محمد بن زايد مع الرئيس الاسرائيلي |
الناظر إلى العالم العربي اليوم يرى الملكيات العربية مرتمية في الأحضان الأمريكية بشكل كامل سواء بوجود قواعد عسكرية في بلادها أو بتنفيذ أوامر التطبيع مع الكيان الصهيوني، لاحظنا مثلاً مساعدة الإمارات والسعودية والأردن على كسر حصار البحر الأحمر الذي تنفذه اليمن، وبينما تقوم دول أجنبية بالتحرك من أجل نصرة الشعب الفلسطيني
سواء بقطع العلاقات أو رفع الدعاوى في محكمة العدل الدولية، نجد هذه الملكيات مغيبة بالكامل عن الأحداث وكأنها موجودة على كوكب آخر.
هذا المقال محاولة لمعرفة الأسباب التي حدت بهذه الملكيات إلى التصرف بهذه الطريقة التي تبعث على الاستغراب فلا يكفي مثلاً القول إن أنظمة الحكم هذه تعتمد على الأجنبي في استمرار بقائها في السلطة رغماً عن رغبات شعوبها، ولابد أن تكون هناك أسباب أخرى تبعث الحاكم على اتباع هذا النهج.
بداية، تقوم الدول الكبرى باستغلال أية ثغرة في نظام أية دولة للسيطرة عليها ووضعها تحت جناحها، وتستخدم الدول أساليب سرية في معرفة هذه الثغرات، إذ ليس بالضرورة استخدام العنف للسيطرة على الدول الصغيرة ، فالقوة تكلف مبالغ طائلة وتحرض المقاومة عليها وتكلف خسائر في الأرواح ، كما لاحظنا في غزو العراق وأفغانستان.
تأسست وكالة المخابرات المركزية عام 1947 ، وكان أحد أبرز مؤسسيها السيد ألان دالاس الذي وضع سياساتها العامة التي تسير عليها منذ ذلك التاريخ. عمل المخابرات يقوم على جمع البيانات وتحليلها ودراستها واستنتاج نقاط الضعف في أي مجتمع، ويتطلب ذلك على سبيل المثال دراسة الشخصية وردود فعلها، وغير ذلك من النقاط التي تعتبر مملة بالنسبة لنا ولكنها حيوية لعمل المخابرات.
ويمكن أن نطلق على المخابرات بأنها جزء من الدولة العميقة التي لا يتغير نهجها مع تغير الرئيس المنتخب، وقد يستفيد من تقاريرها ولكنه لا يستطيع تغيير سياستها التي تتميز بالصبر والنفس الطويل.
عند دراسة العالم العربي على سبيل المثال هناك نقطة ضعف في كل الدول العربية وهي الانفصال الكلي للحاكم عن الشعب، أي أن الديكتاتورية هي السمة العامة لنهج الحكم المتبع منذ فترة طويلة ، وهكذا فإن من يسيطر على الحاكم فإنه يسيطر على الدولة.
لاحظنا ذلك في مصر عندما قامت المخابرات الأمريكية بعد تأسيسها مباشرة بتوظيف عدد لا بأس به من ضباط مصر ومن بينهم أنور السادات ، تبنت المخابرات الامريكية أنور السادات وعملت على إرجاعه للجيش المصري بعد أن اتهم بتدريب قتلة أمين عثمان ( وزير مالية سابق وبريطاني الهوى) على السلاح.
وجهت المخابرات عميلها في كل خطوة كالانضمام لتنظيم الضباط الأحرار، ثم حمايته ليلة قيام الثورة في حال فشلها، فقد أثبت أنه كان يحضر عرضاً سينمائياً بالشجار مع موظفي السينما وإثبات الحالة، لم يشك أحد في الرجل فهو الوحيد الذي يمتلك تاريخاً نضالياً ، وكان عليه أن يساير الموجة السائدة بعد نجاحها، هو الوطني المخلص للزعيم والوطن ويزايد في وطنيته على باقي المنافسين، كان عليه أن يكون بلا أعداء وأن لا يتبع خطاً معيناً لا يحسب له حساب. انتظاراً للحظة مناسبة في المستقبل يتم فيها دفعه الى المقدمة، وهذا ما حدث فعلاً حيث انقلب خط سير مصر 180 درجة فأصبحت تابعاً أمريكياً بعد وفاة عبدالناصر.
يبين المثل السابق عن السادات خير دليل على صبر المخابرات الأمريكية الطويل لمدة عشرين عاماً على الأقل لتقطف ثمار الجهد المبذول للسيطرة على مصر.
اختلف الأمر في حالة الملكيات العربية، عملت المخابرات على الأمراء العرب صغار السن فيما يمكن وصفه بعمليات غسل دماغ وتشكيل الشخصية بما يتناسب مع أهدافها.
لنا أن نتخيل السفير(أو ما شابه)، في إحدى هذه الدول، يأتي إلى الملك مباركاً له المولود الجديد ويقترح عليه إرسال أفضل المربيات لتربية الأمير الجديد وتهيئته للمستقبل، فعليه مثلاً أن يعرف اللغات الأجنبية وأن يعرف أصول البروتوكول وكيف يستقبل الوفود الأجنبية ولنا أن نتخيل عبارة يقولها السفير للملك ( وإن شاء الله، يبيض وجهك أمام الدول والأجانب)، وبالنسبة للملك القادم من الصحراء والذي لا يفقه في هذه الأمور، هذه نصيحة مقبولة ومعقولة والسفير يفكر في مصلحتي.
هذه بعض الملاحظات الخاصة ببعض هذه الدول:
الإمارات العربية المتحدة
عرف عن الشيخ زايد بن سلطان (1918 - 2004 ) أول رئيس لدولة الإمارات توجهه العروبي الأصيل تلقى تعليمه في الكتّاب على يد المطاوعة، ساعد كثيراً من الدول العربية بدون منة أو فضل ولم يكن يتدخل في شؤون الدول الأخرى بل كان يقوم بالوساطة بينها، وفي عهده خطت الإمارات خطوات عملاقة في التقدم واللحاق بمصاف الدول المتقدمة، عرف عن الشيخ زايد قوله المأثور ( إن البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي) وقام الشيخ بقطع البترول عام 1973 عن الدول التي تساند إسرائيل.
عند وفاته تولى ولي عهده الشيخ خليفة بن زايد ( 1948 - 2022) الذي تلقى تعليمه في مدرسة محلية، حكم إمارة أبو ظبي ورئاسة الإمارات، سار الشيخ على نهج أبيه وبعد وصوله الى سن 66 في عام 2014 أصيب الشيخ بجلطة واختفى عن الحياة العامة حتى وفاته.
تولى الشيخ محمد بن زايد ( 1961- ) السلطة عام 2022
تلقى تعليمه حسب ويكيبيديا في أبو ظبي وكان يقضي الصيف في مدرسة جوردونستون الداخلية في بريطانيا، قبل ذلك تذكر الويكيبيديا أن الوالد زايد أبعده الى المغرب بدون دخل فعمل نادلاً في أحد المطاعم ليعتمد على نفسه . وكنا نتمنى لو كانت هذه الواقعة صحيحة ولكنها لا تستقيم مع المنطق ، فلهجة أهل المغرب تختلف كثيراً عن لهجة أهل الخليج ومن المؤكد أن مخابرات الملك المغربي وفرت له سبل العيش الباذخ في تلك الفترة. نفس المصدر يقول إن الذي كان يشرف على تعليمه وهو صغير عالم الإخوان المسلمين عز الدين إبراهيم ، وتقول الويكيبيديا إن محمد تخرج من ساندهيرست عام 1979 .
نطرح هنا بعض الأسئلة:
هل كان مرض الشيخ خليفة متعمداً أو طبيعياً؟ كيف يمكن إصابة رئيس الدولة المحاط بالرعاية الصحية الكاملة أن يصاب بجلطة قلبية تبعده عن السلطة؟
مقارنة، كم عدد رؤساء الدول الذين أصيبوا بجلطة أثناء توليهم السلطة؟
كيف يكون محمد بن زايد من أشد أعداء الإخوان المسلمين وقد أشرف على تعليمه عالم إسلامي كبير من هذه المجموعة؟
لحل مجموعة الألغاز هذه يمكن استنتاج ما يلي:
كان مطلوباً أن يبتعد الشيخ (البدوي) خليفة عن السلطة، ولكن باسمه يتولى ولي العهد محمد بن زايد إدارة البلاد يتعلم خلالها فن الحكم، وإذا كان من خطأ فإن مسؤوليته تقع على الشيخ المريض.
محمد بن زايد هو خير مثل على تأثير المربيات القادمات من بريطانيا وأمريكا في صياغة شخصية أمير صغير تمهيداً لتوليه السلطة وضمان تبعية دولته لأمريكا وسياساتها بدون تحفظ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق