، ارتكبت واشنطن خطأ بقبولها خطة إيرانية لمساعدة المالكي على البقاء في الحكم لولاية ثانية على الرغم من فوز القائمة العراقية بأكثرية الأصوات. وفي خضم الأزمة الراهنة، ثمة مؤشرات بأن واشنطن سترتكب خطأ آخر عبر السعي للحصول على مساعدة إيران في محاربة تنظيم داعش. فمن شأن ذلك أن يزيد الطين بلة ويؤدّي إلى تعميق شعور السنّة بالنفور والخيانة.
حسن حسن باحث مشارك في معهد دلما للبحوث في أبو ظبي. يمكنكم متابعته على موقع تويتر@hhassan140.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية
More Than ISIS, Iraq’s Sunni Insurgency
JUNE 17, 2014 Hassan Hassan
عربي
Maliki’s alienation of Sunni actors is at the heart of ISIS’s success in Iraq.
The story of the ongoing events in Iraq is one of lost opportunities. By December 2013, many Sunni leaders had become tired of the jihadist group the Islamic State of Iraq and al-Sham (ISIS) actions, in their areas and on the other side of the border in Syria, and publicly supported the federal government’s military campaign against the group’s bases. At that time, the momentum against ISIS offered a renewed opportunity for Prime Minister Nouri al-Maliki to work with these Sunni tribal and religious leaders to combat terrorism.
But instead, Maliki gave a
speech in which he portrayed his planned military campaign in Anbar as an ancient war between “the followers of Hussein and the followers of Yazid”, a reference to a 7th century defining Shiite battle. The
campaign in Anbar has been a disaster, and that failure is
directly relevant to today's crisis. The Iraqi forces failed to dislodge the jihadists and, even worse, Maliki took several steps that played into the hands of extremists. He foolishly shut down a popular protest camp in which thousands of Sunni Iraqis rallied for peaceful change for months,
arrested powerful Sunni Member of Parliament Ahmed al-Alwani and killed his brother. Baghdad did not only miss a unique opportunity to move beyond the sectarian divide but made the situation in Sunni areas more favorable for jihadists.
Today, the simplistic portrayal by media and world politicians of the rebellion in Iraq risks making a similar mistake. Headlines as well as political statements focused on ISIS as the only force behind the takeover of several Sunni cities north of Baghdad. And although more recent coverage started to acknowledge the presence of other forces, the dynamics in Sunni areas are still far more complex. But regardless of the extent of its role, ISIS is only one faction in the insurgency. There are at least half a dozen groupings that took part in the offensive.
Other than the two jihadist militias ISIS and Ansar al-Islam, insurgents include a coalition of nearly 80 Sunni Arab tribes, known as the
Military Council of the Tribes of Iraq. This coalition has strong presence in Sunni areas especially in Fallujah, Ramadi, and in various areas in Nineveh and Salaheddin.
According to Arabic news site al-Araby al-Jadid, the coalition is estimated to include about 41 armed groups, among them soldiers and officers from the dismantled Iraqi army of Saddam Hussein.
Then there is the Army of the Men of the Naqshbandi Order, a group
allegedly headed byformer Iraqi vice president Izzat Ibrahim al-Douri. Formed in 2007, the group consists of thousands of former members of the Baath party, as well Sufi and Muslim Brotherhood-leaning fighters. At least in terms of numbers, the group is a strong rival to ISIS and has strong social roots in the community. In 2009, U.S. officials warned that the order might be more dangerous than Al-Qaeda because its members succeeded in establishing deep roots within Sunni Iraqi society.
The Naqshbandis, who operate mostly in Mosul, downplay their Sunni focus and claim to have Kurdish and Shiite members. Observers of the group say that it also operates under different names primarily provisional military and tribal councils. But it appears that loyalists to the dismantled Baath Party of Iraq dominate the army as they do in many of the Sunni groupings that emerged in the wake of the protest movement of 2011-2013, such as the General Military Council of the Iraqi Revolutionaries (GMCIR). This tendency of Iraqi Baath loyalists to operate through fronts was confirmed last week by Abu Mariya al-Qahtani, a prominent Iraqi jihadist who now works for Jabhat al-Nusra in Syria, who tweeted: "the Baathists work on all levels and with several faces and forms." A spokesman of GMCIR told the BBC on Sunday that his group is stronger than ISIS and that they adhere to the principles of Geneva Convention unlike ISIS which he described as "barbarian.”
These non-ISIS groups have played a significant role in the fighting; according to local sources they not only took part in the fighting but have been the dominant force in several areas, including Mosul and Kirkuk. According to a
report by Saudi Arabia channel Al Arabiya, the Islamic Army, believed to be the largest armed group after ISIS and the military councils, prevented ISIS from entering Dulu'iyya, around 55km(34mi) north of Baghdad after they took control of it due to ideological divergences. Tribal forces, according to the same report, controlled areas such as Alam, Hajjaj, al-Bu Ujail and in Mosul, tribal forces and Naqashbandis controlled areas such as al-Wahda, Sukkar, Baladiyat.
The involvement of such forces alongside ISIS is the worrying trend, not because they fight side by side with jihadists but because many of those fighters once stood by the federal government against the extremists. This fact alone should help the international community figure out the true causes for today’s crisis. Sunni religious and tribal leaders have shown several times that they were willing to stand by the federal government against extremism: during the “Iraqi Surge” in 2007, before the Anbar campaign in December 2013, and a few times in between.
These forces have little in common with ISIS. Indeed, tensions are already mounting between the two, in media and on the ground. Shortly after the takeover of Mosul last week, ISIS issued a 24-hour ultimatum to the Naqshbandis to remove posters of Saddam Hussein from the streets of Mosul, and then demanded that no other group issue a statement about events on the ground. These tensions reflect profound differences, as ISIS considers Baathists to be kafirs (infidels) while Baathists reject ISIS religious extremism.
Another indication is the fact that Sunni residents fear a government military response more than they fear the militias in their neighborhoods. Residents are already returning to their areas and, according to sources in Mosul, people are expressing a sense of relief for the departure of government forces. A local resident noted that her younger brother said he never saw his city in this light before: “he grew up under sanctions, under occupation and government security [crackdown],” she said. “He refuses to leave now, as the city feels real for him for the first time.”
Recognition of these dynamics, instead of focusing on ISIS, is essential to resolving the crisis. The stakes in Iraq are higher than any time before, and the situation has never more perilous. Between 2005 and 2007, when Iraq faced a civil war and the rise of Al Qaeda elements, the American troops were still in the country and religious leaders from both sides actively called for calm. Today, the country faces similar challenges but without the forces that helped to save Iraq before: Sunni religious leaders are either supporting the rebellion or too discredited to have any influence. Grand Ayatollah Ali al-Sistani, who played a central role in calming sectarian tensions during the 2005-2007 civil war, has issued a fatwa calling on Iraqis to pick up arms and join the government’s forces in fighting ISIS. Although he intended to speak to all Iraqis regardless of their sect, his fatwa has been seen as a call for arms against Sunnis owing to the deep polarization.
A credible and inclusive political process is the way forward. Sunni Iraqis willing to engage in the political process are still the majority. But, to them, Maliki has shown time and again that he cannot be trusted. In 2010, Washington made the mistake of accepting an Iranian plan to help Maliki assume a second term despite the fact that the Iraqiyya bloc won a majority. In this crisis, there are signs that Washington will make another mistake, by seeking Iran's help in fighting ISIS. But that only adds insult to injury and will deepen Sunnis' sense of estrangement and betrayal.
Hassan Hassan is a research associate with the Delma Institute, a research center in Abu Dhabi. Follow him on Twitter @hhassan140.
مجموعة العراق فوق خط احمر