نقلا عن البداية
الكتابة فجر يوم الإثنين 25 ابريل 2016 بالنسبة لي هي بطعم الثورة ، وبالنسبة للبعض بطعم المجهول أيضا . وفي الاجابة على السؤال : هل ينزل الناس ؟ عندي كغيري تفاؤل متين. يتأسس على شواهد كسر حاجز الخوف ومولد شباب تتوالى أجياله بسرعة غير مسبوقة .شباب خارج عن سيطرة الإعلام التقليدي وأقفاص السياسة الحديدية و الخطابات الخشبية . أجيال شابة مطلعة على عالم يتغير وتطلب المستقبل لها ولوطنها . وفوق هذا وذاك فان نظام 3 يوليو 2013 قد سقط بالمعني الرمزي والمعنوي بعدما استولي على الدولة وصادر حق التظاهر وقمع الحريات وقتل وعذب ونهب وحول معيشة الناس الى جحيم وداس على كرامتهم .وانتهك الدستور الذي وضعه ومعه حقوق الانسان و سلامة التراب الوطني . ووضع برلمانه بصمته في منح الثقة لحكومة وقعت صك التفريط في جزيرتي "تيران" وصنافير " للسعودية . وفوق هذا وذاك صادر حق الأجيال الشابه في الوطن والمستقبل وقطف ثمار تضحياتهم .تماما كما تنكر لتضحيات الماضي .
ولأن أسباب الغضب أصبحت لا تتوقف عند سبب واحد حتى ولو كان بجسامة و بخطورة التفريط في الأرض وتهديد الأمن القومي لمصر فإن مطلب "الشعب يريد اسقاط النظام" قد تجدد وتجذر شعبيا . ومع انه من العبث الزعم بأن شعبا ما ينزل لاسقاط النظام ومعه خريطة طريق واضحة المعالم عليها ضمانات التنفيذ فإن تساؤل قطاعات من المصريين الرافضين لاستمرار الأحوال / الأهوال : ماذا بعد السيسي؟ يظل مشروعا ؟ . ويستحق محاولة الاجابة . وهذا بصرف النظر عن استغلال الثورة المضادة لهذا السؤال الهاجس لتخويف الناس من التغيير والنزول للشارع . وهي لعبة تقليدية قديمة بلا أي ابداع .و ببساطة انها طرح الخيار في لحظات طلب التغيير بين النظام الاستبدادي الفاسد المتخلف وبين المجهول والفوضى .وعلى طريقة إما .. أو .وتماما كما يجرى الآن اصطناع فزاعة عودة الإخوان الى الحكم ؟ . وقيادة الإخوان بالأصل اما في السجون أو المنافي .وفوق هذا وذاك تواجه حرجا ومحاسبة من قواعد الجماعة .وقد أصبحت تعاني من خلافات داخلية غير خافية . وفوق كل هذا فهي لديها ميراث ثقيل من الأخطاء والخطايا ضد الثورة والعقل والحداثة والديموقراطية . وهي أخطاء وعواقبها لاينجو منها ـ بحق أيضا ـ خصوم للإخوان، وبخاصة أصحاب النزعة الاستئصالية المحتقرة للشعب والفقراء ولحقوق الانسان والديموقراطية .
اجابتي المتواضعة على سؤال: ماذا بعد السيسي ؟ تبدأ أولا بأن مايجرى أبعد من السيسي ويجب أن يكون أبعد منه . لأنه لا يليق بالعصر الذي نعيش ولا بانتفاضات متوالية في سياق ثورة 25 يناير وبتضحياتها أن تنتهى الى اعادة انتاج شخصنة السلطة والحاكم الفرد ( الفرعون ) واسع السلطات أو تجعلنا نقع رهينة هذا التصور . ولو كنا مازلنا رهن لحظة السيسي التي سيطر فيها التخلف والاستبداد والقهر والفساد والفشل على نظام الحكم والدولة واختصرت نفسها جميعا في الترويج " للقائد المخلص الملهم ". ويحق لنا هنا في هذا التوقيت وبعده ان ندرك الحلقة الجديدة من ثورتنا المصرية مع إبريل 2016 في السياق الضد لكل هذه المعاني . وفي المقدمة منها اعادة انتاج حكم الفرد . ولذا فإن مايجرى أبعد من ازاحة السيسي كحاكم الى تغيير النظام وتغيير في الدولة ذاتها وفي علاقتها بالمجتمع .
ولكن كيف سيكون المستقبل بعد السيسي وأبعد منه ؟..
واجابتي المتواضعة كذلك تتجاوز الاشارة الى شخص أو أشخاص لادارة أمور البلاد خلال مرحلة انتقالة تضعها على طريق دولة المؤسسية والعدالة الاجتماعية والحريات والديموقراطية واحترام حقوق الانسان وكرامته بما في ذلك الحق في العمل والأجر العادل الكريم. وبالطبع لن أطرح اسماءا أو مجموعة أسماء .ولا يعنيني هذا كثيرا وإلا كنت اعيد انتاج ظاهرة السيسي من جديد. وكل ما استطيع ان أنبه اليه ان هناك بدائل وصياغات عدة لهذه المرحلة الانتقالية .
واننا يجب ان ندفع لأن تظل من سماتها :إبعاد الجيش عن السياسة والحكم والتوغل في الاقتصاد المدني وعودته مقدرا محترما الى مهمته في حماية تراب الوطن وحدوده . وأيضا ان ندفع نحو انتاج نظام برلماني حقيقي كفء يمثل الشعب ويتقوى بنظام أوسع من الهيئات الشعبية المنتخبة ديموقراطيا والفاعلة جغرافيا وقطاعيا .
إلا ان جوهر اجابتي المتواضعة على سؤال المستقبل بعد السيسي وأبعد منه تتلخص قبل طرح أي تصورات في أن شوارع الثورة وميادينها وشبابها هم أصحاب الكلمة الفصل في تحديد ملامح المستقبل . وبلا وصاية من حزب او قوى سياسية أو نخبة . وإذ انه من الطبيعي والتلقائي ان تولد صيغ الانتقال الثوري القادم من تطورات وتفاعلات هائلة ستولدها حركة الشباب وابداعاتهم على الارض . ولعله من المثالية الساذجة تصور ان الانتقال سيكون يسيرا سهلا بحلول جاهزة مريحة . فتاريخ الشعوب والتحولات الكبرى حافل بالصراعات والمزيد من التضحيات . لكنها صراعات وتضحيات يستحق ان نخوضها من أجل مستقبل أفضل للانسان في بلادنا وللوطن . إنها من قبيل الصراعات والتضحيات المجدية .لا تلك العبثية والمبددة للطاقة والأمل التي نتكبدها مع تكلفة بقاء نظام يمثله الآن السيسي . لأنها صراعات وتضحيات لاتدفع الى الأمام.
ورهاني أن مصر ومعها المنطقة اليوم على موعد مع بداية عملية ثورية سيكون لها ما بعدها من تغييرات .ودعونا نعمل من أجل التغيير . وقد تسلحنا عبر تجاربنا و اخطائنا وفشلنا بمزيد من الوعي والخبرات دفعنا ثمنها دماءا وأعمارا وتضحيات من أجل تحقيق أهداف العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية والوطنية، وبالطبع من أجل أنظمة حكم ديموقراطية مؤسسية لاتنهض على سلطان الفرد وسطوة عصابته .أنظمة حكم رشيدة بحق وديموقراطية بحق وتمارس الشفافية ومكافحة الفساد بحق .ومدنية عصرية بحق ومؤسسية بحق.. وهي يقينا على خلاف أنظمة يمثلها السيسي ومن سبقوه.
وحتى لانكون كأهل بيزنطة ..دعونا من كل جدل الآن .. فأمامنا النزول الى الشارع.
أمر لايحتمل أي تأجيل أو سفسطة.
ولنصنع المستقبل هناك.