محمد إلهامي
حين كان الجندي الإنجليزي يذبح الصومالي كان أقصى ما استطاعه الصومالي أن يعضه، فنظر الجندي إلى زميله وقال متأثرا ومندهشًا: تصوَّر أنه عضني؟!!
الإنجليزي كان مقتنعا بالفعل أنه سيد هذه الأرض، ورائد حضارتها، ونجم الإنسانية، وكان مقتنعا أن هذا الصومالي أحد القذارات التي تعاني منها الإنسانية، سبب من أسباب تخلفها، ومصدر من مصادر الألم للإنسانية..لذا فقد كان صادقا تماما وهو يندهش من هذه الوحشية والتخلف التي لدى الصومالي الذي عضه وهو يقتله!
لا تستغرب.. هذه هي الطبيعة الإنسانية فعلا! القناعة الداخلية يمكن أن تحوله إلى أعمى كامل العمى، لا يرى في قتله للبشر عملا سيئا بل يكون من دوافع استغرابه أن يُقابَل القتل بدفاع عن النفس!
ثمة كتاب مهم في هذا المجال اسمه "الذرة الاجتماعية" ألفه مارك بوكانان (وكان من إصدارات مكتبة الأسرة قبل أعوام، وترجمه حامد عمار)، في هذا الكتاب فصل يحاول تفسير التحولات المفاجئة التي تصيب البشر، مثلا: كيف تحول الصربي الذي رضع من جارته المسلمة حين كان صغيرا ولاعب أولادها وهم في سن الفتوة.. كيف تولد لديه فجأة دافع قتلهم أمامها ثم اغتصابها وقتلها؟ كيف يتحول الألماني الكاره للنازية بين ليلة وضحاها إلى جندي نازي بامتياز يفعل بكفاءة كل عمل وحشي كان يكرهه؟.. ضرب الكثير من الأمثلة.
لا يهمني الآن تفسير هذه الدوافع ولا رصد الحلول لها.. المهم هو التأكيد على أن الإنسان يمكنه أن يتحول إلى نقيض الإنسانية، إلى وحش كامل الفتك، إذا زُرِعت داخله قناعات بعينها مع توفير ظروف ملائمة.
قلت في كثير من منشورات سابقة بأن الإعلام استطاع زرع هذه القناعات في نفوس الكثيرين، كما وفر بلطجية البرادعي وحمدين والفلول البيئة المناسبة لتحويل القناعات إلى حرائق ومولوتوف واقتحامات وقتل.. وأنه -وعلى خلاف ما توقع الساذجون- قد نجح هذا التيار في أن يدمر الصداقات بل وعلاقات القرابة المتينة الممتدة لسنوات وعقود.. صار من الطبيعي أن يتخيل شخص أن صديقه الحميم "الإسلامي" أو قريبه ذو المواقف الكثيرة المشهودة "الإسلامي" إنما هو نفحة من الشيطان، وأنه شخص شرير وأنه نازي وفاشي وأنه ينتظر الفرصة لإخراج ما بداخله من الشر و... و... و... إلخ!
ومثلما لم يقدر البعض خطورة ترك القضاء وتأجيل تطهيره حتى كاد القضاء يقضي على الثورة فيفعل ما عجزت عنه دولة مبارك ثم مجلسه العسكري .. مثلما لم يقدر البعض خطورة ترك الإعلام يزرع البغضاء ويثير الفتن ويشحن النفوس ضد فئات بعينها في هذا الشعب!
والنتيجة أن مشهد الجندي الإنجليزي مع الذبيح الصومالي يتكرر..
العلماني يلبس قناع جيفارا ويصرخ بصوت هتلر: سنسقط الخروف يوم 30/6 وسنفعل به وبعشيرته كذا وكذا وكذا.. فإذا قرأ كلاما من عشيرته يقول: ستكون مذبحة وسنقاتل حتى الموت وستكون الغلبة للأقوى نزل عليه قناع الفقيه ورحمة الداعية وحدثك عن حرمة الدماء وعن هوان الكرسي وعن زوال المناصب وعن القاتل والمقتول في النار، أو قد ينزل عليه لباس الوطني المخلص وهو منزعج: انظروا إلى الإرهابيين القتلة السفاحين المتطرفين المتشددين الذين يهددون بالدماء والسلاح و... و.... و... إلخ!
هو مشهد الجندي الإنجليزي.. كما هو مشهد الصربي قاتل أمه وإخوته من الرضاعة!
وإني على يقين بأنه صادق، وأنه لا يلتفت للتناقض في نفسه: هو يريد أن يقتل ويرى هذا واجبا، ولكنه منزعج ومندهش من أن القتيل يهدد بالدفاع عن نفسه!
من الأقوال المشهورة: فعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل لرجل.. من المؤسف أن أخبرك أن هذه العبارة خاطئة، وأن الحقيقة هي أن الناس يتأثرون بالأقوال أكثر من تأثرهم بالأفعال، هكذا تقول إحصائية قرأتها قبل سنوات في تحليل مواقف الناخبين الأمريكان.. الإعلام يغسل العقول من الأفعال ولا يعلق بالأذهان إلا الأقوال والصور واللقطات المختارة بعناية وصرخات الاحتفال بالفوز ولحظات الإشارة بالنصر... وهكذا!
أنا والله لا يثيرني شتم العلمانيين، ولكني أحزن لأن الرئيس ترك للمفسدين حبل الفساد بدعوى حرية التعبير.. وقد وصل الأمر إلى حدٍّ صار الخائن لا يخشى من الاستنجاد بالخارج علنا وعلى الهواء وإلى حد أن الفاحش يعلق على كلام الرئيس نفسه بالإيحاءات الجنسية الرخيصة، هذا بخلاف نشر الكراهية والتحريض على العنف والقتل.
أحزن لأن المجرمين صاروا يعلنون متى سيهاجمون، وقد تعدى إجرامهم حق اقتحام المساجد والمقرات والمنازل الخاصة فضلا عن قتل البشر.. وصاروا يلتقطون الصور وهم يفعلون هذا وينشرونها مفتخرين..أحزن لأن الدماء التي ستسيل يوم 30 يونيو ستكون من ثمار احترام الرئيس لحرية التعبير.. رغم أن إسكات الأفواه القذرة أولى مليون مرة من سفك الدماء!
بعض الدماء التي ستسيل في رقبة مرسي، ثم ليحتج أمام ربه باحترامه لحرية التعبير.