12 مايو 2018

زهير كمال يكتب: قراءة في الانتخابات اللبنانية

شهد لبنان في 6 آيار / مايو انتخابات نيابية بعد فترة طويلة من الجمود قاربت تسع سنوات كان المجلس القديم يجدد فيها لنفسه ، ولهذا لم يكن بمقدور أحد معرفة التغيرات التي تحدث في موازين القوى ولا معرفة رأي الجمهور في المستجدات التي حدثت وتحدث في المنطقة العربية وهي أحداث ضخمة في حياة شعوب المنطقة ككل.
ميزة الانتخابات اللبنانية هي الشفافية  إذ لا يستطيع أحد تزوير إرادة الناخبين أو اللعب في صناديق الانتخاب وهذا ناتج عن الوضع الخاص بلبنان ، وفي هذه الانتخابات بالذات كان واضحاً هيمنة القوى والأحزاب السياسية على التقسيم الطائفي المعتاد.
ورغم العيوب الكثيرة للقانون الانتخابي المبني على أسس طائفية إلا أنه كان واضحاً وجود خطين متنافسين، كان لقوى المقاومة مرشحون في كل طائفة وكان لتيار المستقبل وحلفائه مرشحون منافسون لهم.
ورغم أن الهم الداخلي كان أحد مقاييس الناخب اللبناني بغض النظر عن الطائفة التي ينتمي اليها لكن الانتخابات كانت استفتاءً على خيارات سياسية في المنطقة.
كما انها تعتبر مؤشراً ونموذجاً للمزاج العام في المنطقة العربية ككل فالهم العربي واحد والمواطن العربي في الشرق الأوسط ككل يرى نفس الأخبار ويتأثر بالإعلام  الموجه له سلباً أو إيجابا ويحدد رأيه في الأحداث الجسام التي تتعرض لها المنطقة ككل.
وما يؤسف له أن انتخابات شفافة تعطي تلميحاً لتغير المزاج العربي، وتغير توجهاته السياسية لا نراها في كل الدول العربية ، فعلى سبيل المثال كانت انتخابات مجلس النواب الأردني ذات طبيعة محلية بحتة تغلبت فيها العشائرية نظراً لضعف الأحزاب السياسية فيه .
اما انتخابات الرئاسة المصرية فقد انتهت قبل أن تبدأ ، ففي العادة لا يحب الفرعون القابع على كرسي الحكم المنافسة على ما يعتبره حقاً شرعياً له .
وبهذا لا يكون أمامنا سوى انتخابات لبنان.
أكدت الجماهير أن حزب الله حزب سياسي ضمن التركيبة اللبنانية وقد دحضت بذلك الأنظمة العربية التي وصمته بالإرهاب، فمن نصدق رأي الجماهير أم رأي الأنظمة العربية؟
بل إن نجاح تيار المقاومة وحلفائه أثبت أن الشعب العربي لم تعد تنطلي عليه دعاية المد الشيعي المخيف الذي سيلتهم المنطقة بما فيها ، دعاية تم صرف المليارات من أجل تثبيتها في أذهان الشعوب . فقد شاهدوا ويشاهدون على أرض الواقع ماذا فعل المد الوهابي ومدى الدمار والتخريب الذي أحدثه في المنطقة ، ولمسوا ويلمسون التخلف المريع عندما سيطرت الفصائل الوهابية على بعض المناطق ومدى معاناة الناس من عقلية القرون الوسطى.
شاهدوا المستشفيات الإسرائيلية وهي تعالج جرحاهم لتدفعهم للقتل والتخريب ثانية.
وسيظل الموقف من إسرائيل هو البوصلة التي تحدد من يقف مع المستقبل المبني على المصلحة الحقيقية لشعوب المنطقة. وهذه الشعوب تدرك هذه المصلحة مهما حاول الإعلام غسل أدمغتها .
إضافة الى كون هذه الانتخابات  بين تيارين ، فإنه يمكن تلخيصها بأنها بين رجلين هما حسن نصر الله وسعد الحريري.
دفع حسن نصر الله بجنود المقاومة لتحرير لبنان من الإمارات الوهابية الصغيرة في جرود عرسال  وغيرها ، وأهدى النصر للجيش كي يكمل ما بدأه ، كانت عينه على مصلحة لبنان العليا ، وحدته وطابعه الفريد في المنطقة.
بينما قام رئيس وزراء لبنان السيد سعد الحريري بالاستقالة من خارج لبنان لزعزعة استقراره وتدمير تركيبة الفسيفساء التي تشكله.
لم يعرف تاريخ الشعوب منذ وجود منصب رئيس وزراء استقالة بدون سبب من خارج بلاده. ورئيس الوزراء خاصة في النظام البرلماني كما في لبنان ليس موظفاً عند الحاكم فهو يمثل البلد كله، ويجب أن يتمتع بشعور عال بالمسؤولية أي أنه يجب أن لا يخضع للإملاءات الخارجية مهما كان حجمها وقسوتها.
ولولا الموقف المسؤول والمشرف من رئيس الجمهورية ومن حسن نصرالله لما تم تحريره من معتقليه ، هؤلاء المعتقِلين (بكسر القاف) أنفسهم الذين كانوا يدعمون الإمارات الصغيرة في الجرود وهو نفسه الذي يشعر بالولاء لهم أكثر من ولائه لبلده لبنان. والغريب في أمر القوانين اللبنانية أن رئيس الوزراء يستطيع الاحتفاظ بجنسية بلد آخر، وربما يكون من المناسب الآن تغيير هذا القانون.
عاقب الناخبون سعد الحريري وتيار المستقبل عقاباً شديداً وانخفض وجودهم في البرلمان بنسبة لا يستهان بها.
وقد أشبع كثير من المحللين نتائج هذه الانتخابات وخطاب حسن نصر الله تحليلا ، ولكنهم لم يعلقوا على خطاب الحريري بهذه المناسبة.
في خطابه تعليقاً على الانتخابات قال الحريري : لقد واجهنا منافسينا باللحم الحي !!
احترت كثيراً في تفسير هذه العبارة الفخمة ، بالطبع يميل كتبة الخطابات ، خصوصاً اذا لم يكن هناك ايدلوجيا يتحلى بها صاحب الخطاب، الى وضع عبارات منمقة تبهر المستمعين. وعندما لم أستطع فهم العبارة خلصت الى أن الرجل وبدون قصد منه اخترع اسماً جديداً للدولار الأمريكي!
وكعادة السياسيين التقليديين في المنطقة لا بد من حشر إسرائيل لتحلية الخطاب ، فقد قال الحريري إن إسرائيل تبحث عن ذرائع لضرب لبنان وأن إسرائيل تهجم على الفلسطينيين ، ولم يكن هذا تحليلاً لنتائج الانتخابات بل تحلية لها.
وأجاب قائلاً إن لبنان هو النأي بالنفس، هذه العبارة التي يحلو له ترديدها رغم خلوها من المنطق ، فالمعتدي الذي يتربص بك ويريد أي حجة لضربك لا يمكن مواجهته بإدارة ظهرك له.
وأخيراً قال الحريري إن لبنان هو الحكومة وأن لبنان هو البيان الوزاري معتقداً أنه سيحكم بنفس الطريقة القديمة وبدون استخلاص للنتائج والعبر من درس الانتخابات.
لا يا سيد حريري لبنان هو الشعب اللبناني هو الجيش اللبناني هو المقاومة اللبنانية والتي لولاها وبفضل تحقيق الردع المتبادل لكنت محمود عباس آخر!

ليست هناك تعليقات: