لو كنت من الإخوان لبادرت إلى إرسال برقيات شكر إلى أغلب الكتـاب والمعلقين المصريين على ما يقدمونه للجماعة من خدمات جليلة، حين صوروها بحسبانها قوة عظمى لها أصابعها ونفوذها في مختلف أنحاء العالم.
صحيح أن وسائل الإعلام المصرية لم تكف عن شيطنة الإخوان طول الوقت، إلا أنها في الوقت ذاته لم تقصر في تسليط الأضواء على نجاحها في اختراق أهم وأبرز مواقع التأثير والقرار في العالم.
وهي دعاية قـدمت إليهم بالمجان، ولا يقلل من شأنها أنها تمت على غير رغبة أو قصد من الفاعلين الذين أطلقوها أصلا للتشهير بالجماعة ومحاولة اغتيالها.
لن أتوقف عند ما قاله ذات مساء مقدم البرامج الهُمام عن أن الإخوان هم السبب في سقوط الأندلس، مؤكداً على عراقتها،لأن ذلك يعنى أن الجماعة المذكورة ــ ربما من خلال تنظيمها الدولي (!)ــ كان لها دورها الفاعل حتى قبل 400 سنة من مولد مؤسسها(سقوط الأندلس حدث في شهر يناير عام 1492، ومؤسس الجماعة الأستاذ حسن البنا ولِد في عام 1906).
ولئن بدت هذه المعلومة «واسعة» بعض الشيء، إلا أن ذلك لا يلغي فكرة العراقة لذلك التنظيم المعجزة الذي كانت له إخفاقاته قبل أربعة قرون من ميلاد مؤسسه.
إذا تجاوزنا ذلك الاكتشاف التاريخي المدهش، فثمة اكتشاف أخطر، هو أن الجماعة اخترقت البيت الأبيض أيضا.
فأوباما نفسه ليس بعيدا عنها، وإذا كان شقيقه ينتسب إلى تنظيم الأخوان، كما قالت سيدة لها صلة بالقانون والقضاء على شاشة التلفزيون.
فإن ذلك لا يمكن أن يتم بغير علم الرئيس الأمريكي ولا أجهزة مخابراته التي تتجسس على العالم، ولا يمكن أن تفوتها معلومة بتلك الأهمية.
ثم إن ذلك يفسر ما تردد في كتابات بعض زملائنا عن التحالف الأمريكي الإخواني، الذي أصبحت فكرته من الثوابت المستقرة في الإعلام المصري.
وإذا كانت الجماعة الجبارة قد اخترقت البيت الأبيض وجندت لصالحها بعض من فيه، فلا تستغرب قدرتها على اختراق بعض من أهم المنابر الإعلامية الأمريكية.
وقد قرأنا هذا الأسبوع انتقادا حادا لصحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست، واتهاما صريحا لهما بالتحيز لصالح الإخوان.
وهو ما سجله رئيس اتحاد الكتـاب في مصر حين كتب، أمس، قائلا بأن نيويورك تايمز عبرت عن ذلك «الانحياز الكامل» عندما انتقدت نص مشروع الدستور الجديد على حظر قيام الأحزاب على أساس دينى،أما جريمة واشنطن بوست فقد كانت أشد، لأنها دعت إلى إشراك الإخوان في الحياة السياسية.
وهى ذات التهم التي تورطت فيها صحيفة «الجارديان» البريطانية، حتى وصفها المستشار الصحفي للرئيس بأنها «صحيفة صفراء»، وكانت تلك التهم من مسوغات الترويج لمقولة اختراق الإخوان للإعلام الألماني.
أبرز دليل على توهم استشراء نفوذ الإخوان في الولايات المتحدة رصدته بعض وسائل الإعلام المصرية في موقف مجلة «تايم» التي استبعدت الفريق عبدالفتاح السيسي من قائمة العشرة المبشرين بالمجد والشهرة.
فقد ذكرت إحدى المذيعات أن الإخوان كانوا وراء الاستبعاد، بسبب اختراقهم لدائرة صنع القرار في المجلة المذكورة.
وقالت إحدى الصحف إن الاستبعاد كان استجابة للضغوط الأمريكية والإسرائيلية (على اعتبار أن للإخوان نفوذهم في البلدين).
وقرر أحد الكتاب أن وراء الاستبعاد عدة عوامل منها أن الفريق السيسي بعزله للرئيس مرسى أجهض الخطط الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط لمدة 25 عاما قادمة،باعتبار أن الإخوان مدعومين بواشنطن كانوا بصدد الحصول على الامتياز الحصري للمنطقة في مصر وتونس وسوريا واليمن، ومستقبلا في المغرب والجزائر والكويت والسعودية.
قرأنا أيضا لمن قال إن التحالف الأمريكي الإخواني الذي انخرطت فيه تركيا وقطر كان يدفع الأمور في منطقة الشرق الأوسط بما يعيد رسم خرائطها من جديد، من خلال إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد الذي كان من شأنه أن يرتب تداعيات في المشرق تكون أساسا لتلك المتغيرات المفترضة.
لقد ذكرت من قبل أن أبواق النظام وممارساته هي أكثر ما أساء إليه خلال الأشهر الخمسة الماضية،واليوم أضيف أن تلك الأبواق ذاتها ما برحت تنفخ في صورة الإخوان حتى حولتهم إلى أخطبوط كبير يحرك الأحداث والرياح في مختلف أنحاء الكرة الأرضية، من خلال ما تبثه من دعايات وفرقعات تتحدث عن عالم وهمي مسكون بالوقائع المختلقة.
لا أعرف ما إذا كانت تلك الأوهام قد انطلت على الناس أم لا، لكنني سوف أستغرب كثيرا لو عرفت أن الذين أطلقوها يصدقونها،ولن أفاجأ إذا ما استشعر الإخوان إزاءها خليطا من الزهو والامتنان.
كما أن بعض منابرنا الإعلامية اعتبرت كل من انتقد النظام أو عارض ممارساته منتميا إلى الطابور الخامس،فإنها لم تحتمل اختلافا أو تحفظا من جانب أي منبر أو عاصمة في العالم واعتبرت أن ذلك الموقف جزء من مؤامرة دولية على ما قيل إنه زلزال 30 يونيو الذي أطاح بالإخوان وهز الأكوان.