المشهد الإسلامى سببه الأساسى ووقوده هو شباب المسلمين حيث يدفعون إلى الجحيم بدعوي الجهاد وقد قدرت بعض الأوساط أن ضحايا المسلمين طوال العقود الأربعة الأخيرة يتجاوز العشرة ملايين نسمه كما تقدر الخسائر المادية بأرقام فلكية وكل ذلك بسبب الالتباسات الفكرية والسياسية وفقدان المسلم لصلته الحقيقية بالدين ودخول وسطاء فى المسألة كما يعزى هذا أيضاً إلى الاستتباع السياسى فى سياق المؤامرة من جانب الكثير من الحكومات العربية. وكانت النتيجة تدمير أوطان إسلامية بشعوبها وثرواتها وتمكين أعداء الدين منه مما دفع شخصية متوازنة أوروبية وهى المستشارة مركل الألمانية إلى التندر من أن القاتل والقتيل والأرض إسلامية والقرآن هو المرجعية وأن القاتل والقتيل يصيحان وقت القتل الله أكبر فهل هو إله واحد للقاتل والقتيل أم أن لكل منها إلهه.
اتخذ الدمار الإسلامى صورا متعددة وامتد إلى ميادين كثيرة ولكن المحصلة هى ازدهار صناعة السلاح واستنفاد الخيرات الاقتصادية فى العالم الإسلامى فيها وضحايا المحرقة هم شباب العالم الإسلامى وشعوبه.
هذه الورقة تهدف إلى بيان الجوانب المختلفة لضرورة المراجعة : معناها – مضمونها- دواعيها – آثارها، وذلك كأحد الأدوات المقترحة الواجب الملح لاستكمال مشروعنا وهو استنقاذ الدين والدنيا والشباب المسلم فى ساحات الإرهاب التى دفع إليها وتمادى القائمين على هذه الحرفة بأسباب متعددة بعد أن أصبح الإرهاب أداة فى الصراعات الدولية كما بلغ النفاق فى المجتمع الدولى إلى حد أن يتحد كله ولكل دواعيه وحساباته تحت شعار مكافحة الإرهاب وكلهم يسهمون فى تأجيجه فأصبحت الدبلوماسية الدولية تتبنى مصطلح "الإرهاب الإسلامى" وهو الساحة الأبرز فى ساحات الإرهاب والأكثرإيلاما واتصالا بموضوعنا بعد أن صارت مكونات الدمار كلها تنتسب إلي الإسلام.
وهذه هي الورقة هي إحدي ثلاث ورقات تشكل الإطار الفكري لمشروعنا الحضاري الاستراتيجي.الورقة الأولى التى نشرناها فى هذا الموضوع طالبنا بتفكيك الأسباب التى دفعت الشباب إلى الإرهاب وتعرية الأطراف التى ارتكبت هذه الجرائم وبعضها عربى إسلامى . هذا المشروع هو اتاحة الفرصة للشباب المسلم لكى يتسابق إلى الحياة بأدواتها بدلا من السباق إلى الموت والدمار خدمة للآخرين.
أما الورقة الثانية فهى المشروع الثقافى الذى يسهم فى سد الفجوات المعرفية المختلفة عند الشعب المصرى والشعوب العربية وهذا المشروع يقضى على التطرف وعلى الحكم الدكتاتورى ويستعيد العقل المنتج عند الشباب خاصة والشعب عموما.
أما الورقة الثالثة التى نحن بصددها فتهدف إلى دفع الجماعات والتيارات الإسلامية جميعاً إلى المراجعة الأمينة والدقيقة الشاملة.
معنى المراجعة:
المراجعة تعنى إنهاء مرحلة من السلوك ومراجعتها مراجعة دقيقة واكتشاف أوجه الخطأ فيها وتشمل المراجعة قطاعين القطاع الأول هو علاقة الحاكم بالمحكوم فى الدول العربية وسلوك الشباب المسلم ونظرته إلى الحاكم فى العقود الأخيرة. يرتبط بهذا القطاع شق آخر وهو المراجعة الدينية الدقيقة فى كل الأفكار والاجتهادات التى دفعت الشباب إلى هذا السلوك. وأظن أن نوعاً من المراجعة قد تم داخل التيارات الإسلامية فى السجون المصرية ولكنى أريد أن تكون المراجعة أشمل وأكثر عقلانية ولذلك لابد أن يشارك فيها مفكرون غير منتمين إلى هذه الجماعات والتيارات وأن تكون المراجعة وفقاً للمعاييرالعلمية سواء المراجعة السياسية أو المراجعة الدينية.
أما القطاع الثانى والذى يهمنى فى هذه الورقة وهو صورة الآخر عند الشاب المسلم وشكل العلاقات الدولية ومسالك التكفير بغير المسلم وغيرها من الموضوعات التى يمكن أن تقى الشباب من المزالق وتسنقذ الدين والدنيا من المهالك.
وعلى سبيل المثال هل يدرك الشباب المسلم أن واشنطن ودولا إسلامية زجت به فى ساحات القتال ضد الاتحاد السوفيتى فى افغانستان والشيشان وغيرها تحت ستار الجهاد ضد الشيوعية الملحدة وهل يدرك الشباب العربى الذى انخرط فى الحرب العراقية الإيرانية لأكثر من ثمانى سنوات أن العراق كان جزءاً من المؤامرة التى انتهت إلى ما أنتهت إليه تحت ستار الصراع بين السنة والشيعة فأصبح القضاء على داعش فى الحسابات السياسية انتصاراً للشيعة على الأقليات السنية التى شكلت حاضنة اجتماعية لداعش فضرب الدين والدولة والوطن بالتعقيدات والتداخلات التى أحكم صنعها أصحاب المؤامرة.
وهل أدركت التيارات الإسلامية العربية أن الثورات العربية يجب أن تحرر الأوطان من الحكم المستبد ومن التطرف الدينى والسياسى وليس تولي السلطة لتطبيق معاهيم معينة وما دور هذه الجماعات فى هذه الثورات وكذلك ما مسؤوليتها عن افشال هذه الثورات وإلحاق الهزيمة بالأوطان.
هذان المجالان فى المراجعة، المجال الداخلى السياسى والدينى والمجال الخارجى السياسى والدينى يحتاج إلى شجاعة ورؤية تستطيع أن تتقبل النتيجة وهى أن الجماعات الإسلامية حاربت الاتحاد السوفيتى فى افغانستان فى اطار المؤامرة الأمريكية على الإسلام والمسلمين كما يجب أن يتقبل العقل المراجع أن داعش لعبت دوراً أساسياً فى التمهيد لصفقة القرن التى جلبت حكاماً تابعين للولايات المتحدة وإسرائيل وشعوبا أرهقها الغلاء والقمع والإحباط وتضيع القدس أمام أعيننا ونحن نبسمل ونحوقل ونكثر من قراءة سورة الإسراء ونعتقد أن هذا يكفى لنصرة القدس.
خصائص المراجعة:
يجب أن تتسم المراجعة بخمسة خصائص
أولا: الأمانة والشمول والاحاطة
ثانياً: تنوع الرؤي والزوايا والتمحيص لكل الوقائع.
ثالثاً: الشجاعة فى تحمل النتائج فليس فى القرآن تأكيد بأن كل من قتلوا فى هذه الساحات شهداء وإن كانت تلك نتيجة صادمة لكثيرين ممن لا يزالون يقدرون جهاد المتقدمين منهم.
رابعاً: أن تتم المراجعة وفق الأصول العلمية وبشكل مهذب لاينال من فكروقدر السابقين وكذلك تتسم بالإعذار لكل الذين راحوا ضحية المؤامرة الكبرى على الإسلام والمسلمين.
خامساً: يجب أن تتسم المراجعة بالرغبة فى التصحيح وليس جلد الذات أو خلق عداوات بين المسلمين كما يجب أن تتسم بالأدب بين الفئات العمرية المختلفة وتجنب الاتهامات وإلقاء المسؤولية والتلاوم.
أوضحنا فيما تقدم معنى المراجعة ومن يقوم بها والموضوعات التى تتناولها والآثار الكارثية لعدم الاقدام عليها وكذلك ضوابط المراجعة.
بقى بعد ذلك أن نشير إلى التحديات التى تحول دون نجاحها أو إجرائها وأول هذه التحديات العقلية الدجماتية التى ترفض الاعتراف بالخطأ والتى تثق بأنها تستند إلى المطلق . والتحدى الثانى هو مصادر المعلومات التى تغذى المناقشات فى المراجعة ، ففيها وجهات نظر وفيها وقائع تحتاج إلى تفسير مستقيم وليس تفسيراً غائياً .أما التحدى الثالث فهو الشعور الداخلى عند الاحياء بأنهم لايريدون أن يظلموا الأموات فى باب كانوا جميعاً منخرطين فيه . التحدى الرابع هو العقلية الضيقة التى تغلق نفسها على مفاهيم محددة ولا تقبل مراجعتها فإذا كانت الشيوعية إلحاد والالحاد يعنى انكار وجود الله فهى كفر وأن معتنقيها كفار يجب قتالهم فإذا انحسرت الشيوعية عن وريث أرثوذوكسى متطرف فى وطنيته وفى طائفيته قالوا أنه العداء الروسى التاريخى للإسلام والدولة العثمانية. مثل هذه التصنيفات الجامدة والجاهزة تخلق صعوبات كبيرة عند المراجعة . فلاخلاف على أن الأطراف المختلفة التى تحارب الإسلام فى صورة الجماعات الإسلامية لها مشكلة مع كليهما رغم أن الولايات المتحدة استخدمت هذه الجماعات لصالحها ربما دون أن تدري إلا أنها ضمن مخططها السياسى تهدف إلى النيل من الإسلام وهذا سلوك رسمى تم رصده وتوثيقه وليس رأياً شخصياً .
وأخيراً، هل كان ظهور التيار الإسلامى فى الثورات العربية ثم الاتجاه نحو السلطة واغفال الحقائق المرتبطة بها تاريخياً فى مصر خطأ أم صواباً رغم ما يراه البعض من أن التيارات الإسلامية تصرفت بشكل طبيعى ولكن فى ظرف غير طبيعى أو تصرفت بمثالية فى وقت أذهبت الواقعية كل أثر للمثالية. وهكذا هشرات الفضايا التي تعرض علي العقل السياسي بلا توترات. وقد لاتكون الظروف مناسبة ولكن الفكرة تستحق التأمل والمناقشة.
وأخيرا ننبه إلي أن هذه الفكرة لاعلاقة لها بمفاهيم المضالحة وأطراف الأزمة المصرية.