هذا المقال
نختلف فكريا فى اجزاء منه مع مؤلفه ولكننا نتفق معه فى ضرورة العمل الديمقراطى للانتصار لعبد الناصر ..ضد من يحاولون وصم التجربة الناصرية بالبلطجة والاقتتال وتدمير الوطن لصالح شخص او عدة اشخاص .. سيد أمين
في مصر عبد الناصر.. لا ناصرية .. ولا ناصريين
بقلم محمد رؤية ناظم
· لم تقف الناصرية عند حدود "الحرية والاشتراكية والوحدة" ولكنها شملت قيماً أخلاقية نبيلة ومواقف مبدئية ثابتة من كافة قضايا الإنسان.. ولهذا ترسّخت في وجدان شعبنا العربي ووجدت لها صدى عميقاً لدى شعوب الأرض التي تتطلع للحرية.
· كانت مصر بالناصرية منارة عالمية وحظيت بها الأمة العربية بشرف ريادة العالم من جديد.
· لقد أسّس جمال عبد الناصر بقيمه ومبادئه ومواقفه التي طرحها وتبناها لبناء مجتمع إنساني عادل صالح لكل زمان ومكان، يحقق الحرية للإنسان والمجتمع في آن واحد.
· كانت ثورة يناير فرصة أضاعها الحزبيون والسلطويون وعشاق المال والتمويل الاجنبي، فهل يضيّعها الناصريون الذين عاشوا من أجل هذا اليوم العظيم..؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يكن جمال عبد الناصر رجل مرحلة حتى ينساه شعبه ويعبره التاريخ.. ولكنه كان بطلاً تاريخياً وإنسانياً وقف عنده التاريخ طويلاً، ولم يعبره، ولن يعبره التاريخ، فجمال عبد الناصر ثائر وإنسان مؤمن بقيم الحرية والعدل والمساواة، استطاع أن يلوى عنق التاريخ لصالح الإنسانية، وغيّر مجراه ومساره، وأنسن العلاقات المجتمعية بصفة مطلقة، وعبّر بقيمه ومبادئه ومواقفه ـ التي طرحها وتبناها ـ عن تلك القيم الفطرية التي تأسس لمنظومة أساسية لحقوق الإنسان الأساسية المقدسة، ووضع القوانين الصالحة لبناء مجتمع إنساني عادل صالح لكل زمان ومكان، يحقق الحرية للإنسان وللمجتمع في آن واحد، فصنع بذلك تاريخاً جديداً، وإذا كان الفلاسفة والمفكرون على مر التاريخ، قد صاغوا أفكاراً إنسانية، وأضافوا قواعد جديدة للفكر الإنساني بمختلف توجهاته ومناحيه، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إلا أن تلك الأفكار في مجملها فشلت في عمل التوازن الضروري بين حاجات الإنسان الأساسية التي تضمن تحقيق حرية الفرد والجماعة، في مواجهة تطلعات الإنسان وطموحاته التي لا تقف عند حد، كما فشلت في صناعة النموذج الضامن لتحقيق تلك القيم العادلة التي تحقق الأهداف الإنسانية السامية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يكن جمال عبد الناصر رجل مرحلة، ولكنه بطل تاريخي ورمز تاريخ، فقد غيّر وجه التاريخ، ليس في مصر والوطن العربي فحسب، ولكنه استطاع بوعيه الإنساني الثوري أن يخرج بواقعه وفلسفته وتجربته إلى قارته الإفريقية، وعالمه الرحب الممتد على طول اليابسة وعرضها، حتى أنه كان ملهماً ومحفزاً لثوار العالم الذين استطاعوا بالزخم الإنساني الرائع والخالد لهذا القائد الملهم، وروحه الكفاحية، وصلابته، وعزمه، أن يقتلعوا جذور الاستعمار العالمي في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وأن يبنوا، فرادى وجماعات، عبر ملاحم شعبية كفاحية رائعة، حضارة إنسانية جديدة، غيّرت وجه العالم، وقلبت موازينه السياسية، وأعادت العلاقات الدولية إلى طبيعتها العادلة عبر منظومات دولية ثلاث، هي منظمة الوحدة الإفريقية، وحركة عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والتي كانت لعدة عقود ركائز أساسية في حماية شعوب العالم من خطر الاستعمار العالمي، وهيمنة القوى الغاشمة على مقدرات الشعوب، وقام بتفعيل جامعة الدول العربية لاحتواء الرجعية العربية وتحديث آليات العمل العربي المشترك بهدف تحقيق الأمن القومي العربي.
وبعد أكثر من (42) اثنين وأربعين عاماً على رحيل البطل، ونحن نرى الدمار الهائل الذي لحق بالبنية السياسية في مصر، وهذا الفراغ السياسي الموحش، الذي يعرّض مصر وشعبها لتغيير الهوية والانفصال عن التاريخ، بل والتيه، بتولي تلك العصابات المنظمة التي تحاول الانتساب إلى الدين الإسلامي الحنيف تستراً على أهدافها السلطوية، وهي تتطلع للتمدد لاحتواء الهويات الوطنية والقومية للشعوب المسلمة، خداعاً للمواطن المسلم، وتدليساً على الحق والتاريخ، وبعد أن اختلط الحابل بالنابل، وتحولت قضايانا الأساسية وهي أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة إلى صراع حول مفردات وجمل وتفسيرات، ودرنا في دائرة مفرغة صنعوها لنا حتى التمكين (الأخونة)، وبدأنا نتدحرج من سهل إلى جرف إلى أخدود إلى هاوية، ونحن نحتضن الأحلام الوردية التي زرعتها فينا تلك الثورة النبيلة، ولا ندرك أن قراءة كافة السياسيين للثورة كانت قراءة سطحية، وأن غياباً واضحاً للمنهج هو الذي أحدث فراغاً في الحوار، وأن غياباً واضحاً للرمز هو الذي أحدث فراغاً في القيادة، وأن غياباً واضحاً للإيمان بقضايا شعبنا العظيم وأهداف الثورة على جانبي الصراع جعله جولات من الصراخ والعويل، وتأكد الشعب أنه ضحيةً للمنتفعين، وأن الثورة قد سرقت من قبل تنظيم رجعي متعفن، فخرج من الصراع، ربما ليعد نفسه للثورة الثانية..
هنا.. من حقنا أن نتساءل، أين الناصرية ...؟ وماذا فعل الناصريون؟؟!
الناصرية.. التي لم تقف عند حدود "الحرية والاشتراكية والوحدة" ولكنها شملت قيماً أخلاقية نبيلة ومواقف مبدئية ثابتة من كافة قضايا الإنسان، وترسّخت ـ وما زالت حتى اللحظة ـ في وجدان الشعب المصري عبر سواده الأعظم، تحالف قوى الشعب العامل من عمال وفلاحين ومثقفين ورأسمالية وطنية وجنود، وترسّخت ـ وما زالت حتى اللحظة ـ في وجدان شعبنا العربي، فطهرت أمتنا العربية العظيمة من رواسب الإقليمية والرجعية، الناصرية التي وجدت لها صدى عميقاً ـ وما زالت حتى اللحظة ـ لدى أحرار العالم وشعوبه التي تتطلع لتحرير إرادتها وترابها، لقد كانت مصر بالناصرية منارة عالمية، وحظيت بها الأمة العربية بشرف ريادة العالم من جديد.
ومن حقنا ـ بعد قراءة الواقع أن نقول بوضوح شديد، إن الناصرية باقية ما بقي الدهر، لأنها فكر، وقيم، ومبادئ، ومواقف مبدئية وثابتة من كافة قضايا الإنسان، فالناصرية باقية في الوجدان الإنساني، وباقية في الضمير الوطني والقومي، ولكن..!! أين الناصريون..؟!!!
عندما رحل البطل.. كان الميراث ثقيلاً، لأنه ميراث أخلاقي، وإنساني، وثوري، وشعبي، ومسؤولية تاريخية عن إنجازات تحققت على الأرض لا مناص من استكمالها، وعناوين كبيرة وواضحة عن طموحات شعب وأمة، وحلقات مترابطة ومتتابعة في الوطن العربي وإفريقيا والعالم الإسلامي والعالم، لا بد وأن تتواصل فعالياتها، وحركتها، كانت تركة ثقيلة إلا على الرجال الأنقياء، المؤمنين، كان الميراث ثقيلاً على أشباه الرجال والمتسللين والوصوليين والسواعد الخائرة، كان الميراث ثقيلاً على المترددين وعشاق السلطة والسلطان، ولم تمض غير أشهر قليلة حتى بدا واضحاً أن من أحنى رأسه لتمثال عبد الناصر وافتخر ـ زوراً ـ بأنه كان شريكاً، تنصّل من كل الميراث، وبدأ "السادات" "عصر الردة"، واستمر عصر الردّة لأكثر من أربعة عقود، وتأتي ثورة يناير المجيدة لتثبت للذين خارت قواهم أن الناصرية مترسخة في وجدان شعبنا العظيم، وقد عبّرت عنها الثورة الشعبية الهادرة في موجاتها المتعاظمة بشعارها الشهير "عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية"، وكان تحالف قوى الشعب هو الطوفان الهادر، ولقد كان تحالفاً شعبياً لا أثر فيه لحزب أو تنظيم أو جماعة أو ما شابه من تكوينات سياسية، تحالف شعبي نقي يقوده ثوار أشاوس، أسقطوا عصر الردّة، وحلموا بأن يستردوا عصر الحرية والمساواة والعدل الاجتماعي.
جاءت ثورة يناير المجيدة لتكشف أن الأحزاب الناصرية أشكال هلامية، وأن القيادات الحزبية أصابتها الشيخوخة، وغلب عليها العجز فلم تستطع تنظيم صفوفها، وغلب عليها حب المال والسلطة فانقسمت تلك الأحزاب على نفسها، وضاع الهدف الأساس، أربعة أحزاب ناصرية، لم تستطع الوفاء بتبعات المرحلة، ففقد الشارع المصري الاحساس بوجود من يعبّر عن الناصرية، وأدركت الجماهير عجزهم عن الدفاع عن الطرح والميراث، وبلغت المأساة ذروتها بانهيار مروّع، فقد أصبح الشعار التاريخي في "الحرية والاشتراكية والوحدة" طي النسيان إلا في بعض المناسبات القومية حيث يرفعه بخجل شديد بعض الخطباء للتعبير عن فخرهم بالانتماء للماضي العظيم، ولعلّ الأدهى والأمر أن الناصرية تحوّلت إلى تجارة بالموقف، وبعد الانهيار الذي حدث للناصرية في مصر، انسحب الانهيار على الناصريين العرب، فقد خرجوا في معظمهم عن العقل، ولا غرابة في هذا، فعلى الدوام كانت مصر الريادة والقيادة، حتى في الانكسار والهزيمة، وخرجت الأحزاب "الناصرية" في مصر والوطن العربي عن الثوابت الناصرية وتقلبت المواقف، وعمّت التجارة والمتاجرة بالناصرية، تضليلاً لشعبنا العربي العظيم وتدليساً عليه.
فهل يصدق عقل، ومهما كانت الأسباب، أن من "الناصريين" الليبيين، وغير الليبيين، من وقف مع استجلاب "الناتو" لضرب الشعب الليبي وسحق بنيته التحتية ونهب ثرواته من قبل قوى الاستعمار العالمي الغاشمة..؟!! وهل يصدق عقل أن من "الناصريين" في مصر من حالف جماعة "الاخوان المسلمين"، وهم أعدى أعداء الناصرية، ونزل الانتخابات على قوائمهم للفوز بكرسي في مجلس الشعب...؟!!، ومنهم من وقف في أروقة المحاكم دفاعاً عن الرأسماليين المستغلين ضد مصالح العمال الكادحين وحقوقهم المشروعة، ومنهم اليوم من يجمع أموالاً لحساب الحزب الناصري الموحّد الذي لم ير النور بعد، وهل يصدق عقل، ومهما كانت الأسباب، أن من "الناصريين" السوريين، وغير السوريين، من يقف مع العصابات الإرهابية التي تجتاح سوريا وتهدد وحدة أراضيها، لحساب المخطط الامبريالي الصهيوني، ولتسلمها للعصابات التي تدعي أنها إسلامية..؟!! هل يصدق أحد أن من الناصريين العرب من يعتبر أن الفوضى التي أحدثها الغرب في الوطن العربي هي ربيع عربي، وأنها ثورات شعبية، لتحقيق الديمقراطية..؟! وهل يصدق أحد أن ناصرياً عربياً يقبل تمويلاً من الرجعية العربية لدعم عمل قومي أياً كانت صفته أو اسمه..؟!! وهل يصدق عقل أن ينعقد "المؤتمر الناصري العام" الذي يضم تنظيمات "ناصرية" عربية، بناءً على طلب من حكومة عربية رجعية لاتخاذ موقف داعم لقوى الاستعمار العالمي، وللغزاة الذين يحاولون تقسيم سوريا، ولتسليم شعب صامد في وجه الصهاينة لأعداء العروبة والاسلام من تيارات سياسية ارهابية تعمل تحت ستار الاسلام..؟!!
هذا غيض من فيض لا يتسع المقام لسرده، فهذه مجرد أمثلة لما فعله "الناصريون" في مصر عبد الناصر، وفي الوطن العربي الذي يدين لعبد الناصر بالكثير، وفي المقدمة، حرية التراب والإرادة.
ونقول مصر عبد الناصر، لأنه هو من حدّثها، وبنى لها هذا المجد الذي تعيش عليه اليوم، فقد حقق لها الريادة والقيادة، والمكانة الدولية الرفيعة، وهو من حرّر ترابها بعد عقودٍ طويلة من الاحتلال الأجنبي، وهو من وضعها في مصاف الدول التي تحظى باحترام العالم وشعوبه، وينسحب على الوطن العربي ما انسحب على مصر العظيمة بكفاح عبد الناصر وانتصاراته وما حققه على المستوى الاقليمي والعالمي.
وبعد:
أمام المحنة المفجعة التي تعيشها مصر، ومعها الوطن العربي، وتأكد انهيار التنظيمات والهياكل التي تعبّر عن الناصرية، وتأكد أن الأزمة ليست تنظيمية فحسب، ولكنها أزمة قيادات انحرفت عن دورها التاريخي، ورغم ذلك تمسكت بالفشل متمثلاً في بقايا تلك الأحزاب الخاوية الخائرة، واشعلت حرباً في المحاكم، وتركت الشارع للتنظيمات المعادية للحرية، التي تعمل تحت ستار ديني، محدثة بذلك فراغاً سياسياً هائلاً، وقد قاطعت جماهيرها المؤمنة بالناصرية وعبد الناصر، وبذلك ساهمت بجهد وافر في توريط مصر وشعبها في محنة ستكلفها عدة عقود، من ثرواتها، ومن تاريخها، وقد استمر الصراع بين الجديد والقديم في محاولة لرأب الصدع، وتجميع الهياكل الناصرية التي فقدت حيويتها، ليصب فيها تحالف قوى الشعب المصري طاقته المبدعة الخلاقة، ويعيد بناء مصر التي خرّبها المرتدون، ولكن هيهات.. لقد بدا واضحاً أن لكل من القيادات الحزبية شروطه، ولم يعد هناك بد من هدم المعبد على رؤوس أصحابه..(..........).
لقد كانت ثورة يناير المجيدة فرصة تاريخية للناصريين لإعادة تنظيم الصفوف، فقد أثبت شعب مصر أن الناصرية تعيش في وجدانه، وقد رفع صور الزعيم الراحل في كافة ميادين مصر وشوارعها وحاراتها، وكانت الثورة فرصة ذهبية لإستعادة مكاسب العمال والفلاحين والطبقات الكادحة والمطحونة، كانت الثورة فرصة لاستعادة التعليم المجاني والعلاج المجاني وتمديد مظلة التأمين الاجتماعي لتشمل شعب مصر عن بكرة أبيه، كانت الثورة فرصة لنقل مصر إلى القرن الحادي والعشرين، كانت الثورة فرصة لأن تستعيد مصر دورها الريادي، والحضاري، في أمتها وقارتها والعالم، كانت الثورة فرصة لتحقيق "الحرية والاشتراكية والوحدة" فشعب مصر تواق لعودة تاريخه العظيم، وشعبنا العربي ما زال يتطلع للناصرية ليتخلص من الرجعية والهيمنة ونهب الثروات، وكانت ثورة يناير المجيدة فرصة ذهبية لإلحاق الهزيمة بالمخططات الصهيونية والإمبريالية في الوطن العربي والعالم، بضربة موجعة، وقاضية، وأخيرة، ولكن هيهات..
فرصة اضاعها الحزبيون والسلطويون وعشاق المال والتمويل الاجنبي، فهل يضيّعها الناصريون الذين عاشوا من أجل هذا اليوم العظيم..؟ هل يضيّعها شعب مصر ..؟
ولن تغيب الإجابة..