11 يوليو 2021

لبنان إلى أين في خضم أزماته السياسية والإجتماعية والإقتصادية الخانقة؟!

دجلة وحيد

لبنان وحسب ما وصفه البنك الدولي أنه يمر بأسوأ مرحلة من مراحل الإكتئاب الإقتصادي في التاريخ الحديث حيث أن الليرة اللبنانية فقدت أكثر من 90% من قيمتها النقدية وأدت الى أرتفاع أسعار الوقود والطعام وكذلك ارتفعت معدلات البطالة. معظم المنازل والشركات وحتى المستشفيات تعاني من شحة تجهيزها بالتيار الكهربائي حيث أن لديها قوة كهربائية لعدة ساعات فقط كل يوم. الصيدليات تعاني أيضا بشكل عام من نقص في تجهيز الأدوية. الأمم المتحدة حذرت من خلال تقاريرها بأن  أكثر من ثلاث أرباع الأسر في لبنان لا تمتلك ما يكفي من الطعام أو المال لشراء الطعام. 

فوق كل هذا وذاك يعاني لبنان من أزمة سياسية هائلة في أعقاب الإنفجار المدمر الذي حدث في ميناء بيروت في اغسطس/ آب الماضي، والذي اسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص واصيب  فيه أكثر من 7000 شخص وترك أكثر من ربع مليون من سكنة العاصمة اللبنانية بيروت مشردين بلا سكن. النظام اللبناني انهار بأكمله بسبب عقود من الفساد وعدم المساواة الهيكلية  والطبقية وبسبب التركيبة الإجتماعية والسياسية للنظام اللبناني الذي خلق بعد الإنتداب الفرنسي. طبقة التجار وطبقة السياسيين التي استفادت من هذا النظام الطبقي والطائفي كانت قادرة على نهب الإقتصاد لمدة أكثر من عقدين من الزمن. 

الأزمة الإقتصادية وانفجار الميناء لم يؤديا إلى  محاكمات كبيرة للمسؤولين عنهما، وكلاهما يكشف عن الإفلات من العقاب والإفتقار الإجمالي للمساءلة التي تعمل بها النخب في لبنان. لهذا حذر رئيس حكومة لبنان الإنتقالية حسن ذياب من أن البلاد وحسب وصفه أنها على بعد أيام من "الإنفجار الإجتماعي". أثار حسن ذياب هذا التعليق في إجتماع مع سفراء في وقت سابق من الأسبوع الماضي في العاصمة اللبنانبة بيروت حيث قال:

"أدعو الأمم المتحدة، جميع الوكالات الدولية، المجتمع الدولي والرأي العام العالمي للمساعدة في إنقاذ الشعب اللبناني من الموت ومنع زوال لبنان. لبنان على بعد بضعة أيام من الانفجار الاجتماعي. اللبنانيين يواجهون هذا المصير الداكن لوحدهم." 

ماهي طبيعة الأسباب الحقيقة خلف الإنهيار الإقتصادي والسياسي والإجتماعي في لبنان؟!!!

النظام الإقتصادي اللبناني الحالي تم إنشاؤه - وحسب نسرين سالتي أستاذة الإقتصاد في الجامعة الأمريكية في بيروت - في منتصف العقد التاسع من القرن الماضي بعد إنتهاء الحرب الأهلية اللبنانية حيث أسست سياسات الإقتصاد الكلي (ماكروإيكونوميكس) التي وضعت كل أنواع الأمراض الإقتصادية فيه، تقريبا بشكل هيكلي. لذلك انتهى المطاف بالإقتصاد اللبناني بالإتكال وبشدة على الإستيرادات الكبيرة لمعظم حاجاته، واستهلاكها، مما أدى إلى خفض الإنتاج المحلي أو أن الإنتاج المحلي تعرض للإعاقة. وهذا المزيج من عاملي الهيكلية أدى إلى اعتماد غير صحي على تدفقات العملة الأجنبية - على وجه الخصوص، تدفقات الدولار.

هذا الإعداد أو التكوين الهيكلي قام بتمييز صنف صغيرة جدا من المصالح الإقتصادية  مثل  صنف المستوردين الإحتكاريين وأصحاب البنوك  ومطورو العقارات، وهؤلاء كانوا مرتبطين ارتباطا وثيقا بالطبقة السياسية. هاتان المجموعتان جمعت أرباحا طائلة على حساب القطاع الإنتاجي المحلي، وعلى حساب خلق فرص عمل جديدة وتنويع الإقتصاد. كل هذا أدى إلى تزايد عدم المساواة، تفاوت الدخل على مدى عقدين ونصف من الزمن، وهذه واحدة من الأعراض التي كانت تثير بالفعل إنهيار وشيك للإقتصاد، التي جعلت الإقتصاد اللبناني يعتمد إعتمادا كبيرا على تدفق الدولارات. ففي لحظة توقف تدفق الدولارات في خريف عام 1919 حينما بدأت الأزمة، إنهار الإقتصاد اللبناني بأكمله.

ما هي ميزات ونطاق هذا النوع من الإنهيار؟!!

كما ذكر أعلاه، ازداد معدل الفقر أكثر من الضعف في 18 شهرا ومعه انعدم الأمن الغذائي في لبنان وارتفعت البطالة. كذلك نمى معدل إنتقال الطلاب بشكل ملحوظ  وكبير من المدارس الأهلية إلى المدارس العامة لأنهم لم يعد بإمكانهم دفع أجور المدارس الخاصة. هناك نقص في ضروريات الحياة الأساسية مثل التيار الكهربائي، وسائل النقل، الأدوية وكذلك  حليب الأطفال.

هذه الأزمة جعلت البنك الدولي أن يصفها بأنها الأن كواحدة من الثلاث أزمات الأسوأ في القرن والنصف الأخير. لذلك تقلص الإقتصاد بسرعة وبشكل كبير. وبهذا فإن القلة الباقية من الطبقة الوسطى التي كانت موجودة قبل بدأ الأزمة تدفع الأن نحو الفقر لأن هناك عدد قليل جدا من الوظائف، وعدد قليل جدا من الفرص الإقتصادية، وايضا أن الذين لا يزال لديهم وظائف يدركون أن دخلهم يفقد القوة الشرائية يوميا بسبب التضخم الذي  يعاني منه الإقتصاد اللبناني. كذلك أن الأزمة المصرفية التي تعني أن المدخرات للغالبية المجتمعية قد تبددت ثانية بسبب تردي قيمة العملة والأزمات المصرفية.

لذلك فإن الطبقة المتوسطة والفئات الأكثر فقرا حرمت من جميع المصادر العادية للإعالة وكل المصادر القياسية للدخل. وفي الوقت نفسه، تمكنت طبقة التجار والطبقة السياسية التي استفادت من النظام من نهب الإقتصاد لمدة أكثر من 20 عاما، والأن خزنت ثرواتها بأمان خارج لبنان، آمنة من الإنهيار. والكثير، في الحقيقة، يواصلون الإستغلال والربح حتى من الأزمة الإقتصادية  من خلال الوسائل اللصوصية الكلاسيكية مثل الإكتناز أو التهريب أو الإبتزاز. لذلك خلقت هذه الأزمة مجتمعا غير متكافئ للغاية  ومتباعد اليوم لدرجة أكبر إقتصاديا. 

بالنظر إلى ما حدث ويحدث في لبنان، من أنخفاض قيمة العملة اللبنانية  بنسبة 90% والضغط  الإقتصادي الهائل على كاهل كافة الناس، نرى أنه من المفاجئ بمكان أنه لم تكن هناك إحتجاجات كبيرة في الشارع اللبناني وفقط إندلاع إحتجاجات بسيطة أحيانا هنا وهناك. 

ما هي الأسباب لذلك؟!!! 

هل هي جائحة كورونا التي عصفت بالعالم أجمع، أم هي غوصهم في مستنقع المشاكل التي يعيشون فيها على المستوى اليومي الذي يجعلهم من المستحيل التفكير والإنشغال بشئ سوى بقائهم على قيد الحياة لأنهم معدمون ويحاولون العثور على رزقهم اليومي بأي طريقة ممكنة؟!!! 

لكن للإنصاف يجب أن لا ننسى أيضا أنه قبل وصول الوباء إلى أعلى قمته كانت هناك إحتجاجات كبيرة في أنحاء مختلفة من لبنان وكان هناك أيضا قمع عنيف للغاية ضد الإحتجاجات والمحتجين، ولذا أن هناك جرح عميق عند المواطنين قد ما زالوا يحملونه جراء رد فعل السلطة القاسي ضد المواطنين المحتجين وقد يكون هذا أحد الأسباب المهمة في التردد من القيام بمظاهرات إحتجاجية كبيرة.

كيف تعاملت الحكومة اللبنانية والقضاء اللبناني مع قضية إنفجار مرفأ بيروت والتردي الإقتصادي والمجتمعي الذي تلاه؟!!!

الإنفجار الضخم الذي حدث في مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب الماضي أدى الى أزمة سياسية ومجتمعية كبيرة لكن مع هذا بقت حكومة تصريف الأعمال وبقى حسن دياب رئيسا للوزراء بالنيابة. القضاء اللبناني في وقتها وصل الى طريق مسدود حينما بدأ التحقيق لتعيين الجهة المسؤولة عن الإنفجار بسبب تنحية القاضي من منصبه، ولحد الأن وبعد مرور تقريبا سنة على ذلك الإنفجار والأزمة المالية التي تبعته لم يتم تعيين الجهة المسؤولة بسبب الفساد والنقص الإجمالي في المساءلة والعدالة. 

لقد استبدل قاضي التحقيق السابق وتم تعيين القاضي طارق بيطار ليقوم بمهمة التحقيق وتعيين الجهة أو الجهات المسؤولة عن الإنفجار والأزمة المالية التي عصفت بلبنان. قدم هذا القاضي طلبا رسميا لرفع الحصانة عن السياسيين الذين يمتلكون الحصانة ليكون قادرا على التحقيق معهم في استجواب رسمي ومن المحتمل توجيه التهم ضدهم. ويشمل هذا الطلب حضور رئيس الوزراء الحالي حسن دياب، وكذلك يشمل حضور وزراء المالية والداخلية والأشغال العامة السابقين، الرئيس السابق للجيش، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية، وكذلك الرؤساء الحاليين للأمن العام وأمن الدولة، وأيضا رجال الأعمال. المواقع الرسمية للمدعويين إلى التحقيق تعكس الصنف المتنوع للأحزاب السياسية عبر نوع التقسيم الرئيسي في النظام السياسي اللبناني. 

كما ذكر أعلاه أن رئيس الوزراء بالوكالة حسن دياب أخذ يتوسل بالمجتمع الدولي للحضور وإنقاذ لبنان من أزمته المالية والمجتمعية الحالية الخانقة وتجاهل الحقيقة السائدة أنه وحلفائه وكامل الطبقة السياسية في لبنان مسؤولون عن الإنهيار الإقتصادي للبنان بقدر ما هم مسؤولون عن إنفجار مرفأ بيروت والأزمة المالية.

لكن السؤال المهم هنا هو:

 هل سترفع الحصانة عن السياسيين وممثلي الأحزاب اللبنانية الذين سيدعون إلى التحقيق وماهي الإمكانيات التي قد تنجم بالفعل عن هذه المحاولة الأولية للقاضي طارق البيطار؟!!! 

هل سيتقبل حزب الله والأحزاب السياسية المتحالفة معه هذا الطلب؟!!!

أم أن التحقيق سيصل إلى نفس النهاية الميتة التي وصل إليها قاضي التحقيق السابق؟!!!

إذن ما هو المخرج الواقعي لحل للأزمة اللبنانية؟!!!!

هل الحل يكمن في تشكيل حكومة لبنانية جديدة وعودة إلى طاولة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ؟!!! 

أم الحل يكمن في إصلاح كبير وعميق في النظام السياسي الحالي، وتغيير في طبيعة العلاقة بين الدولة ومواطنيها وتحويل لبنان إلى دولة مدنية بعيدا عن علاقتها بالمواطنين من خلال المجتمعات الدينية –الكنيسة أو الجامع أو الحسينية – واتخاذ رؤية جديدة لأقتصاد منتج بدلا من إقتصاد غير ثابت مستحوذ عليه من قبل مجموعة صغيرة من المصالح الملتئمة والمختبئة تحت عباءة الأحزاب الطائفية والعنصرية وذلك من أجل تحقيق العدالة الإجتماعية المغيبة في الوقت الحاضر بسبب الدستور الذي فرضه الإستعمار الفرنسي على لبنان ؟!!! 

هل هناك فرصة أو أمل لتحقيق ذلك في لبنان اليوم الذي يعيش أزماته السياسية والإقتصادية والإجتماعية الخانقة بسبب نظام سياسي وطائفي فرض عليه من الخارج وبوجود ميليشيات مسلحة تابعة لأحزاب طائفية مرتبطة إرتباطا عضويا بمصالح دول أجنبية مثل حزب الله؟!!!!

كل ذلك يعتمد على الإرادة الجامحة للمواطنين الشرفاء من أبناء لبنان بغض النظر إلى إنتماءاتهم الدينية أو السياسية. وهذا ما نتمناه أيضا أن يحصل في عراقنا المحتل لتحريره من قبضة الخونة والعملاء الذين عاثوا بمقدرات الشعب وأرض الوطن فسادا ونهبا وتخريبا.

11/7/2021 

ليست هناك تعليقات: