2012-03-01
القدس / المنار/ المسؤولون الامريكان والاسرائيليون الذين بحثوا قبل اكثر من عام في جلسات عمل ونقاش مكثفة الاثار المتوقعة للانسحاب الامريكي من العراق الذي انتهت الولايات المتحدة منه وبشكل رسمي نهاية شهر ديسمبر 2011 وفي ظل ما يشهده العالم العربي من اضطرابات توقفوا طويلا عند مسألة امكانية تشكل تحالفات اقليمية مستقبلية غير مريحة بالنسبة للولايات المتحدة واسرائيل وحلفائهما في المنطقة وان تتحول تلك التحالفات الى ضوابط لا يمكن تجاوزها في اي حلول او ترتيبات مستقبلية قد ترغب واشنطن و تل ابيب في تمريرها في ساحات مختلفة. تلك النقاشات الامريكية ـ الاسرائيلية اجمعت على ان استقرار سياسي داخلي في العراق بعد الانسحاب الامريكي سيفتح الباب تدريجيا امام رغبة عراقية في اقامة تحالفات اقليمية تتلاءم مع حقيقة التغير الطائفي في النظام العراقي بعد سنوات طويلة من حكم حزب البعث وعدم الاستقرار الامني الذي اعقب الاحتلال الامريكي للعراق، ومن بين السيناريوهات التي طرحت في تلك اللقاءات والمشاورات كان سيناريو تشكل تحالف ايراني عراقي سوري وان تخرج الاوضاع السياسية في العراق عن دائرة وطوق التأثير الامريكي والاقليمي الداعم للولايات المتحدة وان تنجح ايران في اقناع العراق بمثل هذا التحالف الذي سيساعد طهران في صراعها مع الغرب ويقضي على اي فرصة لفرض عقوبات اقتصادية فعالة على طهران في ظل تحالف متعدد الاشكال والاهداف.
المجتمعون واصلوا لقاءاتهم الخاصة بمراقبة وتتبع ما يحدث في العراق والخوف من استقرار الساحة الداخلية العراقية حتى بعد انتهاء انسحاب القوات الامريكية من العراق في ظل الاحداث والاضطرابات في العالم العربي التي يفضل الغرب ان يطلق عليها اسم "الربيع العربي"، واكثر ما كان يقلق هؤلاء المسؤولون من اسرائيل والولايات المتحدة ان تستمر رياح "ربيع العرب" بشكل لا يتلاءم مع المصالح المشتركة للبلدين، خاصة وان الجانبين الامريكي والاسرائيلي لاحظا ان تلك الرياح قد ضربت في بدايتها انظمة ودول عربية لا شك انها تعتبر على رأس قائمة الانظمة المعتدلة في العالم العربي، ولم تصل تلك الرياح في بدايتها سريعا الى شواطىء الدول "الشريرة" حسب المفاهيم الامريكية ـ الاسرائيلية مثل سوريا التي تحتل مرتبة متقدمة في قائمة الدول "الشريرة" وهذا يعني ترجمة للسيناريوهات غير المرغوب بها والتي كانت تتدارسها الطواقم الامريكية والاسرائيلية منذ اقتراب ساعة الصفر للانسحاب الامريكي من العراق.
ومن هنا جاءت "الرياح الاصطناعية في ربيع العرب" لتدفع برياح التغيير باتجاه انظمة عربية معادية للولايات المتحدة مثل سوريا ومن اجل تقوية تلك الرياح واعطاءها الدفعة التي تحتاجها مرت في الساحة الليبية للاستفادة فيها من الدروس والعبر قبل الانتقال وبقوة الى الساحة السورية والى اي ساحة عربية اخرى تحاول التراجع عن المشاركة في سيناريو "الفوضى الخلاقة" لاعادة ترتيب وتكوين شكل المنطقة. ومن اجل نجاح الرياح المصنعة امريكيا لربيع التغيير العربي كان لا بد من اشراك قوى سياسية على الارض لديها طموحات مدفونة منذ سنوات طويلة بالوصول الى رأس "هرم النظام" في الدول العربية والاستفادة من قوتها التنظيمية على الارض ووقع الاختيار هنا على حركة الاخوان المسملين والاسلام السياسي المعتدل الذي التصقت به بعض الشوائب التي من المتوقع ان تختفي في السنوات القليلة القادمة (الحركات الاسلامية السلفية) لتتشكل الصورة النهائية المقبولة على الغرب للاسلام السياسي المعتدل، وللتواصل مع تلك القوى كان لا بد من دور للاعبين عرب شكلت اراضيهم ولسنوات طويلة ايضا ملجأ لتلك القوى الاسلامية واصبحت العناصر الرئيسية في الحركات الاسلامية تعتاش من خيراتها واخرى فضلت الابتعاد عن الساحة العربية والاسلامية ووجدت حضنا دافئا لها بعيدا في دول اوروبا المختلفة.
وسواء كانت بداية الربيع العربي بداية عفوية وغير تآمرية او درامية واصطناعية من الدقيقة الاولى وعاكس الحظ نظام بن علي في تونس ومبارك في مصر ليصبحا كبشي الفداء على مذبح "الفوضى الامريكية الخلاقة في الوطن العربي" لتحقيق الهدف النهائي امريكيا واسرائيليا، فان النتيجة لن تتغير فما يشهده العالم العربي اليوم ويجمع عليه غالبية المراقبين من اصحاب المواقف المهنية الخالصة هو ان المنطقة موجودة اليوم عشية تقسيم جديد وتشكل كيانات سياسية لم يكن احد يتخيل ان تطفو على سطح المنطقة قبل اليوم. كما ان حالة الفوضى في المنطقة وكما اشرنا اعلاه تعتبر اجابة مناسبة على مخاوف امريكية ـ اسرائيلية بتشكل تحالفات اقليمية مزعجة على شاكلة تحالف ايراني سوري عراقي.