"مالينا" فيلم رومانسي بدأ عرضه في دور السينما الإيطالية عام 1991. وفي الفيلم، تتعرض الجميلة مالينا لمضايقات أهل الحارة من رجال ونساء بعد استدعاء زوجها للمشاركة في الحرب العالمية. فتتهمها النسوة في شرفها، ويطمع فيها كافة الرجال، وحتى أطفال الحارة، لم تسلم من نظراتهم الشبقية. فها هو ريناتو الذي لم يغادر أعتاب الثانية عشرة يتلصص على مفاتنها من شقوق الجوار، ويضاجعها في أحلام يقظته ومنامه. لكن مالينا ترفض كل مغريات السقوط وتحفظ عهد نينو سكورديا الذي يطول غيابه أكثر مما تحتمل الأنثى بداخلها، وتظل وفية له حتى يأتيها نبأ وفاته.
وتتكاثر شائعات القرية حتى تتناهى إلى سمع أبيها، فتسوء العلاقة بينهما وتنتهي إلى القطيعة. ثم يغادر الرجل دون أن تكحل مالينا عينيها برؤيته، وكأن الحرب العالمية لم تقم إلا لتدمر حظ الفتاة التعسة في حياة كريمة. ولا يتبقى لمالينا ساعد تتكئ عليه في محنتها إلا ساعد ضابط بالجيش. لكن الرجل يضطر هو الأخر إلى الرحيل بعد محاكمة نالت من سمعته في قضية شرف رفعتها زوجة طبيب أسنان القرية ضد مالينا.
وتتعاظم المحن، وتعجز مالينا عن تحمل نفقاتها، فتمارس البغاء لتحفظ أودها، وتتحول إلى بائعة للهوى لتأكل بثدييها. ويراها المراهق ريناتو بصحبة المحتلين الألمان، فيسقط مغشيا عليه، فيظن أبوه أن به مسا من جنون، لكنه يكتشف أن ولده يعاني من شبقية زائدة، فيحمله إلى أحد المواخير ليتحول إلى رجل صغير على يدي عاهرة.
وبعدما وضعت الحرب أوزارها، تجتمع نسوة الجوار على مالينا وتنهلن على رأسها وجسدها بالنعال، وتطاردنها حتى قرية ماسينا. وفجأة، يعود الزوج من حربه إلى عش الزوجيه، ليجده رمادا، ويرى بعض مشردي الحرب يحتلون غرفه الخاوية. ويتطوع الرجل الصغير ريناتو بكتابة رسالة من مجهول تخبر الزوج العائد بمكان زوجته. وبعد عام، تعود مالينا من القرية التي طردت منها شر طردة متأبطة ذراع زوجها، فتقابلها النسوة بترحاب غير متوقع وتنادينها "سنيورا سكوردا". وينتهي الفيلم دون أن تعرف مالينا بقصة الطفل الذي قرر أن يخرج من حياتها نهائيا بعد نظرة وداع من فوق دراجته الهوائية.
لكن قصة الفيلم الدرامية تحولت تحت إشراف المخرج فيليني إلى عمل مقزز، كما تحولت المعلمة مالينا على يدي ممثلة الإغراء مونيكا بيلوشي إلى غانية، وأخيرا أفسدت الكاميرا الحبكة والدراما بالتركيز المفرط على مفاتن مونيكا وممارساتها المقززة مع رفاق الغواية. وهكذا، تحول العمل من ثورة مستحقة ضد حرب تستنزف فضائل المواطنين وأخلاقهم إلى جملة من المشاهد التي تداعب خيال المراهقين وتفسد قيمهم.
وفي مصر، تخرج مالينا الجميلة من براءتها الإيطالية الأولى لترتدي، ومن أول مشهد، حلة الغواية، فيتسابق لإشعال سيجارتها ثلة من المتنطعين من المراهقين في حارة لا فضيلة فيها لأحد. ووسط مشاهد من العري الصاخب والانحطاط الأخلاقي غير المسبوق، تتوارى الفضيلة في حارة ببولاق الدكرور، ووتحول مالينا على يدي هيفاء وهبي إلى رمز للغواية، مما يخرج الفيلم صورة ومضمونا عن الغاية التي رسمت له - إن كان للفيلم ثمة غاية غير جني الأرباح.
يستطيع على الجندي أن يدعي أن "روح" و"مالينا" توأمي معاناة، وأن قصة فيلمه الممنوع من العرض غير مأخوذة عن القصة الإيطالية، لا سيما وأنها تتجاوزها بكثير في الإسفاف والعبثية والمشاهد الخليعة، كما يستطيع السبكي أن يدعي أن مشاهد الفيلم الإيطالي أكثر سخونة من مشاهد فيلمه "حلاوة روح"، لكن سامح عبد العزيز لا يستطيع أن ينكر أن عبثية الكاميرا فاقت كافة التوقعات وهتكت كل ما لم ترد الفنانة هيفاء ستره.
ولا يستطيع طاقم الفيلم أن يخرج في مظاهرة تنادي بحرية الإبداع، لأن الفرق بين الإسفاف والحرية محيطات من المنطق الصرف والحس السليم، ولأنه لا إبداع في فيلم مقتبس إلا في شبقية الكاميرا ، يبقى خروج أسرة الفيلم لميدان التحرير ظلما للميدان وانتهاكا للحرية. فالشعب الذي هاج يوما ونفر إلى الميادين لم يخرج مطالبا بإسقاط القيم وحرية الإسفاف.
يستطيع السبكي أن يعوض خمسة عشر مليون جنيه من الخسائر من خلال بضاعة السيديهات المزجاة كما يقترح نجيب سويرس، ويستطيع أن يعرضها مجانا خلسة للباحثين عن اللذة الرخيصة ليزيد شعبية فيلم بلا قصة ولا غاية، لكنه لا يستطيع أن يدعي أنه يناضل من أجل الحرية التي دفع لأجلها ثوارنا أغلى ما يملكون. يستطيع السبكي وسامح عبد العزيز أن يملآ الإعلام صخبا وأن ينتزعا حكما قضائيا بعرض الفيلم رغم أنف الحكومة، لكنهما لن يستطيعا أن يقنعا الأحرار في هذا البلد بالوقوف معهما في ميدان التعهير.
في رواية همس الجنون، يجرب بطل نجيب محفوظ الخروج على مألوف العادة، فيرفع قدما ويحط قدما، ويسير ويبطئ دون داع، ويرفع يديه وعقيرته بالضحكات الهستيرية دونما سبب. ثم يزداد غرورا، فيصفع أقفية المارين ويبصق في وجوههم، ويضحك ملء عقيرته. ثم يقرر التعرض لصدر امرأة، وينتهي إلى خلع ملابسه فوق قارعة الطريق، وهو يضحك ملء شدقيه. تلك هي حرية السبكي التي يناضل من أجلها اليوم، وتلك هي "حلاوة روح" سينما تحتضر.
Shaer129@me.com