بعد إعادة انتخاب البرلمان الباكستاني رئيس الحكومة المؤقتة السابق شهباز شريف رئيسًا لوزراء البلاد، بدا شكليًا أن الأزمة التي خلفتها نتائج الانتخابات العامة التي جرت في البلاد فبراير/شباط الماضي قد انتهت، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك ويشي بأنها ستتطور وتتفاقم، وما حدث أنها فقط اتخذت شكلًا جديدًا يتمثل في فشل ذريع وانقسامات حادة ستلاحق جميع قرارات البرلمان وحكومته الجديدة، وستزيد من حنق المجتمع على النخب الحاكمة.
فالذين تحالفوا وتكتلوا من أجل الحيلولة دون تشكيل عمر أيوب مرشح حزب الاتحاد الذي انتسب إليه مرشحو حركة الإنصاف المستقلين للحكومة، تجمع بينهم الكثير من التناقضات التي تجعل استمرار تحالفهم مهددًا بالانهيار في أي لحظة، ومع أي احتكاك بأقرب نقاط التماس.
تناقضات بالجملة
من أولى التناقضات هي التناقض الكبير بين قطبي هذا التحالف، فحزب الشعب الباكستاني الذي حل ثالثًا في الانتخابات العامة وثانيًا في تحالف الحكم بقيادة بلاول بوتو زرداري هو في الحقيقة حزب علماني يساري، والمدهش أنه بينما يتحدث برنامجه عن تحويل باكستان إلى دولة ديمقراطية اجتماعية، وتعزيز القيم العلمانية والمساواة، وإقامة العدالة الاجتماعية وحماية الأمن القومي، نجده في الوقت ذاته يصمت بل ويشارك في الغبن الذي تعرضت له حركة الإنصاف التي ينظر لها المجتمع الباكستاني بأنها منبر التغيير الثوري الحقيقي لباكستان من أجل تحويلها إلى دولة ديمقراطية.
والغريب أن قادة حزب الشعب فضلوا التحالف مع حزب الرابطة الإسلامية رغم أن سياسة حزبهم القديمة كانت ساعية للجنوح خارجيًا نحو الصين وروسيا، كبديل عن الانضواء التقليدي للحظيرة الأمريكية والغربية الذي تمثله حليفته الأخرى والسلطة العسكرية المتنفذ الحقيقي في البلاد.
كما أن تلك التوجهات هي نفسها توجهات حركة الإنصاف وكان الأولى التحالف معها، ولكن ربما كانت سياسة الإنصاف الخاصة بالانفتاح على طالبان الأفغانية بتوجهاتها الجهادية حالت دون ذلك.
كما طال الانقسام أيضًا الحركة القومية وهي الحليف الأصغر في التحاف الذي فاز بـ17 مقعدًا في البرلمان، فهي أيضًا حركة علمانية تشمل اللاجئين من الهند في باكستان، ولكنها مع ذلك انقسمت إلى كتلتين.
أحزاب أسرية
ولعل من المدهش أن تجد في العالم دولة كباكستان تعد من ثاني أكبر بلدان العالم الإسلامي، لكن تؤسس فيها أحزاب بناء على حب شخص ما أو كراهيته، بل وتجد أيضًا تناقضات حادة بين توجهات الكتل في الحزب الواحد كما في حزب أو أحزاب الرابطة الإسلامية.
فبخصوص حزب الرابطة الإسلامية الذي يفترض فيه أنه حزب إسلامي ينتمي إلى يمين الوسط، فهو في الواقع ليس متناقضًا فقط مع شركائه في التحالف، ولكن تناقضاته تمتد حتى مع ذاته، فقد شهد الحزب العديد من الانشقاقات، فإذا كان الحزب الأصلي بقيادة نواز شريف، فهناك حزب آخر بقيادة شقيقه شهباز يشار إليه بحرف “ن”، وحزب ثالث مناهض للديكتاتور السابق برويز مشرف أطلق عليه “ض”، في مواجهة حزبين مواليين له هما حزبا “ق” و”ف”.
فضلًا عن أن تشكيلة الأطياف غير المتجانسة التي عاد بها شهباز شريف لشغل منصبه القديم هي في الواقع تجميعة مثيرة للسخط لدى طبقات الشباب، لكونها تحالف بين الأسر التقليدية التي تناوبت حكم البلاد طيلة العقود الماضية، وبالتالي فالمتوقع أيضًا اجترار الفشل القديم ذاته.
حيث تمثل أسرة شريف التي ينتمي لها شهباز “73 عامًا” وشقيقه نواز “76 عامًا” واحدة من الأسر التي حكمت البلاد لفترات طويلة وأسهمت بفشل واضح أدى إلى تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية، وما ينطبق على تلك الأسرة ينطبق أيضًا على الشريك الثاني في هذا التحالف وهو عائلة بوتو التي أيضًا حكمت لفترات طويلة وفشلت في تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، رغم تاريخها المهم في تمكين البلاد من الحصول على القنبلة النووية، وما دفعته من بعد ذلك من ثمن باهظ في اغتيال قادتها أو سجنهم.
ردود الأفعال
تلقى المجتمع الباكستاني، الأحد الماضي، صدمة قوية من تفويض البرلمان لشهباز شريف بتشكيل الحكومة، وخرجت التظاهرات على الفور لتعم الكثير من مدن البلاد احتجاجًا على الاحتيال الكبير الذي حدث لسرقة نتائج الانتخابات والالتفاف على إرادة الشعب، وحرمان الحزب الفائز بالرقم الأعلى من المقاعد بتشكيل الحكومة منفردًا.
ومن المتوقع أن تستمر الاضطرابات في البلاد لأشهر مقبلة قد تشمل الإجراءات ترويع نواب حركة الإنصاف في التحالف السني، وتشديد القبضة الأمنية والعسكرية على البلاد، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف ليس لاستمرار الحكومة ولا تعزيز الاقتصاد، ولكن إلى إسقاط الحكومة بعد الفشل الاقتصادي والأمني المتوقع.
التجارب في العالم أثبتت أن الديمقراطية هي الحل، فلمصلحة من الاحتيال عليها؟
https://bit.ly/3P4WwMb
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق