26 يناير 2020

أيمن غراب يكتب: السفير المناضل

ايمن غراب
منذ سنوات بعيدة كنت متابعاً لقضية تصدير الغاز المصرى إلى الكيان الصهيونى ، وأتذكر الآن بعض الأسئلة والاستجوابات التى قدمها بعض أعضاء البرلمان المصرى قبل أكثر من ثلاثة عشر عاماً والتى تصدى لها الوزير مفيد شهاب والذى أخذ يناور ويجيب إجابات
ملتوية وغير مقنعة لمجرد نفى مسئولية الحكومة عن تفاصيل هذا الملف ، ومن أخطر ماقاله أن عملية التصدير لادخل للدولة المصرية فيها وأن طرفى التعاقد هما الشركة المصدرة والجانب الإسرائيلى، وبالتالى انتهت الجلسة إلى طى صفحة هذا الموضوع المؤرق والشائك والمثير للغضب والمتعلق بالسيادة الوطنية وحفظه داخل أدراج البرلمان .

عقب ذلك بدأت أنتبه لوجود أحد السفراء البارزين السابقين داخل المعمعة وتصديه شخصياً ودون مساعدة أو مساندة مادية من أى جهة وتصدره المشهد وقيامه برفع العديد من القضايا أمام القضاء الإدارى بمستوياته المختلفة ، حتى نجح عدة مرات فى انتزاع أحكام ببطلان تصدير الغاز المصرى لإسرائيل وضرورة إعادة تسعيره بما يتفق ومسنويات الأسعار العالمية بدلاً من بيعه بالثمن البخس الذى يحمل مجاملة غير مقبولة لدولة الاحتلال وهومايعد إهداراً لحقوق الشعب المصرى فى عوائد ثرواته الطبيعية.

حين أطلت ثورة 25 يناير بوجهها الناضر وما صاحبها من نسمات أمل فى تغيير الواقع المتردى وتصحيح الأوضاع المقلوبة وفى مقدمتها ملف تصدير الغاز المصرى لإسرائيل ، بدأ كثير من المواطنين والمجموعات السياسية يلتفون حول الفارس المناضل الذى لم يتوان لحظة عن دفاعه عن حق الشعب المصرى فهو الذى تقدم الصفوف، نيابة عن مصر كلها ايام مبارك وبادر برفع دعوى امام مجلس الدولة ضد صفقة تصدير الغاز المصرى لاسرائيل، التى انضم اليه والتف حوله فيها عديد من الشخصيات الوطنية المصرية. ثم تبعها بإطلاق حملة (لا لتصدير الغاز لاسرائيل)، ولم تكن تلك سوى معركة واحدة من سلسلة طويلة من معاركه الوطنية من داخل وزارة الخارجية او خارجها، منها معارك طابا وسد النهضة وتيران وصنافير وترسيم الحدود وغيرها.، ولم يخلد إلى الراحة يوماً واحداً على الرغم من معاناته الصحية وتقدمه فى العمر ولم يحدث أن أبدى ندماً على المشوار الذى قطعه وحيدا واستنزفه نفسياَ ومادياً وصحياً واستغرق كامل وقته ، بل على العكس من ذلك كان كلامه يشع أملاً وينثر تفاؤلاً أينما حل.

فى أواخر شهر مارس 2018 أرسلت إليه طلب صداقة على صفحته الشخصية على الفيس بوك ، وسرعان ما تفضل بقبول صداقتى ، فكان يوماً سعيداً بالنسبة لى لأننى صرت واحداً من مجموعة محبيه وتلاميذه فى مدرسة الوطنية الصادقة ، بل وأكثر من ذلك أنه قال لى إنه يعتبرنى مثل ابنه أيمن .

فى تاريخ9نوفمبر 2018 تداولت الصحف ووكالات الأنباء خبراً تحت عنوان:

السفير إبراهيم يسري “يستأذن في الانصراف” ويحمل الوطنيين أمانة 5 قضايا مصيرية منها “سد النهضة “و”تيران وصنافير “
قال السفير ابراهيم يسري إنه يستأذن في الانصراف من العمل العام، مشيرا إلى أنه يقتبس هذا العنوان من الاستاذ هيكل ويتوجه به الان الى كل المصريين.
وتابع السفير يسري: “حاولت جهدي منذ عام 2000 ان اتعقب قضايا الشأن العام قضائيا وليس سياسيا وعلى نفقتي الخاصة ودعم المصريين الوطنيين الشرفاء.
والآن نظرا لظروفي الصحية وتقدمي في السن وانتظارا لقضاء الله فقد طلبت من كوكبة من المحامين الوطنيين متابعة الطعون والدعاوى العالقة، واوجه الدعوة هنا الى المزيد من الزملاء المحامين و كل الوطنيين المصريين ان يدعموها بالتدخل وحضور الجلسات
في الطعون والقضايا التالية:
١- الطعن رقم ١٩٩٦ س ٦٤ دعوى بطلان أصلي في حكم ترسيم الحدود البحرية مع قبرص مودع بتاريخ ٤ اكتوبر ٢٠١٧ س٦٤ الإدارية العليا وهو الترسيم الباطل الذي أفقدنا ثلاثة حقول من الغاز واحد لقبرص و اثنين لإسرائيل.
٢-الطعن رقم ٦٢٠٧ س ٦٤ المكامن الهيدروكربونية في الحكم الصادر في الدعوى رقم ٧٠٥٢٦ س ٧٠ بتاريخ٢٢ اغسطس ٢٠١٦
مودع بتاريخ ٢٩ اكتوبر ٢٠١٧ الإدارية العليا وهو الاتفاق على السماح لقبرص بالبحث في منطقتنا عن الغاز دون المعاملة بالمثل.
٣- سد النهضة محكمة القضاء الاداري دعوي رقم ٧٠٥٣٣ س ٧٠ ق وهو الاتفاق الثلاثي المشئوم في الخرطوم بالتنازل عن كل حقوقنا القانونية والتاريخية في حصتنا من مياهه.
٤- الطعن بانعدام حكم الدستورية العليا في قضية تيران و صنافير رقم ١ لسنة ٢٠١٨بالمحكمة الدستورية العليا
ويتضمن ١١ عيبا جسيما في الحكم الذي صدر معززا لتنازلنا عن تيران و صنافير تخطيا للحكم التاريخي الوطني بمصرية الجزيرتين .
٥ – الطعن في الادارية العليا باستمرار تنفيذ حكمها بمصرية تيران وصنافير ٧٠٣١س ٦٧ ق الإدارية العليا ويطلب اعادة امر السلطة التنفيذية بتنفيذ الحكم و إلغاء التنازل.
وقال السفير يسري إن هذه الطعون لم تنظر بعد و لم تحدد لها جلسات.
واختتم قائلا: “اطلب المعذرة فقداخترت في التصدي لها الطريق القضائي وقد قدمت هذه الطعون و القضايا من اجل مصر وشعبها الابي، واثق تماما في الحكم لصالح الشعب علما بأنها مستوفاة من حيث ما قدم من مستندات و مذكرات قانونية كثيرة تؤيد مطالب الشعب و الحفاظ على ثرواته و كرامته”.

فى6 يونيه 2019 لاحظنا نحن أصدقاؤه وكذلك متابعوه على صفحته تسرب نغمة يأس شاذة بعيدة عن لحن الأمل الذى ظل ملتزماً بعزفه وذلك من خلال ماكتبه فى الذكرى التاسعة والثمانين لميلاده حيث ردد كلمات الشاعر كامل الشناوى والتى غناها فريد الطرش والتى ختامها:
ليتك يا يوم مولدى ..كنت يوماً بلا غد

فى العاشر من يونيو الماضى غادر دنيانا المناضل والفقيه القانونى السفير إبراهيم يسرى تاركاً فى حياتنا فراغاً وفى قلوب الوطنيين الأحرار لوعة وحسرة وألماً على قيمة وقامة قلما يجود الزمان بمثلها.
اللهم ارحمه واجزه عنا كل الخير واكتب جهاده ونضاله فى سبيل مصالح الوطن والمواطنين فى ميزان حسناته وقيض لمصرنا من يخلفه فى نضاله وكفاحه.

ليست هناك تعليقات: