شاعت فى الثقافة السياسية العربية مجموعة من المصطلحات التى نحتاج إلى مراجعتها وتجلياتها خصوصاً مع تراجع القوى الايجابية العربية وتغلب القوى والاختراق الأجنبى السلبى.
أولاً: الهوية العربية الإسلامية
حاول البعض خلخلة هذه الهوية نتيجة الواقع المتردى العربى والإسلامى بل إن مصر شهدت تيارات تحاول البحث مجدداً عن هويتها. وحملة التشكيك فى الهوية قادها المشروع الصهيونى مع فئات فى المجتمع العربى التي انكفأت على نفسها وفقدت البوصلة الشاملة وكانذلك واضحا في مصر لحظة ابرام كامب دافيدعندماظهر انجاه يشكك ي الهوية العربية والإسلامية. وقد وقع شقاق بين أنصار الأمة العربية وأنصار الأمة الإسلامية بعد كارثة 1967 ثم تم تآكل الهوية العربية والاستخفاف بها بسبب مغامرات المستبد القومى العربى الذى رآه أنصاره بطلا ونراه معول هدم غير مقصود فى البنية العربية وأنه هدم الإنسان العربى ودافع عن الهوية العربية للدولة ووظفها لمشروعه. أما الأمة الإسلامية فقد أكد أنصارها أنها هى الأساس وأن النزعة القومية عنصرية ولم يلتفت القوميون فى العروبة والإسلام إلى الآخر المشارك فى الوطن والمختلف فى العرق والدين كما لم يدركوا أن النظام الديمقراطى هو الذى يحقق المواطنة والانتماء وليس التمحورحول شخصية الزعيم.
الثابت أن المحافظة علس هوية المنطقة عربية إسلامية لن يتحقق إلا بنظام ديمقراطى يتيح لغير المسلمين الحرية الدينية والانتماء ويطبق قواعد الديمقراطية فى الحكم دون تغول أو استعلاء. الأمة العربية حقيقة واقعية ثقافية والأمة الإسلامية حقيقة قرآنية تقوم على قيم الدين ولكن مصدر الهويتين تم الاتجار فيهما والتلاعب بهما.
لاشك أن المشروع الصهيونى يسعى منذ حل بفلسطين إلى تفكيك هذه الهوية وطمسها وأن الواقع العربى والإسلامى لابد أن يعود إلى هذه الحقائق حتى يلفظ أدوات المشروع التى زرعت فى النخاع العربى ولا سبيل إلى ذلك إلا باستحضار العقل.
ثانياً: الصراع والنزاع مع إسرائيل
تمكنت إسرائيل من حرمان الفلسطينيين من الاطار العربى عندما كان الصراع شاملاً بين كل العرب وكل الصهاينة على امتداد المعمورة لأن الصهيونية هى المضاد الأكيد للعروبة ولذلك كان الفلسطينيون الأشدتمسكا بالعروبة رغم انتقاد العرب ودور بعضهم في المأساة ،وأن إسرائيل ليست إلا المحل المختار للحركة الصهيونية. ولا يعترف رجال الدين اليهودى بالتمييز العربى بين اليهودية والصهيونية ويرون أن نصرة إسرائيل واجب توراتى بينما يرى بعض التيار الإسلامى أن العداء لليهود هو إحياء وانتصار لسنة الرسول ضد أعدائه فى المدينة . وكلا التصورين خاطئ ،والصحيح أن اليهودية دين سماوى معتبر وأن الصهيونية مشروع سياسى استعمارى ولكن نموذج إسرائيل أنشأ صورا سلبية متقابلة استقرت فى الثقافة العربية والثقافة الصهيونية وتقوم على الاحتقار المتبادل كما تعمل أوساط الصهيونية على تبرير الجرائم التى ترتكبها ضد العرب.
والصراع مفهوم سياسى شامل واستراتيجى بين كل الجسد العربى وبين المشروع الصهيونى لأن المشروع يستهدف كل العرب ولا يجوز أن يترك العرب فلسطين فريسة لهم. أما التحول من الصراع الشامل إلى مجرد نزاع محدود بين إسرائيل والفلسطينيين فهو الموقع المثالى الذى يلائم إسرائيل وأن الحديث عن السلام فى هذا النزاع سينتج سلاماً لصالح القوى ويمكن هذا القوى من محو الضعيف ولذلك فإن صفقة القرن تعنى محو فلسطين من الخريطة وتمدد المشروع وإلغاء الهوية العربية الإسلامية فإذا استغلق هذا المفهوم على العرب الآن فلا يجب أن يفرضوا مفهومهم المريض على الأجيال القادمة التى سوف تلعنهم بالتأكيد بعد أن تتخلص من وصاية الحكام على المحكومين وترى الأمور بحجمها الطبيعى، فالبقاء على المدى البعيدلأبناء هذه المنطقة والفناء للغرباء المستعمرين وأذنابهم.
ثالثاً: اليهودى والإسرائيلى فى فلسطين
تضمن قرار التقسيم عبارات ملتوية لم يدركها العرب فى حينهاربما للأنهم رافضين لاحتلال جزء من فلسطين وهى تقسيم فلسطين بين دولة يهودية ودولة عربية والأصح أن يقال بين دولة لليهود ودولة للفلسطينيين ولكن إسرائيل التى نتجت عن هذا القرار تمسكت بأنها دولة يهودية حتى تتخلص من غير اليهود بداخلها. وقد جرت العادة على أن يميز العرب بين الإسرائيليين واليهود ولكن الحقيقة أن الإسرائيلى هو اليهودى فقط وأما الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين فلا تعنى المواطنة ولا تتجاوز الصلة بين الدولة الإسرائيلية وبين من يتمتع بجنسيتها ولذلك يصح أن يقال أن كل إسرائيلى يهودى وليس كل يهودى إسرائيلى وعندما نتحدث عن اليهود نقصد بهم إسرائيل فى فلسطين بخلاف اليهود فى العالم الذين يستقرون فى بلادهم مواطنين. فإسرائيل هى الدولة الوحيدة فى العالم التى يتم الفصل فيها بين المواطنة والجنسية .
رابعاً: الانقلاب والثورة فى الثقافة العربية
مر هذا الموضوع بمرحلتين المرحلة الأولى كان كل تغير لنظام الحكم يطلق عليه ثورة وأن كلمة انقلاب كانت بغيضة أما الآن وبعد ثورة 25 يناير فى مصر والثورات العربية الأخرى فقد تم تشويه الثورة واهمال كلمة انقلاب التى ربما كانت أفضل من الثورة بحيث صار الواقع هو الذى يضفى الفضيلة أو الرذيلة على المصطلحين. فلا الثورة فى ذاتها فضيلة ولا الانقلاب فى ذاته رذيله ولكن المتغلب بالقوة هو الذى يضفى الرذيلة والفضيلة تماما كوصف الشهيد والقتيل حيث صار للشهيد معنى سياسى يتجاهل المعنى الدينى ويفتئت عليه فصار ضحايا السلطة من الشعب قتلي وضحايا السلطة ضد الشعب فى مراتب الشهداء.
هذه مرحلة اختلط فيها الصحيح بالخطأ وصار المجتمع منقسما بين السلطة وأنصارها واتباعها والمنتفعين منها وبين الشعب الذى يتعرض لقهر السلطة وفسادها ولا حل لهذه المسألة إلا بالديمقراطية التى تضع كل شئ فى مكانه وتسمح بحرية الرأى والأبداع والنطق بالحقيقة التى ضاعت فى تلافيف القهر والغلبة والفساد.
خامساً: الثوابت الوطنية والقومية
جرت فى الثقافة العربية منذ التحرر من الاستعمار الغربى مصطلحات تركز على المصلحة الوطنية مقابل المصالح الأجنبية والدولة الوطنية مقابل الدولة المحتلة والجيش الوطنى مقابل الجيش الأجنبى ولكن هذه المصطلحات فقدت معناها ووظيفتها فى التحشيد لصالح الحاكم فالوطنى عندنا هو من يقدس المصلحة العليا للوطن والخائن هو الفاسد الذى يعلى مصلحته على مصلحة الوطن.
وقد لاحظنا أن كلمة الدولة استخدمت للتعبير عن الحاكم والأمن القومى هو أمن الحاكم شخصيا وأمن نظامه ي كل العالم العربي ولو على جثة الوطن كما اخترع الحاكم العربى مصطلحات لصالحه مثل الثوابت القومية والوطنية وهى شعارات يعمل يومياً على تقويضها عمليا.
فالثوابت الوطنية هى تعلق الناس بهذا الوطن والحكم على أى نظام بمعيار خدمته أو اضراره بالوطن كما أن الثوبت القومية هي أن مصر قلب العالم العربى وأن تقويض قوة مصر هى بداية تفكك العالم العربى وأن المشروع الصهيونى مع الاستبداد العربى هو الذى أدى إلى تفتيت الأوطان العربية ومحنة فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان ومصر وليس صحيحاً أن الهبات الشعبية لإرغام الحاكم على التغيير فى نظامه أو سياساته هى التى تسببت فى هذه المحن بل الصحيح أن تشبث الحاكم وإسرائيل بقمع الشعوب ونهبها ومقاومة نداءات التغيير هى التى خلقت حالة الاحتباس السياسى والنفسى فى العالم العربى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق