01 أكتوبر 2018

محمد سيف الدولة يكتب: المحميات الامريكية فى بلادنا 6+1

لا يترك "دونالد ترامب" فرصة، الا ويكرر قولته الشهيرة بكل وقاحة: ((بان هناك دولا فى المنطقة لن تصمد اسبوعا واحدا لو رفعنا عنها حمايتنا))
***
لم يأت الرئيس الأمريكى بالطبع بخبر جديد، فالجميع يعلم من هى المحميات الامريكية فى بلادنا، والتى كانت غالبيتها محميات بريطانية من قبل.
انها
السعودية والامارات والكويت وقطر والبحرين، بالاضافة الى الاردن التى يعيش تحت الحماية البريطانية/الامريكية والاسرائيلية منذ نشأته على ايدى وينستون تشرشل وزير المستعمرات البريطاني حينذاك. ولو ارادت (اسرائيل) ان تنهى وجوده كدولة فى اى وقت لفعلت، ولكن كان للحفاظ على بقائه من المنظور الصهيونى ضرورات متعددة، من اول دور عائلته الحاكمة كطابور خامس فى الخمسينات والستينات، ثم كشرطى بوليس لتامين اسرائيل وحظر واجهاض اى انشطة معادية من قبل المقاومة الفلسطينية على الاراضى الاردنية. واخيرا كوطن بديل للفلسطينيين وفقا للمخططات الصهيونية التى لا يزالوا يراهنون عليها حتى اليوم.
اما السابعة فهي (اسرائيل) التي لن تصمد عاما واحدا لو رفع الغرب عنها حمايته، بشرط أن ترفع الانظمة العربية الحظر المفروض على شعوبها للمشاركة فى معارك المقاومة والتحرير، فهى كما يعلم الجميع ليس سوى قاعدة عسكرية استراتيجية لهم فى اراضينا.
***
ولكن للأسف الشديد لا يقتصر الوجود والنفوذ الأمريكي فى المنطقة على الدول المذكورة، فهناك عديد من الدول العربية الغارقة فى التبعية للامريكان حتى النخاع؛ الفرق بينها وبين هذه المحميات هو أن رفع الدعم والحماية الامريكية عنها، لن يؤدى الى سقوط الدولة، بل سيقتصر على سقوط انظمة الحكم فيها فقط، فغالبيتها دول أكثر قدما وعراقة بعشرات القرون من الولايات المتحدة نفسها. فى مقدمتها بالطبع العراق الذى لا يزال محتلا منذ 2003، ولكن أكبر الانظمة العربية التابعة ولا نقول المحمية هو النظام الذى اسسه الامريكان فى مصر بعد حرب 1973 واعدوا له دستورا حديديا للحكم لا يسمحون لكائن من كان ان يحيد عنه، وهو ما كتبت عنه كثيرا تحت عنوان الكتالوج الامريكى لحكم مصر.
أما قبل حرب 1973، فلقد كانت مصر هى راس الحربة فى التصدى للنفوذ الامريكى فى المنطقة وكانت هى العدو الأشد خطورة على الكيان الصهيونى ومشروعه، ولكن مع السادات وخلفائه ساءت الامور وانقلبت 180 درجة وتدهور بنا الحال الى الوضع الذي نراه ونعيشه اليوم.
***
وعودة الى المحميات العربية الست موضوع هذا المقال، فحدث ولا حرج عما يدور من تبعية فاضحة فى المجال العام، واقربها ما ظهر فى الصراع السعودي/الإماراتي/القطرى، حيث اشتبكت محميات الامريكان فى الخليج مع بعضها البعض، وإذا بكل منها يهرول، على الملأ، الى الامريكان والى الرئيس الأمريكي طامعا فى المزيد من حمايته ومستجديا الانحياز له فى هذا الصراع، مع تهديد خصومه بانه فى حمى القواعد الامريكية على ارضه، التى يستميت كل منهم للاحتفاظ بها وعدم مغادرتها وانتقالها الى محميات منافسة! ناهيك عن مليارات الدولارات التى تدفعها العائلات الحاكمة المرعوبة على عروشها وامنها فى شكل صفقات لشراء السلاح الامريكى. فى مشهد مخزي ومهين يكشف مدى الانحطاط الذي وصل اليه النظام الرسمى العربى عامة والخليجى على وجه الخصوص.
***
ما الذي يعنينا من كل هذا الكلام؟ وماذا يجب علينا أن نفعل؟
الاجابة فى تصورى تتضمن أربع توصيات أساسية:
اولا ـ اهمية إدراك تراجع دور مصر فى المنطقة وأن الكلمة الاولى واليد الطولى فى بلادنا اصبحت اليوم لهذه المحميات الامريكية.
ثانيا ـ اهمية التأكيد على وحدة الواقع العربى ووحدة معاركه النضالية، فى مواجهة النظام العربى الرسمى الحالى.
ثالثا ـ اهمية التأكيد على ان صراعنا الرئيسى يجب ان يكون فى مواجهة الولايات المتحدة.
رابعا ـ وأن علينا نفعل ذلك بدون ان نتحصن من التبعية بتبعية بديلة.
وفيما يلى بعض التفصيل:
اولا ـ اهمية ادراك أن الكلمة الاولى واليد الطولى فى بلادنا اصبحت اليوم لهذه المحميات الامريكية، (فيما عدا نظام الأردن الفقير المسكين الذى لا حول له ولا قوة) على حساب ما تبقى من استقلالنا كمصر وباقى الدول العربية الفقيرة. فلقد اصبحت هذه المحميات هى التى تقوم بدور المقاول العمومى المتعاقد مباشرة مع السيد الامبراطورى لتنفيذ وتمرير المصالح والاستراتيجيات والسياسات الامريكية بما فيها الحروب بالوكالة ودعم او مواجهة الانظمة والدول والجماعات "المارقة"، ليتحول امثالنا الى مجرد مقاول باطن يعمل لديها بالقطعة.
وعليه فلقد انتقل نظام كالنظام المصرى على سبيل المثال من وضع التابع المباشر من عام 1974-2003 الى وضع تابع التابع بعد غزو العراق وهو الوضع الذى زاد وتعمق فى السنوات الاخيرة، وانكشف وجهه السافر مع الثورة المصرية وباقى الثورات العربية التى تم اجهاضها جميعا، ربما باستثناء تونس، بالوأد المباشر أو بالإفساد والاختراق والتدويل والتمويل والعسكرة على ايدى عائلات ودويلات النفط العربية. التى اصبحت لها السيادة على النظام والقرار الرسمى العربى.
***
ثانيا ـ اهمية التأكيد على وحدة الواقع العربى من حيث وحدة المشكلات والمخاطر والتحديات ووحدة القوى التى تتربص به وتعتدى عليه، ووحدة مخططاتها واستراتيجياتها وادواتها العدوانية فى مواجهتنا جميعا، وضرورة الكف عن التعامل مع مشكلات كل دولة (ساحة) عربية بمعزل عن مشكلات باقى الاقطار (الساحات)، وهو ما يستوجب الدفع فى اتجاه وحدة النضال الشعبى العربى. واعادة الاعتبار الى مشروع الثورة العربية، وهو طريق طويل وشاق وشديد التعقيد والتركيب، ولكنه مع ذلك يظل هو الطريق الوحيد القادر على تحقيق النصر. 
ولكى يكون كلامنا واضحا ونخرج من مصيدة الأحاديث المرسلة، فان كافة الشعوب العربية اليوم تعاني وتتهدد وتتأثر من المخاطر والمشكلات التالية:
1) موت كامل لعصر الاستقلال العربى، وتحول المنطقة الى مناطق نفوذ اجنبية، وتدويل كل قضاياها من ليبيا الى سوريا الى اليمن الى العراق.
2) اغراق المنطقة فى الصراعات والحروب الاهلية والحروب بالوكالة، التى تشعلها وتفجرها وتغذيها وتقف ورائها دول وشبكات ومصالح عالمية عظمى تشمل شركات السلاح والغاز والنفط ومقاولى اعمار ما بعد الحروب وغيرهم.
3) البلطجة والاتاوات الامريكية وتعمق التبعية الى درجات غير مسبوقة.
4) اغتيال الامن القومى العربى من خلال تصفية القضية الفلسطينية ودمج (اسرائيل) والتحالف معها تحت عنوان صفقة القرن.
5) حملة شرسة موحدة من مؤسسات الاقراض الدولى لتصفية ما تبقى من الاقتصاديات الوطنية العربية وافقار الغالبية العظمى من طبقاتها الشعبية عبر سياسات ما يسمى بالاصلاح الاقتصادى والتكييف الهيكلى وما يتضمنه من تعويم للعملات والغاء الدعم ورفع الاسعار. (كما يحدث الآن فى مصر والاردن وتونس ولبنان والعراق)
6) اخضاع النفط العربى واسعاره ومعدلات انتاجه للارادة الامريكية توظفه كيفما تشاء فى صراعاتها الدولية والاقليمية.
7) اجهاض الثورات العربية والعصف بحقوق المواطن العربى وحريته وتأبيد حكم وسيطرة الحكام من الملوك والرؤساء واولياء العهد.
***
ثالثا ـ اهمية التأكيد على ان صراعنا الرئيسى ومعاركنا الكبرى كقوى ومعارضات وطنية مصرية وعربية يجب ان يكون فى مواجهة الولايات المتحدة وهيمنتها ومشروعاتها ورجالاتها الذين يحتلون غالبية مقاليد ومقاعد الحكم فى بلادنا.
وهو ما يتوجب معه تغيير المعادلة الفاسدة التى سيطرت على غالبيتنا منذ عام 2004، وكانت هى احدى الخطايا الكبرى التى ارتكبتها الثورات العربية بما فيهم الثورة المصرية، وهى الحرص على استجلاب مباركة ورضا الامريكان عن الحراك والانتفاضات الديمقراطية العربية، ومحاولة اقناعهم باتخاذ نخب الثورة وقواها بديلا لها عن الانظمة الحاكمة.
ولكن وكما هو متوقع، نجحت الانظمة القديمة وقادة الثورات المضادة وحلفائهم ومموليهم ورعاتهم فى السعودية والخليج ان يقنعوا الامريكان انهم لا يزالوا هم الاقدر على حماية مصالحهم وحماية امن (اسرائيل)، فتخلت امريكا فى بضع دقائق عن شعاراتها الزائفة عن الديمقراطية.
***
رابعا ـ ولكن ليس معنى هذا باى حال من الاحوال ان نتحصن من التبعية بتبعية بديلة، فنرتمى فى احضان الروس او الاتراك او الايرانيين.
فروسيا اليوم ليست هى الاتحاد السوفيتى القديم النصير لحركات التحرر الوطنى، والمورِّد الرئيسى للسلاح المصرى والعربى فى الحروب العربية الاسرائيلية، كما ان لكل من الاتراك والايرانيين مشروعاتهم القومية المستقلة التى قد تلتقى مع المصالح الشعبية العربية فى بعض القضايا، ولكنها تتناقض معها وتعاديها فى قضايا اخرى كثيرة، وما علينا سوى ان نبلور مشروعنا العربى او مشروعاتنا الوطنية المستقلة على اضعف الايمان، ونتعامل معهما على قاعدة "أنداد وليس أتباع".
***
واذا اردنا فى الختام ان نختصر كل ما سبق فى كلمات قليلة، فسنقول انه ليس من المعقول ان يتنادى العدو الصهيونى مع السعودية ومصر والخليج والاردن لتأسيس حلف جماعى تحت القيادة والرعاية الامريكية (ناتو عربى)، فى مواجهة ما يسميه نتنياهو بالمخاطر المشتركة، ثم تقف الشعوب العربية وقواها الوطنية وفى القلب منها الفلسطينيون، مكتوفة الايدى، تعيش فى جزر منعزلة، وتغرق فى تفاصيل مشكلاتها اليومية، بدون أن نرى اى دعوات أو جهود جادة لاحياء واعادة الاعتبار الى النضال العربى المشترك.
*****
القاهرة فى أول أكتوبر 2018

ليست هناك تعليقات: