كم من الفشل نحتاج لتمر مؤامرة بحجم الوطن؟
بقلم - نضال معلوف
لا يمكن الكلام واقناع الاخر بالمؤامرة الا اذا تكلمنا عن مكوناتها وكيف يمكن ان تحكم هذه المؤامرة قبضتها على بلد مثل سوريا وتعمل بأهله قتلاً وتنكيلا وتوصلنا الى ما نحن فيه .
للمؤامرة مكون سياسي يتمثل في اجتماع عدد كبير من الدول المؤثرة وما يتبعها ( وصل العدد بحسب قرار الجميعة العمومية للامم المتحدة الى 137 دولة اي اكثر من 80 % من دول العالم ) لتأمين الغطاء السياسي وتأمين الامداد للاداوات والمنفذين ما يمكن ان نسميه بالـ "مناخ".
للمؤامرة مكون اجتماعي يتمثل في تحضير شرائح واسعة لاستقبال المد القادم من الخارج واسضافته وتوطينه محليا وتهيئة وضع مناسب لانتشار المخطط وتبنيه من قبل شريحة واسعة من المواطنين وهو ما يمكن ان نسميه بالـ "تربة".
للمؤامرة ايضا مكون اقتصادي يسهل من نقل المد القادم من منطقة الى منطقة وانتشار "الافكار الهدامة" من خلال قنوات تتشكل من خلال خلخلة في الـ "التربة" تساعد على نشوء ما يمكن تسميته بالـ "موصلات".
للمؤامرة اخيرا مكون امني هو القنوات التي امتدت من الخارج الى الداخل لتهيئة وتركيب كل هذه العناصر وادارتها وجعل المؤمرة تعمل وهو ما يمكن ان نسميه بالـ "تشغيل"
الى هنا سيرضي هذا الكلام الكثيرين خاصة ممن يؤكدون على سيناريو "المؤامرة" ويتمسكون به ويتذرعون بوجوده لاعتماد الحلول المتبعة حاليا لمحاربة وصدّ المتأمرين.
وعلينا ان نوضح لهؤلاء ماذا يعني هذا الكلام ..
ايجاد كل هذه العناصر وجمعها وتشغيلها لتعطي "ثمارها" وتخلق هذا الوضع المتأزم الخطير الذي نحن فيه يعني
فشل على مستوى السياسة الخارجية على مدى سنوات طويلة خلق "مناخ" معادي يضم 137 دولة على الاقل ، هذا المناخ المعادي دفع هذه الدول لتصل الى مرحلة التأمر علينا بغية انهاء وتفتيت الدولة السورية .. وايُ فشل؟
فشل اجتماعي على مدى عقود حتى تم افراز (ما هو من المفروض ) مجتمع هش وفارغ من اي قيم حتى نستطيع ان نقول بانه تشكلت فيه "تربة" خصبة تتكون من مدن باكملها وتضم ملايين المواطنين لديها الاستعداد لاستقبال العناصر المعادية "افكار ، مخططات، اسلحة ، ارهابين " واحتضانها ورعايتها لتنمو وتنتشر وتحتل مساحات جغرافية وديموغرافية واسعة من الوطن .. وايُ فشل؟
فشل اقتصادي لعب دور "الموصلات" لينقل هذه المكونات المعادية التي اتت من الخارج ويشبكها في شبكة معقدة تحتية خلخلت من قدرتنا على التحمل وساعدت في امتداد وضم المزيد من المواطنين ( عشرات الالاف ) الذين تحولوا ( بحسب سيناريو المؤامرة ) الى مرتزقة يعملون ضد وطنهم من اجل " 500 ليرة " .. وايُ فشل ؟
واخيرا فشل امني ذريع يبدأ من مرور هذا المخطط الكبير ، وتشكيل هذه الجماعات المنتشرة على طول البلاد وعرضها وتمرير الدعم لها بكل انواعه من الاموال الى الاسلحة الخفيفة الى مضادات الطائرات ( واخيرا طائرات اكتشفت في بابا عمرو ) .. وهذا يستلزم سنوات طويلة "فلتت" فيها الحدود و"سابت" فيها المدن لتصبح بدون رقيب ولا حسيب ، وقامت خلالها "الجماعات الارهابية" ببناء خلاياها التنظيمية وانفاقها الارضية ، لدرجة انه مر علينا سنة كاملة فشلنا في القضاء عليها.. وايُ فشل؟
يدعم هذا كله وجود فراغ سياسي داخلي يتمثل في عدم وجود احزاب فاعلة وغياب اي قيادات مؤثرة وانعدام اي شكل من اشكال المجتمع المدني و التنظيمات النقابية و الجماعات الضاغطة التي كانت من الممكن ان تسيطر على جموع الجماهير وتدخل في حوار مع السلطة باسمها لنصل الى حل توافقي ، وبالتالي فشلنا ايضا في نزع فتيل الازمة والحيال دون تشكلها .. وايُ فشل؟
كما ان عدم امتلاكنا لاعلام فاعل ( وهذا غير مفاجئ ) يرتقي الى مثل هذه الازمة بحيث يمتلك عناصر الانتشار والمصداقية بين الجمهور السوري ليسوّق "للمصل المضاد " للمؤامرة ويكتسب افرادا بشكل مستمر ممن وقعوا في حبائلها. بل على العكس تماما عمل الاعلام على تعميق الازمة وتوسيع الشروخ بين مكونات الشعب و فشل في لعب اي دور توافقي .. وايُ فشل؟
وهكذا نتيجة كل هذا الفشل على كل المستويات ، تم زج ملايين السوريين عبر طول البلاد وعرضها في الاحداث ، نقول انهم انجروا وراء "المؤامرة" التي تشكلت بفعل فشل وتقصير في تحسس "المناخ" وفي سبر "التربة" واكتشاف الموصلات وسماع دوي عمليات التشغيل التي من المفترض ان صوتها قد اصم اذان السلطات المختصة .. ما ادى بنا الى الواقع المأساوي الذي نعيش تفاصيله جميعا ؟
لا يمكن لاحد ان يسوق لنظرية المؤامرة دون ان يتجاهل كل هذه الاسباب ، ويحدد المسؤول عن مرورها وتمكنها منا.
وتحديد المسؤولية الغاية منها ان يقوم المسؤولون عن كل هذا الفشل ، بالاعتراف بفشلهم في ادارة البلاد وتحمل مسؤلياتهم ، وتحمل المسؤولية هنا لا يعني في حال من الاحوال "دك" كل من جرفته "المؤامرة" بعد ان اخذت في طريقها .. ملايين المواطنين ، تشغل مدن باكملها.
ويبقى السؤال كيف يتحمل المسؤولون عن مرور مؤامرة بحجم الوطن من بوابة فشلهم على كل المستويات عبر عقود وسنوات .. مسؤوليتهم ؟
اذا كنا مؤمنين بنظرية المؤامرة يجب علينا ان نجيب على هذا السؤال ؟؟