منذ أكثر من ربع قرن وحزب «العمل» يدعو إلى جبهة عربية إيرانية ضد الحلف الأمريكى الصهيونى. ولم نغير موقفنا حتى الآن. وهذا الموضوع السياسى الاستراتيجى له استقلالية عن قضية الشيعة والسنة التى أصبحت خلافاتها قضية القضايا عند البعض الآن؛ فنحن مع كل قوة تتحالف أو تتعاون معنا ضد الحلف الشيطانى الأمريكى الصهيونى، بدءا من كوريا الشمالية والصين شرقا، حتى فنزويلا وكوبا غربا. وليس هذا تهربا من قضية الخلاف السنى الشيعى. وسنعود إليه وسنوضح موقفنا (وهو منشور من قبل مرارا بلا لبس)، لكن لأننا سنة حتى النخاع، ولا يستطيع أى مدّع أن يجد فى كتاباتنا إلا الفقه السنى، فنحن معنيون أساسا وأولا بالموقف السياسى والاستراتيجى للثورة المصرية وللمنطقة العربية وثوراتها المتلاحقة.
ومن الواضح أننا مقلون طوال العامين الماضيين فى الكتابة حول الأوضاع العربية والإقليمية والدولية بسبب تلاحق الأحداث الداخلية بصورة خطيرة ومتسارعة. وقد كان من المفترض اليوم مثلا، أن أكتب حول الفتنة المصطنعة فى الخصوص والعباسية وحول الأوضاع المتردية للقضاء، لكن لا بد من وقفة بين حين وآخر حول الوضع الإقليمى والدولى، وهو ليس بعيدا عن افتعال حالة الفوضى فى مصر للحيلولة بينها وبين الانعتاق من العبودية للحلف الأمريكى الصهيونى؛ فمثلا تردد دوائر أمنية مصرية أن تنظيم «بلاك بلوك» هو مجموعة من الشباب المسيحى كانوا قد تطوعوا فى الجيش الأمريكى أثناء غزوه أفغانستان والعراق، ومنهم من عمل فى شركة «بلاك ووتر» الأمريكية التى هى فى الأصل (فرسان القديس حنا).
ثم بعد أن انتهت مهمتهم فى العراق وأفغانستان، استطاع قسيس مقيم فى الولايات المتحدة إقناعهم بأن يحضروا إلى القاهرة ويدربوا الشباب المسيحى وينقلوا إليهم خبراتهم فى القتال ومقاومة التيار الإسلامى.
وبالفعل حضر منهم مجموعة كبيرة إلى مصر بعد الثورة، وكوّنوا هذا التنظيم الذى كانت أولى عملياته (أحداث ماسبيرو) ثم الاتحادية، لكن بالتأكيد فإن هناك عناصر مسلمة فى هذا التنظيم المشبوه، كما كشفت بعض مقاطع «يوتيوب». وهناك معلومات شبه مؤكدة عن تدرب عناصر مخربة فى لبنان على يد القوات اللبنانية بقيادة العميل الصهيونى سمير جعجع «بطل مذبحة صابرا وشاتيلا، وقاتل السياسيين اللبنانيين»، الذى وصفه أبو حامد خلال لقاء جماهيرى فى لبنان بأنه هو القدوة والمثل الأعلى!!.
ولا تنسوا أيها الإخوة أن هذا الجعجع هو رأس الرمح المعادى للمقاومة اللبنانية ضد إسرائيل التى يقودها «حزب الله»؛ فالاصطفاف واضح على الأرض لمن ألقى السمع وهو شهيد. ويجب عدم خلط هذا الاصطفاف حتى نحرر بلادنا الإسلامية من السرطان الصهيونى الأمريكى.
الثورة الإيرانية نجحت فى الوصول إلى السلطة فى فبراير 1979. قبلها لم نسمع أو نقرأ شيئا فى صحف الخليج أو غيرها عن الشيعة أو خطر الشيعة، بل كانت العلاقات ممتازة والود موصولا مع شاه إيران العميل الأمريكى الصهيونى، بل استعانت سلطنة عمان بالجيش الإيرانى لقمع ثورة ظفار. وحتى الجزر الإماراتية كانت هناك اتفاقات لتقاسمها وتأجيرها بين إيران وحكام بعض الإمارات، ثم سلمها البريطانيون إلى الشاه عام 1971 أى قبل الثورة بـ8 سنوات. ولم تكن هناك أى خصومة مع إيران بسبب ذلك، بل تعلمون ماذا قال السادات فى تحية شاه إيران وكيف استقبله حين رفضت أمريكا والعالم بأسره أن تستقبله، وعندما مات لم يجد مدفنا له إلا فى مصر. وكانت الجماعات الإسلامية فى مصر قد نظمت تظاهرات حاشدة ضد زيارة الشاه إلى مصر (يمثلون الآن قيادات الإخوان الوسيطة والجماعة الإسلامية والجهاد).
المهم.. عندما نجحت الثورة الإيرانية بقيادة الخمينى كان أول قرار اتخذته إغلاق السفارة الإسرائيلية وتسليمها إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وجاء ياسر عرفات للاحتفال بهذا الحدث، وتسلم المبنى الكبير الذى كانت تشغله السفارة الإسرائيلية. لقد قُطعت كافة العلاقات مع الكيان الصهيونى وأُنهى الاعتراف به، وأُوقف إمداده بالبترول (مع الأسف تم تعويض ذلك من مصر!). وقد لحق ذلك احتلال السفارة الأمريكية الذى استمر 444 يوما والتصعيد ضد الولايات المتحدة. وقد كانت هذه التطورات التى زلزلت العالم الغربى آنذاك من أهم دوافع الضغط الأمريكى على إسرائيل للموافقة على الانسحاب من سيناء فى مفاوضات كامب ديفيد؛ فبعد خسارة دولة بحجم إيران، رأت الولايات المتحدة ضرورة الإسراع إلى كسب مصر لإعادة التوازن إلى المنطقة. ولم تكن إسرائيل غافلة عن ذلك. وكان للزلزال الإيرانى دور وتأثير فى استعادة مصر سيناء، وإن كان بشروط لم يقبلها الوطنيون المصريون (نزع سلاحها وأشياء أخرى).
بعد ذلك خدع الغربُ العراقَ لضرب إيران الثورة، رغم أن العراق وقّع اتفاقية الجزائر مع شاه إيران لتهدئة النزاع الحدودى حول شط العرب، وقابل ذلك وقف المساندة الإيرانية للأكراد، لكن شهر العسل بين البلدين انتهى بسبب مخاوف العراق من انتقال تأثير الثورة الإيرانية إلى العراق، خاصة عبر الشيعة المتركزين فى جنوب العراق، فكانت حملات قمعية شديدة ضدهم، ثم اجتياح واسع للأراضى الإيرانية حتى سقطت خورامشهر وميناء عبدان فى يد القوات العراقية. وتصور صدام حسين أنه سيواصل اختراق إيران كما تخترق السكين الزبد، وكانت التقارير الغربية تسرب إليه أن الأوضاع منهارة داخل إيران. وبالفعل فقد كان جيش الشاه عصيا على قادة الثورة الإيرانية، ليس من الناحية السياسية فحسب، بل بسبب أن تسليحه أمريكى ولا توجد له قطع غيار ولا صيانة ولا ذخيرة (لاحظ وضع جيش مصر الآن!!).
امتصت إيران الصدمة وأسست الحرس الثورى وأعادت بناء الجيش تحت وطأة الحرب والنيران المصبوبة، وتوقف تقدم الجيش العراقى، وانعكست الآية ودخلت إيران شبه جزيرة الفاو بجنوب العراق، وظلت الحرب بين كر وفر واستنزاف للبلدين. وكانت هذه هى الخطة الأمريكية. وكان موقف حزب «العمل» رفض العدوان العراقى على إيران، لكن فى الوقت نفسه كنا نطالب بوقف الحرب فورا وانسحاب كل طرف من أراضى الطرف الآخر التى احتلها بعد الحرب، والإفراج عن الأسرى والدخول فى تفاوض سلام. وهذا ما حدث بالفعل، لكن بعد 8 سنوات كانت الأمة فى غنى عنها. وقد زرت إيران لأول مرة عام 1986 أثناء الحرب بدعوة صحفية، ورفضت عن عمد تنفيذ بند زيارة الجبهة رغم خلافى الشديد مع موقف النظام العراقى؛ لأننى أرفض استمرار الحرب. وكان العراق بعد أن ضعف بدأ يطالب بالتفاوض والسلام وإيران ترفض!. وركزت فى حوارى مع من تمكنت من مقابلته من المسئولين الإيرانيين على ضرورة الاستجابة لطلب العراق بوقف القتال، رغم إقرارى بأن ذلك جاء بسبب الضعف، ورغم تحميلى العراق المسئولية فى بدء الحرب.
بعد عامين اتخذت إيران الموقف الذى دعا إليه حزب «العمل» بسبب الوقائع العنيدة على الأرض؛ فالقوى الدولية كانت لا تسمح لطرف أن يخرج فائزا وقويا من الصراع، فكانت تساعد الطرف الأضعف فى كل لحظة حتى يقوى ثم تعود لتساعد الطرف الآخر. من المفارقات أننى لم أقابل الخمينى قائد الثورة؛ ففى يوم اللقاء مع وفدنا الصحفى العالمى كنت طريح الفراش بالفندق بحرارة تجاوزت الأربعين!!.
سألنى مرافقى الكردى السنى (بالمناسبة.. نسبة السنة فى إيران تصل إلى 20% فى بعض التقديرات): «لماذا صممت على عدم السفر إلى الجبهة؟»، قلت له بصراحة: «جئت لدراسة الوضع السياسى وطبيعة النظام والمجتمع الإيرانى ولم أحضر لمناصرة إيران ضد العراق رغم معارضتى نظام بغداد؛ لأننا ضد حرب بين الأشقاء والجيران. نحن حربنا المشروعة الوحيدة هى ضد إسرائيل».
إن إدراك حزب «العمل» منذ الوهلة الأولى أن ثورة إيران إضافة مهمة وخطيرة واستراتيجية فى صراعنا ضد الحلف الصهيونى الأمريكى؛ لم يكن يعنى فى أى لحظة من اللحظات -وحتى الآن- أننا نوافق على أى أو كل السياسات الإيرانية فى الداخل أو الخارج. وهذا أمر بديهى لا يحتاج إلى كثير من الشرح والتوضيح؛ فكل حزب وكل دولة لها منظور ترى به العالم من واقع مصالحها وثقافتها وهمومها المباشرة. وإن التطابق فى الرؤى غير موجود فى حياة الأفراد أو المجتمعات أو الدول أو الجماعات أو الأحزاب.
وعندما اشتعلت الخلافات بين حكم طالبان وإيران بسبب قتل دبلوماسيين إيرانيين، ودقت إيران طبول الحرب وهددت بها، كان «المانشيت» الرئيسى لجريدة «الشعب» يدعو الطرفين إلى ضبط النفس، ويعتبر المواجهة الأفغانية الإيرانية كارثة لصالح العدو الأمريكى. رغم إدراكنا أخطاء الطرفين، ورغم إدراكنا إصرار طالبان على تكفير شيعة إيران والهازارا (الشيعة) وهم نحو 12% من أفغانستان. ورأينا -كما كان موقفنا فى حرب العراق وإيران- الاحتكام إلى التفاوض والجنوح إلى السلم. وسلّم الله ولم تحدث المواجهة وهدأت الأمور.
ويجب أن نتطرق بصراحة إلى السياسة الإيرانية فى الملفات: العراقى والسورى والأفغانى فيما بعد. لكن دعنا نكمل أولا الملف الفلسطينى: لم يكن موقف الجمهورية الإيرانية على طريقة معظم النظم العربية التى تتاجر بالقضية الفلسطينية، بل عملت بمنتهى الجد والصرامة فى هذا الملف. والوقائع دامغة على الأرض ومعلنة، ولا أدرى كيف يمكن إنكارها أو تسميتها «تمثيلية» كما يروج بعض الإخوة. من حقهم التمسك بالخلاف العقائدى -وهذا واجب- ولكن هذا لا يتعارض مع الحقائق السياسية؛ فعندما توقف ياسر عرفات عن الجهاد المسلح انتقل دعم إيران إلى «حماس» و«الجهاد» وباقى الفصائل التى لا تزال تحمل السلاح. وكل القوة والقدرة العسكرية الضاربة لـ«حزب الله» بدعم إيرانى معروف ومعلن.
وفى حدود معلوماتى المتواضعة، فإن المصدر الثانى لدعم المقاومة الفلسطينية كان النظام العراقى قبل احتلال العراق. وكان هناك دعم ليبى ربما لا يذهب إلى منظمات رئيسية. فى العقدين الأخيرين بعد سقوط بغداد، وسقوط القذافى فى السنة نفسها بتسليم نفسه إلى الغرب خوفا من مصير صدام حسين، كانت إيران -ولا تزال- المصدر الوحيد تقريبا لدعم المقاومة المسلحة الفلسطينية. والشىء المثير للريبة أو الاستغراب أن تشن حملة لقطع علاقة «حماس» بإيران دون توفير بديل لها، وكأن المقصود هو وقف المقاومة المسلحة والركوع أمام رغبات العدو الصهيونى وتأمين احتلاله الأقصى والأرض التى (بارك الله حولها)!!.
فى لقاء مع مجموعة من الصحفيين كنت منهم، وحضرت بهذه الصفة فى رمضان الماضى، وبعد الخلاف المعلن بين «حماس» وإيران حول الملف السورى؛ أعلن المجاهد موسى أبو مرزوق أن إيران هى الأكثر دعما والأكثر تسليحا والأكثر تدريبا للمقاومة الفلسطينية.
وأضيف من عندى أننى فى الواقع لا أجد على الشاشة سوى إيران؛ فمن يا ترى تلك الدولة التى ترسل أسلحة إلى فلسطين أو تدرب أو تمول تسليحا أو تقدم تعويضات للشهداء والجرحى؟! ومن كان يدفع الميزانية الشهرية لغزة فى بداية استلام «حماس» الحكم (120 مليون دولار)؟! فى تلك الفترة أبلغنى ممثل «حماس» فى طهران أن إيران عرضت توفير كل الاحتياجات العينية لقطاع غزة للإدارة: حافلات - سيارات – مستشفيات... إلخ بدون مقابل، لكن المشكلة أن دخول كل هذه الأشياء يحتاج موافقة إسرائيل ومبارك!!.
وحتى السودان الذى تعرض مشكورا لغارات إسرائيلية عدة بسبب دوره فى إمداد غزة بالسلاح، فإن هذا يتم بالتعاون مع إيران. وقد كشف ذلك ضرب مصنع الأسلحة السودانى؛ فلا بد أن يذكر هذا الأمر لإيران دون أن يقلل من ثواب وفضل السودان السنى.
لا يزال الناس يتحدثون عن صواريخ غزة محلية الصنع. وهذا صحيح ورائع ويتطور بالفعل، لكن هناك صواريخ إيرانية جاهزة وصلت بالفعل إلى غزة وضربت تل أبيب. وكما قال لى أحد قادة «كتائب القسام» فإن طول أحد الصواريخ يبلغ 7 أمتار، ولا بد من استخدام« ونش» لتحميله على منصة إطلاق!!.
إذا كانت دول الخليج التى تؤجج حملة الهجوم على إيران تدين بالمذهب السنى حقا؛ فهل المذهب السنى لا يتضمن الجهاد؟! ما موقف المذهب السنى من إسرائيل ومن المسجد الأقصى السليب؟! ومن قتل نساء وأطفال المسلمين فى الأرض المباركة؟! واقتحام مساجد المسلمين وتحويلها إلى خمارات وزرائب وملاه ليلية فى فلسطين المحتلة؟! وهل القرآن والسنة والفقه السنى يبيح وضع 3 تريليونات دولار فى مصارف الغرب التى يتحكم فيها اليهود وأعداء الله؟! ما علاقة السنة بتحويل بلادنا إلى قواعد أمريكية لضرب وإبادة السنة فى باكستان وأفغانستان واليمن والصومال بطيارات بدون طيار؟!
وإذا عدنا إلى غزة المقاومة من جديد.. فحتى الصواريخ المصنعة محليا تستفيد من الخبرات الإيرانية دون أن يقلل ذلك من إبداع العقلية الفلسطينية التى تحل كثيرا من المعضلات الفنية فى عملية تصنيع التسليح التى أعلم طرفا منها رغم حرصى على عدم السؤال فى هذه الموضوعات حرصا على سريتها؟!
المقاومون يتدربون فى إيران وعند «حزب الله» (وكانوا يتدربون فى سوريا وربما لا يزال بعضهم). و«حزب الله» لا يبخل عليهم بأى خبرة أو تكنولوجيا أو تدريب. وقضية خلية «حزب الله» فى أواخر عهد المخلوع دليل حى وعملى على ذلك.
صواريخ «كورنت» الروسية التى دمّرت المركبات الإسرائيلية، والصواريخ المضادة للطائرات التى أسقطت 6 طائرات إسرائيلية فى الحرب الأخيرة. الصواريخ التى دمرت وأصابت قرابة 4 آلاف منزل ومبنى إسرائيلى فى الحرب الأخيرة مع غزة.. من أين أتت؟! ومن أين يكتسب المقاومون خبرة تدقيق التصويب؟!
وأخيرا نقلت صحيفة «هاآرتس» عن رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية فى جيش الاحتلال الجنرال «أفيف كوخافى» قوله: «إن إيران تواصل تطوير مشروعها النووى على الرغم من أن وتيرة التقدم أبطأ مما كانت طهران تريده».
وأكد «كوخافى» -خلال كلمة له أمام مؤتمر «هرتسيليا»- أن إيران ستواصل هذه العملية لأنها تعتقد أن احتمالات تعرضها لهجوم من الدول الغربية غير كبيرة.
وأشار «كوخافى» فى مستهل حديثه عن الملف النووى الإيرانى إلى أن هناك حوالى 200 ألف صاروخ موجهة الآن إلى «إسرائيل» من مختلف الاتجاهات، كما أن هناك -ولأول مرة منذ عشرات السنين- أربع جبهات حدودية يواجه «إسرائيل» منها خطر وقوع عمليات إرهابية؛ هى: حدود لبنان، وسوريا، وسيناء، وقطاع غزة.
وأيضا منذ أيام، صرح نتنياهو رئيس وزراء العدو بأن العام الحالى هو عام حاسم بالنسبة إلى أمن «إسرائيل»، وأن البرنامج النووى الإيرانى والصواريخ الذكية يشكلان الخطر الأكبر عليها.
ونقلت وسائل إعلام «إسرائيلية» عن نتنياهو، قوله فى حفل وداع لوزير الحرب «الإسرائيلى» إيهود باراك، عُقد فى جامعة بار إيلان؛ أن «العام الحالى سيكون حاسما لأمن (إسرائيل)». وأضاف أن «(إسرائيل) ستضطر إلى مواجهة كميات كبيرة من الأسلحة القاتلة الموجودة فى منطقتنا، وهى منطقة تخضع لتأثير أنظمة ومنظمات معادية وتتزايد تطرفا».
وتابع أن «التهديد الأخطر (على «إسرائيل») هو البرنامج النووى الإيرانى والصواريخ الذكية». وقال: «لا أستخف بخطورة التهديدات.. لكنى لا أستخف أيضا بقدرتنا على مواجهتها».
عقب العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة المسمى «عمود السحاب» تم تداول هذا التقرير الاستخبارى الإسرائيلى وهو منطقى تماما:
أظهر تقرير خاص صدر عن مركز «المعلومات الاستخبارية للإرهاب» مدى العلاقة العسكرية والتواصل بين إيران والمقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة «حماس» فى قطاع غزة. ويبرز التقرير أن القدرات العسكرية لـ«حماس» وفصائل المقاومة التى ظهرت خلال «عمود السحاب» التى بُنيَت فى قطاع غزة.. أنها بمساعدة إيرانية مكثفة، مشيرا إلى مخازن سلاح كبيرة تحتوى على آلاف الصواريخ، سواء كانت صواريخ إيرانية استُحدثَت فى القطاع أو حتى صواريخ محلية الصنع بتكنولوجيا إيرانية.
ووفقا للتقرير فإن هذا المخزون شمل صواريخ متوسطة المدى من نوع «فجر 5» الإيرانى، وصواريخ محلية الصنع من نوع «M75» التى استخدمت خلال العملية، وقد أطلقت بكثافة على المدن والبلدات الإسرائيلية. وتحدث التقرير عن المسلك المركزى فى نقل الوسائل القتالية من إيران إلى فصائل المقاومة فى قطاع غزة، مشيرا إلى أن المسلك لتلك الوسائل كانت عن طريق البر والبحر إضافة إلى الطريق الجوى باستعمال شبكات تتجاوز المهربين والتجار، لافتا إلى أن الوسائل القتالية كانت تصل إلى السودان من إيران وتمر بمصر إلى قطاع غزة.
كما كشف التقرير استخدام المقاومة الفلسطينية، فى تهريب الأسلحة، قنوات التهريب المائية، مدعيا ضبط السفينة «فكتوريا» فى مارس 2011 التى كانت تنقل أسلحة متطورة فى طريقها إلى قطاع غزة عن طريق مصر كانت من المفترض أن تطور الوسائل القتالية لدى الفلسطينيين. ولفت التقرير إلى أن السفينة كانت تحمل معدات قتالية، على رأسها صواريخ صينية الصنع من طراز «C704» التى يمكن لها أن تضرب أدوات بحرية وعسكرية ومدنية وأيضا أهدافا استراتيجية فى منطقة أشدود وأشكلون. ويشير التقرير إلى أن وحدة القدس التابعة للحرس الثورى الإيرانى هى المخولة بدعم المقاومة الفلسطينية وتصدير الأسلحة خارج البلاد، كما أن هذه الوحدة تعمل على تقوية معسكر المقاومة. وفى هذا الإطار فهى المسئولة عن شحن المساعدات العسكرية للمنظمات الفلسطينية؛ بما فيها مساعدات عسكرية وتهريب أسلحة وتدريبات ونقل معلومات تكنولوجية ونقل أموال.
تعقد إسرائيل مؤتمرا سنويا فى «هرتسليا» لبحث قضايا ومشكلات الأمن القومى الإسرائيلى. وفى المؤتمر الأخير الذى انتهى مؤخرا، جاء فى تحليلات وتوصيات المؤتمر ما يلى:
دعا مؤتمر هرتسليا الثالث عشر، الذى يعد من أهم المؤتمرات التى تضع استراتيجية «إسرائيل»، فيما يتعلق برسم السياسات العسكرية والاستراتيجية للصراع العربى الإسرائيلى، إلى ضرورة تأجيج الصراع السنى - الشيعى بالسعى إلى تشكيل محور سنى من دول المنطقة أساسه دول الخليج، ومصر وتركيا والأردن، ليكون حليفا لإسرائيل والولايات المتحدة، مقابل «محور الشر» الذى تقوده إيران، الذى سيكون -حسب التقسيم الإسرائيلى- محورا للشيعة.
وأضاف التقرير: «ليس مطلوبا من (إسرائيل) التعامل مع البيئة الاستراتيجية المضطربة فقط، بل يتعدى ذلك إلى العمل بصورة بناءة لتشكيل البيئة الإقليمية»؛ إذ أكد المؤتمر أن «إسرائيل» قادرة على استغلال قدراتها فى ذلك.
وتشكيل البيئة الإقليمية من المنظور الإسرائيلى يعنى تقسيم المنطقة إلى محورين: «محور سلام»، و«محور شر»، كان قد عرّفته الولايات المتحدة سلفا بأنه يضم «إيران وسوريا وحزب الله»، إلا أن التوجه الإسرائيلى يبدو فى هذا الأمر أكثر وضوحا؛ فالحديث عن محور سنى متحالف مع «إسرائيل» والغرب، ومحور شيعى تتزعمه إيران (انتهى الاقتباس).
طبعا هم يقصدون حكام بلاد السنة العملاء، لكن يريدون لهم أن يحشدوا شعوبهم ويعبئوهم تعبئة طائفية ضد إيران بدلا من إسرائيل ويسمون ذلك: مفتاح السيطرة!!.
رؤية العدو مهمة جدا؛ لأنها مرآة معكوسة لأحوال المنطقة، وتكشف مراميه التى لا يخفيها ولا يمكن إخفاؤها. أكرر دائما للإسلاميين ولكل من يريد أن يبدأ الاهتمام بالسياسة: السياسة الحقيقية هى السياسة المعلنة. وما تسمى «أسرار السياسة» هى مجرد تفاصيل. ولا يوجد فى السياسة ما تسمى «التمثيليات»، كما يردد البعض: «إيران صديقة إسرائيل، لكنهما يمثلان دور الأعداء!!». هكذا قيل عن عمالة عبد الناصر لأمريكا. وهذا غير صحيح (رغم كل ما ورد فى كتاب «لعبة الأمم») وما قيل عن أن السادات قام بـ«تمثيلية» حرب 6 أكتوبر وهذا غير صحيح، وما قيل عن أن صدام حسين عميل أمريكى؛ فهذا غير صحيح. وما يقال الآن عن أن بشار عميل أمريكى إسرائيلى أيضا غير صحيح. يمكن للشعب السورى أن يرفضه ويطالب بإسقاطه لاستبداده أو علمانيته، لكن القول بأن كل هؤلاء عملاء لأمريكا وإسرائيل وكانوا يمثلون، كما يردد بعض الإسلاميين، فهذا يجعل التفكير فى فهم ما يجرى على الأرض ضربا من المستحيل، وتحويل السياسة إلى نوع من الأحابيل والمكائد وأكاذيب أبريل.
إن الخلاف المذهبى مع الشيعة لا يعنى أن يقودنا إلى الخزعبلات السياسية. وما هو وجه العجب أن تكون إيران ضد إسرائيل وأمريكا؟! ولماذا لا نتعجب عندما تعادى كوريا الشمالية أمريكا وإسرائيل رغم أنها ليست سنية؟! وكذلك فنزويلا وكوبا وباقى دول أمريكا اللاتينية. إذن ممكن أن تكون غير سنى بل وغير مسلم أو غير مؤمن بالله، أو كاثوليكيا أو أرثوذكسيا أو بروتستانتيا أو بوذيا أو كونفوشيوسيا أو هندوكيا و ضد أمريكا وإسرائيل. وفى هذه الحالة من مصلحة الأمة أن تتعاون وتتحالف مع كل هؤلاء. وسنعادى حكاما مسلمين وسنة بالبطاقة والمولد لأنهم عملاء لأمريكا وعملاء لإسرائيل ويزورونها سرا ويطبّعون معها سرا، بل يركعون علنا أمام أمريكا وحوّلوا بلادهم إلى قواعد عسكرية لضرب السنة!!.
وسنستصحب هذه المفاهيم السياسية فى تناولنا قضايا المنطقة، لكننى ركزت اليوم على البعد الفلسطينى وهو البعد الأهم.
وفى النهاية، أكرر الوقائع المجردة الباردة: قبل قيام الثورات العربية لم يكن هناك من يدعم المقاومة الفلسطينية من الأنظمة فى المنطقة سوى الجمهورية الإيرانية - النظام السورى الذى نبغضه الآن - النظام السودانى - قطاع من السلطة اللبنانية المرتبط أو المتحالف مع «حزب الله». ويمكن أن نضيف المؤسسة العسكرية المصرية. وهو أمر اشتكت منه أمريكا وإسرائيل مرارا.
كان لا بد من «فرشة» من المعلومات حتى ننتقل إلى الملف النووى الإيرانى ثم الملف السورى ثم الملف العراقى ثم الأفغانى، ثم تقديم الصورة المركبة واللوحة الاستراتيجية للصراع. أرجو أن تمهلنى الأحداث فى مصر فرصة لذلك. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا جميعا سواء السبيل، وأن يجنبنا أفخاخ الأعداء وأخطاء حسان النية من المؤمنين. وأقول لهم جميعا: ستظل فلسطين والجهاد من أجل تحريرها هى البوصلة لتأكد أننا نسير فى الطريق الصحيح. أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.