20 أكتوبر 2017

سيد أمين يكتب: هذه هي قناة الجزيرة

نقلا عن huffpostarabi
تتزايد هجمات بعض نظم الحكم العربية على قناة الجزيرة ولا تبتلع ريقاً إلا ونددت فيه بها ووصمتها بكل افتراء، رغم إنها ليست إلا قناة، فيما تمتلك نظم الحكم تلك العشرات أو المئات من مثلها، لكن في الواقع أن تلك الهجمات تعني أول ما تعني نجاح قناة الجزيرة في أن تكون صوت مئات الملايين من الشعوب المقهورة.
وفي الحقيقة يصعب على المنصف أن يمتدح محبوبته جهراً، لا سيما حينما تكون ذات شرف ومكانة، خشية أن يتهمه المتربصون بالتملق والاسترزاق، وفي ذات الوقت يصعب عليه أن يقف متفرجاً وهو يرى الصبية ومعدومي الضمير يتهمونها بما ليس فيها من نقائص ورذائل.
ففي زمن كانت فيه أقصى معارضة يتجرأ المعارض العربي عليها هي انتقاد الخفير وتتجرأ لانتقاد الوزير، بالغمز واللمز والتحسيس والتلميح -وفي الغالب كان هذا الانتقاد مدعوماً من عناصر أخرى في ذات السلطة المستبدة ولصالحها- ظهرت قناة "الجزيرة" الفضائية لتدشن بداية عصر جديد من الإعلام الهادف لتنمية الوعي السياسي للمواطن العربي، ولتحقق أيضاً الوحدة والتلاحم بين الشعوب العربية بشكل حقيقي لأول مرة حول الهم العربي الواحد.
كان ظهور القناة ربما أهم حدث عربي في ربع القرن الأخير من حياة أمّتنا، وذلك بعد احتلال العراق وتفجر ثورات الربيع العربي، وهما الحدثان اللذان كان للقناة دور كبير فيهما، حيث فضحت للعالم جرائم الأول، فكانت المَعلَم العربي البارز الدال على قدرة شعوبنا على المقاومة، فيما ساعدت في حدوث الثاني عبر بلورة وعي سياسي عربي يهدف لنقل أمتنا من مصاف الاستبداد إلى مصاف الأمم المتحضرة التي تليق بثقافة أمتنا العربية والإسلامية.
وكان المشاهد العربي وما زال يتحلق حول شاشتها؛ لأنه رأى فيها متنفساً نادراً وحيوياً وصادقاً لنقل صرخاته التي كانت من قبل ضائعة سدى في البرية ليسمعها العالم.
وبسببها، عرف العرب لأول مرة في تاريخهم الحديث بأن وحدة "المعاناة" هي أبرز معالم الوحدة العربية المنشودة التي تحققت فعلياً على الأرض من كل شعارات التضامن العربي في ظل النظم العسكرية.

الحرب ضد الاستبداد

لقد أجبرت قناة "الجزيرة" نظم الاستبداد العربي على توسيع آفاق الحريات الإعلامية، بل والسياسية والعامة، بعدما كانت شبه منعدمة، وبالأحرى كانت تلك الحريات انتقائية صورية يغلب عليها الطابع الدعائي، الأمر الذي عاد بمردودات طيبة هائلة على المواطنين، وما لا يجب إغفاله أن نظم الاستبداد رفعت سقف الحريات اضطراراً خوفاً من أن تجبر على ذلك في مرحلة لاحقة، ولجأت في إطار احترازها من عواصف ذلك الإجراء إلى صناعة أحزاب ونخب مزيفة تتحكم هي فيها متى وكيفما شاءت، وتقدمها كبدائل للمعارضة الحقيقية ذات المطالب الجذرية التي لا تكتفي بانتقاد الخفير والوزير عوضاً عن الرئيس والنظام بأكمله.
ولأن "الجزيرة" عززت التضامن العربي شعبياً، فشلت كل مساعي نظم الاستبداد في إثارة النعرة الشعوبية والقطرية كسلاح مضاد لهذا الفضح الموضوعي المستمر لها والقادم من خارج الحدود الضيقة.
ولقد دأبت أبواق إعلام هذه النظم -وهي بالآلاف- على التأكيد أنه لا أحد يشاهد قناة الجزيرة وأن الجماهير فقدت الثقة بها تماماً، ومع ذلك تتأهب كل أجهزة أمن تلك النظم وكتائبها الإعلامية للرد على برنامج أو فيلم عرضته تلك القناة التي لم يشاهدها أحد، ويعلقون كل فشل يعيشونه لم تنجح أساطيلهم الحربية والإعلامية فيه على شماعتها!
وحينما لم يفلحوا في إقناع الجماهير بالعزوف عن إدمان مشاهدتها راحوا يختلقون لها برامج ومواقف وينسبونها إليها في محاولة يائسة وبائسة للحط من شأنها، لكن سرعان ما تنكشف الأكاذيب وتبقى الحقائق؛ ليتعلق بها الناس أكثر فأكثر.
ومع ذلك فمن المؤكد أنه لو لم تخُض "الجزيرة" حروباً ضد الاستبداد تارة، ورفع الوعي العربي تارة، ودعم المقاومة العربية دائماً، لسعت النظم العربية استغلال انتشارها الكبير في العالم واتخذتها بوقاً لتبرير استبدادها، ولوجدنا بحاراً من مداد الحبر تنفقها المطابع العربية الرسمية في مدحها، لكن "الجزيرة" لم تستصعب أبداً طريق الحق لقلة سالكيه.

العداء للصهيونية

ورغم أن المتابع لبرامج "قناة الجزيرة" سيكتشف بسهولة منذ اللحظة الأولى أنها القناة العربية العالمية الوحيدة الأكثر فضحاً لجرائم الكيان الصهيوني، إلا أن سهام الاتهامات العشوائية بالعمالة لهذا الكيان لم توجّه إلى مؤسسة إعلامية كما وجهت إليها.
والأنكى، أن هذه الاتهامات المرسلة الملوية أعناقها، طالتها من قِبل إعلام نظم مدموغة بالتعامل جهاراً نهاراً مع هذا الكيان، والتبعية له، والدعوة لسلام دافئ معه، بل وتتكفل بجر الممانعين العرب للتطبيع معه.
وللعجب العجاب، تتهمها الأبواق "الموجهة" بأنها تبالغ في الانحياز إلى حماس - ويتجنبون في ذلك الإشارة إلى الشعب الفلسطيني الذي تنتمي إليه حماس - ثم مع ذلك يستخدمون دلائل تؤكد فضحها لجرائم الكيان الصهيوني في وقت تواطأ فيه الجميع على الدم العربي.
فيخلق هذا التناقض اقتناعاً عميقاً لدى متابعي تلك الأبواق -وهم من قليلي الوعي- بحِزمٍ من المتناقضات فحواها أن"الجزيرة" تدافع عن حماس وإسرائيل معاً، أو أنها تدافع عن إسرائيل وتلد في كراهيتها!

نماذج من النضالات

لقد حملت الجزيرة منذ نشأتها القضايا القومية والإسلامية على عاتقها، ورأيناها تتواجد أينما وُجدت المعاناة الإنسانية، رأيناها في أراكان بين مسلمي الروهينغا الذين يتعرضون للإبادة العرقية في بورما وسط صمت إسلامي وصل لحد التشجيع، رأيناها في أفغانستان تنقل معاناة من لا صوت لهم من ضحايا الغزو الأميركي لهذه البلاد الفقيرة، رأيناها في العراق إبان الغزو الأميركي له لتصبح هي المتنفس الإعلامي الوحيد للشعب العراقي، قبل الغزو وأثناءه وبعده.
رأيناها في الصومال حيث تُسحل هناك سيدة الكون، وفي إفريقيا الوسطى حيث تذبح سلطاتها المسلمين بينما يستقبل السيسي رئيستها في القاهرة، رأيناها في البوسنة والهرسك؛ حيث تقطع رؤوس المسلمين وتغتصب النساء، رأيناها في ميادين التحرير تغطي هبّة الشعب المصري ضد الاستبداد، رأيناها في الشمال وفي الجنوب، في الشرق وفي الغرب، في أى مكان يوجد فيه الظلم سنرى "الجزيرة" هناك.. لتفضحه.
ما نريده من شبكة الجزيرة أن تمد خدماتها بقنوات تغطي جوانب الدراما والأعمال السينمائية المنتقاة، حتى لا تترك مشاهدها عرضة لمقذوفات رذائل الفن المأجور.

ليست هناك تعليقات: