بقلم: د. يحيى رضا جاد
1- في العمل السياسي يجب أن نفرق بين ثلاثة مستويات مِن الانحرافات فيه: "الخطأ" .. و"الخطيئة" .. و"الخيانة والعمالة"
فلا يجوز الخلطُ بين ثلاثتها, ولا مساواةُ "مرتكبِ الخطأ" بـ "مقترفِ الخطيئة" بـ "الساقطِ في جُبِّ الخيانة"، خيانةِ البلاد والعباد.
ومن ثم, كيف يُسَوِّي بعضُ الناس بين "الحزب الوطني" السابق و"جماعة الإخوان المسلمين"؟!:
أ- أَلاَ يوجد فارق بين "مَن هبط على ساحة الحياة السياسية" بـ "قرار سلطوي رئاسي" واستمر فيها بـ "تزوير إرادة الشعب" .. ومَن "نَبَتَ مِن طين تلك الساحة",ثم اعتلى منصتها بـ "اختيار شعبي في انتخابات حرة ونزيهة"؟
ب- أَلاَ يوجد فارق بين حزبٍ سعى - بكل ما أوتي من قوة- لؤأد ثورة يناير.. وجماعةٍ شاركت - بكل ما أوتيت من قوة- في ذات الثورة؟
ج- ألا يوجد فارق بين حزب أفقر البلاد والعباد برغم توافر كل الإمكانيات والمكنات والسلطات, وجماعة تعرضت للتضييق والاضطهاد والتعذيب والتشويه طيلة ما يربو على السبعين عاماً.. وما تزال حتى هذه اللحظة لا تملك من "مواقع الحسم السلطوي" إلا "أكثرية" برلمانية تواجه بها حكومةً غيرَ مختارةٍ مِن رئيسٍ منتخَب؟!
د- ألا يوجد فارق بين حزبٍ صَيَّر مصر "دولةً منبطحة" أمام الولايات المتحدة والكيان الصهيوني .. وجماعةٍ جاهدت – وما تزال- ضد النفوذ الصهيوني والأمريكي, وقاومت الاحتلال الإنجليزي (بجهادها الفدائي العسكري ضده أوائل خمسينيات القرن العشرين يوم كان "الأسد البريطاني المتغطرس" جاثماً على صدر الوطن), وقاومت المشروع الصهيوني على أرض فلسطين (بجهادها الفدائي العسكري عام 1948م), وتولت - بتكليف من الضباط الأحرار- حراسة المنشآت والسفارات عشية ثورة يوليو 1952م؟
هـ- ألا يوجد فارق بين حزب اتخذ من سياسة وَأْدِ كلِّ بذورِ النهضة وبشائر الأمل: ديدنه ونهجه .. وجماعة أخرجت للناس والوطن مجموعات مِن خيرة أبنائه في كثير من ميادين الحياة ومناحيها – طبياً وهندسياً وإدارياً وقانونياً واقتصادياً ودعوياً؟
و- ثم إن هذا "التفزيع" و"الترويع" و"التخويف" من الإخوان المسلمين, يفترض ضمناً أنَّ الشعبَ المصري الذي ثار وصال وجال حتى أسقط مبارك, قد تحول إلى قطيع من الأغنام, مسلوب العزيمة, مشلول الإرادة, لا حول له ولا قوة, وأنه سيقف عاجزاً, بل سيقع ضحيةً, في يد "الجزَّار الإخواني" الذي سينقض على البلاد كالجراد المنتشر ليأتي على الأخضر واليابس! .. وفي ذلك من الاستخفاف بالشعب والاتهام المبطن له بـ "الاستسلام" و"الخنوع" ما فيه.
ز- فارق ضخم بين شخصٍ ولد وتربى ونشأ وترعرع واستُوْزِرَ - سنين عدداً- في "حِجر السلطان", وكان محل ثقته الكاملة التامة في أحلك وأضيق وأحرج الظروف التي ألمت بهذا السلطان .. وجماعة هي "شريكُ ثورةٍ" يُسعَى لـ "هتك عِرضها الآن", "شريكٌ أنانيٌّ غَرَّته نفسه أحياناً", ولكنه - في ذات الوقت- هو "العصا المتبقية الوحيدة في البيت" لدفع "الصائل" الذي يَسْعَى لـ "فض بكارة الثورة" اغتصاباً!
………………
2- أكتب هذا والجميع يعلم - أصدقاءً وزملاءً وقراءً- أن كاتب هذه السطور :
أ- كان مِن معارضي ورافضي التعديلات الدستورية التي تولى الترويجِ للموافقة عليها الإخوانُ المسلمون ومِن شايعهم.
ب- وأنه لم ينتخب أحداً من جماعة الإخوان المسلمين في أي انتخابات جرت منذ ثورة يناير باستثناء شخص واحد أصبح نائباً في مجلس الشعب, لا في البرلمان بغُرْفَتَيْه ولا في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة؛ لعدة أسباب سياسية (أهمها "افتقاد الحكمة والحنكة" في معالجة وإدارة عدد من الأمور) وفكرية (أهمها "التكلس العقلي" الذي لا يكاد يفلت منه تنظيم قطً).
ج- وأنه مِن أشد المختلفين مع عدد غير قليل مِن قرارات ومواقف الإخوان المسلمين السياسية
ولكنَّ الواجبَ - حينَ يفشو "عمى الألوان السياسي", وحين يطفو "الزَّبّد" فيغطي وجهَ الماء ويحجبُ الشمسَ عن كائنات البحر- أن ننبه على "خطأ" كثير من الشباب المتحمس - و"خطيئة" بعض الإعلاميين, و"عمالة" البعض الآخَر- في تخويف الناس من "الإخوان" بإشاعة صورة ذهنية شائهة عنهم؛ بالترويج لادعاء المساواة بينهم وبين "الحزب الوطني".
نعم, لقد "أخطأ" الإخوان كثيراً بعد ثورة يناير .. نعم, بعض قراراتهم ومواقفهم تصل - في تقديري- إلى حد "الخطيئة".. ولكنهم أبداً - فيما يخيل إليَّ- لم يصدر عنهم ما يوجب وصمهم بـ "الخيانة أو العمالة"؛ باتباعهم "نهج" الحزب الوطني, ولا اقتفائهم لآثاره .. كما لم يصدر عنهم - في ظني- ما يوجب ذلك, ولا ما يُرجِّحُه
***
3- والذي يجب ألا ننساه في هذا المقام :
أ- أنهم جماعةٌ "حديثةُ عهدٍ" بـ "مواقع اتخاذ القرار"؛ مما يُتوَقَّعُ معه ألا تخلو بعضُ مواقفهم (في مثل هذا الظرف, خاصةً مع استصحاب "قلق الأجواء الثورية وضغوطاتها" بكل ما تعنيه وتعانيه وتؤول إليه من "تذبذب" و"اضطراب", خاصةً في ظل وجود مجلس عسكري لم يمسك بزمام الدولة إلا بحُكم الضرورة) مِن ضعف أو تخبط أو تأخر أو عدم ملاءمة
ب- أنَّ صعودَهم السياسي (بتحقيقهم للأكثرية البرلمانية) بعدَ فترة الاضطهاد التي ابتلوا بها, قد أحدث عندهم نوعاً من "عدم التوازن النفسي"؛ إذ "أعجبتهم كثرتهم" بعدَ اضطهادٍ, و"غَرَّتْهُم الأمانِيُّ" بعدَ تضييقٍ
وتناسوا - فوق ذلك وبسبب منه- أن للإعلام ذي الأغراض - الذي يقوده ويوجهه العلمانيون والليبراليون والماركسيون, وكثيرون منهم ذوو أغراض, بالإضافة إلى عدد من المتصلين ببقايا الأجهزة الأمنية ورجال الحزب الوطني المنحل- سطوةً على عقول كثير من الأميين والسطحيين والمذبذبين, وهم فئة ضخمة العدد مِن تعداد شعبنا المصاب بفقرِ دمٍ ثقافيٍ مزمنٍ, ازدادت حدته وخطورته ومضاعفاته في ظل "دولة الكلام" التي أقامتها الفضائيات والإذاعات والصحف؛ تلك الوسائل التي تَخْتَزِلُ أكثرُها القضايا, وتُخفي كثيراً من أصولها وأبعادها وخلفياتها وتفاصيلها, وتُشيع فقط ما يراد له أن يشاع (على الناس أن تعلم أن إعلامنا يتخذ من الكذب والتشويه والتمويه "صناعةً كبرى" يرتزق مِن سُحتها "جيوش الكذبة والمُضَلِّلِين والتافهين", حتى أضحيتَ ترى المرءَ الذي لا يُحسِن الحديث في شئون نفسه: يخوضُ - خوضَ الخبير المستيقن- في أدق دقائق السياسة, وهو - في واقع أمره- مفتقِدٌ للمعلوم بالضرورة من الخلفيات التي تُبَطِّنُ ما يتحدث عنه)
وتناسى "الإخواني" - أو كثير مِن المنتمين إلى الجماعة والمسئولين عن قرارها السياسي- أنَّ الإنسانَ كائنٌ "حرٌّ" و"اجتماعي" : فطرةً وضرورةً معاً, ومن ثم, فهو فردٌ ولكنْ ضمنَ فريق, وهو راكبٌ ولكنْ ضمن سفينة
فغفلوا حيناً, وتغافلوا أحياناً, وتقاعسوا أخرى, عن إعمال فِقْهَيْ/ آليَّتَيْ "الموازنات" و"الائتلاف" قبل وعند اتخاذ بعض القرارات والمواقف الحساسة والمصيرية (مِن مثل : "خطيئة" كيفية تشكيل لجنة الدستور, و"خطيئة" التقاعس عن إصدار قانون العزل السياسي منذ بداية الدورة التشريعية للبرلمان, فضلاً عن عدد من "الأخطاء" المتناثرة) .. مما وفَّر - بامتياز واقتدار فائقَيْن- ماءً عكراً يصطاد فيه الإعلام ذو الأغراض بسهولة ويسر, وبل ويعتمد عليه في خلق وإشاعة صورة ذهنية قميئة عن الإخوان المسلمين؛ تجعل ذكريات الحزب الوطني ومواقفه تتداعى إلى ذهن وعقلية الكثير من المصريين فوق سماعهم لاسم "الإخوان", حتى أصبح البعضُ يتحسسون مسدساتهم مِن فورهم!
ج- أنهم قد أنجزوا عدداً طيباً وهاماً مِن الأمور ذات الصلة بالمهام التشريعية (وهي أمور لا تخفى على القارئ الكريم اليقظ المُتَتَبِّع, من مثل : منع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية, وتقرير الحدَّيْن الأدنى والأقصى للأجور).
***
4- إننا الآن في ظرف تاريخي دقيق, فإما أن ننتخب ممثل حزب الحرية والعدالة - الامتداد السياسي لجماعة الإخوان المسلمين- د/ محمد مرسي, وإما أن يأتي الفريق/ أحمد شفيق (إن لم يصدر قرارٌ من المحكمة الدستورية العليا بدستورية قانون العزل السياسي) :
أ- مبدأُ ارتكابِ أخف الضررين وأهون الشَّرَّيْن (إن كان في اختيار مرشحِ الإخوانِ ضررٌ أو شرٌ, وفيه شيءٌ من ذلك في تقديري), ومواصفاتُ رئيس مصر القادم ومعايير اختياره: يُرَجِّحان في ظني كفة اختيار د/ محمد مرسي؛ لأننا قمنا بثورة نغير فيها "النظام السابق كله"؛ فكيف نأتي بواحدٍ مِن قلبه (بصرف النظر عن مدى فساد الفريق شفيق من عدمه, أو ادعاء مشاركته في موقعة الجمل من عدمه) بكل حمولاته وتوجهاته ومنظومته الفكرية المتكلسة البئيسة الفقيرة المُفقِرَة, الباطحة والمنبطحة,على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية؟!
كيف نأتي بواحد مِن قلب المؤسسة العسكرية والسياسية الحاكمة التي تمت الثورة عليها, وطبائع الأشياء تقضي - عند إتيانه لسدة الحكم- باستمرار تبعية وتأييد ودعم أهم مؤسسات الدولة له - شخصاً ومصالحاً- : المؤسسة العسكرية (بحكم كونه واحداً من كبار قاداتها السابقين), والمخابرات (بحكم كونها إحدى أهم أدوات النظام العسكري الحاكم لمصر في الستين سنة السابقة), والداخلية (بحكم كونها كلب حراسة مصالح النظام الحاكم البائد الذي يأتي شفيق من قلبه), والمالية (بحكم استشراء وتغلغل الفساد حتى نخاعها العظمي), والإعلام (بحكم كرهه المطلق للتيار السياسي الإسلامي: صاحبِ الأغلبية البرلمانية الحالية؛ بسببٍ مِن سيطرة العلمانيين والليبراليين على عدد من أهم أدواته؛ فضائياتٍ وصُحُفاً).
ب- ويجب ألا ننسى - فوق ذلك- أن شفيق يحمل ويستصحب عقلية وذهنية النظام السابق في سياسته الخارجية, خاصةً مع الولاياتت المتحدة والكيان الصهيوني.
ج- إن مبارك - كما هو المعهود منه؛ باستقراء سنوات حكمه- لم يكن ليترك "رجلاً وطنياً نزيهاً", ولا "عبقرياً", في موقع وزاري طيلة ما يربو على الثماني سنوات كاملة.
د- ثم إن مبارك لم يكن ليستند عليه في أكبر أزمة ألمت به (عقب جمعة الغضب 28/ 1/ 2011م)؛ إذ المرءُ, حين تلم به الملمات, لا يستند ولا يستعين إلا بِمَن هو محل ثقته الكاملة التامة .. وكيف تتوقع أن تكون سياسةُ رجلٍ يرادُ له أن يكون رئيساً لمصر, وهو محل ثقة كاملة وتامة مِمَّن أسقط مصر من دائرة الفاعلية, محولاً إياها إلى "مفعول به" لا "فاعلاً", جاعلاً منها "أكبر بالوعة للحضارة" بعدَ أن كانت "أكبر نافورة لها"!
هـ- مبارك وشفيق: أخوان مِن الرضاع؛ أُمُّهُمَا : "العقليةُ العسكرية المتحجرة المتكلسة؛ المصدرُ الرئيسي للقلوب السياسية الغليظة, والنبعُ الفياض لمبدأ السمع والطاعة الأعمى و"الاستبدادُ السياسي؛ الأخُ الشقيق للعقلية العسكرية" و"الفسادُ الإداري والمالي؛ الزوجُ الشرعي للاستبداد".
و- والحق أن وصول شفيق إلى موقع الرئاسة, لا قدَّر الله, يؤشر على رِضَى المصريين بأن تَحْمِلَ الثورةُ "حَمْلَ سفاح"! .. وقديماً قال المَثَل الشعبي المصري: "اللي يشيل قِرْبَة مقطوعة: تُخُر على دماغه", (والمَثَل يورِدُه المصريون لاستنكار تجاهل الأخذ بالأسباب, لا العكس كما قد يُتَوَهَّمْ)
وصولُ شفيق إلى موقع الرئاسة ، لا قدَّر الله، يحمل في أحشائه دلالة رمزية ثقيلة الوزن, عالية السُّمِّيَّة, يرجوها البعض على امتداد وطن العروبة, وهي أن الثورة المصرية قد خَرَجَتْ "شِيصَاً" (الشِّيصُ : التمر الذي لا فائدة منه؛ أو الذي لم يتم نُضجُه), مما سيُتَّخَذ تُكَأة لـ "نزع دسم تطلعات الشعوب العربية" الأخرى إلى تغيير أنظمتها الحاكمة الشائهة, إذ لا فائدة تُرتجى مِن قيام ثورات أخرى في أية أماكن أخرى من وطن العروبة, ألم تروا مصر - زعيمة العرب والشقيق الأكبر- لم تَجْنِ مِن ثورتها إلا "عِهْناً منفوشاً", بل لم تكن ثورتها إلا "حملاً كاذباً"؛ ثاروا على "مبارك", ثم أَتَوْا بـ "رئيس وزرائه ووزير طيرانه ومحل ثقته الكاملة التامة"!
في جملة واحدة: وصولُ شفيق إلى موقع الرئاسة يعني أن الشعب في حاجة ماسة إلى "إعادة تربية"، وهذه ستصبح وقتها مهمةَ الثوارِ الأُولى والأهم, بل ستكون حينها "واجبَ الوقتِ".
حقاً وصدقاً: ليس عجباً - كما قال جلال الدين الرومي- أن تَفِرَّ الشاةُ من الديب, العجبُ أن يكون لها منه حبيبٌ !
ز- نعم ، د. محمد مرسي - وههنا أستعير كلمات الأستاذ فهمي هويدي- لا يمثل أفضل ما تمنيناه ، ولكنَّ الفريق شفيق - بالمقابل- يمثل أسوأ ما توقعناه!
نعم, نقدُ الإخوان - بوصفهم مشتغلين بالعمل العام، شأنهم شأن غيرهم- "واجبُ كلِّ وقت"، أما تأكيد القطيعة مع النظام السياسي البائد فـ"واجبُ الوقت"!
وكل ما أرجوه من الله تعالى الآن: أن يُوفَّقَ الإخوانُ إلى خلق جو ائتلافي تآلفي مُجمِّعٍ مِن حولهم؛ إسقاطاً لشفيق .. ولن يتم ذلك - في ظننا- إلا بتقديم التزامات, وعقد اتفاقات, في عدد من الملفات المحورية :
أولها: كيفيةُ تشكيل الحكومة وبيانُ برنامج عملها
وثانيها: إعادةُ تشكيل الجمعية التأسيسية؛ لتكون جمعيةً "جامعةً"؛ إذ الدساتير تُصنع بـ "المُوَاضَعَة" لا "المُغَالَبَة".
وثالثها: تعيينُ نوابٍ للرئيس محل توافق سياسي ومجتمعي واسع, مع بيان مهامهم وصلاحياتهم
***
5- أما حصولُ الفريق/ شفيق على المركز الثاني - بما يربو على خمسة ملايين صوت ونصف المليون- فتفسره في تقديري عدة أمور, أُورِدُ بعضها فيما يلي, رؤوسَ أقلامٍ لا غير:
أ- تفتت الأصوات بين المرشحين المنتمين للتيارات الداعمة للثورة. هذا - في تقديري- هو العامل الأكبر والأهم؛ إذ قد صَوَّت لمرسي وحمدين وأبي الفتوح مجتمعِين ما يزيد على الـ 13.4 مليون ناخب, في حين لم يُصَوِّت لشفيق وعمرو موسى مجتمعَيْن إلا على ما يقارب الـ 8 مليون ناخب.
ب- قلة الوعي والإدراك السياسي (بسبب انتشار الأمية الأبجدية والثقافية معاً)
ج- شراء الأصوات (بسبب الفقر الشديد - المصحوب بقلة الوعي والإدراك- الذي يعاني منه قطاع غير قليل العدد من الجماهير المصرية)
د- التصويت العقابي (اتجاهُ قطاعٍ من الجماهير إلى التصويت لكل مَن لا ينتمي إلى المرشحين الثوريين - شباباً وإسلاميين- نكايةً وعقاباً لهم على أدائهم "السياسي المهترئ" و"البرلماني الضعيف" في ظن هذا القطاع من الجماهير)
هـ- الإحجام عن التصويت (حيث قد أحجم ما يقارب الـ 57 % مِن المُسَجَّلِين في كشوف الناخبين عن التصويت، وهي كتلة مَامُوثِيَّة الحجم, مجهولة التوجه).
***
6- وفي الختام, يجب أن يُعلَم أن مسار الثورات يمر - في تقديري- عبر أربع مراحل:
أ- "التعبئة الفكرية" (بأيدي المثقفين المجاهدين الوطنيين)
ب- ثم "الغضب المتصاعد" (جَرَّاء تجاهل الحُكام المستبدين لـ "صيحات التحذير" و"نداءات الإنقاذ والإصلاح")
ج- ثم "الانفجار الجماهيري" (الذي يَحسُن أن يسبقه, أو يلحقه مباشرةً, "تصورُ البديل للوضع القائم والتخطيط له")
د- ثم "استمرار الحِسِّ الثوري" (لا "اضطرابات الأجواء الثورية"؛ فإن أَخْوَفَ ما يُخَافُ عليه في مسار الثورات - ومَسَارُ الثوراتِ كَمَخَاضِ الحامل- : اشتياقُ القاعدين إلى أيام الرخاء) الذي لا يُمكن أن نَضْمَنَ استمرارَ حضورِهِ المتوهجِ والمؤثرِ إلا بالعمل على "إبداعِ تصورٍ بديلٍ متماسكٍ للوضع القائم", ثم العمل على "توعية الناس به وإشاعته فيما بينهم". ويَحسُن بي ههنا أن أستدعي, مع شيء مِن تصرف قليل,قولة عبد الرحمن الكواكبي : [قوانين "التخلص من الاستبداد": "الشعور بالحاجة إلى التغيير" + "يجب حدوث التغيير سلمياً وبالتدريج" + "لابد من تصور البديل"].
ولا يخفى على القارئ مدى "تقصير" ثوارنا (شباباً وشخصيات عامة وأحزاباً وتكتلات) في "العمل" على تحقيق "المرحلة الرابعة" بدقة ونظام ووعي وائتلاف وتكتل, بل أكادُ أقولُ : لا يخفى عليه مدى "ذهولِهم" عن إدراكها و"نقصِ" وعيهم بمحوريتها وشدة خطورتها وشديد أهميتها في "تحقيق مقاصد الثورات"؛ حتى لا تتحول الثورات إلى "حمل كاذب"!
وفي ظني أنَّ ما أدى إلى "تعثر" كثير من خطوات ثورتنا هو أننا لم ندرك احتياجها إلى:
"رجالٍ" ذوي بسطة في العلم والجسم ما فَتِئْنَا نُشَوِّهُهُم كثيراً, وما بَرِحْنَا ننازعهم أحياناً, ونتجاهلهم أخرى.
و"شعبٍ" يتحمل تبعاتها لم نُوَعِّهِ بعدُ.
و"تحالفاتٍ سياسية واجتماعية صلبة" لم نُقِمْهَا بعدُ.
و"اقتصادٍ" لم نوضح أولوياته العاجلة بعدُ.
و"إعلامٍ" لا يُشيعُ "زنا المحارم السياسي" بين جموع الفاغرين أفواههم أمام شاشاته وصُحُفه؛ حتى لا نُمْسِي نرى الناسَ يخوضُ بعضُهُم في بعض كما الآن.. كثيرٌ من الخائضين في مختلف الحوارات والنقاشات (اليومية والعامة, السياسية والفضائية والصحفية) في كثير من الأمور, كانوا قبلَ الثورة من كبار "الأميين" فيها, فمِن أين يأتي الرشدُ والعلمُ والتحقيق؟ .. لقد وَقَعَتْ قطاعات عريضة من جماهير متابعي الشئون السياسية المصرية والمتحدثين فيها وعنها في جُبَّين كبيريِن: "جُب النقص الحاد في المعلومات الصحيحة الثابتة", و"جُب التعميمات الكاسحة والكسيحة" .. بالإضافة إلى "طامَّة تصديق الشائعات" و"هاوية النظرة العوراء أحادية الجانب والاتجاه".
والله أعلى وأعلم
……………………
طبيب بشري وكاتب وباحث مصري