بقلم د . رفعت سيد أحمد
بعد ثورة 25 يناير 2011 ، بدأ المصريون يشعرون بأن أثمن ما يدافعون عنه فى الزمن الجديد ، هو (كرامتهم) ، تلك القيمة التى كان يدوس عليها النظام السابق ، بلا رحمة ؛ وكانت آلة إعلامه المزور ، يطلى الإهانة ، بطلاء كاذب من العزة ، لكنه لا يخفى زيفه عن كل ذى بصيرة ، ولم يكن شعور المصريين – بعد الثورة - بأهمية (الكرامة) ، قاصراً على شئون الوطن الداخلية ، بل تعداه إلى كرامة المصريين فى الخارج ، وأضحى شعور المصرى بكرامته ، شديد الوضوح والقوة ، ربما لأن هذه الثورة أعطت للمصرى ثقة ، فى الذات وتقديراً لها ، ثقة كانت منتقصة ومهانة على عهد الرئيس المخلوع ، الذى لم يكن يشغله كرامة (المصرى) فى الداخل أو الخارج ، بل كان عامل انتقاص من هذه الكرامة بتواطؤ واضح مع حكومات نفطية ، وأجنبية تفننت عبر أنظمة الاستعباد الحديثة مثل نظام (الكفيل) فى إهانة المصرى وإذلاله وهو يسعى فى رزقه ، ويبنى حضارة وعمران تلك البلاد بعقله وسواعده وإخلاصه ،(نموذج ماقام ولايزال يقوم به المصريون فى مملكة ال سعود) لقد كان المصرى فى عهد مبارك ، وبإجماع تقارير منظمات حقوق الإنسان المصرية والعالمية ، مهاناً فى بلاده وخارجها ، فما بالها لازالت قائمة بعد أن رحل رأس النظام ؟! .
* لقد كان متوقعاً أن تقضى ثورة يناير على ظاهرة إهانة المصريين فى الخارج ؛ ولكن ما جرى كان على النقيض من ذلك ، لقد استمرت ممارسات بعض الحكومات العربية ضد العمالة المصرية ، وتعمدها توجيه الإهانة لها بشكل دورى وكأن الأمر انتقاماً من أبناء مصر لأنهم ثاروا على الكنز الاستراتيجى لتلك الدول (وبخاصة السعودية ) – وليس فقط إسرائيل - (ونقصد به نظام الرئيس المخلوع) أو كأنها محاولة لحيلولة دون وصول رياح الثورة وربيعها إلى شواطىء تلك البلاد القاحلة ، والفقيرة إلى الديمقراطية فى ظل أنظمة حكم وراثية تهيمن على الثروة والسلطة منذ عشرات السنين ،(تأمل حال مشيخيات الخليج التى يحكمها أسر فاسدة وتابعة لواشنطن وتل ابيب منذ ثلاثينيات القرن الماضى) إن ما تناقلته وسائل الإعلام وشاهدته أروقة السياسة خلال الأيام الماضية من أزمات سياسية وحقوقية متصلة اتصالاً وثيقاً بملف إهانة كرامة المصريين خارج بلادهم بعد ثورة يناير يحتاج إلى وضع بعض النقاط على الحروف علها تفيد :
أولاً : إن محاولة بعض الحكومات العربية إثارة أزمات سياسية ،مثل قطع العلاقات السياسية أو الاقتصادية أو الحملات الإعلامية الظالمة مثلما فعلت مؤخرا السعودية بعد اعتقالهم وتعذيبهم لاحمد الجيزاوى ثم تلفيق مكشوف لتهمة ظالمة له هى حيازة 50 كيلو مخدرات وهى تهمة قصد بها تشويهه وضمان حبسه عدة سنوات فى دولة بلا قانون يحكمها كما نعلم جميعا، ان ملف اهانة كرامة المصريين فى بلادهم ملف متخم و ثابت بالأدلة والبراهين الدامغة حتى لو أنكره أتباعهم من سماسرة السياسة والاعلام فى بلادنا ، ان ماتم هو محاولة استباقية فى تقديرنا لطمس حقيقة المهانة التى يتعرض لها آلاف المصريين فى تلك البلاد((اقصد ممالك الخليج المجتلة بلا استسناء)) ، وهى بلاد أغلبها بلا نظام قانونى أو قضائى محترم ، وبالتالى تلفيق الاتهامات أمر وارد جداً فلا نقابة للمحامين هناك ولا أجهزة نيابة مستقلة ولا فقه دستورى أو تشريعى حقيقى ، وهذه بالمناسبة معلومات تعرفها جيداً منظمات حقوق الإنسان والنشطاء الحقوقيين فى كافة أنحاء العالم ، لذلك فإن ما يقال عن إهانة كرامة المصريين فى تلك البلاد ، يمثل حقائق مؤكدة لاتحتاج الى اثبات فهى ثابتة فى شهادات موثقة فى المنظمتين المصرية والعربية لحقوق الانسان، رغم القصف الإعلامى،ورغم تواطؤ الساسة المؤلفة قلوبهم بفعل سطوة البترودولار على إرادتهم الوطنية .
ثانياً : إلا أننا لا ينبغى أن ندين فقط حكومات أو مسئولى تلك البلاد التى تعتدى على كرامة المصريين فى الخارج والتى يجرى حكامها بعد الإهانة ليثيروا أزمة سياسية(كما حدث من ال سعود وسفيرهم المتغطرس فى القاهرة) مصداقاً للمثل الشعبى المصرى البليغ (ضربنى وبكى وسبقنى واشتكى) ينبغى بنفس القوة أن ندين وزارة الخارجية المصرية هنا فى القاهرة وسفراءها فى تلك البلاد الذين تقع على عاتقهم المسئولية الأولى فى الحفاظ على كرامة وحقوق المصريين فتقاعسوا ، بل وتحولوا إلى أداة مساعدة فى إهانة المصريين من خلال تجاهل صرخاتهم وآلامهم من أنظمة العمل الجائرة فى تلك البلاد القاحلة فى عدلها وديمقراطيتها أو من التصديق المستمر على رواية ما تقوله حكومات تلك الدول عن أن (المصرى المسكين) أو العامل أو الزائر لتلك البلاد هو السبب دائماً فى كل المشاكل؛ دون أن يتحققوا بأنفسهم ودون أن يترفعوا عن (الهدايا) التى يتلقونها من مسئولى تلك البلاد مكافأة لهم على المشاركة فى (وليمة) إهانة المصريين الذين يمثل الدفاع عنهم مسئوليتهم المباشرة .
* إن المصرى بعد ثورة يناير 2011 اختلف عنها قبلها ، وفى مقدمة قضايا الاختلاف ، قضية الكرامة أو الإحساس بالعزة ؛ وعلى حكومات وسفراء تلك البلاد التى تعتدى على هذه الكرامة ؛ وعلى وزارة خارجيتنا الكسولة والنائمة فى العسل أن تدرك ذلك ، وإذا لم يفعلوا جميعاً ، فلا يلومن أحد إلا نفسه عندما يضجر الناس ويثورون ، قائلين مع الشعر الجميل :
لا تسقنى ماء الحياة بذلة
بل فأسقنى بالعز كأس الحنظل
* فهل من مستمع فى بلاد النفط ووزارة الخارجية ؟! .