عراق المطيري
عرفتها حين كانت تقرأ مقالاتي التي كانت قد أعجبها فيها أسلوب تناول الفكرة والطرح المبسط الذي كان ينقل نبض الشارع العراقي ويحاكي ذهنية المواطن البسيط وابتعادي عن استخدام المصطلحات الصعبة أو غير العربية وتوسعت وتعمقت هذه المعرفة حين أرسلت لي بطاقة تهنئة بمناسبة عيد الفطر عام 2007 كواحد من كتاب مقاومة الاحتلال الأمريكي وبهدوء استطاعت أن تشدني إليها كأخ وصديق بعد أن عرفتني بعمرها حتى أصبحت واحدا من أفراد عائلتها المكونة من ولدين وبنت يربطنا ببعض قاسم مشترك رائع هو عشق كبير للعراق العظيم ورموزه الوطنية فوجدت عندي صبرا وطول بال للإجابات والتفسيرات المبسطة السلسة لكثير من الأسئلة التي كانت تدور في ذهنها وان أضيف شيئا لما غرسته هي في أعماقها وبدأه إخواني ورفاقي الذين كانت على تواصل مع أغلبهم وأصبحت تشترك معي في كثير من المواقف والآراء وتتطابق وجهات النظر بيننا حد التوحد بعد نقاش ترتفع حدته في كثير من الأحيان , تناقش في كل التفاصيل وأصغرها وتفتخر بنفسها كثيرا لأنها سيدة عراقية أخوتها وأبنائها كل الأبطال المقاومين في كل ميادين الجهاد وأنها تقرأ كل الكتابات التي تخص العراق وفلسطين ولا تلتزم إلا بوجهة نظر واحدة , تدافع باستماتة المقاتل الفدائي عن رأيها الذي تتبناه طبعا فيما يخص انتمائها العقائدي ألبعثي المقترن بالإيمان المطلق بحتمية الانتصار القريب , صبورة سمحة مسامحة مثابرة تحب النجاح والتفوق ولا تعرف معنى الفشل وتحب كل من يحب العراق والعروبة وهو جزء مهم من عائلتها الكبيرة وحين عرفتني بعائلتها هنا في العراق وجدت كثيرا من الإجابات على أسئلة كانت تدور في ذهني عن نشأتها وطبيعة تربيتها وحسها الوطني العالي , بكت حين تجولنا في شوارع بغداد عند مشاهدتها لها كيف تغيرت وداعتها وأصبحت في غفلة من أهلها والزمن وقد تقطعت أوصالها بكتل الكونكريت والأسلاك الشائكة وتحسرت بألم وحرقة حين شاهدت قطاع الطرق والمارقين العملاء يعبثون بأهلها وبكل تراثها وعفتها .
هي ككل سيدات العراق الماجدات شجاعة شامخة كنخيل بلادنا حادة كالسيف القاطع لا تلين مع الأعداء ولا تعرف التعب ولا الملل كأنها في ربيع شبابها رغم علامات الشيخوخة التي تركتها سنوات الغربة الطويلة والبعد عن الأهل والأحبة , حنون إلى ابعد حد كأم وتحرص على أن تتابع كل بيانات الحزب وتوجيهاته لتتلمس علامات النصر القريب وما تكتب أقلام الشرفاء بشغف كبير لتنهل من فكرهم تعويضا لما قد يكون فاتها , تتابع الصغائر وتنتبه إلى ما قد يفوت غيرها حتى إن أخي الأستاذ الفاضل على الصراف كتب في ذات مرة وهو يعيد إرسال مقالته التي ننشرها في موقع ومجموعة القادسيتين للمرة الثالثة إن أختي العزيزة تتابع بدقة وتأبى إلا أن يكون مقالي متكامل وهي تناقش الكاتب بإلحاح لتنضج الفكرة وتتكامل , يسرها وتفتخر أن تكون الموزع الأكبر لمقالات المقاومة وبيانات الحزب أينما تكون سواء على الانتر نت أو تدور تحمل أوراقها لتنشرها لمن لا يستطيع قراءتها على ألنت أو الصحافة غير مبالية لما قد يلحق بها من مخاطر , تعبئ الناس إلى أي موقف يكشف الاحتلال وحكومته العميلة ولا تحترم الجبناء , تفتقد الغائب ولا تستقر حتى تطمأن عليه , دائما تطلب المزيد , تنتظر تحرير العراق بفارغ الصبر مشدودة من أعماقها للقاء أبطال العراق في ساحة التحرير ساعة إعلان النصر الحاسم المنشود .
قررت العودة إلى العراق مع انتهاء ابنتها من دراستها الأكاديمية نهاية العام الدراسي الحالي لتكون بين أهلها وأخوانها أبناء شعبها وتشاركهم في تفاصيل معاناتهم , وكانت تقول إن الجهاد الحقيقي يتطلب منها المساهمة فيه بفاعلية كبيرة حيث يكون على ارض المعركة في العراق وكل مشاركة خارج الحدود هي هامشية وثانوية مهما بلغت في أهميتها , وحين عرفت أني كنت بين من شملتهم حملة اعتقالات رجال العراق الأبطال كما روت لي وأكده لي أولادي الذين يتواصلون معها أصابتها حيرة في بادئ الأمر للفراغ الذي تركه غيابي في ما اتفقنا على انجازه من أعمال تخص نشاطات المركز لكنها انتفضت من حالتها وقررت مواصلة المشوار بالاعتماد على الله وما متوفر من إمكانيات لأنها أدركت أن ما حصل امرأ كان متوقع حدوثه في أية لحظة فتبنت انجاز ما استطاعت معتمدة على خلفية قد غرستها في أعماقها وواصلت المشوار بينما حاولت المشاركة بأية طريقة لشد الأزر وتجاوز المحنة .
كانت الفكرة لديها بعد أن تحولت عملية الاعتقال إلى نصر إضافي للمجاهدين على أعداء الله والحق والوطن أن نضاعف جهادنا كل من مكانه وحسب إمكانياته وتعويض ما تأخر انجازه ولتجاوز الظرف الأمني داخل العراق وكانت قد أخذت على عاتقها مهمة حجز مساحة على ألنت لإعادة إنتاج نسخة جديدة أكثر تطورا وصمودا بوجه معركة الفايروسات لموقع القادسيتيين من كندا وبدأت التحرك هناك والاتصال بإحدى الشركات و في صبيحة يوم الاثنين 23 نيسان 2012 حيث ذهبت لمتابعة انجاز الموضوع تعرضت لحادث دهس من سيارة طائشة يسوقها آسيوي أثناء عبورها الشارع أصابتها في كسر في الرقبة والركبة أدت إلى وفاتها في الحال.
تلك هي نازك حسين عراقية ماجدة نذرت نفسها لحب العراق والعروبة فتخلت عن كل شيء ولبست ثوب مجد العراق .
بهدوء دخلت أم ياسر لتساهم في نشاطات أسرة مركز القادسيتيين للدراسات والبحوث القومية وتكون ركنا أساسيا فيه وبهدوء واطمئنان غادرتنا إلى بارئها تاركة خلفها فراغا كبيرا دون أن ترى حلمها قد تحقق بالاحتفال بنصر الشعب العراقي على أعدائه .
رحم الله اختنا المجاهدة نازك حسين وادخلها فسيح جناته وألهمنا وعائلتها الصبر والسلوان .
9 حزيران 2012