على الادارة المصرية، أن تصدر بيانا فوريا ترفض وتدين فيه بوضوح وحسم الغارة الجوية الامريكية على ليبيا، والا فان صمتها سيضفى شرعية على عمل وعدوان غير شرعى على السيادة الليبية، و سيحولها الى سابقة، تسمح للولايات المتحدة بتكرار مثل هذه الغارات فى سيناء، تحت اى ذرائع، مثل الحفاظ على أمن اسرائيل.
كما ان الصمت سيعنى القبول الرسمى المصرى بوجود ودور عسكرى امريكى على حدودها الغربية، قد يتسع ويتطور ليقترب من الحالتين العراقية والسورية، وفقا لاستراتيجيات وحسابات ومصالح وأطماع الامريكان وحلفائهم الاوروبيين، وهو ما سيعرض الدولة المصرية لمخاطر جمة لا يمكن التنبؤ بها او التصدى لها فيما لو انفجرت كرة اللهب الدولية فى الجبهة الغربية.
كما انها وفى أحسن الأحوال، ستمثل قوة ضغط امريكية ودولية جبارة على ما تبقى من الارادة المصرية، تصنع مع اسرائيل والقوات الاجنبية فى سيناء، كماشة من أعداء مصر الاستراتيجيين والتاريخيين، تحاصر مصر من مشارقها ومغاربها.
***
نطرح هذا التحذير بعد ان قامت اليوم الجمعة 19 فبراير 2016، الولايات المتحدة بشن هجوم جوى على مواقع فى مدينة صبراتة بغرب ليبيا، بدعوى انهم يتبعون لداعش.
ومما يزيد من ضرورة التوجس من مثل هذه الغارة انها تأتى بعد عدة أيام من صدور تصريحات من البنتاجون تحذر من خطورة داعش فى ليبيا وفى سيناء. بالاضافة الى تصريحات مماثلة عن دراسة الولايات المتحدة لاحتمال زيادة وتطوير نشاط قواتها الموجودة فى سيناء لتشمل مهمات استخبارية تستهدف جمع معلومات عن الانشطة الارهابية هناك، وهى مهمات لم ترد فى اتفاقية (بروتوكول) القوات متعددة الجنسية فى سيناء الموقعة عام 1981، والتى تقتصر على مهمات المراقبة فقط.
كما أن الدولة المصرية ومنذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، حتى فى ظل مبارك، قد اصرت على رفض مثل هذه الالحاحات الامريكية والاسرائيلية المتكررة فى هذا الشأن، هربا من زيادة القيود وانتهاك السيادة المفروضة علينا فى سيناء.
***
كما اننا لا يجب ان نقبل اى مقارنات أمريكية لهذه الغارة، بمثيلتها التى انطلقت من مصر لقصف الجماعات الارهابية التى قامت بذبح عدد من مواطنينا المسيحيين، ففى حالتنا كنا بصدد دفاع شرعى عن النفس، نفذنا فيها ضربة جوية رادعة واحدة لم تتكرر ولم تتحول الى دور عسكرى دائم ومباشر فى ليبيا. ومن ناحية أخرى فان كل ما يدور فى ليبيا هو وثيق الصلة بالامن القومى المصرى، وهو ما لا يتوفر فى الحالة الامريكية.
***
لقد أخطأ عبد الفتاح السيسى كثيرا، حين دأب منذ توليه المسئولية على توجيه عتاب للناتو والامريكان على عدم استكمال مهمتهم فى ليبيا، حين رحلوا بعد مساعدتهم على اسقاط نظام القذافى، وتركوها للفوضى مما فتح الابواب لانتشار الجماعات الارهابية، على حد قوله.
وهو الخطأ الذى حاولت الخارجية المصرية تصحيحه واحتواء آثاره الخطيرة فى بياناتها الأخيرة، حين رفضت اى تدخل دولى أو اجنبى فى ليبيا بدون موافقة الليبيين.
واليوم اذا أرادت الادارة المصرية، التشبث والدفاع والانتصار لموقفها الاخير المعدل والمصحح، فان عليها التأكيد على رفضها للغارة الامريكية واى غارات او تدخلات دولية أخرى، والا سنجد أنفسنا فى وسط محيط من النيران لا قبل لنا به.
كما أنه قد آن الأوان، ان نعيد النظر فى خطيئتنا الكبرى بانضمامنا للحلف الأمريكى الاستعمارى فى العراق والمشهور باسم التحالف الدولى لمواجهة داعش، والذى سيؤدى استمرارنا فيه وتبنينا وترديدنا لأهدافه وخطاباته الاعلامية، الى افتقاد أى حجة أو منطق فى رفضنا لامتداد نشاطاته وعملياته العسكرية الى ليبيا وربما الى الصحارى المصرية. فاعترافنا بشرعية الحلف والوجود والدور الامريكى هناك فى العراق وفى المنطقة، ستضفى الشرعية على أى عمليات له هنا.
*****
القاهرة فى 19 فبراير 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق