المتأمل لحال ايران خلال العشر سنوات الماضية لابد ان يلفت انتباهه امران , الاول انها تمتلك نخبة متميزة تعرف كيف تمسك بخيوط اللعبة السياسية الاممية , وقد ثبت جليا للعالم ان هذه النخبة استطاعت ان تجر الغربيين المتحزبين ضدها الى مجرات فى غاية الخطورة , ومازال الغربيون يبحثون عن اسلوب فعال يمكن استخدامه ضد الايرانيين ولا سبيل , اما الامر الثانى فهو المحاولات الواضحة للتقارب مع الدول العربية والتى وصفها البعض بانها محاولة للالتفاف عليها لمصلحة ايران فى فترة تضييق الخناق الدولى عليها , وخاصة مصر بعد وصول الاخوان المسلمين الى سدة الحكم , وفى تقديرى ان التقارب باتجاه مصر لها مبررات واهداف لدى الايرانيين كثيره وهى من الاهميه لديهم بمكان , وفى سبيلها تغاضى الايرانيون عما لايمكن التغاضى عنه فى الظروف العاديه , من امثلة هذه الاهداف محاولة الضغط على الدول العربيه الخليجيه لاجبارها على عدم تفعيل الحصار الغربى لايران ومنها ازعاج الغربيين فى كسر جزء من الحصار الاقتصادى المفروض عليها منذ سنوات بالتعاون الاقتصادى مع مصر , فمن الامور التى تغاضى الايرانيون عنها ماجاء بكلمة الرئيس المصرى فى افتتاح القمة الاسلاميه بطهران , حيث من المفترض ان يمثل ماجاء بالخطاب صدمه للايرانيين من الناحيه العقائديه ومن الناحيه السياسيه , فمن الناحيه العقائديه فقد عمد الرئيس المصرى - دون سابقه فى خطاباته – بالترضى على الخلفاء الثلاثه ابوبكر وعمر وعثمان واطال فيه وهذا يخالف عقيدة الايرانيين الذين هم فى سدة الحكم او جموع الشعب الايرانى الشيعى , وهذا مما لا يسكت عنه الايرانيون ولو حتى التزاما بمبدا التقيه , لانه صدر فى عقر دارهم وعلى الهواء مباشرة وامام شعبهم الذي لا يدين بذلك , والذى له نظرة غير بريئه للعرب السنه وحكامهم , اما من الناحيه السياسيه فاعلان الرئيس المصرى فى نفس الخطاب موقفه تجاه حكم الاسد ومناصرته للمعارضه السوريه ومطالبته العالم بالوقوف مع المعارضه السوريه , فى حين يعتبر الايرانيون ان ورقة الاسد من اهم الاوراق لديهم وبسقوط حكم الاسد تفقد ايران جزء كبير من قوتها اللوجستيه والاقتصاديه وجبهه من جبهات افشال الحصار الاممى عليها , بالاضافه الى مايفضى اليه من تجفيف لمنابع حزب الله اللبنانى من السلاح والاموال وغيرها , مما لا تسمح به ايران , ومع كل ذلك مضى الايرانيون قدما فى التقارب مع مصر ,ففى غضون شهر من انقضاء مؤتمر القمه الاسلامى تحرك وزير الخارجيه الايراني باتجاه مصر للتحضير لاول زياره تاريخيه لرئيس ايراني منذ عام 1979 اى منذ سقوط حكم الشاه وقيام الجمهوريه الاسلاميه الايرانيه , والغريب ان ما حدث للرئيس الايرانى فى مصر على المستوى الدينى او الشعبى كان ينذر باجراء شديد اللهجه من جانب ايران اقلها تجميد العلاقات الدبلوماسيه مع مصر , لكن وللمفاجأه حدث العكس , ففى المؤسسه الدينيه العريقه الازهر الشريف كانت كل الكلمات تصب باتجاه تحذير الرئيس الايرانى من التفكير فى مد شيعى باتجاه مصر , وفى المجمل لم تكن كلمات الازهريين وديه للرئيس الايرانى بما فيها كلمة شيخ الازهر , اما على الصعيد الشعبى فقد قام شاب باختراق الحاجز الامنى للرئيس الايرانى وهم بالاعتداء عليه وهو ممسك بفردة حذاء – مع تحفظى واعتراضى على هذا النهج - و ان كان ذلك شئ صادم للعقلاء من المصريين , ومع ذلك لم يحرك ايا من الحدثين احد من صقور طهران بل دعت الحكومه الايرانيه وفد حكومى مصرى لزيارة طهران لتفعيل مجالات الاستثمار وتنشيط السياحه الايرانيه الى مصر وبادروا بافواج الشارتر الى الاقصر , وكما لم نسمع الضجيج من السياسيين فلم نسمع ايضا اعتراضا من سدنة الحوزه على ما حدث , بل الاغرب ان بعض المصادر الاخباريه نقلت عن بعض الايات فى الحوزه – ولا ادرى ما صحته – انه لا يجوز التطاول على الصحابه رضوان الله عليهم ولا على ابى بكر ولا عمر ولا عثمان وذلك تماشيا مع ماقاله الازهريون وصدحوا به فى وجه نجاد , وفى رأيي ان صح هذا النقل فهو من باب التقيه , وبغض النظر عن هذا النقل وصحته من خطاه , فمن خلال كل ما ذكر يبدو جليا للمتأمل ان الايرانيين يراهنون على شئ كبير لايفصحون عنه ويستخدمون فيه اقصى درجات ضبط النفس ومنها التغاضى عن ثوابت عقديه راسخه لديهم , كما اننى اعتقد ان لديهم افكار مسبقه عن ايدلوجية الاخوان المسلمين ونظرتهم للتقارب مع الشيعه , وبأعتقادى هذا الذى شجعهم فى الاندفاع بقوه فى محاولتهم التقارب مع مصر فى ظل حكم الاخوان المسلمين , والحق ان المتتبع لفكر الاخوان المسلمين فى مسألة الشيعه يجد الكثير من الخلط والاراء المختلفه والمحيره , فالامام حسن البنا رحمه الله يستقبل احد المرجعيات الشيعيه الكبيره عام 1945 فى القاهره وهو الشيخ محمد القمى ثم التقاء الشيخ حسن البنا بالمرجع الشيعى آية الله الكاشاني أثناء الحج عام 1948 م وقد قيل انه حدث بينهما تفاهم – ولم تذكر المراجع نوع التفاهم - وتبع ذلك زيارة الامام نواب صفوي الشيعى سنة 1954 م للقاهرة , وقد يتضح للمهتمين بهذا الشان موقف الاخوان المسلمين المتقارب مع الشيعه فى كتابات المؤسس حسن البنا والمستشار البهنساوى وعبد المتعال الجبرى وعمر التلمسانى ( وان كان قد ذكر رأى حسن البنا ولم يعلق عليه ) والشيخ الغزالى و يوسف ندا وغيرهم الكثيرين , وقد نعى الاخوان المسلمون الامام الخومينى على لسان الاستاذ حامد ابوالنصر فى "مجلة الغرباء" الصادره بلندن فى عددها السابع عام 1989 حيث جاء فى البيان " الاخوان المسلمون يحتسبون عند الله فقيد الاسلام الامام الخميني ، القائد الذي فجر الثورة الاسلامية ضد الطغاة، ويسألون الله له المغفرة والرحمة ويقدمون خالص العزاء لحكومة الجمهورية الاسلامية الايرانية والشعب الايراني الكريم. إنا لله وإنا اليه راجعون " , ولقد حدث عام 2004 فى اروقة الاخوان المسلمون حادث غريب حيث نشر المهندس يوسف ندا مقالاتين فى موقع إخوان أونلاين - اعتبره البعض مؤيداً للشيعة - وقد اكد على أن رأيه هو المستقر في الفكر الإخواني ، وقد انبرى عضو مكتب الارشاد د محمود غزلان للرد عليه فى نفس الموقع مؤكدا أن جميع أعضاء مكتب الإرشاد يرفضون مقالتي يوسف ندا ويلفظونهما , والاغرب فى هذه الواقعه رد المرشد العام للإخوان المسلمين - فى ذلك الحين – محمد مهدي عاكف حيث قال بالحرف الواحد " أن كل ما تفضَّل به المهندس يوسف ندا ود محمود غزلان حول آرائهما في الشيعة ؛ إنما يعبِّر عن الرؤية الخاصة لكلٍّ منهما ولا يعبِّر بحالٍ من الأحوال عن رؤية مكتب الإرشاد " على الرغم من ان الاول نسب الامر الى الفكر الاخوانى والثانى نسب نفيه الى مكتب الارشاد الذى كان على رأسه مهدى عاكف .... وانا من جانبى لا ارى ان هناك رأى ثالث فى القضيه الا ان يكون رأيا دبلوماسيا !! ولا ادرى ان كان يحق لنا ان نسأل عن الرأى الثالث الدبلوماسى ولمن كان موجها ؟
لكن الامر فى قضية الشيعه فى عصر الاخوان – ان جاز التعبير - يجب الا يتجاوز السياسه ,
مثلما كان الحال فى علاقة مصر مع شاه ايران وفترة حكم ال بهلوى والتى لم تتجاوز اكثر من العلاقات الدوليه القويه بين بلدين تربطهما مصالح مشتركه لكن ليس على حساب العقيده او حساب القوميه العربيه او على حساب الدول العربيه المتاخمه لايران , وقد صرح لى الكثير من الذين قابلتهم بدول خليجيه وكذلك البعض ممن التقيتهم من العراق وخاصة التكريتين بانزاعجهم الشديد وخيبة املهم من هذا التقارب الايرانى تجاه مصر والذى وصفوه بالمشبوه من جانب ايران , والذى نعلمه ان الامام حسن البنا لم يكن من المفرطين فى ثوابت عقيدة اهل السنه , ولكن التقارب الذى حدث فى حياته اعتقد انه سار باتجاه كان يغلب على الحياه العربيه والاسلاميه الممزقه فى ذلك الحين وقد شارك فى هذا الاتجاه بعض رموز الازهر , واننى اجزم بحسن النيات لكل من شارك فى هذا التقارب , لكن على الجميع ان يعلم سواء اكان من جماعة الاخوان المسلمين اوالمنتمين اليها ممن هم فى سدة الحكم اليوم اواى مصرى ايا كان التيار الذى ينتمى اليه وجوب الوقوف عند هذه الخطوط الحمراء والتى يجب الا يتجاوزها احد تحت اى مبرر , وباعتقادى ان هذا كان واضحا من موقف رئيس الجمهوريه فى كلمته امام المؤتمر الاسلامى فى طهران وما احدثه من صدمه لدى الايرانيين على جانب الايات العظمى او على الجانب الشعبى والسياسى , والتقارب المصرى العربى الذى سبق مؤتمر القمه الاسلامى بإتجاه دول عربيه خليجيه , لكن ارتباك المشهد العربى بصفه عامه والمشهد المصرى بصفه خاصه وكذلك تداعيات العلاقات المصريه الخليجيه كان سببا فى تنامى هذا الشعور لدى الكثيرين , كل هذا يحتم علينا ان نأخذ باسباب الحيطه مما يخطط له الايرانيون والذى يبدو من ثنايا الاحداث انه تخطيط يفتقد الى البراءه , والذى سيتضح فى الغد القريب " وان غد لناظره قريب"
*مستشار بجامعة الدول العربية
maw01000@yahoo.com