علاء بيومي
تراجع شعبية الإخوان المسلمين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية تحدي كبير لا يخص الإخوان وحدهم، فسريعا ستجد القوى السياسية المصرية أن عليها أن تعيش خارج ظلال الهجوم على الإخوان.
بمعني أن تراجع شعبية الإخوان في الفترة الأخيرة سيترك فراغ سياسي وجماهيري كبير يجب أن تملئه قوى أخرى، وفشل القوى السياسية المصرية في ملئ هذا الفراغ والصعود لمواقع القيادة بشكل يقنع المصريين سوف يفضح عيوب تلك القوى وأمراضها، وسوف يمثل بداية لمرحلة انحسار تراجع شعبية الإخوان، لأنه سيكشف أن عيوب الإخوان – التي سلطت أضواء سياسية وإعلامية كثيرة عليها في الفترة الأخيرة - ليست حكرا عليهم، وكيف أن كثير من القوى السياسية المعارضة للإخوان تعاني نفسهم عيوبهم وربما أكثر.
فالقوى السياسية المصرية هاجمت الإخوان بسبب طبيعتهم المزدوجة بين الحزب والجماعة، وبسبب ضعف قدرتهم على التوافق السياسي، وبسبب أخطاء ارتكبها بعض قادتهم عند الحديث للإعلام وفي الدوائر السياسية.
ولو نظرنا حولنا لوجدنا أن القوى السياسية المصرية تعاني من جميع العيوب السابقة بدرجات مختلفة قد تفوق أحيانا كثيرة معاناة الإخوان.
فالقوى السياسية المحسوبة على النظام القديم تمارس نفاقا سياسيا كبيرا في هجومها على الإخوان، فهي أصل مشاكل السياسة المصرية والقوى السياسية المختلفة، فعلى مدى عقود فشل نظام مبارك وأتباعه في تطوير أنفسهم أو في السماح لغيرهم بالمشاركة واكتساب الخبرة وبناء قوى سياسية حقيقية تفيد المصريين.
وبالطبع لا يخفي على أحد أن نظام مبارك استخدم ومازال يستخدم الدين لأغراض سياسية، بل أنه لا يتورع أحيانا عن اشعال نار الطائفية لتحقيق أهدافه رغم شعاراته الليبرالية والعلمانية الزائفة، كما أن النظام بنى نفسه على نقيض من قاعدة التوافق السياسي، فهو يجيد فقط مبدأ فرق تسد، فهو يجيد ضرب القوى السياسية ببعضها، ويرفض مشاركة المعارضة ولو في أقل القليل.
وإذا كانت القوى السياسية تشتكي من ضعف تمثيلها في البرلمان وفي المبادرات الأولى لتشكيل تأسيسية الدستور في ظل سيطرة الإخوان والسلفيين على البرلمان فعليها أن تتذكر أن نظام مبارك حكم خارج إطار القانون والدستور لعقود وسوف يستمر في ذلك لو عاد إلى الحكم.
أما القوى السياسية الوطنية أو المحسوبة على الثورة فصعودها إلى السطح لابد وأن يكشف عن كثير من عيوبها، فهي أقل تنظيما من الإخوان، وأقل تماسكا، واقل إنتاجا للقيادات السياسية، واقل قدرة على التوحد والمشاركة، فالإخوان دخلوا المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية بمرشح واحد أو اثنين على الأكثر إذا افترضنا أن عبد المنعم أبو الفتوح مرشح إخواني منشق، في المقابل دخل التيار اليساري بأربعة مرشحين دفعة واحدة وهم حمدين صباحي وخالد علي وهشام البسطويسي وأبو العز الحريري، وذلك على الرغم من ضعف تمثل اليساريين في البرلمان وعلى المستوى الجماهيري.
هذا يعني أن صراع النخبة السياسية الليبرالية واليسارية مع الإخوان يخفي خلفه صراع أكبر بين القوى السياسية العلمانية (الليبرالية واليسارية) وبعضها.
أضف إلى ذلك أن القوى الوطنية المحسوبة على الثورة تعاني من عيب خطير أو ربما قاتل وهو أن بعضها يفضل اللجوء إلى العسكر واستخدامهم كأداة ضغط على القوى الوطنية الأخرى وعلى رأسها التيار الديني (الإخوان والسلفيين)، ويصعب وصف دوافع هؤلاء خارج مصطلحات كالانتهازية أو ربما الميكيافيلية السياسية، وبالطبع موقفهم مرفض ولابد وأن ينتبه له المصريون عاجلا أم أجلا ويحاسبون تلك القوى عليه، وأعتقد أن الشعب المصري في إطار عمليه إعادة تعريف لمصطلحات للقوى الوطنية والثورية والمساندة للديمقراطية، وقريبا سوف يعاد تعريف بعض القوى المصرية التقليدية (التي ادعت معارضة حكم مبارك ثم ارتمت في أحضان العسكر) بشكل يضعها جماهيريا خارج إطار القوى الثورية والوطنية.
القضية الأخرى التي تستحق الانتباه هي أن الهجوم على الإخوان لا يمكن أن يمثل استراتيجية في حد ذاته، فالمواطن العادي قد يعارض أو يساند الإخوان، ولكنه في النهاية يريد من يقدم له بديل حقيقي سواء الإخوان أو غيرهم، بمعنى أن الهجوم على الإخوان قد يفلح في تراجع شعبيتهم لفترة، ولكن لو لم تقدم القوى السياسية الأخرى بديل مقنع فسرعان ما سينقلب السحر على الساحر ويرى المواطن العادي أن الإخوان كانوا أفضل لأنهم على الأقل معروفين وأكثر تماسكا من غيرهم.
فالقوى السياسة المهاجمة للإخوان مطالبة بتقديم بدائل سياسية حقيقية وقيادات ومؤسسات قادرة على مساعدة الناس وتوافق سياسي يجمع ولا يفرق ويحتوي الجميع بما فيهم الإخوان والسلفيين، فمن النفاق أن تهاجم القوى السياسية الليبرالية واليسارية التيار الديني لأنه لا يشاركها في السلطة في حين أنها ترفض الإخوان والسلفيين إلى حد الكراهية أو الاستعلاء أحيانا وترفض التعامل معهم.
وإذا كانت القوى السياسية غير الإخوانية تفتقر لهذه المقومات – كما هو ظاهر حاليا – فمن الأفضل لها أن تتوقف فورا عن مهاجمة الإخوان لأن الناس سوف تنتظر منهم أن يرتقوا إلى مستوى النقد واللحظة وأن يقدموا بديلا حقيقيا يتلافى عيوب الإخوان وأخطائهم.
وفي النهاية يبدو أن الخطأ الرئيسي الذي يمكن أن تقع فيه أية قوى سياسية مصرية في الوقت الحالي هو الانفراد بالسلطة أو حتى الظهور بمظهر المنفرد بالسلطة أو الساعي للاستحواذ عليها، لأن مشاكل المصريين كثيرة للغاية، والناس في حالة ثورة، والتحديات هائلة ولن يتمكن أي فصيل أو تكتل من مواجهته سريعا، لذا الأفضل للجميع البحث عن صيغة للشراكة تحميهم جميعا.
ولكن للأسف يبدو أن القوى السياسية المصرية تعاني من ميراث الاستبداد والذي علمها الأنانية وعدم المسئولية وغياب التفكير المؤسسي والعقلاني، وهذا يعني أن كثير من القوى السياسية لن تتمكن سوى من نقد بعضها وتشويه الأخرين إلى حين، ولن يؤدي ذلك إلا إلى إصابة جزء كبير من المصريين بالقنوط السياسي، وسوف تنحسر موجة الهجوم السياسي على الإخوان عاجلا أم أجلا ليحل محلها فراغ سياسي كبير يصعب أن يملئه أحد، والله أعلم.
– 8 يونيو 2012