بقلم محمد سيف الدولة
أكدنا من قبل ان التنازل عن ارض الوطن محظور دستوريا ومجرم جنائيا، وانه ليس لرئيس الجمهورية ولا السلطة التنفيذية ولا البرلمان ولا السلطة القضائية ولا الاستفتاءات الشعبية، أى حق أو صلاحية للتنازل عن أراضى الوطن.
ولكننا نسمع اليوم دعوات من بعض المعارضين للتفريط فى جزيرتى تيران وصنافير للسعودية، يطالبون فيها البرلمان برفضها، والبعض الآخر يطالب بعرضها على استفتاء شعبى، متجاهلين انه لا يجوز، اصلا، مناقشة اتفاقية باطلة وفقا لمواد وقواعد الدستور ناهيك على مناهضتها للثوابت والمصالح الوطنية.
ولكن مع ذلك رأيت ان أُذَّكر حَسِنى النية منهم بما حدث لنا من كوارث، على امتداد عقود طويلة، حين سلمنا مصائرنا لبرلمانات مصنعة فى مؤسسات السلطة التنفيذية وأجهزتها الامنية، أو لاستفتاءات مزورة وسابقة التجهيز.
ولنا فى حكايه البرلمان مع معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية، المشهورة باسم كامب ديفيد، عبرة لا تنسى.
***
قلبت كامب ديفيد حياتنا رأسا على عقب
خطفوا مصر و باعوها للأمريكان
وجعلوا من العدو الصهيوني ، قطر شقيق
وقبل أن نستوعب الموقف ، كانت الطبخة قد استوت ، والمؤامرة قد اكتملت ، والإجراءات قد استوفيت .
وعلى رأس هذه الإجراءات، أتت موافقة مجلس الشعب على المعاهدة المشئومة، وما تلاها من مهزلة الاستفتاء الشعبى.
فى معظم بلدان العالم تأخذ مثل هذه القضايا المصيرية جهودا شاقا ومناقشات حامية و حقيقية، أما عندنا، فكل شىء مضمون وسهل ، فيمكن ان تباع مصر كلها فى غمضة عين بمبايعة "الشعب" ومباركة البرلمان.
والى حضراتكم القصة الكاملة كما حدثت منذ 37 عاما :
***
الحكاية
· 26/3/1979 تم توقيع اتفاقية الصلح بين مصر وإسرائيل في واشنطن.
· 4/4/1979 وافق مجلس الوزراء بالإجماع في جلسة واحدة على الاتفاق .
· 5/4/1979 أحيلت الاتفاقية الى لجان العلاقات الخارجية والشئون العربية والأمن القومي والتعبئة القومية بمجلس الشعب لإعداد تقرير عنها.
· فى 7/4/1979 اجتمعت اللجنة ودرست و اطلعت على 31 وثيقة تتضمن مئات الأوراق والمستندات والخرائط ، وفيها ما ينص على نزع سلاح ثلثى سيناء .
· 8/4/1979 أصدرت اللجنة تقريرها بالموافقة على الاتفاق .
· 9/4/1979 إنعقد مجلس الشعب برئاسة سيد مرعى لمناقشة الاتفاقية وتقرير اللجنة و قرر إعطاء 10 دقائق فقط لكل متحدث من الأعضاء .
· 10/4/1979 أغلق باب المناقشة بعد إعطاء الكلمة لـ 30عضو فقط
· 10/4/1979 وفى نفس الجلسة اخذ التصويت على الاتفاقية وكانت نتيجته :
o 329 عضو موافق
o 15 عضو معترض
o واحد امتنع
o 13 تغيبوا
· 11/4/1979 أصدر الرئيس السادات قرارا بحل مجلس الشعب ، وبإجراء استفتاء على الاتفاقية وعلى حل المجلس وعلى عشرة موضوعات مختلفة حزمة واحدة .
· 19/4/1979 تم استفتاء الشعب على المعاهدة بدون أن تنشر وثائقها ، وبدون أن يتعرف على خباياها .
· 20/4/1979 أعلنت وزارة الداخلية ان نتيجة الاستفتاء كانت كما يلى :
o وافق الشعب على المعاهدة التى لم يقرأها ولم يتعرف على بنودها .
o ووافق فى نفس الوقت على حل مجلس الشعب الذي كان قد وافق هو الآخر على ذات المعاهدة .
o وجاءت نسبة الموافقة 99,5 %
· و منذ تلك اللحظة ، أصبحت مصر الرسمية ملتزمة بالمعاهدة.
***
مر على هذه الأحداث ، أكثر من 37 عاما،
ناضلت خلالها ، ولا تزال ، كل قوى مصر الوطنية ضد هذه المعاهدة وضد قيودها وآثارها ، وطالبت بإلغائها او بتجميدها او بتعديلها .
وبذلت فى سبيل ذلك جهودا هائلة ، ودفعت أثمانا فادحة .
ولكن بلا طائل ، فالمعاهدة باقية و مُفَعَّلة على قدم وساق .
وبالطبع لم يعد أحد يتذكر الآن تزوير انتخابات برلمان 1976-1979 ولا تزوير استفتاء كامب ديفيد.
ولم يعد أحد يطرح بطلان المعاهدة لفساد الإجراءات وتزويرها .
فالأمر الواقع الحالي ان المعاهدة قائمة وسارية و مؤبدة، ممنوع الاقتراب منها او لمسها، بل اصبحت هى دستور مصر الفعلى والمصدر الرئيسى للتشريع.
هذا نموذج واحد فقط من آلاف التشريعات والاتفاقيات والقرارات، التى دمرت بلادنا، وأفسدت حياتنا رغم أنفنا.
***
فهل يعقل بعد كل هذه الكوارث، أن نظل نراهن على برلمان صنعوه بأيديهم، أو على استفتاء، نتيجته مُعَّدة ومعلومة مسبقا ؟!
وهل الخلاف بيننا وبين بائعى "الجُزُر" يقتصر على شكل واخراج واجراءات صفقة البيع ؟
هذا كلام لا يعقل ولا يليق.
*****
القاهرة فى 14 ابريل 2016
موضوعات مرتبطة:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق