اكثر شىء نجح فيه التروس الاساسيين لـ 30 يونية هو حرق رموز ثورة يناير ، وبالاخص الدكتور محمد البرادعى ، فقد تم حرق عبد المنعم ابو الفتوح وحمدين صباحى و خالد على ، خاصة وانهم جميعا شاركوا فى اسقاط الرئيس المعزول محمد مرسى . وكان ذلك لابد أن يحدث ، ويرجع للانقلاب على ثورة يناير بدليل ان اعلام 3 يوليو اسماها مؤامرة ، بدون ان يخرج اى مسئول سواء فى حكومة الببلاوى او حكومة محلب ليدافع عن 25 يناير على انها ثورة ، بما يوحى للجميع ان وصف المؤامرة على 25 يناير يعكس رأى صانعى القرار فى دولة 3 يوليو .
تحويل مصر الى عزبة او اعادتها من دولة الشعب بعد يناير الى عزبة على شاكلة عزبة مبارك ولكن بمسمى واسماء جديدة ، كان يقتضى ويستوجب حرق كل الرموز السياسيين ، حتى لا يتبق الا رمزا واحدا ، يراه الشعب ممثلا فى الكتلة الحرجة منه بمثابة " الرمز الاوحد .. القائد الاوحد .. الزعيم الاوحد .. العاقل الاوحد .. اللائق الاوحد .. السياسى الاوحد " ، ولذا كان لابد من حرق كل الرموز ليبق رمز واحد هو المشير عبد الفتاح السيسى المرشح الرئاسى الحالى، ولا نستطيع هنا ان ننكر ان تروس 30 يونية نجحوا فى تحقيق هذا الهدف الاستراتيجى بامتياز .
واخطر ما فى الموضوع هو ان 25 يناير لم يتبق منها سوى صباحى ، وانا هنا معنى فى الاساس بالرموز الجديرة بالترشح للرئاسة حتى لايغضب منى آخرون من امثال عمرو حمزاوى وابو العز الحريرى ، وصباحى سيتم حرقه بشكل نهائى بفعل مارثون انتخابى لا يعرف صباحى نفسه كيف يديره منافسه وحملته ويقال انه لم يستطع جمع التوكيلات اللازمة للترشح ، والمشير السيسى او بالاحرى الدولة الداعمة للمشير السيسى هى التى ساعدته على جمعها فى اللحظات الاخيرة والحاسمة ، حرصا على الخروج بانتخابات يسهل تسويقها كأساس للشرعية فى العالم الخارجى ، وخاصة امريكا واوربا. وعقب الانتخابات الرئاسية والتى سيفوز السيسى فيها باكتساح يكون صباحى قد انتهى بمنظور الرمز السيسى ، وذلك بفعل اعلام 3 يوليو الذى بدأ حملة التشويه لصباحى مبكرا ، وبالتالى لا يكون على الساحة السياسية الا رجلا واحدا يبدو امام المصريين انه الرجل الاوحد ، وهو السيسى ، وهذا بالمناسبة شرط لابد منه لتكريس نمط الدولة الشمولية الديكتاتورية وربما البوليسية القمعية ، التى يدور فيها الجميع حول الرمز الاوحد مقابل مكتسبات يحققونها بصفقات ومكاسب شخصية ، بالضبط كما كان يحدث فى دولة مبارك من 1981 الى 2005. فكرة الرجل الاوحد التى روج لها حسنين هيكل بمقولة المرشح الضرورة تستوجب ايضا وهو الاخطر ان يتم تكريس دولة الخوف من جديد ، حتى يعود الخوف الذى كسرته ثورة يناير الى نفوس اغلبية الشعب المصرى مرة اخرى ، وتكمن خطورة ذلك فى أنه حال حدوثه فانه يحرم القوى السياسية والنشطاء السياسيين الطامحين فى بلد افضل ونظام حكم ديمقراطى من اهم عناصر قوتهم وهو الظهير الشعبى الداعم لهم فى صراعهم مع نظام الحكم ، بما يجعلهم لقمة سائغة فى فك النظام الحاكم . ولو اننا نفهم فى السياسة ولو قليلا ، لعلمنا بديهية سياسية مهمة وهى ان كثرة الرموز السياسيين الذين يراهم الشعب صالحون للقيادة وللرئاسة لازمة سياسية مهمة من لوازم الديمقراطية ، بمعنى انه لا يمكن ان تقوم ديمقراطية بدونها ، لسبب بسيط وهو ان عدم وجود رموز سياسيين يكرس وبشكل سريع ولفترات طويلة نموذج "القائد الاوحد والرمز الاوحد " ، حتى ولو اضطر النظام لصناعة هذا النموزج .
وما يزيد تشاؤمى ويجعلنى اتوقع بعصر مديد من الديكتاتورية ونموزج تكريس السلطة فى يد الرجل الاوحد او انتقالها من رجل اوحد حاكم الى رجل اوحد يتم صناعته لهذا الغرض ، هو اننا امام نخبة سياسية مهترئة ، وشباب تم صناعته ليكون نخبة وسيسقطون لا محالة من نظر الشعب ، وفى هذا كله خطرا كبيرا على الدولة المصرية ، دولة الديمقراطية الحقيقية والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية ، وكلها احلام جميلة لا استبعد ان نقول لها جميعا " الوداع"