أعلن المعتقلون في سجون الانقلاب بمصر عن إجراءات جماعية موحدة للاحتجاج على طبيعة الإجراءات التي تتسم بالقسوة ومجافاة القانون والعدالة بحقهم، وفي صدارة هذا الموقف إعلان الإضراب العام عن الطعام، وهو أسلوب يملكه السجين السياسي في مصر لاستلاب حقوقه المسكوت عنها، وهو محاولة يبذلها السجين السياسي ليرفع صوته عاليًا ليصل لمن بيده القرار أنه لا يقبل الانتقاص من حقوقه التي كفلها له القانون، ويرفض الخلط بين السياسي والقانوني في شأن يتعلق بإجراءات تكفلها الدساتير وتنظمها القوانين بصورة مجردة لوضعية السجين حتى لا تتدخل الخصومة السياسية في النيل من المعارض أثناء قضائه فترة الحبس الاحتياطي أو الاعتقال.
وحينما يصل السجين السياسي إلى هذه المرحلة بإعلانه الإضراب عن الطعام يكون قد بلغ أقصى نقطة في الاحتمال ويبقى استمراره في قبول الإجراءات الظالمة مهانة لا يرتضيها إنسان حر.
عرفتُ السجون والمعتقلات ردحًا من الزمن في فترات مختلفة من حياتي، عانيتُ قسوة السجان وسياطه، وعرفت أيضًا حقوق السجين واللائحة التي يريدها السجان سرًا كهنوتيًا لا يعرف عنها السجين شيئًا، لم يصدر السجان منها إلا الجلد والكرباج !! تقلبت بي الأحوال داخلها بين القسوة والرحمة، وبين العسر واليسر، لكني لم أعرف أو أتابع مثلما يجري في السجون المصرية تحت قانون الانقلاب وجلاديه الذين لم يعرفوا بالطبع شيئًا مما قاله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار تحرم على كل قريب هين لين سهل، فكانوا غلاظ القلب انتهكوا كل القوانين واللوائح المنظمة.
إذا كنا نقول لأبنائنا وشبابنا استفيدوا من تجارب التاريخ، أيضًا على الذين استلبوا شأن الوطن ومقاليده أن يتعلموا الدرس نفسه فالعنف لا يولد إلا عنفًا تلك قاعدة علمية مجردة مستقرة، وسوء معاملة المعتقل أو السجين السياسي تصنع التطرف وتولد الأحقاد وتخلف وراءها فكرة الثأر الاجتماعي، للسجين قانون وللمحبوس احتياطيًا معاملة خاصة كفلتها له كل التشريعات خرقها والخروج عليها لا ينتج إلا آثارًا مدمرة للمجتمع تنمو مع الوقت.
قضايا ملفقة لا يبدو تبريرًا لحبس إلا ما كتبه ضباط الأمن، خرجت النيابة العامة على مقتضيات القانون وضوابطه، امتنعت أجهزة الأمن عن تطبيق اللوائح على المحبوس احتياطيًا فتكبل حركته داخل محبسه وتمنعه من التريض.. تمنعه من الزيارة.. تمنعه من العلاج.. تمنعه من مواصلة علومه وامتحاناته.. تمنعه من قراءة الصحف أو الاستماع لمذياع؟! وقد جعل القانون أمر الرقابة والتفتيش على السجون للتأكد من تطبيق سلطات السجون للقانون على المسجون إلى النيابة العامة التي فرطت في هذا الحق ومن ثمّ عانى السجين أو المحبوس ويلات القهر وسوء المعاملة لذلك ارتفع صوته عاليًا بالاحتجاج ليصل صوته إلى المجتمع الحر.
لا يعرف السجناء في سجون الانقلاب أن التصحر أو التحجر وصل لقلوب كثير ممن أرادوا أن يصل صوتهم لهم !!!، تنكر كثير من المثقفين والكتاب للمبادئ وقيم حقوق الإنسان، وانحاز هؤلاء لإجراءات قمعية باطشة للمخالفين في الرأي؟.
تعلمنا من شيوخ القضاء والمحاماة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ومن شيوخ الفكر والسياسة أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وأن الاتهامات في القضايا السياسية أمر مرتهن بالموقف السياسي فمن على سدة الحكم يدخل السجن حكام، ومن السجن يخرج المعتقل ليترأس الدولة، فلا يليق لمثقف أو مشتغل بالعمل العام أو بالمحاماة أن يتنكر للحقوق الأساسية والحريات العامة.
تضم السجون في مصر خيرة شبابها وعلمائها ومثقفيها الذين يعانون الظلم والتلفيق من خصوم سياسيين، وهو أمر يعتاده كل من اشتغل بالعمل العام يتوقعه ويتحمل نتائجه، لكن إساءة المعاملة على هذا النحو هي التي استثارت المعتقلين وحملتهم على الإضراب وتحمل آلامه وقسوة الحرمان منه، فلا يرضى الحر هذا الضيم ولا يقبل الاستسلام إلا من استساغ الذل والانصياع.
الحقيقة أتعجب من صمود "المحبوسين احتياطيًا" من معارضي الانقلاب سواء من الشيوخ أو الشباب، بينما أتردد بمناسبة عملي واشتراكي في الدفاع عن هؤلاء الصامدين في المحاكم، رغم كثرة القضايا التي لفقها لهم النظام الحالي لدرجة أن كثيرين من شيوخ الإخوان ورجالاتهم يترددن يوميًا على المحاكم الخاصة التي تم إنشاؤها داخل منطقة سجون طرة أو أكاديمية الشرطة بل يحاكم بعضهم مرتين يوميًا محاكم صباحية وأخرى مسائية وهو أمر يجهد من الناحية البدنية، فالتدبيرات الأمنية تبدأ تقريبًا من بعد صلاة الفجر، يتم إيقاظ هؤلاء المحبوسين وإعدادهم لركوب سيارات الترحيلات، وهكذا دواليك يبدأ يومهم وينتهي في المساء، لا أخفي إعجابي بهذا الصمود وأنا أستمع إلى طقطوقة لنشيد أو موعظة يرددها فضيلة الدكتور محمد بديع من خلف القفص أو غيره، وأتمتم في دخيلة نفسي كيف يتحملون، بينما "نحن" نشعر بإرهاق شديد رغم تمتعنا بحريتنا وقدومنا من منازلنا.
الحرية لكل السجناء - رجالاً ونساء طلبة وطالبات - الذين غيبهم "الانقلاب" بسبب معارضتهم وتمسكهم بحقهم في التعبير والتظاهر السلمي.