09 أغسطس 2011

محاكمات مبارك .. صدام .. مشاهد متنافرة

سيد أمين
يغص عالمنا العربى بصنوف شتى من الفساد المقترن بالحكم , مبرهنا على أن السمكة لا تفسد الا من رأسها / رئيسها الذى إذا كان بالدف ضاربا فشيمة اهل "البيت" بلا شك الرقص والطرب.
وثمة مشهدان اثنان قد يبدوان للوهلة الاولى متقاربين تماما وسرعان ما يكتشف الرائى انهما متنافران , بل ويقف كل مشهد منهما فى اقصى جهة من المشهد الاخر.
وللحقيقة أن التقارب المخادع الذى يبدو للوهلة الاولى ليس إلا فى مشهد واحد هو ان الذى يحاكم هو أعلى رتبة فى البلاد إلا ان المشهد برمته يبدو بعد ذلك مختلفا , من حيث السبب والنتيجة , ومن حيث الضحايا هل هم اعداء البلاد ام هم الوطنيون فيها ومن حيث الظرف الذى قاد الى تشكيل هذا المشهد او ذاك , هل كان ثورة شعبية وطنية أم احتلالا اجنبيا ؟ فضلا عن انه لا يستوى خلقا خائن ومقاوم , صادق وكاذب , وادلة ملفقة واخرى قاطعة يجرى تمزيقها.
المشهد الاول حدث عام 2007 ويخص الرئيس العراقى صدام حسين والمشهد الثانى فى 2011 ويخص الرئيس المصرى محمد حسنى مبارك.
ففى المشهد الاول نرى رئيسا سقط أسيرا أثناء مقاومته عدوان 33 دولة غربية كبرى على بلاده , فى مؤامرة وقف فيها بطل المشهد الثانى موقف المتأمر والشامت بل والمشارك .
بينما فى المشهد الثانى نرى ثورة شعبية غير مسبوقة تاريخيا فى دولة مثل مصر يميل شعبها الى السكينة والسلام والتسامح ضد رئيس البلاد واركان نظام حكمه الذين ساموا شعبهم سوء العذاب طيلة 30 عاما حكمها مبارك , دمر خلالها الحرث والنسل , وبيعت اراضى الوطن للأجانب ولعلية القوم واعتلى اللصوص قمة المشهد السياسى , وسيطر نظام الاقطاع . واستمرأ الناس الفساد والعمالة والخيانة وكل قيم الانحطاط , بل والادهى ان ذلك صار صكا للراغب فى العيش عيشة رغدة.
حوكم بطل المشهد الاول بأدلة ملفقة وتهم تم دحضها من الغريب قبل القريب , وكانت جريمته فى كل المشهد انه دافع عن استقلال بلاده طيلة فترة حكمه ولم يدخل الى الحظيرة الامريكية / الاسرائيلية التى هرول اليها معظم الحكام العرب وعلى رأسهم عراب اسرائيل بطل المشهد الثانى.
وفى المشهد الثانى حوكم الرجل بتهم تخجل منها الوطنية وتعافها الفطرة الانسانية وتنفيها قيم الشهامة والرجولة , فهو لم يترك موبقة قانونية واحيانا اخلاقية الا وارتكبها , عمالة ليس لاعداء بلاده فحسب بل لاعداء دينه واعداء بنى جنسه التاريخيين منذ ان خلق الله الخلق , وكذا السرقة و النهب والاحتيال والتعذيب والكذب والتحريض على قتل واصابة الاف المتظاهرين السلميين من خيرة شباب بلده المثقف وممن هم فى سن ابنائه واحفاده , والعمل على نشر الفساد والخوف فى الارض التى اوصى الله لها بالأمن والأمان والرخاء والنصر , كل ذلك نظير ان يبقى فى الكرسى حتى يورث نجله الحكم.
فى المشهد الاول نرى قاضيا اصدر حكمه قبل ان يعتلى المنصة ومتهما وقف شامخا ابيا بل وانيقا رغم ان حراس المحكمة برمتها هم أعداء البلاد كلها والخصوم الشخصيون له.
وفى الثانى نرى قاضيا مشهودا له بالنزاهة ولكنه لا يحكم الا بناء على مستندات وبراهين حال المتهم وعصابته دون توافرها لاسباب متعددة منها ان المتهم مشهود له بارتكاب جرائمه بدقة كبيرة كما ان كل الادلة لا تخرج الا من بين يديه.
ونرى مبارك راقدا على سرير فى محاولة رخيصة لاستدرار عطف شعب تم ثقب ذاكرته وتغييبه سياسيا وفكريا ,رغم ان العديد ممن حضروا المحاكمة شاهدوا مبارك يهبط ماشيا من الطائرة ومنهم شيخ المقاومين حافظ سلامة , ولا يفوتنى هنا أن اذكر ما تردد عن أن تقريرا لمنظمة اليونسكو حول وعى الشعوب العربية السياسى أكد أن 94.6% من المصريين يعانون أمية سياسية.!!
فى المشهد العراقى تمت محاكمة الرجل محاكمة صورية وسط مظاهرات غضب واستنكار تجوب العالم , ووقفت الامبريالية العالمية حامية لها ومصرة عليها , وفى المشهد المصرى كانت المحاكمة فى حد ذاتها مطلبا شعبيا وعالميا , وجاءت فى اطار تخفيف ضغط الرأى العام , فيما استنكرتها كل قوى الرجعية والامبريالية العالمية وأزلام مبارك وفلوله.
الاختلاف أيضا وصل الى أشخاص الدفاع ففى المشهد العراقى كان القتل يطارد دفاع صدام حسين بل ويمتد ليطال أهلهم وذويهم أيضا , فيما ازدحمت القاعة بشهود الزور , بينما فى المشهد الثانى تم الدفع بسخاء لدفاع مبارك – مع كثرتهم وطول خبرتهم ولاعلاقة لنا هنا بضمائرهم فمنهم من يدافع عن جواسيس اسرائيليين متمرسا خلف مفاهيم المهنية – ولكن اكتظت القاعة بأسر الضحايا المكلومين ودفاعهم المتطوعين الذين لا يملك كثير منهم دخلا منتظما.
ونرى ايضا جمال وعلاء مبارك يحاولا الظهور بمظهر أصحاب الحق والثقة بالبراءة بل والضحايا رغم أن الجميع يعلم أنهما ليسا إلا مهندسين فى مؤسسة الفساد التى ضربت بأطنابها كل مصر , أما عدى وقصى صدام حسين فعلى النقيض فقد استشهدا اثناء مقاومتهما - مع الطفل مصطفى- للاحتلال الامريكى لبلادهما.
وحتى من ناحية المحاكمة الشعبية لكلا الطرفين , نجد أن الشعب العربى فى اغلبه يشهد لصدام حسين بالوطنية والشهامة والشجاعة وعدم ايثار النفس على الغير , فهو لم يتردد ابدا فى ان يودع كل لص أو منتهك للقانون السجن حتى لو كان ابنه قصى او حتى زوج ابنته , بل انه صنع من العراق البلد النامى بلدا يقف فى مصاف الدول المتطورة , فهو الاكثر تقدما تقنيا وعلميا وتعليميا وطبيا ليس فى العالم العربى فحسب بل وفى العالم الثالث كله , أما بطل المشهد الثانى فقد هوى بالبلاد الى الحضيض وباع مصانعها وغرب تعليمها , وخرب زراعتها وصحة شعبها , ورهن نفطها , وباع ارضها , واستأآثر لنفسه ولابنيه ولحزمة من ضعاف النفوس بكل مقدرات البلاد ولم يترك للشعب حتى الفتات , فأ تخمت كروش وبنيت قصور , وفسدت ذمم وضمائر , وتبلدت مشاعر , بينما سكن الشعب القبور واكلوا الجيف ولحوم الحمير ,وافشت السرقة والرذيلة , وساد منطق عصابات القرون الوسطى , وتفشت الشللية فى كل شىء , وقتل الشرفاء والمفكرون جوعا فى منازلهم , وقهرا بين عزوتهم , وذلا رغم عزتهم.
نعم كلا المشهدين متشابه فى الظاهر لكن اختلاف الجوهر بينهما شاسع , كالاختلاف بين اعدام المجاهد عمر المختار ومقتل الخائن أمين عثمان , واثق ان اعدام صدام الذى لم يدنه قط بل زاد من عبقرية هذا الرجل واعلى من قيمته العالية أصلا فى التاريخ , اثق انه لو طبق على مبارك فلن يدعم ابدا موقفه , ولن يرفع من شأنه المتخم بالفساد .. واثق ان الناس سيقولون انتصرت العدالة ويتأكدون من ان الله – حقا - يمهل ولا يهمل.
Albaas10@gmail.com
Albaas.maktoobblog.com

05 أغسطس 2011

الابادة والخيانة والتجهيل .. بلاغات جديدة ضد مبارك


الابادة والخيانة والتجهيل .. بلاغات جديدة ضد مبارك

تقدمت "الحملة الوطنية لتوثيق جرائم مبارك " بثلاثة بلاغات الى المستشار عبد المجيد محمود النائب العام ضد الرئيس المصرى المخلوع محمد حسنى مبارك.

تضمن البلاغ الاول اتهام الديكتاتور المخلوع بالتآمر على مصلحة البلاد العليا والزج بها فى مؤامرة ضد دولة العراق الشقيق بهدف تسهيل احتلال الولايات المتحدة الامريكية لها وقتل ملايين العراقيين عامى 1990 و2003.

وقدمت فى هذا الصدد ما نشرته صحيفة الفجر المصرية عن شيك بمبلغ 120 مليون دولار من الشيخ الزايد رئيس دولة الامارات العربية لمبارك كدفعة اولى ثمن موافقة مصر على الدخول فى الحرب ضد العراق عام 1990 وكانت بيانات الشيك كالتالى شيك صادر من بنك أبو ظبي الوطني يحمل رقم 758628 بتاريخ 25 أغسطس 1990.. وكود حساب صاحبه (1673).. والشيك محرر باللغة الإنجليزية بآلة كاتبة.. علي يمينه جملة: "صالح لمدة 12 شهرًا.. وفيه أمر بأن يدفعوا لرئيس جمهورية مصر العربية مبلغاً وقدره 120 مليون دولار فقط.. علي أن يودعوه في حسابه في مؤسسة «مورجن ترست المصرفية».. وعنوانها 23 وول ستريت (شارع المال) في نيويورك.. مع جملة «رجاء وضعه في الحساب رقم 65000357».. وهو حساب حسني مبارك هناك.

ويحمل الشيك توقيعين لشخصين أجنبيين لهما حق التوقيع علي الشيكات.. الأول ربما كان اسمه كيدلي، أما شفرة توقيعه فرقمها (111) والثاني ربما كان اسمه وليكس وشفرة توقيعه رقم (34).
فضلا عن طلب استدعاء باسل بوشناق ــ الفلسطيني الأصل والذى كان في يوم من الأيام الرجل الذي يدير حافظة استثمارات الشيخ زايد المالية وهو الرجل الذى حرر الشيك لسماع اقواله بأنه حرر من قبل شيكا اخر بمبلغ 300 مليون دولار لجمال مبارك فى نفس التوقيت وبنفس الهدف.
واتهم البلاغ الثانى الرئيس المخلوع بتنظيم حملة ابادة منظمة ضد الجماعات الاسلامية فى حقبة التسعينيات افضت الى قتل قرابة 20 الف شخص فى الحملة التى اطلق عليها انذاك حملة مكافحة الارهاب - طبقا لشهادة منظمات حقوقية - وقدمت "الحملة الوطنية لتوثيق جرائم مبارك" ملفا كاملا بشهادات مسجونين سياسيين سابقين نشرت فى الصحف منها " الاسبوع والوفد والفجر والتحرير وروزاليوسف" وتتضمن مشاهدات لعمليات قتل داخل السجون وخارجها كانت تتم بشكل ممنهج اثناء عمليات الدهم للقبض على مطلوبين واثناء حفلات التعذيب التى كانت تقام للمعتقلين.
اما البلاغ الثالث فقد اتهم الرئيس المخلوع بتبنى سياسة تعليمية من شأنها الحض من الثقافة العربية وازدراء اللغة العربية فى المدارس عبر تدريس اللغة الاجنبية بشكل اجبارى للنشء قبل ان يتعلموا لغتهم القومية الامر الذى اثر فى انتماء الاجيال الجديدة لوطنها وقوميتها فضلا عن تخريج اجيال من حملة المؤهلات الذين لا يجيدون القراءة والكتابة سواء بالعربية او بالانجليزية.
وقال الدكتور حامد مكى كبير المستشارين القانونيين للحملة الوطنية لتوثيق جرائم مبارك ان الحملة عازمة على الاستمرار فى توثيق جرائم نظام المخلوع كما وكيفا وان كانت تعانى نقصا شديدا فى الموثقين لاسيما مع الكم الرهيب الذى تتلقاه من شكاوى ومعلومات.
وقال سيد أمين منسق عام الحملة ان الحملة تقدمت حتى الان بنحو 20 بلاغا للنائب العام ضد المخلوع واركان نظامه وتتنوعت التهم بين الخيانة العظمى والجاسوسية لصالح اسرائيل والقتل العمد وتزعم تشكيل عصابى والرشوة والفساد .
واضاف "أمين" ان بلاغا واحدا من البلاغات التى تقدمت بها الحملة يتم محاكمة مبارك عليها فى المحاكمات الجارية الان وهى تهمة الخيانة العظمى فى تصدير الغاز لاسرائيل باقل من سعره العالمى .
وتابع هناك اتهام اخر بالخيانة العظمى للمخلوع بعد سعيه خيانة مبادىء الجمهورية وتوريث الحكم لنجله الا انه لم يتم محاكمته عليها بعد وينتظر ان يتم النظر فيها بعد تشكيل محكمة الغدر.

07 يوليو 2011

يوم أن عاد الرئيس ...

يوم أن عاد الرئيس ... بقلم - سيد أمين

هذا الصباح، رأيت فيما يري النائم، وأحسست فيما يحس المتيقظ، أن مبارك قد عاد إلينا مرة أخري، وكان صوت المذيع في القناة الأولي بالتليفزيون المصري .. يسرد تفاصيل الاستعدادات لإلقاء خطابه الأول علي الشعب .. ويردف أن الرئيس سيكشف تفاصيل المؤامرة الكبري التي تعرضت لها البلاد الأشهر الماضية.
مرت اللحظات ثقيلة، حبلي بالتساؤلات، مفعمة بالتشاؤم والمخاوف .. وكدت أسمع نبض قلبي يدق بسرعة وكأنه طاحونة أهمل صاحبها صيانتها .. وتركها تسري إلي مصيرها المحتوم، فركت عيني، بل ضربت بيدي علي اذني .. علّي لم أفصل بعد بين الحقيقة والسراب، وودت لو كنت لازلت نائمًا، وأن ما أسمعه ليس إلا كابوسًا يأخذ وقته وأستيقظ منه.
أدرت محرك القنوات علي التلفاز الذي تركته مفتوحًا ليلة البارحة ورحت أغط في نوم متقطع وأنا أتابع أحداث ميادين التحرير، وكيف واجهت قوات الأمن المتظاهرين بقوة مفرطة.
تباعدت القنوات وكأن لم أعرف مكانها إلا أنني عثرت بالتأكيد علي بعضها، محللون وسياسيون يرجئون تعليقاتهم إلي ما بعد خطاب الرئيس، صوت مذيع الـ»بي.بي.سي« الأجش ينقلنا إلي بث مباشر للخطاب.
كان الرئيس مبارك كعادته يمشي معتزًا بنفسه بين صفوف المهللين له من أعضاء مجلسي الشعب والشوري، ركزت الكاميرا علي وجهه وهو يحاول تصنع الابتسامة ويلوح بيده للحضور، حاولت في تلك اللحظات تفرس ملامح وجهه لعلي أفرق بين ما هو إنساني فيها وما هو وحشي، علِّي أغلب إنسانيته وأبدد الخوف المتصاعد بداخلي، لكن ذلك للأسف لم يشفع، حيث وجدت شبهًا قريبًا بينه وبين النمر الذي يبتسم بعدما تمكن من فريسته، وراح الخوف يتزايد أكثر وأكثر بداخلي.
كان الرئيس قد اعتلي المنصة وكانت هتافات »الهتيفة« من جوقة »الحزب الوطني« لا تتوقف »بالروح بالدم نفديك يا مبارك« .. و»اخترناك اخترناك أبدًا أبدًا لن ننساك« .. وأخذ هتاف قوي يتصاعد »الموت للعملاء .. الموت للعملاء« وبالطبع كانوا يقصدون الثوار الذين أنا واحد منهم كما هو الشعب كله.
وهنا اعترتني رجفة شديدة وتذكرت خطابه في قناة »العربية« وتسألت تري ماذا سيفعل بنا مبارك .. قد يكون نصيبي أ يسلخ وجهي أو يعلقني كذبيحة علي مدخل أحد سلخانات شرطته.
خفتت الهتافات وبدأ الرئيس خطابه "أيها الاخوة المواطنون" هنا قلت في نفسي ربما يقصد" أيها الضحايا القادمون"وأخذت أحاول ترقب كل كلمة سيقولها وانتزعها ليس من شفتيه ولكن من عينيه وحركات يديه، واستطرد " لقد اجتازت البلاد فترة عصيبة .. محاولاً تقمص شخصية الزعيم عبدالناصر ـ حاول فيها مأجورون من القلة المندسة بين الشعب اعتلاء المشهد السياسي في مصر والزج بها في أتون فوضي عارمة لصالح جهات أجنبية لا تريد لمصر وشعبها الخير".
وأردف "لقد كنا لهم بالمرصاد حتي أوقعناهم في الحفرة التي حفروها للبلاد .. وقضينا علي معظمهم واكتظت السجون بفلولهم".
واستطرد الرئيس "لقد عرفتموني منذ سنوات عديدة، وفيا لمصر، أمينًا علي مصالحها القومية، حريصًا علي استقلالها .. مدافعًا عن كرامتها وها أنا الآن أثبت لكم كما أثبتُّ في حرب أكتوبر المجيدة أنني قادر علي الانتصار في معركة الداخل كما انتصرت في معركة الخارج".
وتابع " أن فلول جماعة الإخوان المسلمين المحظورة بموجب القانون الذي أنتم شرعتموه وحركات كفاية و٦ أبريل وجمعية التغيير وغيرها من حركات طفيلية مأجورة سقطت في شر أعمالها".
»وهاهو البرادعي وعبدالحليم قنديل وجورج إسحاق ومحمود الخضيري وزكريا عبدالعزيز والبسطويسي وأحمد بلال وعلاء الأسواني وبلال فضل ويسري فودة وممدوح حمزة ومحمد الأشقر وعمرو مصطفي ومحمد البلتاجي وخالد يوسف وغيرهم من شراذم الناس يصلون سعيرًا في الدنيا كما سيصلونها في الآخرة".
وكشف مبارك في خطابه المقتضب والتاريخي ـ علي حد وصف الإعلاميين فيما بعد ـ تشابك مصالح عناصر من دول خارجية ضد مصر وقال " ولا أخفيكم سرًا أن تحقيقات موسعة جرت كشفت عن تشابك عناصر متعددة في تنفيذ تلك المؤامرة علي البلاد منها إسرائيل وأمريكا وساحل العاج« ثم لاحظ الرئيس حالة من الوجوم بدت علي وجوه الحاضرين من ذكر اسم ساحل العاج فأردف يقول »نعم ساحل العاج التي أرادت نشر الفوضي في مصر حتي لا يتمكن منتخبنا القومي من المشاركة في كأس الأمم الافريقية".
وتابع "وكذلك تلاقت مصالح داخلية للفئات المندسة مع مصالح خارجية تمثلت في محاولة نقل البلاد إلي النموذج "الديمقراطي" للبلاد الغربية الكافرة مع ان الله يقول في محكم كتابه " وجعلنا بعضكم فوق بعض درجات" وأن مبدأ " المساواة" الذي ينادون به هو في حد ذاته "الشيوعية"التي لا يقرها عقل ولا دين ولفظتها بلدانهم أنفسها قبل أن تنتقل إلينا علي يد تلك القلة".
ثم واصل الرئيس قوله " لهذا وذاك كانت مساعينا السابقة والمستمرة لتسليم البلاد إلي أيد أمينة حريصة علي مصالح الشعب، تقطع كل يد عابثة بأمنها القومي وكان جمال مبارك واحدًا من أهم الشخصيات التي رشحتموها وائتمنتموها علي حمل الأمانة كما حملها والده من قبل، وأنا هنا أؤكد انه لا حكم إلا بانتخابات حرة ونزيهة تسودها روح الشفافية وبارادة شعبية خالصة".
وتابع "وفي نهاية حديثي لا يمكنني إلا أن أحيي الشرفاء الذين وقفوا ضد المؤامرة الدنيئة للنيل من البلاد وفي مقدمة هؤلاء اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية".
هنا علت هتافات التحية لحبيب العادلي فنهض لرد تحيتهم وقد بدا أسفل بزته العسكرية حذاء" كزلك" كهذا الذي يرتديه الجزارون وانفرطت سكين كبيرة كانت معلقة بسلسلة في خاصرته وأخذت تقطر دمًا.
فيما راح أحمد عز وأحمد المغربي وفتحي سرور وصفوت الشريف يتراقصون من حوله وقد لمحت ضحكة تشفٍ تظهر من فم أحمد نظيف الذي ظهر جليا بين الراقصين.
وأنهي الرئيس خطابه بسرد أهم وقائع الفخار الوطني التي مرت بها مصر وقال:"لقد احتازت البلاد اختبار التنمية بنجاح وشيدت أكبر شبكة للصرف الصحي في التاريخ، وطاردت منتخب الجزائر في السودان بعدما طردته من مصر شر طرده، وانتجت مدينة الإنتاج الإعلامي سلسلة مطولة من الأعمال الدرامية التي بهرت العالم وجعلت من مدينة أكتوبر هوليوود مصر".
وأضاف "وشعب صنع تلك المعجزات قادر علي أن يستكمل المشوار في مسيرة نجاحه الطويلة والسلام عليكم ورحمة الله".
وهنا زغردت النساء وتعالت الهتافات "بالروح بالدم نفديك يا جمال".

18 يونيو 2011

عن منطق الاستبداد فى عالمنا العربى

عن منطق الاستبداد فى عالمنا العربى
سيد أمين
فى كتابه الأشهر "الأمير" عرض نيقولا ميكافيللى على أميره أمير "فلورنسا" الذى كان يتأهب لغزو إحدى الإمارات المجاورة له- فى سعيه لتوحيد واستعادة أمجاد الإمبراطورية الرومانية الممزقة- ثلاثة أساليب لغزو تلك الإمارة أولها أن يذهب الأمير بنفسه على رأس جيشه لغزوها ولكن نصحه هنا بتجنب هذا الخيار لأنه قد يفقد إمارته الأصلية بعد تغيبه فيستقل "النبلاء" بها.
وثانيها أن يجرد جيشا لغزو تلك الإمارة وهنا حذره من أن يستقل قائد الجيش بالإمارة الجديدة ويكون كمن استبدل خصما بخصم.
وثالثها أن يجرد الأمير جزءا من جيشه ويبقى على الجزء الأخر فى إمارته الأصلية ثم يتوجه لغزو تلك الإمارة الجديدة ويقوم هناك بالتنكيل بوجهاء القوم "على طريقة اضرب المربوط " ويختار شخصا ينتمى لأحط العائلات من تلك الإمارة وأكثرها سفها وإجراما واقلها عددا وينصبه أميرا على تلك الإمارة ثم ينسحب بقواته بعد ذلك , وقال له "ميكافيللى" أن الأمير الذى ستنصبه سيكون أكثر ولاء لك من أى من جنودك الأوفياء وأنه سيقمع شعب إمارته أكثر من القمع الذى كان من الممكن ان تلحقه جيوشك بهم كما انه دائما سيعتبر شعبه عدو له بينما سيعتبرك الصديق الصدوق وسيرسل لك كل خيرات إمارته دون حرب أو عناء.
ويقول عبد الرحمن الكواكبى فى "طبائع الاستبداد" أن الحاكم المستبد يسعى دائما لتجهيل شعبه وتغييب وعيه وذلك لأن وجود الشعب الواعى يعنى فى المقابل مزيدا من القلاقل او الثورات على الاستبداد, كما أن الحاكم المستبد يسعى لربط الشعب به وبنظامه , بحيث تتدخل الدولة فى كل صغيرة وكبيرة لحياة الفرد , الآمر الذى سيصيب الإرادة الفردية أو حتى الجمعية للشعب بالترهل والعطب , ومن ثم يقاس مدى شقاء الإنسان أو سعادته وتلبيته لحاجته الطبيعية بمدى قربه أو بعده من الحاكم.
واتفق "الكواكبي" مع "ميكافيللى" فى أن الحاكم المستبد يجيد اختلاق الأزمات التى تشعر الناس بالخوف والقلق من المستقبل والواقع معا , ومن ثم يهرولون إليه طلبا للحماية وهنا يقوم باحتضانهم مقنعا إياهم بأنه يصنع معجزة يومية من اجل حمايتهم والإبقاء على حياتهم.
كما أن الحاكم المستبد لا يجب أن يكون سخيا على شعبه بشدة ولا مقترا بشدة ولكنه فقط يعطيهم "كسرة" من خبز رغم أنه يستطيع منحهم رغيف الخبز كله , وذلك لأن الشعب الجائع بشدة سيكون أمامه طريقين إما الثورة أو أن يسلك مسلك التجريب "الحاجة أم الاختراع " فينجح , وبالتالى يخرج من حظيرة هذا الحاكم المستبد , وكلاهما خطر , كما أن السخاء الذى يشبع الشعب سيقوده إلى أمرين إما أن ينصرف الى العمل السياسى بعدما تمت تلبية حاجاته البيولوجية أو ينصرف عن الحاكم ولا ينفذ أوامره , كما أن السخاء الشديد قد يفقد الحاكم ثروته عملا بمبدأ "خد من التل يختل" ويصبح بعد فترة ليس لديه ما يقدمه للشعب فيثور عليه.
والحاكم المستبد يعادى العلم ويخرب المنطق ويقتل الطموح لدى شعبه , فيقوم بمعاقبة المثقف ويكافىء الجاهل و السطحى و التافه, يعلى من قيمة لاعب كرة القدم و"المشخصاتى" وكل عمل لا ينتج جديدا - بحسب زماننا - ويحط من شأن العالم والمخترع والصانع والزارع والمدرس والدارس والطبيب والمهندس , بل أنه يعلى من قيمة العمل التافه فى كل تخصص ويقتل الإبداع والمبدعين لأنه يريدها ارضا جرداء حيث يمكن أن تنمو الطفيليات .
وذكر لى صديق بالغ الاطلاع والثقافة أن احصاءا امميا اصدرته منظمة العلوم والثقافة العالمية – لم يتسنى لى التأكد منه- اكد ان نسبة الامية السياسية فى مصر تصل الى 94.7%
والحاكم المستبد يمتاز أيضا بالقسوة المفرطة فى حين , واللين المفرط فى حين أخر , وينصح "ميكافيللى" أميره بأن يستخدم القوة المفرطة ضد أعدائه بحيث أنه ينتقم منهم انتقاما يغنيه عن خشية انتقامهم فى أى وقت لاحق , بل ويجعل منهم عبرة لمن يعتبر , كما أنه يجب أن يبدو لينا ودودا ويتقلد وشاح الإنسانية طالما كان الأمر فيه أمرا إنسانيا لأشخاص لا يكنون عداء له .
فى الحقيقة ,أن "ميكافيللى" رسم منذ نحو ألف عام خارطة طريق للاستبداد اقتدى بها كل السلف الطالح من بعده , رغم أنه لم يكن شريرا قط بل كان وطنيا قوميا عاشقا لبلاده كما لم يكن عاشق من قبل , بدليل أنه وجد ميتا وحيدا فى عمر 33 عاما بسبب الجوع والبرد , بعدما كان سفيرا نابغا لبلاده فى سن التاسعة عشر , ولم يكن يدرى أن نصائحه تلك ستصير مرجعا أساسيا لكل نظم الحكم فى العالم من بعده, وان أول من المستفيدين منها هم اعداء بلاده, وأنها أتعست فيمن أتعست بلداننا العربية وشعوبنا فوجدنا حكاما على شاكلة "مبارك مصر" و"زين عابدين تونس" وغيرهم كثيرين فى الممالك والإمارات والجمهوريات العربية يطبقونها باستخدام القلم والمسطرة , فصرنا أمة مستعمرة بدون جيوش للأعداء , فقيرة رغم أن جبالها تنضح بالنفط والمعادن , جاهلة ونحن امة اوصى دينها أول ما أوصى بالقراءة , أمة خائفة مرتعدة جبانة ونحن فينا حمزة والمعتصم وعنترة وشمشون وغيرهم وادبيات ثقافتنا تنضح على الشهامة والشجاعة والإباء , امة تجمع بين كل مقومات الوحدة ولكن ممزقة الى حد التهتك.
Albaas10@gmail.com
Albaas.maktoobblog.com