نفترض أنك تعيش فى بيت وفى الشقة المقابلة لك جار لا تستريح إليه، وقد حدثت بينكما مشاكل عديدة أثبتت لك أن جارك هذا أنانى ولا يفكر إلا فى مصلحته. جارك هذا يتحدث عن المبادئ، لكنه كثيراً ما يتغاضى عن المبادئ التى يتحدث عنها من أجل مصلحته.. هكذا تعقدت العلاقة ودب النفور بينكما، حتى صرت لا تتعامل مع جارك إطلاقاً.. ثم حدث ذات ليلة أن نشب حريق هائل فى البيت وامتدت ألسنة اللهب فى كل مكان، فإذا بجارك هذا يطرق بابك ليطلب منك أن تشترك معه فى إطفاء الحريق... ماذا تفعل حينئذ؟! هل تقول له: أنا لن أتعامل معك حتى لو احترق البيت كله على أولادى وأولادك؟! أم تقدر خطورة الموقف وتشترك مع جارك فى إطفاء الحريق من أجل إنقاذ البيت والسكان؟! الاختيار الصحيح واضح لا يختلف عليه اثنان، هذا التشبيه يلخص الحالة التى نعيشها: مصر هى البيت والجار الذى فضل مصلحته على واجبه وخذلنا مرات عديدة هو جماعة «الإخوان المسلمون»، واللحظة التى تعيشها مصر الآن لا تقل خطورة عن الحريق الهائل.. الإخوان المسلمون مسؤولون مع المجلس العسكرى عن النفق المظلم الذى نجاهد الآن للخروج منه.
الإخوان تحالفوا مع العسكر وصنعوا التعديلات الدستورية المعيبة التى يشكون منها الآن، وهم الذين حشدوا الناس ليقولوا «نعم» على تعديلات لم يفهموها جيدا، وحولوا التصويت الدستورى إلى غزوة بين المؤمنين والكفار.. الإخوان تخلوا عن الثوار فى مذابح ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، والإخوان تقاعسوا عن إدانة المجلس العسكرى المسؤول عن هذه المذابح، بل إنهم أدانوا الثوار واتهموهم بالبلطجة والعمالة.. الإخوان هم الذين خطفوا لجنة كتابة الدستور من أجل أن ينفردوا بكتابة دستور مصر على هواهم، وهم الذين سعوا للسيطرة على الجهاز المركزى للمحاسبات بمشروع قانون يجعل تعيين رئيس الجهاز فى يد رئيس مجلس الشعب..
كل هذه أخطاء جسيمة اقترفها الإخوان المسلمون، تحقيقا لمصالحهم الضيقة، ودفعت ثمنها الثورة، التى تعطلت ولم تحقق أهدافها، ودفع ثمنها مئات الشهداء وآلاف المصابين وبنات مصر اللاتى تخلى عنهن الإخوان عندما تم سحلهن وهتك أعراضهن فى الشوارع بواسطة الجنود.. فى النهاية اكتشف الإخوان أن كل مكاسبهم السياسية معطلة، لأن المجلس العسكرى يريد أن يحركهم كالعرائس كما يشاء.. عندئذ اصطدم الإخوان مع العسكر وعادوا إلى الثورة وأصدروا مشروع قانون العزل السياسى، الذى طالما طالبت به الثورة. عاد الإخوان إلى الميدان يهتفون بسقوط العسكر. ماذا نفعل مع الإخوان؟! هل نضع أيدينا فى أيديهم لنعيد وحدة الصف ونعود جميعاً قوة ثورية واحدة صلبة كما كنا أثناء الأيام الأولى للثورة، أم أن أى تعامل مع الإخوان سينتهى كالعادة بأن يتخلوا عن مبادئهم بمجرد أن يحققوا مصالحهم السياسية؟!
لا تجوز الإجابة عن هذا السؤال قبل أن نفهم ما يحدث فى مصر الآن.. بعد خلع مبارك، على مدى 14 شهراً نجح المجلس العسكرى فى عرقلة التغيير الذى طالبت به الثورة، وتعرض المصريون لمخطط منظم لإفراغ الثورة من محتواها وإجهاضها وتشويهها والضغط على المصريين بأزمات رهيبة كلها مفتعلة: انفلات أمنى وأزمات فى المواد الغذائية وأزمة اقتصادية طاحنة.. فى النهاية عندما تحولت حياة المصريين إلى جحيم تم طرح عمر سليمان كمرشح للرئاسة وكأنه المنقذ للمصريين من المصائب التى يعيشون فيها.. سواء تم استبعاد عمر سليمان من الترشح أم لا، فإن مغزى ترشيحه يظل قائماً وينم عن نوايا المجلس العسكرى، الذى يبدو مصراً على القضاء على الثورة واستعادة نظام مبارك بأى ثمن.
إن ما تفعله اللجنة العليا للانتخابات يؤكد أن قراراتها سياسية وليست قانونية، لأن كل شىء يحدث وفقا لإرادة المجلس العسكرى وليس أبداً طبقاً للقانون. كيف تم ترشيح عمر سليمان قبل أن يتم التحقيق فى البلاغات العديدة المقدمة ضده؟! كيف حصل سليمان على 50 ألف توكيل فى يومين، ولماذا تم استبعاده فجأة بسبب ساذج غير مقنع؟! هل يعقل أن يخطئ مدير المخابرات العامة فى عد التوكيلات التى يقدمها للترشح للرئاسة؟!
لماذا لا تعلن اللجنة العليا للانتخابات أمام وسائل الإعلام عن جواز السفر الذى يثبت أن والدة المرشح الشيخ حازم أبوإسماعيل مواطنة أمريكية؟! إن تقاعس اللجنة العليا عن إعلان ذلك يعنى أحد أمرين: إما أنها لا تملك دليلاً يثبت الجنسية الأمريكية لوالدة الشيخ حازم وإما أن لجنة الانتخابات تتعمد هذا الغموض حتى تستفز أنصار الشيخ حازم، فينزلوا بالآلاف إلى الشوارع وتحدث فوضى تمنع إجراء الانتخابات.. كيف تقبل اللجنة العليا ترشيح أحمد شفيق قبل التحقيق فى البلاغات المقدمة ضده؟! عدد 35 بلاغاً بإهدار المال العام تم تقديمها ضد شفيق للنائب العام منذ عام كامل، لم يتم خلاله التحقيق فى بلاغ واحد! مكتب النائب العام يؤكد أنه أرسل البلاغات ضد شفيق إلى القضاء العسكرى، والمسؤولون فى القضاء العسكرى يؤكدون أنه ليست لديهم بلاغات ضد شفيق. كل ما يحدث فى مصر يؤكد أن المجلس العسكرى يدفعنا إلى سيناريو معد سلفاً سيؤدى إلى احتمال من الاثنين: إما أن يفوز بالرئاسة مرشح تابع للمجلس العسكرى يعيد نظام مبارك إلى الحياة، ويمكّن العسكر من السيطرة على مقادير الحكم من خلف الستار، أو «الاحتمال الثانى» - إذا تعذر فرض مرشح العسكر - أن تحدث مشكلات وفوضى شاملة تمنع عمليا إجراء انتخابات الرئاسة، فيظل العسكر فى السلطة إلى أجل غير مسمى.
إن الثورة المصرية تمر بأصعب لحظة فى تاريخها.. الخطر المحدق بالثورة يشبه حريقا هائلا نشب فى بيت آهل بالسكان. من هنا فإن واجبنا الوطنى يحتم علينا جميعا أن نسعى جاهدين لإنقاذ الثورة، وهذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا بتنفيذ الخطوات التالية:
أولاً: أن يقدم الإخوان المسلمون اعتذاراً صريحاً عن أخطائهم الجسيمة التى أوصلتنا إلى هذه الورطة، وأن يقدموا الدليل على حسن النوايا، بأن يشكلوا توافقا حقيقياً فى لجنة كتابة الدستور يرضى جميع الأطياف والقوى ويمنح الدستور شرعية حقيقية.. بالمقابل فإن القوى الثورية المدنية يجب أن تقبل اعتذار الإخوان، فورا، وتتوحد معهم حتى نستعيد وحدة الصف الثورى، التى هى شرط أساسى لإنقاذ الثورة.
ثانياً: يجب أن نتعلم جميعاً كيف نتعايش مع المختلفين معنا ونحترم حقوقهم.. يجب أن يتعلم الليبراليون واليساريون أن الإخوان والسلفيين ليسوا مجموعة من الفاشيين ذوى الأفكار الرجعية، وإنما هم مواطنون وطنيون اشتركوا فى الثورة وقدموا شهداء، وهم يملكون مشروعاً سياسياً إسلامياً مهما اختلفنا معه يجب أن نحترمه وندافع عن حقهم فى تبنيه وطرحه على المصريين.. بالمقابل يجب أن يدرك الإخوان والسلفيون أنهم لا يستطيعون تحمل مسؤولية مصر وحدهم، حتى لو كانوا أغلبية ولا يستطيعون أبدا تغيير شخصية مصر لتصبح أفغانستان أو السعودية.
يجب أن يدركوا أن الليبراليين ليسوا أعداء الإسلام ولا إباحيين ولا منحلين ولا عملاء للغرب، بل إن كثيرين منهم لا يقلون تديناً عن الإسلاميين، لكنهم ببساطة غير مقتنعين بمشروع الإسلام السياسى.. إن الصراع الشرس بين جناحى الثورة «الإسلاميين والليبراليين»، كان من أكبر العوامل التى ساعدت المجلس العسكرى على تعطيل التغيير فى مصر.
ثالثاً: أن كل المؤشرات تؤكد أن الانتخابات الرئاسية لن تكون نزيهة ولا عادلة. بعد استعادة وحدة الثوريين لابد من الضغط على المجلس العسكرى حتى يحقق ضمانات حقيقية لنزاهة الانتخابات.. لابد من إلغاء المادة 28، التى تحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات ضد الطعن، لأنها مادة شاذة تخالف المنطق والقانون، بل تخالف المادة 21 من الإعلان الدستورى، التى تمنع تحصين القرارات الإدارية بأى شكل من الأشكال.. لابد من إخضاع ميزانيات إنفاق مرشحى الرئاسة جميعا لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات وإعلان مصادر تمويل كل مرشح.. لابد من ضمانات حقيقية تجعل جهاز الدولة بمنأى عن التدخل فى الانتخابات، فلا يتم حشد الموظفين بالأمر من أجل التصويت لصالح المرشح الذى يريده المجلس العسكرى، كما حدث أثناء عمل التوكيلات لأحمد شفيق وعمر سليمان..
لابد من استبعاد المرشحين المنتمين لنظام مبارك تنفيذاً لقانون العزل السياسى الذى أقره مجلس الشعب.. لابد من التحقيق فوراً فى البلاغات المقدمة ضد أحمد شفيق وعمر سليمان.. بدون قواعد عادلة تكفل الشفافية وتكافؤ الفرص وسيادة القانون فإن الانتخابات الرئاسية ستتحول إلى فخ جديد تسقط فيه الثورة وندفع جميعا ثمنه غالياً.. إن تحقيق انتخابات عادلة قد يكون مطلباً صعباً، لكنه ممكن إذا توحدنا جميعا من أجله. لقد أثبتت التجربة أن المجلس العسكرى لا يتحرك فى الاتجاه الصحيح إلا تحت ضغط شعبى.. المظاهرات المليونية وحدها هى التى جعلت المجلس العسكرى يستجيب لأى مطلب للثورة، بدءاً من محاكمة مبارك وحتى استبعاد عمر سليمان من الترشح «ولو مؤقتا».
رابعاً: أن مؤسسات الدولة تابعة بالكامل للمجلس العسكرى، بدءا من الشرطة المدنية وجهاز أمن الدولة «الذى يعمل الآن بكامل طاقتة»، إلى الشرطة العسكرية التى سحلت بنات مصر وقتلت شباب الثورة، إلى بعض القضاة المتعاونين الذين تسببوا فى فضيحة هرب المتهمين الأمريكيين فى قضية التمويل الأجنبى.. بمعنى آخر أن المجلس العسكرى لا يزال يستعمل كل أدوات مبارك فى السيطرة على الأحداث.
بالمقابل فإن القوى الثورية إذا توحدت ستكون لديها لأول مرة أداتان للتغيير: الميدان والبرلمان.. الميدان هو الجمعية العمومية للشعب المصرى التى صنعت الثورة والتى تستطيع دائما أن تفرض إرادة الشعب.. أما البرلمان فسيكون أداة مهمة لحماية الثورة وتحقيق أهدافها، وقد رأينا كيف تزلزل نظام مبارك عندما أقر مجلس الشعب قانون العزل السياسى ضد رموز العهد البائد.. إن وحدة الثوريين تجمع لهم أداتين كفيلتين بإحباط المخطط الذى يتم تنفيذه الآن للقضاء على الثورة.
إن الثورة تواجه خطرا حقيقيا وعلينا أن نختار: إما أن نظل متفرقين نتبادل الاتهامات والشتائم فيتمكن نظام مبارك ــ لا قدر الله ــ من القضاء على الثورة نهائيا وإما أن نتجاوز خلافاتنا ونتوحد فوراً حتى تتحقق أهداف الثورة التى دفع ثمنها آلاف المصريين من دمائهم.. الثورة مستمرة حتى تتحرر مصر من الاستبداد وسوف تنتصر بإذن الله.
الديمقراطية هى الحل.
نقلاً عن المصرى اليوم