27 أغسطس 2020

تخريب الشخصية الوطنية من توفيق الحكيم الى مراد وهبة

بقلم : محمد سيف الدولة

فى الثالث من مارس عام ١٩٧٨ كتب توفيق الحكيم مقالا بجريدة الاهرام، بعنوان "مصر والحياد"، طالب فيه بان تقف مصر على الحياد بين العرب وبين (اسرائيل) كما وقفت سويسرا والنمسا على الحياد فى الحرب العالمية، فتصدى له، فى ذلك الوقت، هو وزمرته من لويس عوض وحسين فوزى، نخبة من اهم كتاب مصر ومفكريها مثل احمد بهاء الدين ويوسف ادريس ورجاء النقاش ووحيد رأفت وآخرين وقاموا بتلقينهم درسا فكريا ووطنيا وتاريخيا قاسيا.
وامس الاول فى ٢٥ اغسطس ٢٠٢٠، وفى ذات الجريدة، جريدة الاهرام، كتب مراد وهبة مقالا بعنون "اسرائيل وضع قائم"، دعى فيه صراحة الى تحالف عربى/اسرائيلى حيث قال بالنص ((من هنا يمكن تكوين تحالف سداسي بين مصر/السودان/الامارات/البحرين/السعوديه.. وإسرائيل فى مواجهه ايران ... وفى هذا السياق فإن القيادة الفلسطينيه سواء فى رام الله أو غزه عليها ان تنسف اى علاقه مع إيران ثم تدخل فى علاقه عضويه مع هذا التحالف..))
***
انهم جماعة كامب ديفيد، الذين كلفتهم السلطات فى مصر وربما جهات أخرى بالترويج للسلام مع (اسرائيل) والدفاع عن الانسحاب المصرى الرسمى من اى دعم لفلسطين. والذين بدأوا دعوتهم منذ 40 عاما بالدعوة الى الحياد، ليكشفوا عن وجههم الحقيقى اليوم بالدعوة او فنقل بالاعلان عن ان حقيقة العلاقات هى "تحالف" وليس مجرد حياد، تحالف ضد فلسطين وضد المصالح الوطنية والامن القومى لمصر والامة العربية كلها، من حيث ان فى الاعتراف باسرائيل تنازلا لها عن ارض فلسطين 1948، وفى السلام والتطبيع معها دعم وتقوية وتثبيت للكيان المحتل واطالة فى عمر الاحتلال. 
لم يكن توفيق الحكيم اولهم ولن يكون مراد وهبة آخرهم بطبيعة الحال، فلقد اصبحوا يشكلون منذ زمن طويل كتائب من "القناصة"، يستهدفون ويوجهون سهامهم الى ثوابتنا الوطنية وأى أفكار أو عقائد أو مواقف ترفض العدوان والاستسلام وتصر على المقاومة.
كان منهم لمن يتذكر جماعة كوبنهاجن التى قادها لطفى الخولى للترويج للحوار والتطبيع الشعبى بين مصر واسرائيل فى التسعينات، والتى كان من ابرز رموزها الدكتور عبد المنعم سعيد الذى كتب هو الآخر فى ذات الجريدة فى ٢٦ اغسطس ٢٠٢٠، مقالا بعنوان "اللحظة الساداتية"، يشيد فيه كالعادة بعبقرية السادات فى عقد اتفاقية سلام مع (اسرائيل)، ويرحب ويؤيد ويروج للاتفاق الاماراتى الاسرائيلى الاخير، واصفا اياه بانه لحظة ساداتية اخرى.
***
ولكن اذا كان فى مصر السبعينات والثمانينات وما تلاها، هناك بعض من الخير وقدر ولو يسير من الهوامش السياسية والديمقراطية التى سمحت لكتابنا الوطنيين بشن حملة عنيفة وناجحة ضد انحرافات توفيق الحكيم الوطنية، فان فى مصر اليوم وللاسف الشديد، هناك حصار حديدى على كل من يعادى (اسرائيل) ويرفض اتفاقيات كامب ديفيد ويتضامن مع فلسطين والفلسطينيين. الى الدرجة التى يكاد تخلو الجرائد المصرية القومية والخاصة، من اى مقال أو كاتب يعبر عن الخط الوطنى الحقيقى داخل الحياة الفكرية والسياسية المصرية.
***
أما عن الشخصية الوطنية المصرية التى أعنيها فهى جزء اصيل ورئيسى ولا يتجزأ من الشخصية الوطنية العربية منذ عشرات السنين، التى ترفض الاستعمار بكل اشكاله، ولم تتوقف عن النضال والمقاومة من أجل التحرر منه، وتدرك ان الكيان الصهيونى هو مشروع غربى استعمارى يستهدف مصر وكل الامة العربية بقدر ما يستهدف فلسطين، وترفض كل اشكال الصلح او الاعتراف او السلام أو التطبيع معه، ولم تكف لحظة منذ ٤٠ عاما عن محاولة اسقاط اتفاقيات كامب ديفيد وعن تقديم كل أشكال الدعم والتضامن مع الشعب الفلسطينى، وهى بطبيعة الحال ترفض رفضا باتا وجذريا كل ما يتم التخطيط له اليوم تحت مسمى صفقة القرن من تصفية قضية فلسطين وابتلاع (اسرائيل) لما تبقى من ارضها وتشكيل تحالف عربى اسرائيلى تحت قيادة الولايات المتحدة الامريكية.
***
ولو كان فى مصر اليوم حياة سياسية وديمقراطية حقيقية، لقام الاف من السياسيين والكتاب والمفكرين المصريين بالرد على الدكتور مراد وهبه وأمثاله، وكشف دورهم التخريبي الذى لا يُخدم سوى مصالح (اسرائيل) ومشروعها فى المنطقة، ولتمت مقاطعتهم سياسيا وفكريا بل واجتماعيا كما تم من قبل مع الكاتب الراحل/ على سالم عقب قيامه بزيارة (اسرائيل) ونشر كتابه "رحلتى الى اسرائيل".
ولانه ليس فى مصر مثل هذه الحرية الآن، فان مسئولية الحركة الوطنية المصرية تصبح مضاعفة، فعليها فى ظل هذه الهجمة التطبيعية وهذا الحصار الفكرى والسياسى والاعلامى، ان تنتهج كل السبل والادوات والمنابر الممكنة لانقاذ الجيل الجديد من أى تخريب فى الثوابت الوطنية أو تزييف للحقائق التاريخية، تُصدَّر لنا باقلام كتاب يحملون الجنسية المصرية.
*****
27 أغسطس 2020

22 أغسطس 2020

سيد أمين يكتب: وحضر معهم قوم شعيب !!


مع تقزم حجم رغيف الخبز من 150 جراما إلى 90 جراما في مصر، وما لاحق ذلك من نقمة شعبية انطلاقا من مبدأ "عض قلبي ولا تعض رغيفي"، إلا أن آخرين رأوا أن هذا الوزن الذي أعلنوا عنه أيضا لم يلتزموا به، وأن وزن الرغيف قد يصل إلى 60 جراما ليفقد ثلث وزنه المعلن.
وفي الواقع اعتاد المصريون على هذا الأمر وعلى كثير من التعريفات غير المنطقية في حياتهم العامة، وتعاملوا معها ليس فقط كأنها منطقية ولكن أيضا بديهية، وأبرز مثال لذلك تعايشهم مع معايير خاصة بهم اتخذوها دونا عن العالم كله وأدوات قياسه.
فالنصف لدى المصريين ليس أبدا 50 في المئة من قيمة الشيء كما هو الحال في كل العالم، ولكنه قد يصل حتى 75 في المئة منه كما هو الحال مثلا في خصومات تذاكر القطارات والطائرات والمترو، وأحيانا يتجاوز ذلك لما فوق الـ80 في المئة كما هو في تعريفات أجرة سيارات الأجرة و"الخدمات".
كما أن وحدة الوزن "الكيلو" التي يعرفها العالم بأنها 1000 جرام، نراها في كثير من التعاملات في مصر مختلفة أيضا. ففي عبوات السكر والأرز والدقيق التي يتم بيعها على بطاقات التموين، نجد أن الكيلو قد يتضاءل ليصل وزنه إلى ما دون الـ70 في المئة منه. وطال نقصان الوزن في تلك المنتجات حتى تلك العبوات التي تباع في السوق الحرة مع تحسن طفيف، ليصل وزن الكيلو إلى 900 جرام مثلا. وما ينطبق على السكر ينطبق أيضا على مساحيق الغسيل والأجبان والمكرونة، وحتى الكراسات والكشاكيل وغيرها.
ونجد الأمر نفسه يتكرر في عبوات الزيت التمويني التي من المفترض أنها تساوي لترا، أي ألف مليلتر، لكننا نجدها قد تقزمت بشدة لتصل إلى ما دون الـ 700 مليلتر. وينطبق هذا الأمر على كثير من السوائل، حتى الغازية ومياه الشرب.
وبالقدر نفسه، فإن أسطوانة البوتاجاز التمويني سعة 12 مترا مكعبا تناقصت لتصل إلى ما بين 6 إلى 9 أمتار مكعبة فقط من الغاز، وهو ما تسبب في شكاوى كبيرة في القرى خاصة، مع انعدام بدائل هذا المنتج وتخصيص أسطوانة واحدة لكل منزل شهريا بسعر 60 جنيها.
وما طال الأوزان طال أيضا المساحات والأطوال، فيمكنك الآن أن تشتري وحدة سكنية بمساحة 150 مترا مربعا مثلا، ولكن إذا ما قمت بقياسها فستجد أنها لا تتجاوز بأي حال الـ120 مترا. والعجيب هنا بأنهم يبررون هذا النقص بأنه انتقص كتعويض للشارع والمنور والسلم، وكأن هناك عمارة يمكن أن تبنى بدون تلك المشتملات البديهية، والأعجب هنا أن البائع ليس مقاولا جشعا ومدلسا، ولكنها الدولة نفسها التي يجب أن ترعى القانون وتحميه.

شركات المحمول

وامتد مهرجان إهدار المعايير في مصر إلى حجم الدقيقة في خدمات الهاتف المحمول، التي وصلت - بحسب مراقبين - إلى 45 ثانية بدلا من الـ60 ثانية، كما أن هناك شكوكا متداولة بأن الشهر المحاسبي للمحمول لا يصل إلى الثلاثين يوما، ولكنه يتوقف عند 28 يوما فقط. وفي المقابل تحاول شركات المحمول تبرير ذلك وتؤكد أن السبب يعود إلى استخدامات تكنولوجيا الجيل الرابع بما تمتاز به من جودة، أو لأنها تسحب سحبا كثيفا من باقات الرصيد ما يؤدي إلى نفادها بسرعة.
كما أن هناك شكوى من عموم المصريين بأن أغلب شبكات المحمول في مصر ضعيفة للغاية، ولا يصل مدى إرسالها إلى كثير من المنازل والمناطق.
وعلى ذكر المحمول وشبكاته، فإن هناك مسألة يتندر منها المصريون، وهي أنهم حينما يشترون "كارت الشحن" فئة العشرة جنيهات مثلا، فإنهم يشترونه بـ11 أو 12 جنيها، ليجدوا فيه رصيدا لا يتجاوز السبعة جنيهات، ويتساءلون: ما محل فئة العشرة جنيهات من هذا وذاك؟
المهم أن حتى تلك السبعة جنيهات لا تستقر عند هذا الحد، فسرعان ما يتم خصم ضرائب غير معلومة منها، ليصل الصافي ما دون الخمسة جنيهات. وإذا قمت باستخدام خدمة "سلفني شكرا" واستلفت رصيدا بمبلغ أربعة جنيهات، فإن إجمالي ما تتحصل عليه هو 2.50 جنيه.
وكأنها "فرة" أصابت القوم، حيث راح عبد الفتاح السيسي نفسه يقول ذات مرة في خطاب رسمي له، إنه لا يريد أن تكون الاثنان هي حاصل جمع واحد زائد واحد، ولكنه يريدها أن تكون ثلاثة وأربعة وخمسة.

غش البشر

ظاهرة الغش طالت كل شيء تقريبا في مصر حتى البشر، وأصبحت سلوكا معتادا تم تجميله ليعتبر نوعا من الشطارة و"الفهلوة".
الغش في البشر مارسته الدولة أولا ثم انتقل إلى الشعب، فلأن النظام كان بحاجة ماسة إلى أنصار لتبني مواقفه المتدنية في كل المجالات بعد أن نفر منه المبدعون، راح يتبنى أنصاف المواهب ويخدم عليهم إعلاميا ليظهروا كقامات فكرية كبيرة مساندة له، ما أنتج فنانا كبيرا ليس بفنان، وأديبا كبيرا ليس بأديب، وحاملا للقب دكتور لم يمر حتى بالجامعة أصلا، ومفكرا ليس له أي عمل فكري، وداعية لا يعرف إلا ما يعرفه العوام عن الدين، ومثقفا لم يقرأ كتبا، وعالما ليس بعالم.. إلخ.
وحينما أدرك الناس أن الدولة تحتفي بالأدعياء وقليلي الموهبة، راحوا هم يستحسنون النصب فيما بينهم، ما أنتج مجتمعا كذوبا فاسدا، كل معاييره مختلة.
وبقي أن نقول؛ إن الغش جريمة لا تتفق مع حضارة أمة مسلمة؛ ضرب الله لها الأمثال في كتابه الكريم بقوم سيدنا شعيب الذين أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
وكل الشواهد تؤكد أن المجتمع المصري الفاسد هو مطلب مشترك لنظم الحكم الاستبدادية، ومن يديرها في الخارج من القوى الاستعمارية.

19 أغسطس 2020

محمد سيف الدولة يكتب: السودان في الوثائق الصهيونية



Seif_eldawla@hotmail.com

فى مواجهة المحاولات الصهيونية الحثيثة لاختراق الثورة السودانية، أهدى الوثيقة التالية للشعب السودانى الشقيق وقواه الوطنية الثورية الذين أعلنوا رفضهم القاطع للتطبيع مع (اسرائيل).

***

فى شهر سبتمبر من عام 2008 القى "آفى ديختر" وزير الامن الداخلى الصهيونى الأسبق، محاضرة فى معهد ابحاث الامن القومى الاسرائيلى، عن الاستراتيجية الاسرائيلية فى المنطقة، تناول فيها سبعة ساحات هى فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وايران و مصر والسودان. نشرتها الصحف العبرية.

وفى الجزء الخاص بالسودان، كانت اهم المحاور كما يلى:

· ان اضعاف الدول العربية الرئيسية بشكل عام، واستنزاف طاقاتها وقدرتها هو واجب وضرورة من اجل تعظيم قوة اسرائيل واعلاء منعتها فى مواجهة الاعداء، وهو ما يحتم عليها استخدام الحديد والنار تارة والدبلوماسية ووسائل الحرب الخفية تارة اخرى

·  والسودان بموارده ومساحته الشاسعة، كان من الممكن ان يصبح دولة اقليمية قوية منافسة لدول مثل مصر والعراق والسعودية.

 كما انه يشكل عمقا استراتيجيا لمصر، وهو ما تجسد بعد حرب 1967 عندما تحول الى قواعد تدريب وايواء لسلاح الجو المصرى وللقوات الليبية، كما انه ارسل قوات مساندة لمصر فى حرب الاستنزاف عام 1968.

·وعليه فانه لا يجب ان يسمح لهذا البلد ان يصبح قوة مضافة الى قوة العالم العربى.

·ولابد من العمل على اضعافه وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة.

·فسودان ضعيف ومجزأ وهش افضل من سودان قوى وموحد وفاعل.

· وهو ما يمثل من المنظور الاستراتيجى ضرورة من ضرورات الامن القومى الاسرائيلى.

· ولقد تبنى كل الزعماء الصهاينة من بن جوريون وليفى اشكول وجولدا مائير واسحاق رابين ومناحم بيجين وشامير وشارون واولمرت خطا استراتيجيا واحدا فى التعامل مع السودان هو: العمل على تفجير ازمات مزمنة ومستعصية فى الجنوب ثم دارفور.

·  وانه حان الوقت للتدخل فى غرب السودان وبنفس الآلية والوسائل لتكرار ما فعلته اسرائيل فى جنوب السودان.

· وان النشاط الصهيونى فى دارفور لم يعد قاصرا على الجانب الرسمى، بل يسانده فى ذلك، كل المجتمع الاسرائيلى بمنظماته وقواه وحركاته وامتدادته فى الخارج.

·وان الدور الامريكى فى دارفور يسهم بشكل فعال فى تفعيل الدور الاسرائيلى.

· وامريكا مصرة على التدخل المكثف فى السودان لصالح انفصال الجنوب وانفصال دارفور على غرار ما حدث فى كوسوفو.

· وان اسرائيل نجحت بالفعل فى تغيير مجرى الاوضاع فى السودان، فى اتجاه التأزم والتدهور والانقسام، وهو ما سينتهي عاجلا ام آجلا الى تقسيمه الى عدة كيانات ودول مثل يوغوسلافيا.

· وبذلك لم يعد السودان دولة اقليمية كبرى قادرة على دعم الدول العربية المواجهة لاسرائيل.

***

وقبل ان نعرض نص المحاضرة، نراجع معا ما جاء فى وثيقة صهيونية اخرى حول نفس الموضوع، نشرتها مجلة كيفونيم لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية عام 1982تحت عنوان "استراتيجية اسرائيل فى الثمانينات"، ونشرناها نحن بعنوان: "الوثيقة الصهيونية لتفتيت الامة العربية"، حيث جاء فيها ما يلى:

·ان مصر المفككة والمقسمة الى عناصر سيادية متعددة، على عكس ماهى عليه الآن، سوف لاتشكل أى تهديد لاسرائيل بل ستكون ضمانا للزمن والسلام لفترة طويلة، وهذا الامر هو اليوم فى متناول ايدينا.

·  ان دول مثل ليبيا والسودان والدول الابعد منها سوف لايكون لها وجود بصورتها الحالية، بل ستنضم الى حالة التفكك والسقوط التى ستتعرض لها مصر. فاذا ما تفككت مصر فستتفكك سائر الدول الاخر، ان فكرة انشاء دولة قبطية مسيحية فى مصر العليا الى جانب عدد من الدويلات الضعيفة التى تتمتع بالسيادة الاقليمية فى مصر ـ بعكس السلطة والسيادة المركزية الموجودة اليوم ـ هى وسيلتنا لاحداث هذا التطور التاريخى. ان تفتيت لبنان الى خمس مقاطعات اقليمية يجب أن يكون سابقة لكل العالم العربى بما فى ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية.

·والسودان أكثر دول العالم العربى الاسلامى تفككا فانها تتكون من أربع مجموعات سكانية كل منها غريبة عن الأخرى، فمن أقلية عربية مسلمة سنية تسيطر على أغلبية غير عربية افريقية الى وثنيين الى مسيحيين.

***

نص المحاضرة

يتساءل البعض فى اسرائيل: لماذا نهتم بالسودان ونعطيه هذا القدر من الأهمية؟ ولماذا التدخل فى شئونه الداخلية فى الجنوب سابقا وفى الغرب دارفور حاليا طالما أن السودان لا يجاورنا جغرافيا، وطالما أن مشاركته فى إسرائيل معدومة أو هامشية وارتباطه بقضية فلسطين حتى نهاية الثمانينات ارتباطا واهيا وهشا؟  

 وحتى لا نطيل فى الإجابة يتعين أن نسجل هنا عدة نقاط محورية تكفى لتقديم إجابات على هذه التساؤلات التى تطرح من قبل ساسة وإعلاميين سواء فى وسائل الإعلام وأحيانا فى الكنيست:

1)    إسرائيل حين بلورت محددات سياستها واستراتيجيتها حيال العالم العربى انطلقت من عملية استجلاء واستشراف للمستقبل وأبعاده وتقييمات تتجاوز المدى الحالى أو المنظور.

2)   السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه كان من الممكن أن يصبح دولة إقليمية قوية منافسة لدول عربية رئيسة مثل مصر والعراق والسعودية. لكن السودان ونتيجة لأزمات داخلية بنيويه، صراعات وحروب أهلية فى الجنوب استغرقت ثلاثة عقود ثم الصراع الحالى فى دارفور ناهيك عن الصراعات حتى داخل المركز الخرطوم تحولت الى أزمات مزمنة. هذه الأزمات فوتت الفرصة على تحوله الى قوة إقليمية مؤثرة تؤثر فى البنية الأفريقية والعربية. 

كانت هناك تقديرات إسرائيلية حتى مع بداية استقلال السودان فى منتصف عقد الخمسينات أنه لا يجب أن يسمح لهذا البلد رغم بعده عنا أن يصبح قوة مضافة الى قوة العالم العربى لأن موارده إن استمرت فى ظل أوضاع مستقرة ستجعل منه قوة يحسب لها ألف حساب. وفى ضوء هذه التقديرات كان على إسرائيل أو الجهات ذات العلاقة أو الاختصاص أن تتجه الى هذه الساحة وتعمل على مفاقمة الأزمات وإنتاج أزمات جديدة حتى يكون حاصل هذه الأزمات معضلة يصعب معالجتها فيما بعد.

3)   كون السودان يشكل عمق استراتيجى لمصر، هذا المعطى تجسد بعد حرب الأيام الستة 1967 عندما تحول السودان الى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصرى وللقوات البرية هو وليبيا. ويتعين أيضا أن نذكر بأن السودان أرسل قوات الى منطقة القناة أثناء حرب الإستنزاف التى شنتها مصر منذ عام 1968 ـ 1970.

كان لابد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة رغم أنها تعد بالتعددية الأثتية والطائفية ـ لان هذا من المنظور الاستراتيجى الإسرائيلى ضرورة من ضرورات دعم وتعظيم الأمن القومى الإسرائيلى.

 وقد عبرت عن هذا المنظور رئيسة الوزراء الراحلة (جولدا مائير) عندما كانت تتولى وزارة الخارجية وكذلك ملف إفريقيا فى عام 1967 عندما قالت: " إن إضعاف الدول العربية الرئيسية واستنزاف طاقاتها وقدراتها واجب وضرورة من أجل تعظيم قوتنا وإعلاء عناصر المنعة لدينا فى إطار المواجهة مع أعداءنا. وهذا يحتم علينا استخدام الحديد والنار تارة والدبلوماسية ووسائل الحرب الخفية تارة أخرى ".

 وكشفت عن أن إسرائيل وعلى خلفية بعدها الجغرافى عن العراق والسودان مضطرة لاستخدام وسائل أخرى لتقويض أوضاعهما من الداخل لوجود الفجوات والتغيرات فى البنية الاجتماعية والسكانيه   فيهما.

***

(وراح ديختر يورد المعطيات عن وقائع الدور الإسرائيلى فى إشعال الصراع فى جنوب السودان انطلاقا من مرتكزات قد أقيمت فى أثيوبيا وفى أوغندا وكينيا والزائير سابقا الكونغو الديموقراطية حاليا)

وقال ان جميع رؤساء الحكومات فى إسرائيل من بن جوريون وليفى أشكول وجولدا مائير واسحاق رابين ومناحم بيجين ثم شامير وشارون وأولمرت تبنوا الخط الاستراتيجى فى التعاطى مع السودان الذي يرتكز (على تفجير بؤرة وأزمات مزمنة ومستعصية فى الجنوب وفى أعقاب ذلك فى دارفور).

 هذا الخط الاستراتيجى كانت له نتائج ولاتزال أعاقت وأحبطت الجهود لإقامة دولة سودانية متجانسة قوية عسكريا واقتصاديا قادرة على تبوأ موقع صدارة فى البيئتين العربية والأفريقية.

 فى البؤرة الجديدة فى دارفور تداخلنا فى إنتاجها وتصعيدها، كان ذلك حتميا وضروريا حتى لا يجد السودان المناخ والوقت لتركز جهودها باتجاه تعظيم قدراته. ما أقدمنا عليه من جهود على مدى ثلاثة عقود يجب ألا يتوقف لأن تلك الجهود هى بمثابة مداخلات ومقدمات التى أرست منطلقاتنا. الاستراتيجية التى تضع نصب اعينها أن سودان ضعيف ومجزأ وهش أفضل من سودان قوى وموحد وفاعل.

 نحن بالإضافة الى ذلك نضع فى إعتبارنا وفى صميم اهتمامنا حق سكان الجنوب فى السودان فى تقرير المصير والإنعتاق من السيطرة. من واجبنا الأدبى والأخلاقى أن ندعم تطلعات وطموحات سكان الجنوب ودارفور. حركتنا فى دارفور لم تعد قاصرة على الجانب الرسمى وعلى نشاط أجهزة معينة. المجتمع الإسرائيلى بمنظماته المدنية وقواه وحركاته وامتداداتها فى الخارج تقوم بواجبها لصالح سكان دارفور.

الموقف الذي أعبر عنه بصفتى وزيرا إزاء ما يدور فى دارفور من فظائع وعمليات إبادة ومذابح جماعية هو موقف شخصى وشعبى ورسمى.

 من هنا نحن متواجدين فى دارفور لوقف الفظائع وفى ذات الوقت لتأكيد خطنا الإستراتيجى من أن دارفور كجنوب السودان من حقه أن يتمتع بالاستقلال وإدارة شؤونه بنفسه ووضع حد لنظام السيطرة المفروض عنوة من قبل حكومة الخرطوم.  

لحسن الطالع أن العالم يتفق معنا من أنه لابد من التدخل فى دارفور سياسيا واجتماعيا وعسكريا. الدور الأمريكى فى دارفور دور مؤثر وفعال ومن الطبيعى أن يسهم أيضا فى تفعيل الدور الإسرائيلى ويسانده كنا سنواجه مصاعب فى الوصول الى دارفور لنمارس دورنا المتعدد الأوجه بمفردنا وبمنأى عن الدعم الأمريكى والأوروبى.

 صانعوا القرار فى البلاد كانوا من أوائل المبادرين الى وضع خطة للتدخل الإسرائيلى فى دارفور 2003 والفضل يعود الى رئيس الوزراء السابق إرييل شارون. أثبتت النظرة الثاقبة لشارون والمستمدة من فهمه لمعطيات الوضع السودانى خصوصا والوضع فى غرب أفريقيا صوابيتها. هذه النظرة وجدت تعبيرا لها فى كلمة قاطعة ألقاها رئيس الوزراء السابق خلال اجتماع الحكومة فى عام 2003 (حان الوقت للتدخل فى غرب السودان وبنفس الآلية والوسائل وبنفس أهداف تدخلنا فى جنوب السودان).

لابد من التفكير مرة أخرى بأن قدر هام وكبير من أهدافنا فى السودان قد تحقق على الأقل فى الجنوب وهذه الأهداف تكتسب الآن فرص التحقيق فى غرب السودان فى دارفور.

***

 وعندما سئل ديختر ما هى نظرته الى مستقبل السودان على خلفية أزماته المستعصية فى الجنوب وفى الغرب والإضطراب السياسى وعدم الاستقرار فى الشمال وفى مركز القرار الخرطوم؟  هذا السؤال طرحه نائب وزير الدفاع السابق جنرال الإحتياط "إفرايم سنيه".

 رد ديختر على هذا السؤال: (هناك قوى دولية تتزعمها الولايات المتحدة مصرة على التدخل المكثف فى السودان لصالح خيارات تتعلق بضرورة أن يستقل جنوب السودان وكذلك إقليم دارفور على غرار استقلال إقليم كوسوفو. لا يختلف الوضع فى جنوب السودان وفى دارفور عن وضع كوسوفو. سكان هذين الإقليمين يريدون الإستقلال وحق تقرير المصير قاتلوا الحكومة المركزية من أجل ذلك.

 وأريد أن أنهى تناولى للمحور السودانى فى هذه المحاضرة تأكيد أن استراتيجيتنا التى ترجمت على الأرض فى جنوب السودان سابقا وفى غربه حاليا استطاعت أن تغير مجرى الأوضاع فى السودان نحو التأزم والتدهور والإنقسام. أصبح يتعذر الآن الحديث عن تحول السودان الى دولة إقليمية كبرى وقوة داعمة للدول العربية التى نطلق عليها دول المواجهة مع اسرائيل. السودان فى ظل أوضاعه المتردية والصراعات المحتدمة فى جنوبه وغربه وحتى فى شرقه غير قادر على التأثير بعمق فى بيئته العربية والأفريقية لأنه متورط ومشتبك فى صراعات ستنتهى إن عاجلا أو آجلا بتقسيمه الى عدة كيانات ودول مثل يوغوسلافيا التى انقسمت الى عدة دول البوسنة والهرسك وكرواتيا وكوسوفو ومقدونيا وصربيا ويبقى السؤال عالقا متى؟

 بالنسبة لجنوب السودان الدلائل كلها تؤكد أن جنوب السودان فى طريقه الى الإنفصال لأن هذا هو خياره الوحيد. هو بحاجة الى كسب الوقت لإقامة مرتكزات دولة الجنوب. وقد يتحقق ذلك قبل موعد إجراء الاستفتاء عام 2011 إلا إذا طرأت تغيرات داخلية واقليمية إما أن تسهم فى تسريع تحقق هذا الخيار أو فى تأخيره. 

*****

 

18 أغسطس 2020

محمد سيف الدولة يكتب: نتنياهو والسلام بالإكراه



لم يتمالك نتنياهو نفسه خلال الايام الماضية من التفاخر بالنصر الذي حققه بتوقيع اتفاقية (سلام) من حكام الامارات، فاخذ يتمادى فى القاء التصريحات هنا وهناك كاشفا وفاضحا "نظريته" عن السلام الوحيد الذى يؤمن به ويقبله ويسعى اليه مع الدول العربية ومع الفلسطينيين وهى النظرية التى يمكن تحديد اهم عناصرها من واقع تصريحاته المرفقة فيما يلى:
1) هو سلام بالاكراه، يجبر الدول العربية ونظامها الرسمى العربى عليه ويدفعهم للهرولة اليه، من واقع التفوق العسكرى الاسرائيلى واختلال موازين القوى الهائل لصالحها.
2) هو سلام مع بقاء الاحتلال بل وتوسعه، سلام بدون انسحاب من شبر واحد من اى ارض محتلة، بل مع الاصرار على ضم باقى اراضى الضفة الغربية. وهو سلام يرفض أى حديث عن الأرض أو عن حدود 1967، ويعتبر ان اى انسحاب يؤدى الى اضعاف لاسرائيل. 
3) هو سلام بدون الفلسطينيين ورغما عن أنفهم. وبقول آخر هو سلام يحرر العلاقات العربية الاسرائيلية من أى التزام تجاه فلسطين والفلسطينيين، ويسقط كل الاوهام القديمة القائلة بانه لا سلام بين العرب و(اسرائيل) الا من بوابة الحقوق الفلسطينية.
4) بل هو سلام يقوم على تحالف اسرائيلى عربى ضد فلسطين وفى مواجهتها، تحالف سيحرر الدول العربية فى النهاية من هيمنة المطالب الفلسطينية وسيجبر الفلسطينيين ان عاجلا أم آجلا على الخضوع والاستسلام لاسرائيل.
5) هو سلام تفرضه الولايات المتحدة على الجميع، فلولاها لما استطاعت (اسرائيل) ان تمتلك كل هذا "النفوذ الدولى"، الذى يتباهى به نتنياهو على الدوام.
6) وهم سلام عدوانى وعنصرى تجاه الدول العربية ذاتها، ينطلق من ان البقاء فى الشرق الاوسط للاقوياء فقط، أما الضعفاء فلن يكون لهم وجود وسيسقطهم الجميع من حساباتهم، واذا كانت البداية مع فلسطين فإن البقية آتية لا محالة.
7) أما عن الطريق لتحقيق مثل هذا السلام الصهيونى، فهو يبدأ بالاختراق والتغلغل فى المنطقة مع حكام وانظمة الدول العربية، وعلى الأخص مع الخائفين من ايران، العاجزين عن مواجهتها، الراغبين فى الحماية الأمريكية والاسرائيلية، لتأسيس مصالح وعلاقات مشتركة قد تكون سرية فى البداية، ولكن سرعان ما سيتم اشهارها والاعلان عنها بمجرد نضوجها واعداد المسرح العربى لتقبلها، بضغط ومساعدة الولايات المتحدة.
***
"في يوم الخميس من الأسبوع الماضي أعلنت مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومع الشيخ محمد بن زايد عن معاهدة سلام تاريخية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة.
إنها بمثابة معاهدة السلام الأولى التي يتم إبرامها بين إسرائيل ودولة عربية منذ 26 عامًا، وهي تختلف عن سابقاتها كونها تستند إلى مبدئين مفادهما "السلام مقابل السلام" و"السلام من منطلق القوة".
وبموجب هذه العقيدة فإن إسرائيل لا يطلب من إسرائيل الانسحاب من أية أراض، إذ تحصد كلا الدولتان ثمار السلام الكامل، والعلني والمفتوح سواء من خلال الاستثمارات والتجارة والسياحة والطاقة والصحة والزراعة وحماية البيئة،ذ وغيرها من المجالات العديدة الأخرى، وطبعًا في المجال الأمني أيضًا.
ولم يتم التوصل إلى هذا السلام لأن إسرائيل قد أضعفت نفسها من خلال الانسحاب إلى خطوط 1967، وإنما بفضل حقيقة أن إسرائيل قد عززت مكانتها من خلال تنمية الاقتصاد الحر، وتعزيز قوتها العسكرية والتكنولوجية ومن خلال الدمج ما بين هتين القوتين هي اكتسبت القدرة على النفوذ غير المسبوق على الساحة الدولية.
ويتجسد هذا الموقع الدولي الرفيع من خلال استعدادنا لمواجهة العدوان الإيراني في المنطقة وللتصدي لمساعيها الرامية إلى امتلاك الأسلحة النووية.
إن حقيقة أننا قد وقفنا لوحدنا، وأنني قد اضطررت في بعض الأحيان للوقوف لوحدي أمام العالم كله أمام إيران وأمام الاتفاقية النووية الخطيرة معها وهذا قد ترك انطباعًا عظيمًا لدى الزعماء العرب في هذه المنطقة.
وما يبرهن على ذلك هو الحقيقة البسيطة أن القوة تقرّب الدول بينما يبعد الضعف عن بعضها البعض.
ففي الشرق الأوسط القوي يبقى ومع القوي يُصنع السلام. إنني أعمل على تعزيز قوة إسرائيل منذ سنوات، وينطبق نفس الشيء على عقيدة "السلام مقابل السلام".
وهذا ما أقوم به مع زعماء من أنحاء العالم العربي وكذلك من العالم الإسلامي.
وقد وجد هذا الاعتقاد تعبيره العلني من خلال اللقاء الذي جمعني بالرئيس السوداني قبل حوالي نصف سنة، ومن خلال لقائي مع وزراء الخارجية والمسؤولين من ست دول عربية، ومن خلال لقاء علني عقدته في مدينة وارسو قبل سنة ونصف، وزيارتي العلنية لسلطنة عمان قبل سنتين تلبيةً لدعوة السلطان قابوس رحمه الله.
وأقول لكم إن هذا يتمثل أيضًا بلقاءات سرية مختلفة لن أخوض تفاصيلها هنا.
إن هذه العقيدة تتعارض كليًا مع الاعتقاد الذي كان يقضي، حتى ما قبل أيام معدودة، بعدم وجود أي دولة عربية توافق على إحلال سلام رسمي ومفتوح مع إسرائيل، قبل حل النزاع مع الفلسطينيين.
فحسب الأسلوب الذي اتبعه الفلسطينيون والأسلوب الذي اعتمده الكثيرون حول العالم ممن شاطروهم الرأي، فإنه كان يستحيل إحلال هذا السلام لولا استسلامنا لمطالب الفلسطينيين، بما فيها إزالة البلدات اليهودية، وتقسيم أورشليم والانسحاب إلى خطوط 1967.
إن هذا الاعتقاد الخاطئ قد منح الفلسطينيين حق الفيتو الفعلي على إحلال السلام بين إسرائيل والدول العربية.
كما جعل إسرائيل والعالم العربي رهينة في يد أكثر المطالب الفلسطينية تطرفًا، والتي كانت لتضع إسرائيل أمام خطر وجودي بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى.
إلا أن الخطر الأكبر كان يكمن برأيي ربما في قبول عدد لا بأس فيه من الإسرائيليين لهذه الشروط السخيفة.
فهذا الاعتقاد بإمكانية "إحلال السلام المبنى على الانسحاب والوهن" قد فارق الدنيا وتلاشى.
وتم استبداله باعتقاد آخر مفاده السلام الحقيقي، والسلام مقابل السلام والسلام من منطلق القوة. وهذا ما نروّج له حاليًا.
وأذكّركم أنه بموجب المعاهدة الحالية فإن إسرائيل لا تحتاج للانسحاب ولو من متر مربع واحد ناهيك عن خطة ترامب، بناءً على طلب مني، الكي ينص على بسط السيادة الإسرائيلية على مساحة واسعة من يهودا والسامرة.
أنا الذي أصر على إدراج مسألة السيادة ضمن الخطة، ولم يطرأ أي تغيير على هذه الخطة. إن الرئيس ترامب ملتزم بها وأنا ملتزم بإجراء مفاوضات على أساسها.
وإليكم بعض التصريحات التي أدليت بها أمام الأمم المتحدة في عام 2013: "خلال سنين طويلة كان الكثيرون يعتقدون بأن السلام الإسرائيلي الفلسطيني سيفسح المجال أمام المصالحة الأوسع بين إسرائيل والعالم العربي.
لكن وفي هذه الأيام أعتقد أن السلام سيتحقق بالطريقة المعاكسة أي أن توسيع رقعة المصالحة بين إسرائيل والعالم العربي بالذات هو الذي من شأنه دفع السلام الإسرائيلي الفلسطيني إلى الأمام".
كما قلت حينها مضيفًا: "للتوصل إلى هذا السلام، يتعين علينا النظر ليس فقط إلى أورشليم ورام الله وإنما إلى القاهرة، وعمان، وأبو ظبي، والرياض وغيرها من الأماكن".
هذه لم تكن عبارة عن نبؤة بل سياسة متسقة وممنهجة أقودها والتي استغرقت عملية تغلغلها عدة سنوات.
والحمد لله إنها تغلغلت وما زالت تتغلغل. حيث أتوقع انضمام مزيد من الدول العربية إلى دائرة السلام معنا.
إنه لتحول تاريخي يدفع عملية السلام مع العالم العربي أيضًا قدمًا، والذي من شأنه في نهاية المطاف أن يدفع السلام، بمعنى السلام الحقيقي، والقابل للمراقبة والآمن مع الفلسطينيين إلى الأمام.
أتوجه بالشكر لجهات مختلفة ساهمت على مدار سنين طويلة في إقامة العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، وفي طليعتها جهاز الموساد كما دعوني أشير إلى مبعوثي الخاص للعالم العربي المحامي يتسحاك مولخو، ورئيس هيئة الأمن القومي مئير بن شبات وفريقه. إنني أشكركم جميعًا.
والشكر الخاص على دفع معاهدة السلام قدما موجه إلى شخص آخر ألا هو السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة رون ديرمر، الذي أنجز عملاً استثنائيًا، بأسلوبه المتواضع والمهني، سويةً مع طاقم البيت الأبيض ونظيره سفير الإمارات العربية المتحدة لدى واشنطن.
وبطبيعة الحال دعوني أعبّر مجددًا عن بالغ امتناني للرئيس ترامب وللشيخ محمد بن زايد، اللذين أفضى التعاون القائم معهما إلى هذا الحراك التاريخي الذي يُعدّ في غاية الأهمية بالنسبة لمستقبل إسرائيل ولمستقبل المنطقة برمتها".
***
كانت هذه هى آخر تصريحات نتنياهو تعقيبا واحتفالا وترويجا للعلاقات الاماراتية الاسرائيلية. هذا هو ما يقدمه الصهيونى الارهابى اللص لفلسطين والدول العربية، فهل يتوب أنصار السلام من "الواقعيين العرب"، ويتطهرون ويثوبون الى رشدهم الوطنى؟ أم سيتسابقون لاعادة تأهيل أنفسهم وتكييفها من أجل عرض خدماتهم على أسياد العصر العربى/الصهيونى الجديد؟
****
18 اغسطس 2020

17 أغسطس 2020

للمطبعين والمتواطئين والصامتين: لماذا نعادى الصهيونية واسرائيل؟

بثلم : محمد سيف الدولة

Seif_eldawla@hotmail.com

لا شك ان الردة ليس فى الأديان فقط، ولكن فى الثوابت والمبادئ والسياسات والمواقف الوطنية كذلك؛ وآخر جرائم الردة فى العالم العربى، كان الاتفاق والتحالف الجديد بين الامارات والعدو الصهيونى. وبينما كانت الجريمة فجة وصادمة وكاملة الاركان، خرج علينا عدد من الكتاب والصحفيين والسياسيين، يميعون القضية ويزيفونها ويبحثون للامارات عن حجج وذرائع، فى تواطؤ وتضليل اجرامى لا يقل فجاجة عن الجريمة الاصلية. الى مثل هؤلاء والى كل من يمكن ان يـتأثر باكاذيبهم، نعيد التأكيد على الثوابت التالية:

·منذ تشكلت الحركة الصهيونية فى اواخر القرن التاسع عشر وهى تهدد وجودنا و تغتصب اراضينا وتعتدى علينا وتذبح اهالينا وتقتلنا وتطردنا من اوطاننا وتتحالف مع مستعمرينا.

·وبسببها هى والاستعمار، وعلى امتداد اربعة أجيال، ونحن نعانى من العجز عن الاستقلال والعجز عن التطور والعجز عن العيش حياة طبيعية آمنة مثل باقى شعوب الارض.

·لقد كان المشروع الصهيونى وما زال بالنسبة لنا كاللعنة التى افسدت كل شىء وحولت حياتنا الى جحيم يومى وحرمتنا من ابسط الحقوق الانسانية وهى حق الوجود الآمن والمستقر، حق الاختصاص بالوطن فى هدوء وسلام وسكينة وبدون منازعة أو تهديد.

· ان الصهيونية فى كلمتين هى حركة استعمارية، عدوانية، استيطانية، احلالية، توسعية.

· وهي تزيف تاريخنا وتاريخ العالم وتهدد وجودنا فتدعى اننا نحن العرب نمثل احتلالا لهذه الارض منذ الغزو(الفتح) العربى الاسلامى.

· وتدعى ان اليهود هم اصحاب الارض الحقيقيين فى المنطقة الواقعة بين النيل والفرات (ارض الميعاد)، وأن اليهود فى كل انحاء العالم يمثلون امة واحدة وشعبا واحدا، ولهم وطن واحد هو الارض التى نعيش نحن عليها منذ آلاف السنين.

·كما تدعى ان باقى الارض العربية ايضا ليس ملكا للشعب العربى بل هى ملكا للشعوب التى كانت تعيش هنا قبل الغزو العربى.

· والصهيونية حركة عنصرية تعتبر ان اليهود شعب ممتاز متفوق على غيره من الشعوب وبالتالى هى تضعنا نحن وباقى البشر من غير اليهود فى منزلة دنيا فى سلالة الجنس البشرى، وتعطى لنفسها حرية وحق التعامل معنا بكل الوسائل والأساليب التى تتناسب فى منظورها مع الكائنات الأدنى منزلة منها.

· والحركة الصهيونية حركة ارهابية فى اصولها وجذورها وسلوكها، فالعربى الصالح عندها هو العربى الميت أو المستسلم. والإرهاب الصهيونى ليس مجرد وسيلة بل هو غاية فى حد ذاته، وهو ما نراه يوميا على امتداد أكثر من قرن من الزمان وآخره هو المذابح الاخيرة لأهالينا فى فلسطين.

·والمشروع الصهيونى يستهدف مصر والامة العربية كلها بقدر ما يستهدف فلسطين.

· والصهيونية صنيعة للاستعمار الغربى؛ الأوروبى والأمريكى وحليفة لكل القوى التى تعادينا وتحتل بلادنا وتنهب ثرواتنا.

·وهي قاعدة عسكرية واستراتيجية رخيصة للامبريالية العالمية ونقطة ارتكاز ووثب لها فى قلب الوطن العربى لضرب امانى الامة العربية فى التحرر والوحدة والتقدم، فهى مصدر تهديد دائم، فالتحرر من ايهما يستدعى التحرر من الاخرى بالضرورة.

·ودولة الصهاينة المسماة بـ (اسرائيل) هى كيان حاجز بين مشارقنا ومغاربنا، مما يعيق وحدتنا القومية، تلك الوحدة التى كان من الطبيعى ان تتم منذ زمن بعيد لتلحق بوحدات كبرى اخرى كالوحدة الالمانية والوحدة الايطالية وغيرها. ولكن بدلا من ذلك، حرمنا من هذا الحق الطبيعى، بل تم تقسيمنا كغنائم حرب بعد الحرب العالمية الاولى، وتم تدعيم التقسيم بانشاء اسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية.

· والصهيونية حركة لا ولن تكتفى بكل اعتداءاتها علينا، بل هى تسعى الان لمزيد من تفتيت وتقسيم الوطن العربى الى مجموعة من الدويلات الطائفية الصغيرة تحل محل الدول العربية الحالية، وهى فى سبيل ذلك تحاول زرع الفتن الطائفية بيننا؛ جاء فى مجلة كيفونيم لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية: ((ان تفتيت مصر الى اقاليم جغرافية منفصلة هو هدف اسرائيل السياسى فى الثمانينات على جبهتها الغربية، وان مصر المفككة والمقسمة لا تشكل أى تهديد لاسرائيل))

· والدولة الصهيونية تفعل كل ذلك وستفعله وتصر عليه مع كل العرب حتى من وقعت معهم معاهدات سلام، فمؤامراتها على مصر لم تنتهِ، ومحاولتها المستمرة لحصارنا عسكريا واقتصاديا، والتجسس علينا واختراقنا وايذائنا، والتهديد بالعدوان علينا، وتأليب المؤسسات الدولية علينا وغيره الكثير، سياسة ثابتة ومستمرة، فقد قال بيجين ((لن يكون سلام لشعب اسرائيل ولا لارض اسرائيل ولا حتى للعرب ما دمنا لم نحرر وطننا باجمعه بعد، حتى لو وقعنا مع العرب معاهدة صلح وسلام))

·والكيان الصهيونى معادٍ لنا ولن يتركنا فى سلام حتى لو اخترنا السلام معه. فعاجلا ام آجلا سيكرر العدوان علينا كما فعل فى 1956 و1967. قال بيجين بعد ان وقع مع السادات اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية عام 1979:((سنضطر الى الانسحاب من سيناء لعدم توافر طاقة بشرية قادرة على الاحتفاظ بهذه المساحة المترامية الاطراف. سيناء تحتاج الى ثلاثة ملايين يهودى على الاقل لاستيطانها والدفاع عنها. وعندما يهاجر مثل هذا العدد من الاتحاد السوفيتى او الامريكتين الى اسرائيل سنعود اليها وستجدونها فى حوزتنا)).

 وجاء في مجلة كيفونيم لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية: ((ان استعادة شبه جزيرة سيناء بما تحتويه من موارد طبيعية ومن احتياطى يجب أن يكون هدفا أساسيا من الدرجة الاولى اليوم)).

· وقال آفى ديختر وزير الامن الداخلى الاسرائيلى عام 2008 ((سنعود الى سيناء ان تغير النظام فى مصر لغير صالح اسرائيل))

· والصهاينة يريدون مصر ضعيفة منكفئة على نفسها معزولة داخل حدودها، قال موشى ديان أن من أهداف العدوان على مصر 1956 ((القضاء على جيش النيل وحشره فى أرضه))

·والصهاينة يريدون سرقة دور مصر القيادى فى المنطقة، قال شمعون بيريز فى مؤتمر اقتصادى بالدار البيضاء عام 1994: ((ان مصر قادت الشرق الأوسط 40 سنة وهذه هى النتيجة، واذا تركتكم إسرائيل تقود ولو عشر سنوات فسوف ترون))

·وإسرائيل اصبحت هى القوى الاقليمية العظمى فى المنطقة بعد خطف مصر عام 1979، فهى تشن اعتداءاتها على من تريد فى فلسطين أو لبنان او العراق او السودان او سوريا، بلا معقب، وتعمل على نزع أو تقييد السلاح العربى والاقليمى، لتحتفظ لنفسها بالتفوق النوعى على الدول العربية مجتمعة.

· وإسرائيل هى التى اعتدت على مصر مرتين فى 1956 و1967 ولم تنسحب من سيناء الا بعد اشتراطها تجريد ثلثى سيناء من السلاح والقوات، وعدم دخول اى قوات مصرية اضافية الا باذنها.

 بل ومن أجل اسرائيل، قام الامريكان بالتعاون مع نظام السادات ومبارك الذى لا نزال نعيش فيه حتى اليوم، بتفكيك مصر التى انتصرت فى 1973، وتصنيع مصر أخرى على مقاس أمن اسرائيل ومصالح أمريكا.

· واسرائيل ارتكبت ولا تزال فى حق مصر وباقى الشعوب العربية مئات من المذابح الاجرامية، التى لم يحاسبها أحدا عليها.

· و(اسرائيل) استغلت ضعفنا وخوفنا وتخاذلنا، فقامت بسن وترسيخ قانونا عنصريا فى المنطقة، وهو أن (الاسرائيلى) كائن مقدس لا يجوز لمسه أو ايذائه، بينما تستبيح هى دمائنا كل يوم.

·  و(إسرائيل) هى بطلة كل قضايا التجسس التى تم كشفها فى مصر فى السبعين عاما الماضية.

· وهى وهى ...

***

· أما فلسطين حبيبتنا وشقيقتنا وبوابتنا الشرقية، فهى ارض عربية منذ الفتح العربى الاسلامى وقبله، اختصصنا بها على امتداد أكثر من 14 قرن وعشنا عليها ولم نغادرها ابدا. وقاتلنا من اجلها جيلا وراء جيل، ونجحنا من قبل فى تحريرها من الغزو الأوروبى 1096 – 1291.

·ولقد عشنا معا فى مصر وفلسطين أمة واحدة فى كنف دولة واحدة على امتداد قرون طويلة الى قام التحالف الغربى الاستعمارى بعزل مصر عام 1840 فى معاهدة كامب ديفيد الأولى المعروفة باسم معاهدة لندن، قبل أن يعزلها مرة ثانية فى ترتيبات سايكس بيكو، ومرة ثالثة فى اتفاقيات كامب ديفيد 1978.

· وعلى امتداد قرون طويلة وحتى وقت قريب، اختلطت دماء شهدائنا جميعا على أرضنا الواحدة الطيبة فى مواجهة هذا العدو المشترك.

· واليوم ان تركنا (اسرائيل) تستكمل اغتصاب فلسطين فى هدوء، وتقضى على مقاومتها، وتبيد شعبها، وتعيش مستقرة آمنة على أرضها، وتستجلب مزيد من المهاجرين اليهود اليها، وتواصل بناء دولتها القوية الاستعمارية الارهابية العدوانية على حدودنا الشرقية وفى القلب من امتنا العربية، فسنجدها فى القريب العاجل تشن عدوانا جديدا علينا، أو تفرض مزيد من الشروط والقيود علينا، أو ترسخ وتقوى من تفوقها وهيمنتها العسكرية على المنطقة.

*****

17 أغسطس 2020


16 أغسطس 2020

زهير كمال يكتب: لبنان في عنق الزجاجة

 

ما زال عنق الزجاجة يضيق على لبنان وبخاصة بعد انفجار ميناء بيروت المروع . لقد مرّت كثير من الشعوب في مثل هذه الحالة وتخطّتها، ولكن سجّلت في التاريخ على أنها كانت نقطة فاصلة في حياتها.   

في عام 1917 اجتاحت روسيا وكانت عاصمتها آنذاك بتروجراد (لينينغراد ثم سانت بطرسبرج الآن) مظاهرات عارمة لعدة أشهر بسبب الجوع. وفي تلك الأيام كان العالم يشهد حربه العالمية الأولى، وكانت روسيا ما تزال تعيش عصر الإقطاع، وفي نهاية تلك المظاهرات انضم الجنود الى المتظاهرين وأسفرت الانتفاضة عن نهاية القيصرية وبداية عصر جديد مع روسيا البلشفية. فلم تكن أسرة رومانوف الحاكمة تستطيع توفير الخبز لشعبها، فقد كانت نظرتها له أنه يستطيع توفير الجنود من أجل حربها مع الألمان، ولم  يخطر في تفكيرها توفير الطعام للأهالي. لم يكن جوع روسيا في ذلك الوقت بسبب عوامل خارجية ولكن هذه العوامل كانت المفجر لوضع داخلي متأزم،  كانت روسيا لا تزال تعيش عصر الإقطاع الزراعي، بينما كانت أوروبا تعيش في عصر الصناعة.

يواجه لبنان منذ تأسيسه إقطاعاً من نوع آخر يمكننا أن نسميه الإقطاع السياسي، فمنذ الاستقلال في أواخر عام 1943 وحتى يومنا هذا ما يزال التقسيم الطائفي يحكم العلاقات السياسية.

كانت فرنسا تريد موطئ قدم لها في الشرق عبر وضع دستور غريب يعزز الفصل بين أبناء الشعب الواحد، لم يكفها المساهمة في تقسيم سوريا الطبيعية الى أربع دول من بينها فلسطين التي خلقت فيها كياناً لليهود عبر سايكس -  بيكو، بل أرادت لطائفة من شعب لبنان أن تعتقد أن فرنسا التي تبعد عنها آلاف الكيلومترات هي التي تحميها وليس حاضنتها الطبيعية ولا أهلها الذين يقاسمونها ماء وتراب الوطن.

لا نجد كياناً طائفياً مثل لبنان في جميع دول العالم، لولا ما فعلته أمريكا مؤخراً من تقسيم العراق تقسيماً سياسياً يقوم أيضاً على الأعراق والطوائف، ولولا ما تحاوله إسرائيل من انتزاع اعتراف العالم بيهودية الدولة.  

وفي استعراض بسيط لتاريخ لبنان الطائفي نجده سبباً لتدخلات عسكرية من دول عديدة كما يلي:

-  تدخل  أمريكي في لبنان عام 1958 وفي ثمانينات القرن العشرين والذي انتهى عام 1983 بتفجير قوات المارينز ومقتل 241 جندياً أمريكياً.

-  تدخل فلسطيني منذ عام 1968 وحتى خروج القوات الفلسطينية عام 1982.

- تدخل إسرائيلي في العام 1978 وفي عام 1982 حيث غزت إسرائيل أول عاصمة عربية وانتهى التدخل عام 2000 على يد المقاومة اللبنانية.

-  تدخل سوري منذ عام 1976 وحتى عام 2005.

ما سبق من التدخلات العسكرية في لبنان يغطي نسبة كبيرة من تاريخه منذ استقلاله، فضلاً عن التدخلات الأخرى من خلال النفوذ والمال، والذي كان بطله النظام السعودي حتى وصل الى حد إرغام  رئيس الوزراء اللبناني على الاستقالة من خارج بلاده في سابقة تاريخية عجيبة.

وفي خضم هذه التدخلات السابقة شهد لبنان حرباً أهلية استمرت 15 عاماً 1975 - 1990 وأسفرت الحرب عن مقتل 120 ألف لبناني، وانتهت باتفاق الطائف الترقيعي الذي حافظ على التقسيم الطائفي على أساس لا غالب ولا مغلوب.

كما حفل تاريخ لبنان باغتيالات سياسية لم يشهد مثلها أي بلد آخر، وهذه بعض الامثلة:

رؤساء جمهورية

بشير الجميل 1982، رينيه معوض 1989.

رؤساء وزارات

رياض الصلح، رشيد كرامي، رفيق الحريري.

شخصيات  عامة 

 كمال حنبلاط، معروف سعد، وعشرات آخرون.

بعد حرب تموز/ يوليو 2006 وفرت المقاومة اللبنانية استقلالاً كاملاً ناجزاً لهذا البلد، فقد ردعت اسرائيل الطامعة في مياهه، بل وصل الأمر بالمقاومة إلى حد حماية لبنان من أي غزو محتمل لظواهر مثل داعش والقاعدة. والغريب فعلاً هو عدم رضى الإقطاع السياسي عما تفعله المقاومة واستمرار مناكفتها. ولكن ماذا فعل الإقطاع السياسي في تلك الفترة وقد توافرت له حرية العمل؟  قام برفع مديونية لبنان الخارجية التي كانت صفراً عام 1994 الى قرابة 100 مليار دولار عام 2019، فهل استفاد لبنان من هذه الأموال؟ كل التقارير المؤكدة تذكر أنها صرفت على الاستهلاك ولم يتم بناء أي مشروع ذي قيمة وكان المستفيد الأول هو أمراء الإقطاع السياسي، وهكذا أصبح الناتج المحلي لا يغطي خدمة الدين العام.

وعندما يسأل الشعب اللبناني عمن يتحمل المسؤولية (تضيع الطاسة) ويضع كل فريق اللوم على الآخرين. فيرد الشعب بعبارة: (كلّن يعني كلّن). فقد تقاسم زعماء الطوائف الكعكة من خلال قوانين بالية تم الحفاظ عليها، فلا مصلحة لهؤلاء الزعماء بتطويرها وتحديث الدولة فهي بمثابة البقرة الحلوب لهم.

انتشرت المظاهرات الشعبية في كامل لبنان بتاريخ 17 تشرين اول/ اكتوبر 2019  ولا بد من الإعتراف أن المتظاهرين كانوا من الشباب العابر للطوائف، فمن يهتم بالطائفة إذا كان جائعاً أو عاطلاً عن العمل؟

وقد نشرتُ مقالاً بعد أسبوع من بدء تلك الانتفاضة بعنوان (الانتفاضة اللبنانية وحسابات الحقل والبيدر) قلت فيه إن اللحظة التاريخية مناسبة للقضاء على هذا المرض الخبيث المتمثل في الطائفية، وأن على الرئيس عون أن يستفيد من تجربة سابقة عام 1958 عندما قام فؤاد شهاب بانقلاب وأنهى فترة مؤلمة من تاريخ لبنان، وأقتبس منه النقاط التالية:  

أن يقوم الرئيس عون بإعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة 3 أشهر.

وأن يعتبر الحكومة الحالية في حكم المستقيلة وتعتبر حكومة تصريف أعمال حتى إشعار آخر.

وأن يعتبر مجلس النواب الحالي محلولاً.

وأن يعتبر لبنان دائرة انتخابية واحدة ويتم عقد انتخابات نيابية بعد 3 أشهر.

وأن يطلب من أثرياء لبنان التبرع لسداد الدين العام (ربما على حسن نصر الله التبرع بمبلغ 100 دولار من راتبه البالغ 1300 دولار شهرياً )

وأن يشكل محكمة خاصة لمحاكمة الفاسدين حتى لو كانوا وزراء في حكومة تصريف الأعمال. ( ولنا عبرة في التحقيقات مع الفاسد بنيامين نتانياهو وهو رئيس وزراء).

وأن يقوم بتشكيل هيئة خاصة لاسترداد الأموال المنهوبة.

انتهى الاقتباس.

فرئيس الجمهورية هو الوحيد بحكم منصبه من يستطيع وما يزال قرع الجرس. وللأسف أثبت الرئيس عون أنه لا يستطيع بل ولا يفكر في إنهاء مشكلة لبنان مرة واحدة وإلى الأبد. واستمرت الأزمة تراوح مكانها بل وتفاقمت الى أن وصل الأمر الى انفجار بيروت في 4 آب/ اغسطس، حيث لم يعد الأمر يقتصر على الاغتيالات الفردية ووصلت الى اغتيال شعب باكمله.

كان أول الزائرين للبنان بعد الانفجار رئيس فرنسا ماكرون، جاء ليطمئن أن المعادلة التي وضعتها فرنسا ما تزال تعمل بكفاءة، فهمهم بكلمات عن ضرورة اتفاق أمراء الطوائف والخروج من الأزمة، وهو يدرك جيداً ان لا أحد سيستمع اليه.

ما العمل؟

الوضع اللبناني هو جزء من الوضع العربي العام، هناك صراع في المنطقة بين الشعوب العربية جميعها بقيادة محور المقاومة اللبنانية الفلسطينية وبين الغرب الاستعماري ورأس حربته إسرائيل والتوابع العربية من رجعية عربية وإقطاع سياسي، ولن تنسى إسرائيل هزيمتها في حرب تموز / يوليو 2006 وتحاول كسب الصراع بالنقاط، وضمن هذه النقاط إفلاس لبنان  وتدمير بيئة المقاومة. وعلى المقاومة اللبنانية الانتباه لما يحاك لها من سحب تدريجي للبساط من تحت أرجلها، ولا ينبغي لها الوقوف موقف المتفرج وترك أمراء الإقطاع يخططون للخطوات القادمة، على سبيل المثال استقالة النواب من المجلس النيابي ويشبه في ذلك الهرب من السفينة الغارقة وقد كانوا سبب غرقها.

إن الضغط على الرئيس عون لاعلان حالة الطواريء في البلاد وحل مجلس النواب واعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس غير طائفي هو الحل الوحيد الذي سيرضي الجماهير اللبنانية ويخرجها من المحنة الطويلة التي تعيشها.

  

14 أغسطس 2020

محمد سيف الدولة يكتب : ضد الحلف الامريكى الاماراتى الصهيونى الجديد

Seif_eldawla@hotmail.com

ان ما يسمى باتفاقية السلام بين الامارات وبين اسرائيل، ليست سوى حلقة جديدة فى سلسلة الخيانات العربية الرسمية لفلسطين ولكل الامة.

تاريخ طويل من التفريط والغدر والطعن فى ظهر الشعب الفلسطينى والشعوب العربية بدأها النظام المصرى بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد عامى ١٩٧٨ و ١٩٧٩ والتى قام بموجبها بالانسحاب من الصراع فى مواجهة العدو الصهيونى، واعترف بشرعية دولة الاحتلال وتنازل له عن ٧٨٪ من ارض فلسطين التاريخية، وخضع لشروطه بتجريد ثلثى سيناء من السلاح والقوات، واوقع مصر فى حظيرة التبعية الامريكية.

ليمثل ذلك ضربة قاصمة لقضية فلسطين، افقدت منظمة التحرير، توازنها وصمودها فانكسرت ارادتها وذهبت بعد سنوات قليلة لتوقيع اتفاقية سلام مع العدو الصهيونى فى اوسلو عام ١٩٩٣، اعترفت فيه هى الاخرى بشرعية دولة الاحتلال وتنازلت عن ارض فلسطين التاريخية واكتفت بالمطالبة بالضفة الغربية وغزة فقط، وتنازلت عن حقها فى المقاومة وحمل السلاح، بل وقبلت ان تتحول الى اداة امنية فى ايدى اسرائيل لوأد ومطاردة حركات المقاومة.

وسرعان ما لحقت بهما الاردن فى اتفاقية وادى عربة ١٩٩٤ لتوقع على ذات الشروط.

لتلحقهم جامعة الدول العربية بكافة دولها عام ٢٠٠٢ فيما سمى بمبادرة السلام العربية، التى تنازلت هى الاخرى عن ارض فلسطين التاريخية والتزمت بالتطبيع مع اسرائيل ان هى اعطت الفلسطينيين دولة على حدود ١٩٦٧.

تاريخ طويل من التنازل والاستسلام والتواطؤ العربي الرسمي، حولت العالم العربى الى مجموعة من المحميات الامريكية التى تاتمر باوامر وتعليمات السيد الامريكى وتحمى مصالحه مقابل الاحتفاظ بكراسي العرش للرؤساء والملوك والامراء العرب.

***

واليوم تأتى احدى هذه المحميات الامريكية، وتكشف المستور عن علاقتها غير الشرعية بدولة العدو، تلك العلاقة التى كانت تمارسها فى الخفاء على امتداد سنوات طويلة، فتعلن عن اتفاقية سلام وعلاقات طبيعية وتحالفات سياسية واقتصادية وامنية بينهما، وتتفاخر ان الاتفاق تم توقيعه برعاية السيد الامريكى وتحت اقدامه.

ان الهدف الامريكي الصهيوني الحقيقي، والذى سبق الاعلان عنه من قبل، هو دمج اسرائيل فى المنطقة من خلال تاسيس تحالف عربى اسرائيلى تحت القيادة الامريكية لا يقيم وزنا لاى حقوق او مطالب فلسطينية.

وبالتالى فلا سبيل للمواجهة الا بدمج وانخراط كل الشعوب العربية هى الاخرى فى الصراع جنبا الى جنب مع الشعب الفلسطينى

وهو ما يستدعى توحيد كل قضايا النضال الشعبى والوطنى فى كل البلاد العربية مع قضية فلسطين ومع مواجهة العدو الصهيونى والولايات المتحدة ومحمياتها الحاكمة من الانظمة العربية.

ففى مصر على سبيل المثال، يجب ان ياتى على راس اولويات الحركة الوطنية المصرية اهداف الاستقلال والتحرر ومواجهة اسرائيل والصهيونية واسقاط كامب ديفيد جنبا الى جنب مع اهداف العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

وقس على ذلك فى باقى الاقطار العربية.

إما ذلك، وإما سيباع ما تبقى من فلسطين فى اسواق النخاسة الصهيونية، وسيتم الانفراد بكل من شعوبنا على حدا، لتصفيه دمائه على مذابح التبعية والطائفية والحروب الاهلية من ناحية والنهب والافقار والاستبداد من ناحية أخرى.

***

14 اغسطس 2020