Seif_eldawla@hotmail.com
تونس مقلوبة وغاضبة هذا الايام بسبب برنامج "فكاهى" من برامج الكاميرا الخفية الرمضانية اسمه "شالوم"، يستضيف شخصيات سياسية لإجراء حوار مع مذيع قناة "سى ان ان" ولكنهم يفاجئون انهم داخل مقر سرى للسفارة الاسرائيلية فى تونس. ومن خلال الحوار ينكشف الموقف الحقيقى للضيوف من مبدأ التطبيع مع (اسرائيل). قبل ان يكتشفوا فى نهاية البرنامج ان الحكاية كلها مفبركة، ولا يوجد سفارة ولا يحزنون.
اما سبب غضب الرأى العام التونسى من البرنامج فلأنه ادخل صورة العلم (الاسرائيلى) داخل كل منزل تونسى.
ما شاء الله.
أما هنا فى مصر، فتسمح السلطات للسفارة الاسرائيلية بالاحتفال بذكرى النكبة فى وسط القاهرة وفى احد الفنادق المطلة على النيل.
***
ومنذ بضعة اسابيع قضت محكمة تونسية للأمور المستعجلة بمنع رياضيين (اسرائيليين) من دخول تونس للمشاركة فى بطولة للتايكوندو. أما فى مصر فإننا نستورد الغاز من (اسرائيل)، وننسق معها أمنيا وعسكريا ونعيش معا العصر الذهبى للعلاقات المصرية الاسرائيلية.
بل أن محكمة مصرية مماثلة كانت قد قضت عام 2015 بتصنيف المقاومة الفلسطينية كمنظمة ارهابية قبل ان يتم الغاء الحكم فى الاستئناف. ثم قضت محكمة اخرى فى ذات العام برفض توصيف (اسرائيل) ككيان إرهابي فى دعوى مماثلة بذريعة عدم الاختصاص.
***
من اين جاء الفرق بين القطرين الشقيقين؟
لا يكمن الفرق بطبيعة الحال فى القضاة أو القضاء فى البلدين، فالقضاء المصرى قضاءً عريقاً، سبق له أن أصدر أحكاما تاريخية ضد تصدير الغاز لإسرائيل ايام مبارك، وضد التنازل عن تيران وصنافير ايام السيسى، وإنما يكمن الفرق فى مجمل الحالة السياسية العامة فى مصر وبينها فى تونس فى السنوات الأخيرة؛ فالثورة التونسية لا تزال فى الميدان، لم يتم إجهاضها والارتداد عليها كما حدث فى مصر.
***
ان الثورة تعنى الحرية للجميع، وحين تتحرر الشعوب العربية، فإنها بالفطرة والسليقة تكون معادية لاسرائيل وللصهيونية وللتطبيع، وفى ظل وجود حالة ثورية ستتمكن من ترجمة ذلك الى مواقف وفاعليات وضغوط على صناع القرار.
ولذا تم منع الرياضيين الإسرائيليين من دخول تونس، بينما يبلغ عدد السياح الإسرائيليين لسيناء فى الشهر الواحد ما يقرب من ٢٠ ألف (اسرائيلى)، كما تم سفر آلاف من الاخوة المسيحيين الى القدس فى الأعياد الأخيرة، بالمخالفة للقرار الشهير البابا شنوده، بعدم دخول فلسطين الا كتفا بكتف مع المسلمين بعد تحررها من الاحتلال.
***
ان أكثر الأقطار العربية حرية اليوم، هى تونس ولبنان، اذ يمكن لشعوبها أن تتكلم بحرية وتنظم الاجتماعات والمؤتمرات والتظاهرات وتمارس العمل السياسى وتنتخب بلا تزوير، ولذا فان أكثر الفاعليات والحركات العربية نشاطا فى مواجهة (اسرائيل) ودعما لفلسطين والمقاومة تتم فى هذين البلدين الشقيقين.(قامت السلطات اللبنانية منذ بضعة أيام بمنع الدكتور/سعد الدين ابراهيم من دخول اراضيها، بسبب زيارته لاسرائيل ومحاضرته فى جامعاتها.)
***
قد يقول البعض، أن الفرق بين مصر وبين تونس ولبنان، هو ان بين مصر و(اسرائيل) "معاهدة سلام"، تنص صراحة على التطبيع الالزامى.
وهو قول صحيح فيما يتعلق بالنصوص التى تلزم مصر على التطبيع بالإكراه! ولكنه مع ذلك تطبيع يقتصر على السلطات الرسمية فى البلاد، ولكنه لا ينطبق ولم ينطبق ابدا على الموقف الشعبى المصرى، الذي وقف بصلابة منذ توقيع كامب ديفيد عام 1978 ضد كل محاولات التطبيع الشعبى، وقف بقواه الوطنية واحزابه السياسية ـ ما عدا الحزب الوطنى قبل الثورة وحزب النور بعدها ـ ونقاباته المهنية والعمالية وكتابه ومثقفيه وفنانينه وطلابه، لم يشذ أحدا عن الصف. ومن فعل، تنتهى حياته الفكرية والسياسية، وتتم مقاطعته وعزله اجتماعيا وتجريسه من الجميع، كما حدث للكاتب الراحل "على سالم".
***
ان موقف تونس ولبنان اليوم من التطبيع، كان هو ذات الموقف فى مصر فى اعقاب ثورة يناير، حين كانت الحريات بكل اشكالها بلا أسقف، وفى ظلها نجح الشباب فى اغلاق مقر السفارة الاسرائيلية وتنظيم مئات الفاعليات دعما فلسطين ومناهضة لإسرائيل، وهو ما دفع قادة الكيان الصهيوني وقتها للإعلان أكثر من مرة عن انزعاجهم وقلقهم البالغ مما يدور فى مصر مع التحريض المستمر ضد الثورة. قبل ان يغيروا مواقفهم اليوم ويعربوا فى كل المناسبات عن ارتياحهم البالغ من الوضع الحالي.
***
لم يكن من الممكن فى ظل ثورة يناير والجماهير فى الشوارع والميادين، والمنابر الاعلامية مفتوحة للجميع ان يتم استيراد الغاز من (اسرائيل)، او ان تمر صفقة تيران وصنافير، او ان يزور نتنياهو مصر سرا، او ان تسحب مصر قرار ادانة المستوطنات من مجلس الامن، او ان تشارك فى حصار غزة، أو أن يصدر ترامب قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل و يمر الحديث عن صفقة القرن بكل هذه السلاسة والصمت الذى يقترب من التواطؤ .. الخ.
***
·لقد تعلمنا عبر العقود والسنوات الأخيرة، أن الشعوب تعادى (اسرائيل) حتى النخاع وأن الأنظمة تخاف منها أو تتواطأ معها.
·وتعلمنا أن الشعوب تحب فلسطين والفلسطينيين وتدعم المقاومة، والانظمة تكرهها وتريد أن تحاصرها وتقضى عليها وتنزع سلاحها.
·وتعلمنا أنه فى ظل الحرية والثورة الحقيقية، لا مكان للتطبيع او للسلام الدافئ، وانه فى ظل الاستبداد تباع فلسطين وتوقع معاهدات الصلح ويتم الاعتراف (باسرائيل) ويجرى التطبيع والتحالف معها على قدم وساق.
ان فى قهر الشعوب العربية والاستبداد بها، حياة طويلة وآمنة ومستقرة لهذه الكيان المسمى بـ (اسرائيل).
*****
القاهرة فى 25 مايو 2018