شبكة البصرة
الأسقف الجنوب افريقي ديزموند توتو، رفض مؤخرا المشاركة في مؤتمر يشارك فيه توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، وبرر ذلك بالقول ان بلير "كاذب ومجرم" وانه "ليس من اللائق اخلاقيا المشاركة بجانبه والجلوس بجواره"
الأسقف توتو لم يكتف بهذا الموقف، بل كتب قبل ايام مقالا في غاية الأهمية نشرته صحيفة "الاوبزرفر" البريطانية، طالب فيه بمحاكمة بلير والرئيس الامريكي السابق جورج بوش كمجرمي حرب، وتقديمهما الى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
ما كتبه الأسقف توتو يعتبر موقفا مشهودا، ويعتبر في حد ذاته وثيقة مهمة. ذلك انه لم يكتف بالدعوة الى محاكمة بلير وبوش كمجرمي حرب، وانما قدم ما يشبه المرافعة التاريخية في معرض تقديمه للمبررات التي على اساسها لا بد من تقديمهما الى المحاكمة.
من المهم ان نورد ما كتبه الاسقف توتو بهذا الصدد لأن العرب، ومعهم العالم، كادوا ان ينسوا الجرائم التي ارتكبتها امريكا وبريطانيا في عهد بوش وبلير.
قدم توتو الحيثيات التالية للمطالبة بمحاكمة بلير وبوش كمجرمي حرب:
1 – ان بلير وبوش كذبا وضللا العالم للقيام بغزو واحتلال العراق حين زعما امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وهو السبب الرئيسي الذي بررا به الغزو والاحتلال.
2 - ان عدد القتلى الذين سقطوا في العراق اثناء وبعد الغزو، يكفي بمفرده سببا لمحاكمة بلير وبوش امام المحكمة الجنائية الدولية.
3 – ان الحرب على العراق ادت الى زعزعة امن واستقرار المنطقة بشكل كامل كما لم تفعل أي حرب اخرى في التاريخ.
4 – ان غزو واحتلال العراق هو الذي قاد الى الاضطرابات في المنطقة، والى الحرب المندلعة في سوريا اليوم، والتي تهدد بان تصبح حربا اقليمية
5 – فضلا عن كل هذا، فان غزو واحتلال العراق كان له " تكلفة اخلاقية باهظة على الحضارة البشرية". وكتب هنا : " فخارج حقول القتل، كانت هناك تداعيات سلبية ادت الى قساوة وتطرف في مشاعر وعقول افراد الأسرة البشرية في انحاء العالم كافة".
كما نرى، فان الأسقف توتو يعتبر ان بلير وبوش لم يرتكبا جرائم حرب بحق العراق والعراقيين، وبحق العرب جميعا والمنطقة فقط، وانما جرائم بحق البشرية كلها. وهذا صحيح تماما بالطبع.
الأسقف توتو بما كتبه وما طالب به من ضرورة محاكمة مجرمي الحرب هؤلاء، جاء في حقيقة الأمر ليفضح جريمة عربية يرتكبها العرب بهذا الشأن.
جريمة العرب هنا انهم نسوا تقريبا كل جرائم الحرب والابادة التي ارتكبها بوش وبلير واركان حكمهما بحق العراق والعراقيين وبحق كل العرب.
العرب لم ينسوا هذه الجرائم فقط، بل لم يفكروا حتى في ان يرفضوا ان يتولى مجرم الحرب بلير رئاسة ما يسمى اللجنة الرباعية التعيسة. ولا يجد المسئولون العرب غضاضة في ان يستقبلوا بلير ويتباحثوا معه.
ولم نعد نسمع اصواتا عربية تتحدث عن جرائم الحرب والابادة التي ارتكبها هؤلاء. لم نعد نسمع عن أي دعوات عربية لمحاكمة هؤلا ء كمجرمي حرب، ولا عن أي تحرك بالطبع في هذا الاتجاه.
هذا الصمت العربي هو جريمة بأتم معنى الكلمة.. جريمة بحق ملايين من ضحايا هذه الجرائم في العراق والمنطقة العربية.. جريمة بحق بلد عربي دمره هؤلاء المجرمون.. جريمة بحق المستقبل العربي.
وكما قال الأسقف توتو عن حق تام، هؤلاء المجرمون يتحملون مسئولية اساسية عن الفوضى والصراعات الطائفية والحروب التي تشهدها المنطقة العربية اليوم. جرائمهم فتحت ابواب جهنم على كل الدول العربية.
لقد سبق ان كتبت تحليلات كثيرة عن هذ القضية من كل جوانيها، وعن الطريق الى محاكمة هؤلا ء المجرمين.
الجرائم التي ارتكبها هؤلاء لا تسقط بالتقادم. ومهما كانت اوضاع الدول العرية اليوم وانشغالاتها في مشاكلها الداخلية، فليس هذا مبررا كي تصمت الجهات العربية المعنية عن هؤلاء المجرمين والمطالبة بمحاكمتهم. والجامعة العربية بالذات تتحمل مسئولية اساسية هنا، وكذلك كل المنظمات والمؤسسات الحقوقية العربية.
والذي نأمله ان تكون الصرخة التي اطلقها الأسقف توتو، ومحاولته ايقاظ الضمير العالمي كي يتحرك العالم ويحاكم هؤلاء المجرمين.. المامول ان تكون هذه الصرخة بمثابة ايقاظ للعرب قبل أي احد آخر، وان نسمع في الفترة القادمة ان الجهات المعنية افاقت، وحركت قضية تقديم مجرمي الحرب هؤلاء الى محاكمة دولية.