18 نوفمبر 2018

زهير كمال يكتب: طوبى لجمال خاشقجي

طوبى لجمال يوم ولد ويوم اغتيل ويوم يبعث حياً ، عندها سيسأل القتلة بأي ذنب قتلت؟
متى كانت روحي رهينة لديكم ومتى كانت رقبتي ملك أيديكم وقد خلقني الله حراً.
وبالطبع لن يستطيع محمد بن سلمان جواب الرجل على هذا السؤال فليس هناك من مبرر لقتل كاتب لا يملك سوى قلماً وما يجود به عقله من أفكار.
ورغم أن الموت هو النهاية بالنسبة للإنسان العادي، لكن اغتيال جمال كان بداية جديدة له، ففي حياته كان بقلمه يحاول أن يقرص كالنحل، وكان يمكن أن يظل محاولاً الى ما شاءالله فقرص النحل من فترة لأخرى لا يقتل أحداً .
ولكن في عقل سارق مريض الظن أن قرص النحل هذا إنما لسعات ثعبان قاتلة، فكان عليه التخلص منه على هذا الشكل الهمجي مستغلاً منصبه في تحريك أدواته التي لا حول لها ولا قوة وليس أمامها سوى إطاعة الأوامر العليا بدون تفكير إن كان ما يفعلوه صواباً أو خطأ.
ولكن ما هذا الغباء المستحكم الذي يدير دولة مركزية في منطقة الشرق الأوسط. تستنفر أجهزة الدولة كلها من أجل تصفية رجل واحد فيرسل جهاز المخابرات خمسة عشر رجلاً ، من بينهم خبير طب شرعي ومناشير تقطيع وسموم قاتلة وطائرات خاصة وتمويه اتجاه السير، وغير ذلك ولو حسبنا تكاليف هذه العملية لوجدنا أنها تناهز عشرة ملايين دولار من المال العام لقتل رجل واحد عمره ستين عاماً ، فهل كان الرجل بهذه الخطورة أم أنه الوهم فقط.
واذا كان الرجل خطيراً فهل خطره على الدولة أم على حاكمها؟
 حدثت عبر التاريخ تصفيات قامت بها دول لجواسيس خطرين سببوا ضرراً فادحاً لأمنها ولكن  تقوم أجهزة مختصة بتقييم الوضع فيما يشبه محاكمة تخلص الى قرار إعدامه بالأغلبية، هذا مفهوم ، ولكن جمال كان محباً لدولته مخلصاً لها وكانت معارضته لفرد في النظام خجولة الى حد كبير لا تصل حتى الى قرص نحل.
ماذا فعل سياسيو أمريكا والعالم الغربي بعد تسرببات ويكيليكس التي قام بها جول أسانج والتي تشبه لسعات الثعبان فعلاً؟ وهل يستطيعون تسخير مقدرات دولهم للتخلص من أسانج لخدمة شخصية؟ لم يحدث شيء من هذا القبيل والرجل ما زال حي يرزق في سفارة الإكوادور في لندن.
اما السيد ترامب فقد أذعن صاغراً لقرار المحكمة التي أوصت بإرجاع التصريح الخاص بمراسل CNN  لدخول البيت الأبيض وحضور المؤتمر الصحفي اليومي ومن الممكن أن لا يقوم ترامب بعقد أي مؤتمر صحفي حتى نهاية ولايته لأنه يكره الرجل ولا يطيقه كما صرح سابقاً.   كشف الإغتيال البربري أمام العالم، الدمى الموجودة في النظام السعودي، وزير الخارجية، وزير الإعلام ، المدعي العام، وكل أصحاب المناصب العليا الذين يتحركون بواسطة خيوط يمسك بها ( ولي الأمر) وليس فيهم رجل شريف يستعمل عقله.
والدولة بأكملها ينطبق عليها بيت الشعر:
واذا كان رب البيت بالدف ضارباً                   فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
وانهيار دول كهذه تعتمد على رجل واحد ليفكر لها ويخطط لمستقبله هو، لا مستقبلها،  إنما في منتهى السهولة.
وهذه مشكلة العالم العربي منذ أربعة عشر قرناً وحتى يومنا هذا، إلا اذا استثنينا لبنان الطائفي وتبعه مؤخراً العراق (العرقي الطائفي) ، ولكن الأمل أن تكون لتونس قصب السبق في إرساء نموذج لديمقراطية حقيقية في العالم العربي حيث لا يتدخل الجيش في السياسة ورئيس الجمهورية يملك ولا يحكم والصحافة تملك الحرية لكشف المستور.
سرق محمد بن سلمان سنين عديدة من عمر جمال خاشقجي ولكن ليطمئن جمال وليرقد قرير العين أن موته لم يكن بلا فائدة، لقد فضح نظام بلاده المتخلف الذي ما زال يفكر كما لو كان يعيش في القرون الوسطى، وأثبت بموته المؤلم أن مصلحة وطنه لا تتماشى مع مصلحة الحاكم، ويا له من حاكم يشن حروباً ويقتل شعوباً وينشر الألم والمعاناة والدم في كل مكان، حاكم متحالف مع أعداء الأمة ظناً أنهم سيحمونه متنازلاً في ذلك عن ثروة بلاده لهم
رغم أن شعبه يئن تحت وطأة الفقر والجهل.
ستكون المكافأة الكبرى لروح جمال طرد محمد بن سلمان ومعاقبته فالعين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم. ونهاية محمد بن سلمان ستكون نهاية لكل هؤلاء المصفقين والمطبلين الذين لا يستعملون عقولهم ولا يفكرون الا بمصالحهم الخاصة.
اسم جمال خاشقجي بصفته شهيداً للكلمة سيكتب بأحرف من نور في سجل الخالدين. 

ليست هناك تعليقات: