يسألونك عن القلوب قل هي موضع الصلاح والرحمة والقسوة والنفاق، ومن خلالها يتحول الإنسان من فطرته السليمة إلى طريق الانحراف والفسوق والعصيان والضلال، فالقلب هو وعاء الإيمان والتقوى، وجذوة المحبة، وخزينة المشاعر المفرحة
والمحزنة، وهي المحرك الفعلي للإنسان، الذي لا يشعر بقيمته وأهميته إلا عندما يتعب أو يمرض، تمامًا مثل الإنسان؛ يتنفس وهو غافل عن أهمية الهواء بالنسبة له.
والمحزنة، وهي المحرك الفعلي للإنسان، الذي لا يشعر بقيمته وأهميته إلا عندما يتعب أو يمرض، تمامًا مثل الإنسان؛ يتنفس وهو غافل عن أهمية الهواء بالنسبة له.
والقلوب ثلاثة أنواع: سليمة، وقاسية، ومريضة:
القلب السليم: هو الذاكر الخاشع المملوء بالرحمة، والذي يروض كل أعضاء الجسد، ويحيي الضمير، وهو بداية رحلة الطمأنينة إلى الله عز وجل، والتطهير الكامل من الشوائب، والتعبئة لمواجهة الشيطان والهوى. ويثير القلب السليم، أو الرحيم، أو الذاكر، في ذهن صاحبه ملكة التفكير، ويربطه بالكون المحيط به فيجعله في اتصال دائم مع الله عز وجل؛ ما يجعله مطمئنًا غير قلق، يثق في أنه في معية الله عز وجل، بعيدًا عن الشك والضلال؛ فهو يحيا في نعمة الهداية، ويُحدِث في النفس يقظةً، تكون ضمانةً للتفرقة بين الحلال والحرام، مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب”.
والقلب السليم يجعل الروح قوية وثابتة، تعمل في سبيل الحق، واثق في ربه، لا يتكلف في تعامله مع الناس، ولا يميل إلى المجاملة الزائدة، ولا يقيم للمال وزنًا، ويظل مهاجرًا إلى الله، مقيمًا على عبادته، متحريًا الصدق والإخلاص في كل أعماله، وتتسم علاقته بربه بالصفاء، وبالآخرين بالحسني إرضاءً للخالق سبحانه وتعالى.
والقلب السليم هو الذي يتفاعل مع الناس بإيجابية، ويدفع صاحبه لفعل الخيرات، ويمنع سطوة النفس على الجسد؛ فيمتلئ بالإيمان، ويصبح ذا مكانة سامية؛ لأنه يخشى الله- وليس من الناس – في كل تصرفاته وحركاته؛ وبالتالي يكون أكثر تحصنًا وأبعد منالًا عن الشيطان، وإذا أقسم بالله فلا يقسم إلا صدقًا؛ إذ يقول الله تعالى:” لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ”. والقلب الخاشع يري الحياة جميلة، ويستشعر عظمة الخالق وإبداعاته في الكون، ويتمتع بفطرة سليمة، فلا يحسد، ولا يغل، ولا يحقد.
ودائمًا ما تكون القلوب السليمة مؤتلفة ومتجاذبة مع بعضها البعض، غير مكروبة، تسعي وهي هانئة لإعمار الأرض؛ للحصول على الرزق الحلال. والقلوب النقية عندما تأوي إلى فراشها، تسبح في صفاء الهدوء والرحمة، تسبح في ملكوت الله، وتغرق في فيض النعيم ووضاءة الفردوس؛ لأنها لا تخاصم ولا تعتدي، بل تميل إلى الحكمة، وتسير على الاستقامة، واتباع السلوك الأفضل الذي هو أمان وحماية لها من دواعي الطمع والشهوة، وكبح جماح النفس عن الحرام، ولا يشغلها شاغل عن ذكر الله، فتكون هنية نقية في حالة خوف ورهبة من الخالق سبحانه وتعالى.
أما القلب المريض فهو الحاسد الذي ينبهر بالتفاهات ويمتلئ جحودًا؛ ما يجعله مهددًا بالحرمان من رحمة الله، لا يتفاعل مع الخير، يراقب الناس ولا يراقب الله، كثير الحلف على الكذب، يكره الخير للناس، حاقد مضطرب حتي وهو نائم، يعاني من أخطر الأمراض؛ وهو النفاق الذي لا يبرأ منه أحد ولا تجدي معه توبة أو استغفار، مصداقًا لقوله تعالي: ” فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ”.
أما القلب القاسي فهو الذي يسرف في الضلال؛ إذ يقول الله عز وجل:” كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.
والقلب القاسي هو الميت الذي لا يتفاعل مع الخير، ويدفع صاحبه إلى ارتكاب الموبقات لإصابته بالغفلة وتخليه عن ذكر الله، وانحرافه عن الفطرة السليمة، فلا يشبع حتى لو امتلك كنوز الدنيا. ومن اليسير عليه أن يقتل ويظلم لتحقيق غرضه، يرتكب الشرور ويستشعر فيها لذة.
ويشكو أصحاب القلوب القاسية من أن الله لا يستجيب لدعائهم؛ ذلك أنهم يدعون بقلب غافل، يدعونه باللسان فقط ولا يمتثلون لقول رسول الله صل الله عليه وسلم:( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ)، فليس من إجابة الدعاء أن يتوجه الإنسان إلى ربه، وفي قلبه شك أو مرض أو قسوة.
من ينظر إلى حالنا اليوم يجد النفوس قلقة؛ لأنها لا تحمل قلوبًا سليمة، لقد ضاعت الثقة بين الناس واهتزت الطمأنينة، وتخلخلت العلاقات الثابتة، واضطرب المجتمع، وحدثت الفتن والتقاتل والتآمر؛ فنجد من يدعون إلى الشر في سبيل الحصول على المال أو غير ذلك من مطامع الدنيا، ويغشون ويخدعون ويحنثون بالأيمان، ولا يبالون بجهاد النفس الأمَّارة بالسوء. إنَّ سبب ما نحن فيه من أمراض ووباء وذعر وخوف وقلق وحيرة واضطراب يرجع إلى ما نرتكبه من مفاسد، فقد تمكن الشيطان من النفوس إلا من رحم ربي. إنَّ القدر يملي علينا ما لم نتوقع، والناس لا تدرك الحكمة الإلهية، وعقول البشر عاجزة عن تفسيرها في حينها، وكلنا أمام عظمة الموت نبكي ولا نعمل له حسابًا، والجميع فيه سواسية؛ لذا علينا العمل على إصلاح القلوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق