تختلف فكرة الشرعية legitimiteعن فكرة القانونية legaliteوأبرز مثال على الفاصل بينهما هو حالة إسرائيل فإسرائيل تتمتع بالطابع القانونى الوضعي الذي يعكس ارادة قطبي القرار الدولي موسكو وواشنطن بعيد الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة وهو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود رقم 181 فى 29 نوفمبر 1947 هذا القرار هو أساس الشرعية القانونية لإسرائيل ولكن هذا القرار نفسه يتناقض مع الشرعية وفكرتها لأن القرار توصية غير ملزمة وأنه يمثل تجاوزاً لاختصاص الجمعية العامة وفقاً للميثاق فكأن القرار عبر عن التوافق السياسى الدولى ولكنه أول انتهاك صارخ للشرعية الدستورية وفكرة الشرعية فى ميثاق الأمم المتحدة وهى الفكرة الذى كان الفقة التقليدى فى القانون الدولى يطلق عليها القانون الطبيعى الذى يحمى حقوقاً سابقة على التنظيم القانونى الوضعى مثل حق الدفاع الشرعى.
أما فى العلوم السياسية فإننا نفرق بين أساس شرعية الوصول إلى السلطة وبين سياسات هذه السلطة وأساس الشرعية فيها. فقد يصل الحاكم إلى السلطة وفقاً لأحكام الدستور والقانون ولكن تطبيق هذه الأحكام يشوبه البطلان القانونى إذا تم بأى صورة من صور التزوير وأحدث هذه الصور فى مصر هو هيمنة الحاكم على إنشاء السلطات وتشكيلها مثل مجلس النواب بحيث يشعر المواطن بأنه ليس مرجعية الاختيار وأن النائب سيكون نائباً عن الحاكم وليس عن الشعب الذى يحاسبه أو البرلمان الذى يحاكمه. أما شرعية سياسات السلطة فتستمد من مطابقتها لصحيح القانون والدستور وكذلك المصلحة العامة للوطن التى تعلو على مصالح النظام وأخيراً الرضى العام عن هذه السياسات . وهكذا يمكن تقسيم اسس الشرعية إلى عدة عوامل منها الشكلية الدستورية والقانونية ومنها الموضوعية وهى خدمة الصالح العام ورضى الناس بحيث يكون هذا الرضى أو السخط له أثر حاسم فى بقاء الحاكم من عدمه وهذا يتوقف على طبيعة الحكم ديمقراطياً أم دكتاتورياً.
إذا طبقنا هذه النظرية على نظم الحكم فى مصر لاتضح لنا أن النظام السياسى يختلف عن نظام الحكم النظام السياسى لا يعانى أزمة الشرعية لأنه نظام ينشئ بالإرادة الحرة للشعب من خلال الانتخابات الجادة وتتشكل المؤسسات بالارادة الحرة ويصير الحاكم خادماً للشعب ومحلاً للمسالة والحساب من الشعب نفسه ومن نوابه ومن الرأى العام وأخيراً من المحاكم ففكرة المسألة هى الفيصل بين نظام الحكم وبين النظام السياسى. ويترتب على ذلك أن نظام الحكم هو الذى يبحث عن الشرعية فما هى شرعية نظم الحكم فى مصر منذ عام 1952.
فى عصر جمال عبدالناصر استندت شرعية الحكم فى الواقع إلى ثورة 23 يوليو حيث هيمن النظام وأمم جميع مظاهر الحياة واعتبر أن هذا اليوم ولدت مصر فيه وأن ماقبله كان فساداً وخراباً واحتلالاً وقهراً للشعب وأن مصر قد ولدت يوم ولد الزعيم او ولد نظامه وهذا هو السبب فى مبالغة كتبة النظام فى الاساءة إلى الاسرة العلوية ماعدا محمد على. والحق أن نظام الحكم فى عهد جمال عبدالناصر تمكن بأدواته من توجيه الناس إلى ما يريد وبدى وكأنه حصل على شعبيه جارفة بدت فى الكثير من المناسبات ولكن جمال عبدالناصر لأمر ما لم يشئ أن يحول نظام الحكم إلى نظام سياسى يكون الشعب فيه هو مصدر الشرعية والسيادة. وعندما تولى أنور السادات بنى شرعية حكمه على التخلص من الارث الناصرى وكأن مصر كانت تحتاج إلى ما أسماه السادات ثورة التصحيح وربما قصد أن خلفاء عبدالناصر حرفوا ثورة 1952 فأراد بهذه الحركة أن يصحح مصارها خاصة وأنه صار عكس الطريق الذى صار فيه عبدالناصر فكان من الصعب أن يعلن صراحة أنه وعبدالناصر يستمدان شرعية حكمها من ثورة 1952 وهى مجموعة الاجراءات التى اتخذها عبدالناصر بعد هذا التاريخ لعدة سنوات لأن الثورة لم تكن حركة الجيش ليوم 23 يوليو وإنما هذه الاجراءات التى تمت للمجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وابراز الوطنية المصرية والقومية العربية ولذلك اختفى نظام عبدالناصر برحيله كما اختفى نظام السادات برحيله لأنهما لم يستندان إلى شرعية الشعب. ورغم أن السادات يعتبر أن حرب 1973 واتفاقية كامب دايفيد من أسس شرعية حكمه وكذلك انفتاح فضلاً عن التخلص من أنصار عبدالناصر إلا أن كل هذه الأسس وهى مادام لم ينتخب انتخاباً مباشراً من الشعب ولم ينتهك سياسات مرضية للشعب ومحققة للمصلحة العليا للوطن وهذه نقاط خلافية على كل حال ولكنها فى الأساس لا تصلح سنداً لشرعية الحكم.
وعندما جاء حسنى مبارك بنى على ما أعلنه السادات من أنه يستمد شرعيته من نصر أكتوبر فاعتبر مبارك أن حكمه لثلاثة عقود هو مكافأة لما أسماه الضربة الجوية الأولى وكادا بها أن يقول أنه بطل النصر وأن السادات كان رمزاً سياسياً. وطلما أن الشعب ليس سنداً لنظام مبارك فقد بالغ مبارك أكثر اسلافهفى الادعاء لأن نظامه يقوم على شرعية الشعب رغم أنه أكثر الرؤساء الذين تفننوا فى تزوير ارادة الشعب والانحراف عن الرضى العام وعن مصالح الأمة.
أما نظام الحكم فى عهد الاخوان المسلمين فقد استند إلى ارادة شعبية عبرت عن نفسها فى انتخابات حرة ولكن تعقيدات الموقف فى مصر منذ عام 1952 وكوابيس ثورة يناير التى هددت بإنهاء الوضع الذى ساد منذ عام 1952 لم يكن فى الحسبان فعزل الرئيس المنخب الوحيد فى تاريخ مصر فى ظروف متشابكة وحل محله قائد الجيش فى انتخابات معينة. ولو افترضنا صحة الاجراءات الدستورية والقانونية وهى محل نظر لهذه الانخابات المقطوع به أن السياسات اللاحقة لم تكن محل رضى الشعب ولا تحقق المصلحة العليا من الوطن وأبرز الامثلة الأزمة الاقتصادية وقضية الجزر واستقلال مصر وقضية الحريات وكذلك التمزق الذى أصاب المجتمع المصرى رغم أن البعض المرتبط بالنظام يرى عكس ذلك ولكن الححقيقة أن نظام الحكم فى عصر السيسى يفتقر إلى الاسس الأربعة للشرعية التى أشرنا إليها وشكل أزمة نفسية لدى النظام منذ انتخابات الرئاسة واحجام الناخب المصرى عن الانتاخابات لأنه فقد الثقة فى صندوق الانتخابات كما فقد الثقة فى نصوص الدستور والقانون وعدالة القضاء وكفاءة الحكومة وانعدام المحاسبة والمراقبة وضبط الاحوال فى كل المجالات.
هذا العرض السريع لأسس شرعية الفرض فى مصر يظهر الكثير للدارسين فى الفرق بين القانونية والشرعية فليس كل قانونى فى مصر شرعى أى الفارق بين القانون وبين المصلحة العليا للوطن لأن حسابات النظام فى الداخل والخارج فارقت المصالح المعتبرة لهذا الوطن. والحل أن تنزل السلطة القائمة على أسس الشرعية الصحيحة وهى احترام الدستور والسماح للارادة الحرة للشعب بالظهور واحترام الاجهزة الرقابية وعدم السيطرة عليها وكذلك القبول بالمراجعة الامينة والتقييم الحازم للسياسات حتى تنسجم مع رضى المواطن ومع المصلحة العليا للوطن.
بغير ذلك يتمسك النظام باسس وهى للشرعية ويبتعد رويداً رويداً عن مصادر الشرعية الصحيحة.