نقلا من موقع الجورنال
بعد الانقلاب بحوالي شهرين قرأت مقالاً نشره أحد الطبالين الجدد من تلك النوعية التي تطفو على سطح الحياة السياسية كالفقاقيع لتمجد عظمة الزعيم وحكمته, كان الطبال هذه المرة عالم آثار لا اذكر إسمه يقارن بين وزير الدفاع المنقلب وبين أحد فراعنة مصر القدماء, بالطبع لم تتوقف محاولات تلميع وزير الدفاع لصناعة فرعون جديد وهو ما أجاده الإعلام وأصبح حرفته الوحيدة التي يتكسب منها, ومنذ عدة أيام رأينا كيف انحط أحدهم إلى الدرك الأسفل من النفاق فتاجر بدينه وشبه وزيري الدفاع والداخلية بالأنبياء موسى وهارون عليهما السلام في حضور أحدهما والذي بدا راضياً كل الرضا عن تشبيهه بنبي, وعلى الرغم من حالة الاشمئزاز التي عبر عنها الكثيرون الا ان المحاولات لم تتوقف فبالأمس شاهدت فيديو لمتصل على تلك القناة المملوكة لقارون وكان المتصل العبقري يشبه وزير الدفاع بنبي الله سيدنا يوسف فيما انتابعت المذيعة حالة من السرور فاتسعت ابتسامتها حتى ملأت الشاشة ولم نسمع منه استنكاراً لما يُقال, ولكن الأمر بدا لي طبيعياً إلى حد كبير فمصر طلقت المنطق والعقل منذ الانقلاب ومن البدهي في الإعلام الذي يحاور أبلة فاهيتا ويصف دمية بأنها إرهابية فمن الطبيعي في هذا الإعلام أن يكون وزير الدفاع الذي لايمكن بالمعايير البشرية أن تعجب به إلا الست والدته وسيما, يصبح القاتل نبيا حتي لو كانت الرسالات إنتهت بوفاة سيدنا محمد آخر الرسل عليه الصلاة و السلام.
كان هذا تحديداً ما دفعني للتعمق في البحث خصوصاً بعد أن قرأت المقارنة العجيبة التي عقدها ذلك الطبال بين وزير الدفاع وبين احد الفراعنة ربما لكم المصادفات المذهلة التي قرأتها في قصة فرعون موسى, فأغلب الأثريين يرجحون أن رمسيس الثاني هو فرعون موسى أو بمعنى أصح أغلب الأثريين الأوربيين الذين يأخذ عنهم علماء الآثار في مصر ويعتبروهم مراجعاً علمية لهم, وما زاد قناعتي أن رمسيس هو فرعون موسى, ما قرأته على احدى صفحات الفيسبوك والذي يمثل الآن منبراً إعلامياً وتثقيفياً بحق, عن أن إسم هامان الذي ورد في القرآن والذي طلب منه فرعون بناء الصرح ورد في قاموس أسماء الأشخاص في الدولة الجديدة ومكتوب باللغة الهيروغليفية وباللغة الألمانية كذلك، كما كانت هناك ترجمة لمعنى هذا الاسم وهو: رئيس عمال مقالع الحجر، وكان يطلق هذا الاسم أو اللقب آنذاك على الرئيس الذي يتولى إدارة المشاريع الإنشائية الكبيرة, بحثت الموضوع بتعمق أكبر فأردت أن اعرف الكثير عن رمسيس الثاني, ولم يكن هناك باللغة العربية ما هو أفضل من موسوعة مصر القديمة للدكتور سليم حسن وهو أفضل من تناول تاريخ مصر باللغة العربية, فوجدت عجباً, رمسيس الثاني لم ينتصر كما كانوا يدرسون لنا في كتب التاريخ في المدارس, فرمسيس الثاني قاد جيشاً من اربع فرق ونصب له ملك الحيثيين فخاً واستطاع تمزيق نصف الجيش تقريباً ونجى رمسيس الثاني نفسه من هذه الكارثة ( كما يسميها دكتور سليم حسن ) بأعجوبة وعاد إلى مصر دون أن يحقق الهدف الاستراتيجي الذي خرج من أجله وهو استعادة مدينة قادش التي انتزعها الحيثيون من يد الدولة المصرية مما دفع كل المدن الفلسطينية وقتها للثورة على الحكم المصري, ويقول د. سليم حسن معقباً في ص 282 ( وبذلك تبخرت تلك الامبراطورية التي اكتسبها سيتي لمصر في اسيا في بضع سنين قليلة).
هذا هو ملخص ما كتبه دكتور سليم حسن وهو أحد أهم علماء الآثار المصريين, وبعد عودة رمسيس الثاني من قادش ملأ جدران المعابد بأخبار انتصاراته الوهمية على جيش الحيثيين بل بلغت به الجرأة و الاستخفاف بعقول المصريين أن كتب على احد الجدران ما معناه أن ملك الحيثيين ( مواتالي الخاسيء ) كما سمته النقوش الهيروغليفية, هرب عندما رأى جلالته الى جانب المبالغة التعظيم مثل ( الإله الطيب عظيم الشجاعة في الممالك ), أتصور ان كثيراً من المصريين هللوا لهذه ( الانتصارات ) الوهمية المبهرة وأن الشعب عاش في غيبوبة طوال فترة حكم رمسيس الثاني التي امتدت لسبعة وستين عاماً, بعد هذا ( الانتصار ) الوهمي تم توقيع معاهدة سلام مع الحيثيين وتفرغ فرعون بعد فشله الخارجي إلى بناء المعابد وقمع أعداءه الداخليين, وتخلى الجيش لمدة اربعين عام تقريباً في عهد رمسيس الثاني عن ممارسة دوره في قتال الأعداء و تفرغ للأعداء الداخليين, ويمكننا بالطبع أن نتصور كيف ستتصرف بقايا جيش مهزوم يهمل دوره ويتفرغ للجبهة الداخلية, وكأن فترة حكم العسكر كلها قد جُمِعتْ في عهد رمسيس الثاني هذا, الإعلام على جدران المعابد يكذب على الشعب ويستخف به ويوهمه بانتصارات وهمية لم تتحقق, وهيبة مصر الخارجية ديست بالأقدام في قادش وغيرها, ثم جعل فرعون أهل مصر شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم, بل أنه أرسل أيضاً في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون, أي أنه أرسل يقول للمصريين في المدن أنه هؤلاء قليلون ونحن أغلبية وهو ما يشير إلى أن فرعون استعمل هو الآخر الإعلام في محاربة بني اسرائيل ومحاولة تشويههم وهي مصادفة تبعث على العجب, كانت النتيجة الطبيعية أن يتفرغ الفرعون بكل إمكانات الدولة لمحاربة العدو الداخلي ربما تنفيساً عما لقيه من هزيمة مخزية خارجياً وأن يملأ مدن مصر بأخبار كاذبة عن انتصاراته الوهمية ثم يجد ألف هامان يصفقون له ويتمادون فيحرضونه على المزيد من القمع, الأغرب من ذلك أن إسم التدليل الذي كان يستعمله رمسيس الثاني الذي لم يذق نصراً قط كان ( سيسو ) !!!
المفارقة التي حدثت منذ أيام أن أحد كبار منافقي الأزهر خرج بتصريح صادم متجاوزاً الثوابت الدينية التي نؤمن بها كمسلمين ليشبه وزيري الدفاع والخارجية بالأنبياء ولم يجد منهما من يرده عن هذا السقوط بل كان احدهما موجوداً يهز رأسه في رضا, وهو أمر قريب مما حدث في قصة سيدنا موسى وفرعون عندما ادعى هذا الأخير الالوهية وقال ( أنا ربكم الأعلى ), مفارقة أخرى تثير الإستغراب وهي أن ( سيسو ) أو رمسيس الثاني كان قصيراً أفطس الأنف أصلع الرأس ذا كرش صغير وذا ملامح منفرة !!!, الاكتشافات التاريخية لا تخبرنا حتى الآن إذا ما كان أحد كهنة آمون خرج وقتهم ليقول أن ( سيسو ) وسيم ولكن هذا ليس بمستبعد على من ادعى الإلوهية, بعد ان أرسل الله له سيدنا موسى وهارون لم تتوقف الرسائل والإنذارات الربانية عن الظهور, وبخلاف عصا موسى ويده البيضاء كالقمر كما أخبرنا القرآن, فكل باقي الآيات تنصب على الغلاء وإبادة المزروعات والقحط وهلاك الطعام والثمار والأمراض حيث أصيب المصريون بالبلهارسيا التي جعلتهم ينزفون دماً, ولا أرى حال مصر اليوم يبتعد كثيراً عن حالها في ذلك الزمن, فبعض المصريين وافق على القتل والذبح تماماً كما فعل الأقدمون الذين سماهم الله فاسقين, فكان جزاؤهم الغلاء والقحط والمرض والفقر وقلة الخير .. الأكثر غرابة أن الرجل الثاني بعد فرعون والذي ذكره القرآن بالإسم وهو هامان كان أحول !!! ربما الفرق الوحيد بين القصتين هو أن المصريين لم يعودوا يقرأون ما يدونه فرعون وهامان على جدران المعابد مهما كثرت فقد ملوا من كذبها على ما يبدوا وفي النهاية أغرق الله فرعون وهامان وجنودهما. و للحديث بقية إن شاء الله.