17 مارس 2024

زهير كمال يكتب: دور المربيات الأجنبيات في صياغة مستقبل الأمة العربية- 3


وصل يوم 25 يناير 1999 ، كان الجو ماطراً وشديد البرودة في عاصمة ملكه عمان، كان ملك الأردن  متلفحاً بكوفية حمراء يقف في سيارة مكشوفة يحيي المارة الذين اصطفوا على جانبي الطريق، بدا الإرهاق عليه، ولم يكن هذا من طول الرحلة من مكان إقامته الجديد في مايو كلينيك في روتشيستر - مينيسوتا بل من السرطان الذي ينهش جسمه والعلاج الكيماوي الذي غير لونه وأفقده شعره، كان الحسين بن طلال يعرف أنه على وشك الموت ومع هذا تحامل على نفسه ووصل عمان لسبب واحد هو تغيير ولاية العهد، قال إنه يستعمل حقه الدستوري ويريد نقل ولاية العهد من أخيه الحسن بن طلال الذي استمر في هذا المنصب لمدة 34 عاماً إلى ابنه عبدالله.

أحياناً تمر علينا كثير من الأحداث بدون تدقيق، في الإصابة بالمرض نسلم بما حدث ونقول هذا قضاء الله وقدره. أصيب الحسين بن طلال بالسرطان ولكن عند استعراض تاريخ العائلة نجد ما يلي:

الجد الأكبر الشريف حسين مات عن عمر يناهز 78 عاماً.

الجد عبدالله بن الحسين كان بصحة جيدة عندما اغتيل عن عمر يناهز 69 عاماً.

الأب طلال بن عبد الله توفي عن عمر ناهز 63 عاماً ولم يعرف عنه إصابته بالسرطان.

الأم زين الشرف توفيت عن عمر ناهز 78 عاماً.

الأخ محمد توفي عن عمر ناهز 81 عاماً.

الاخ حسن يتمتع بصحة جيدة في عمر 77 عاماً.

وأعتقد أن هذه عينة كافية من العائلة لنعرف أنه لا يوجد في جيناتها هذا المرض الخبيث ولم يصب به سوى الحسين بن طلال وفي مكان بعيد عن الرئتين نظراً لكونه مدخناً.

ملاحظة:

لا يوجد في العالم العربي مقدرات علمية كافية للكشف عن كيفية إصابة الزعماء المناوئين بالأمراض القاتلة ولهذا لم يتم التحقيق في موت جمال عبدالناصر وهواري بومدين وياسر عرفات.

في استعراض تاريخ الحسين بن طلال نجد ما يلي:

عرف عنه أن اسمه الحركي في المخابرات المركزية مستر بيف  Mr. Beef ، وكان يتقاضى راتباً شهرياً من المخابرات المركزية حتى أوقف الراتب جيمي كارتر وتم تحويله إلى الخزانة الأردنية.

اعتقد الملك أن انتماءه للمخابرات المركزية يمنحه الحصانة في منطقة مضطربة مليئة بالأعداء الطامحين للإطاحة به كما حدث مع الجناح العراقي للعائلة الهاشمية التي أطاح بها الجيش عام 1958. وبالنسبة للمخابرات المركزية كانت خطيئة الحسين الكبرى هي الوقوف إلى جانب صدام حسين عند احتلاله الكويت واعتبارها المحافظة 19 في العراق في العام 1991.

لو كانت المخابرات المركزية رجلاً لقلنا إن إصابة الحسين بالسرطان هو انتقام المخابرات المتأخر من أحد عملائها بسبب اتخاذه سياسة مضادة لسياستها، لكن الموضوع تعلق بمخططات المستقبل للعراق.

ورغم أن العلاقة بين الملك حسين وصدام حسين لم تكن على ما يرام في الفترة الأخيرة من حياته، إلا أن المخططات التي تضعها المخابرات المركزية لا تسمح بوجود ثغرة في المخطط، وضمن ذلك إحاطة العراق بسوار من الدول العدوة، وكانت نقطة الضعف هي الأردن، فمن يدري لو انقلب الحسين وأيد صدام مرة ثانية؟ لهذا فإن تغيير رأس النظام في الأردن كان مطلوباً ولكن في وجود الرجل المناسب، والأمير حسن لم يكن ذلك الرجل فهو مثل أخيه، والمرشح المناسب هو الأمير عبدالله.

وطلب المخابرات من الملك تغيير ولي عهده الى الابن لاقى هوىً في نفس الحسين وهكذا تحامل على نفسه، مدركاً أن أجله قريب، ورجع الى عمان ليغير مادة في الدستور، وافق عليها مجلسا النواب والأعيان فوراً ودون دراسة.

بعد 13 يوماً فقط، توفي الملك حسين في 7 فبراير 1999.

الأمير عبدالله نصف إنجليزي، تربى في بريطانيا على يد المربيات الإنجليزيات، كان عمره 37 عاماً عندما حلف قسم توليه العرش بلغة عربية ثقيلة مثل أي أجنبي لا يتقن اللغة.

في عهد الملك عبدالله الثاني أصبح الأردن مديناً للبنك الدولي بمبلغ ضخم وجزء هام من الميزانية مخصص لسداد الدين وفوائده وهكذا انحدر جزء كبير من الطبقة الوسطى إلى طبقة الفقراء الذين يلهثون لتحصيل لقمة العيش، كما أنه سمح بوجود قواعد أمريكية في الأردن كرديف لقواعدها في العراق وسوريا.

...

وفي المغرب تربى الأمير الصغير محمد على يد المربيات الفرنسيات، وأصبح فيما بعد الملك محمد السادس رئيس لجنة إنقاذ القدس، وتبخرت اللجنة كأنها لم تكن عندما قام الملك بالتطبيع مع إسرائيل.

منذ سار بنو أمية على نهج الحكم الفردي الوراثي منذ أربعة عشر قرناً لم يتغير النهج في العالم العربي، وكانت النتيجة تدهور أحوال هذا العالم من سيء الى أسوأ، وكل الدول بلا استثناء تتمتع بالمرتبات الدنيا بين الدول، ومدة أي حاكم تصل  إلى 30 عاماً أو أكثر، إلا في حالة الوفاة.

بينما المدة القصوى لأي حاكم ليحكم بكفاءة هي عشر سنوات على الأقصى، لأن المنصب يتطلب جهداً كبيرأ يستهلك قوة الفرد الذهنية حتى لو كانت صحته ممتازة.

كما لاحظنا فقد سقطت أمبراطوريات بأكملها نتيجة الخلل الكامن في بقاء الحاكم في منصبه لمدة طويلة. ولهذا فالعمل لبناء الديمقراطية الحقيقية في كل دولة عربية وإخضاع المنصب الأول لحكم الشعب هو نضال في الاتجاه الصحيح، كما أن تحديد المدة بفترة أربع أو خمس سنوات على أن لا تتجاوز مدة الحكم فترتين هو أساس لقانون المنصب الأول، مهما كانت شعبية الحاكم.

كما أن النضال لبناء الوحدة العربية من أجل تكامل الدول الصغيرة حتى تصبح حزمة قوية ترفع شأن مواطنها ليعيش كريماً قوياً هو هدف لا مندوحة عنه في زمن لا يحترم سوى الكبار الأقوياء.

وتحقيق الهدفين السابقين مهمة في غاية الصعوبة نظراً لعدم قدرة الطبقة الوسطى في كل بلد على تكوين أحزابها التي تستطيع قيادة الجماهير في الاتجاه الصحيح.

ولكن هذا موضوع أخر، ولكني أومن بأن النصر دائماً للشعوب وأن الفجر قادم. 

ليست هناك تعليقات: