04 ديسمبر 2019

علياء نصر تكتب: هل يصبح الحب جريمة أخلاقية

حقيقة ترددت كثيرا في كتابة هذا المقال،كونه صادما وقاسيا بعض الشيء .. أثار فضولي مشهد استدعته ذاكرتي بوحي من أبيات من الشعر للشاعرة العربية (ليلي الأخيلية) في حب معشوقها(توبة) ، حقيقة قصة ليلى الأخيلية وتوبة هي إحدي أكثر القصص إثارة لفضولي على الإطلاق، فليلى الأخيلية سيدة متزوجة ، تعشق رجلا آخر غير زوجها يدعي (توبة) والذي بدوره متزوج هو الآخربامرأة غيرها، الغريب في القصة ليس أن سيدة متزوجة تعشق رجلا متزوج، فهذا
وارد جدا،كون القلوب لا سلطان عليها، وقد يبيت المرء سليما ويصبح عاشقا، وهذا من الأمور المفهومة، لكن الغريب عندي هو أن المجتمع بأسره ، بما فيه زوج ليلي وزوجة توبة .. الجميع،وأكرر .. الجميع ..كانوا يعلمون بقصة حبهما ،التي لا يبدو أنها انقطعت يوما ، فليلى تكتب الشعر في حب توبة، وهو يتأوه صارخا بحبها في أشعاره، والمجتمع يتحدث عن أشعارهما بل ويحفظها ويتداولها حتي وصلتنا ونحن في زماننا هذا، تقف ليلي صامدة أمام أهوائها ، وفي مثالية نادرة تمتنع عن الانزلاق مع من تحب إلي مهاوي الرغبة والغريزة، تردد أبياتا من الشعر موصفة ألمها وعذاباتها،قائلة (وذو حاجة قلنا له لا تبح بها،فليس إليها ما حييت سبيل، لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه، وأنت لأخرى صاحب وخليل) .. مشهد مؤلم بين اثنين يجمعهما الحب وتفرقهما لا أقول الأقدار، وإنما تفرقهما القيم والمباديء، فكلاهما متعفف نبيل متسامي، ولست أدري حقيقة كيف يمكن أن نحكم على أبطال هذا المشهد؟ .

 أيهم مدان وأيهم ضحية؟؟ فليلي يمكن النظر إليها بوصفها مدانة كونها منحت مشاعرها لرجل آخر غير زوجها ، ولكن لحظة، .. ليلي صرحت بهذا الحب وكاشفت وجاهرت، وزوجها علم بذلك ولم يطلق سراحها ليتركها تتزوج بمن تحب، إذن تنتقل دائرة الإدانة إلي زوج ليلي الذي حبسها علىذمته رغم علمه بحبها لرجل غيره، ولكن ،مهلا .. لا أحد يعلم ما هو الظرف القهري الذي اضطره إلي التمسك بزوجة تعشق رجلا غيره، ليس هذا فحسب، وإنما أصبح هذا الأمر حدث تلوكه الألسن، ربما كان يعشقها هو الآخر، وربما كان لهم أطفال يخشي عليهم الضياع، أو لأسباب أخري مجتمعية أو قبلية لا أحد يعلم، الأكيد أنه كان يتألم وبشدة من هذا الوضع الخارق لمرؤته والقاهر لمشاعره، اذن تنتقل دائرة الإدانة إلي (توبة) العاشق المتزوج، حقيقة لا أحد يعلم ما الذي انطوي عليه صدر هذا الرجل من ألم، ولكنه بالقطع ألم رهيب، فهو يري حبيبته متزوجة برجل آخر يستبيحها في حين يحرم هو من أقل وسائل التواصل معها، بل وهو بسبب حبه لها بات مهددا بالقتل من قبيلتها ،يعني قد يخسر حياته ذاتها فداءا لشعور عجز عن التخلص منه.
ولو تسائلنا لماذا لم يتزوج بداية من المرأة التي يحبها ليعفي نفسه وإياها وزوجها من هذا الوضع المعقد الملتبس ،فلربما ظهرت علينا عشرات السيناريوهات.في قصص مشابهة حتي.، فربما أحبها بعد زواجه وليس قبله، وربما أحبها قبل زواجه وتقدم لخطبتها فرفض وليها_وهذا ما تحكيه السير_، وربما ..وربما ،، وفي توهة الاحتمالات الكثيرة لكل من شخصيات القصة، نغرق جميعا في هذا السؤال .. من المدان هنا في ذلك المشهد؟؟ وهل جميعهم مدانون؟ أم جميعهم ضحايا؟

حقيقة أستشعر أن مأساة كبيرة تحدث حينما يتحول الحب ،الذي هو أنبل وأسمي المشاعر _في مشهد كهذا_إلي جريمة أخلاقية .. لا أدري من الرابح في هذا المشهد المزري؟؟ فالجميع خاسرون.
ما أثار أوجاعي حقيقة مشهد مؤلم مفجع يأتينا في آخر القصة ، هو مشهد ما بعد وفاة (توبة) .. لست أدري من من كتاب السيناريو يستطيع توثيق تلك الحالة الشعورية الإنسانية.. فالروايات تحكينا،أن ليلى الأخيلية أتت إلي قبر توبة.. وكان معها زوجها، الذي وقف وياللعجب أو ويا للا عجب يشاهد ليلي زوجته وهي تأوي إلي قبر حبيبها وتسرع إليه،.. تحكينا الرواية ،..أقبلت ليلى من سفر وأرادت أن تزور قبر توبة ذات يوم ومعها زوجها الذي كان يمنعها، ولكنها قالت: “والله لا أبرح حتي أسلم على توبة”. فلما رأى زوجها إصرارها تركها تفعل ما تشاء. فوقفت أمام القبر وقالت: “السلام عليك يا توبة”. ثم قالت لقومها ما عرفت له كذبة. فلما سألوها عن ذلك قالت أليس هو القائل:
ولو أن ليلي الأخيلية سلمـت على ودوني تربـة وصـفائح
لسلمت تسليم البشاشة أوصاح إليها صدي من جانب القبر صائح
وأغبط من ليلي بمـا لا أنـالـه ألا كل ما قرت به العين صالـح
وقالت ..فما باله لم يسلم على كما قال؟
وكانت جانب القبر بومة فلما رأت الهودج ففزعت وطارت في وجه الجمل، الذي أدى إلي اضطرابه ورمى ليلى على رأسها وماتت.ودفنت بجانب قبر توبة. .. كم هو مأساوي وغريب جدا هذا المشهد، والأغرب عندما تقرأ سيرة ليلي الأخيلية أن تعلم أنها كانت تنادي_حتي عند الخلفاء وكبار رجال الدولة_ بصاحبة توبة،! .. أإلي هذا الحد ذاع خبر حبهما، واستوعبهما المجتمع؟ وينادي عليها الحاجب عند الخليفة معاوية ،بصاحبة توبة!! ياله من واقع !!
رحمة الله على الجميع .. وعند الله تجتمع الخصوم.

ملحوظة المدون : رغم ان القصة غير موثقة تاريخيا ويصعب حدوثها في التراث العربي وعلة موت "توبة" غير مقنعة .. لكن براعة الكاتبة وجرأتها تجعلنا ننشرها.

ليست هناك تعليقات: