تناولت فى المقال السابق خطورة ان تنصب
إحدي سلطات الحكم نفسها إلها لا يمس أخطأ او أصاب , واقصد بهذا الحديث السلطة القضائية والتى يسعى بعض المنتسبين اليها
فى مصر ان يجعلوها سلطه فوق الشعب الذى هو مصدر السلطات , وارى ان هناك التباسا كبيرا
فى فهم ما دعت اليه النظريات السياسية , والتى أسست لمبدا السلطات الثلاث والفصل بينهم
, وبينت حدود الاستقلال الذى يجب ان تحظى به كل سلطه , وقد أكدت هذه النظريات التى
خلقت ما يسمى بالسلطه القضائيه ان هذه السلطات لا قيمة لها بجانب ارادة الشعب , وان
هذه السلطات تستمد ولادتها وحياتها وحقوقها وواجباتها من الشعب , فلا يجوز لهذه السلطه
او إى سلطه اخرى ان تنصب نفسها آلهة لا تمس , وتدعى لنفسها العصمه فلا يجوز مسائلتها
, وانما اؤكد مرة اخرى ان أسباب ولادتها واسباب استمرارها وبقاءها وأسباب إزالتها ليس
بيديها وانما بيد الشعب الذى هو مصدر السلطات , والذى يجب ان ينتبه اليه القائمون على
الامر فى مصر وكذلك العاملون بالسلطه القضائيه
ان النظم السياسيه فى العالم اجمع منذ نشأتها قد جعلت الشعب هو الذى يختار السلطتين
الاخرتين التشريعيه او التنفيذيه , اى انهما نتاج ارادة الامه , اما السلطه القضائيه
وطبقا لكل دساتير العالم فهى نتاج السلطتين التشريعيه والتنفيذيه , ولذلك اذا نظرنا
الى كل النظم السياسيه بالعالم الذى استقرت به الحريات وعلت فيها راية الديموقراطيه
مثل الولايات المتحده الامريكيه نجد ان الإنتخابات العامه لا تشمل سوى السلطتين التشريعيه
والتنفيذيه ( الرئيس ومجلس الشيوخ ومجلس النواب ) بينما يتم ترشيح القضاة الفيدراليين
، وعلى رأسهم أعضاء المحكمة العليا من قبل الرئيس على ان يتم إعتمادهم من قبل مجلس
الشيوخ ، وهي عملية عادة ما يخضع فيها المرشح الى درجة مكثفة من التمحيص والتقصي الدقيق
لسجله العملي والشخصي ، وتعرض المرشح لمنصب
قضائي للتمحيص الدقيق سببه ان الموافقة عليه من قبل مجلس الشيوخ تعني تعيينه مدى الحياة
، وهي حالة تعتبر نادرة فى هذا النظام الديمقراطي ولكنها وسيلة تهدف الى حماية القاضي
من الضغوط السياسية واعانته على تحقيق أعلى درجة من الحياد , اى ان السلطه القضائيه
صنيعة السلطتين المنتخبتين , لكن الدستور يحفظ للسلطه القضائيه الاستقلال التام والكامل
, ويمنع السلطتين الاخرتين من التغول على السلطه القضائيه.
وهذا الامر يتوافق بشكل كامل ومتسق مع ان الشعب مصدر
السلطات , حيث ان سلطتين يتم اختيارهما بالاراده المحضه الحره للشعب الذى هو مصدر السلطات
وتأكيدا لمبدأ الشعب مصدر السلطات تقوم السلطتين المنتخبتين الذين حازا على قبول واختيار
الشعب باختيار رأس السلطه الثالثه , ولذلك يقوم من تم انتخابه كأرسا او رئيسا لها بمساعدة
الهيئات داخل السلطه بتعيين واختيار وندب وترقية باقى اعضاء هذه السلطه , وبهذا يكون
هذا الاختيار امتداد لاختيار الشعب , اما ان تترك السلطه الثالثه تتعامل مع ذاتها فتصبح
حينئذ قد خرجت عن اختيار الشعب الذى هو مصدر السلطات , ونعود مرة اخرى لما يسمى
" بسيد قراره " فتصبح السلطه القضائيه سيدة قرارها , فأذا ما استطاع هؤلاء
ان يحققوا ذلك فيجب ان نحذف من ادبياتنا السياسيه كلمة ان الشعب مصدر السلطات , فها
هى السلطه القضائيه او - لنكن دقيقون فى تحديد المعانى – بعضا من رجال السلطه القضائيه
يريدون ان ينأون بالسلطه الثالثه عن ارادة الشعب لتصبح سيدة قرارها , وهذا يعنى الكثير من الفساد , وعدم خضوع الاقليه
الفاسده للمسائله ويتم استغلال النفوذ تحت مسمى قاضى او وكيل النائب العام , وكل من
عاش فى هذا البلد فى فترة مبارك يعرف ان الدخول فى مشكله او قضيه مع احد الذين يحملون
احدى اللقبين عليه ان يتراجع ويستعوض الله فى حقه سواء اكان حق معنوي او مادى , فهم
فوق المسائله وفوق القانون الذين يحكمون به , وليس هذا تعميم يطول كل ابناء السلطه
القضائيه لكن الامثله كانت كثير , ومن ينكر هذا فهو اما اعمى لم يكن يرى , اوغافلا
عما يدور حوله , بل ان الكل يعرف ان الوساطات التى كانت تعطى الحق لمن لا يستحقه كانت
تحمل الكارت الشخصى لبعض من هم فى السلطه القضائيه , وعلى الرغم من تلك الاشياء الغير
منطقيه فقد صمد القضاء المصرى ضد الهجمات الشرسه عليه من رجال السلطه التنفيذيه الكبار
او من القله الفاسده من داخله , سواء فى حقبة الستينات او السبعينات او عصر مبارك
,واليوم تسعى اذيال تلك الفئه لتكريس استبداد السلطه القضائيه واخراجها من ارادة وسلطة
الامه .
ان النظريات القانونية في مبدأ استقلال
السلطة القضائية تنقسم إلى قسمين اولهما لايختلف عليه أحد وهو استقلالها في أحكامها
وهو ما ينصب عليه هذا المفهوم إبتدءاً ، وهذا ايضا لايفهم منه الاطلاق فيجوز اختصام
القاضى طبقا لما ينظمه القانون , وقسم يتعلق باستقلالها في غير الأحكام مثل طريقة الاختيار
، وهذا مدخل لا نهاية له ، وهو ما يحاول بعض المنتسبين للسلطه القضائيه فى مصر النفاذ
منه ليجعل من استقلال القضاء وهيبته هو المدخل لهيمنه السلطه وسبب مزعوم يذهب بها الى
ان تكون دوله داخل الدوله ليجعل السلطة القضائية كيان مجتزأ من النظام السياسي يحكم
نفسه بنفسه , لاسلطان عليه تحت اى ظرف او مسمى , والذى يخرج الامه من كونها مصدر السلطات
, والذى يجب ان نؤكد عليه انه لا يجوز الأخذ ببعض مفاهيم مبدأ استقلال احد السلطات
وتعميمه وترك بعضه الآخر ، ولذلك كان القول الحق هو الاستقلال في الأحكام وعدم التأثير
عليها ، وعدم التوسع فى مفهوم الاستقلال ليشمل اكثر من ذلك ، فأذا نظرنا الى الولايات
المتحده الامريكيه كما ذكرنا اعلاه نجد أن رأس السلطة التنفيذية في ذلك البلد - ذو
العراقه الديموقراطيه تنظيراً وتطبيقاً - هو من يصدر قرار تعيين رأس السلطه القضائيه
، مع ما يبديه النظام الامريكى من المغالاه
في مفاهيم الفصل بين السلطات ، واستقلال السلطة القضائية تحديداً , وينص الدستور
الأميركي على ان القضاة الفيدراليين يحتفظون بمناصبهم "أثناء سلوكهم الجيد."
اى ان الاصل الاحتفاظ بها لحين بلوغ السن القانونيه ، لكن يفقدونها فى حالة السلوك الفادح , وهذا مايثير نقطة النقاش الاخرى حول القضاه
, وطريقة التفتيش عليهم ومحاسبتهم وصرفهم من الخدمه , ولذلك فأن ما تم طرحه حول نقل
ادارة التفتيش القضائى من وزارة العدل الى مجلس القضاء الاعلى يكون من باب الخطأ الجسيم
, ونصبح قد غالينا بدرجه عظمى فى مفهوم الفصل بين السلطات , لان مفهوم الفصل بين السلطات
يتلاصق به مفهوم اخر يسمى التكامل بين السلطات , وحيث ان وزارة العدل تتبع السلطه التنفيذيه
لكن الوزير وهو راس الوزاره وكبار معاونيه ومساعديه والاعضاء الفنيين كلهم قضاه ينتمون
الى السلطه القضائيه ويتمتعون بكل مميزات زملاؤهم
القضاه , اى انهم جزء اصيل لا يتجزء من السلطه القضائيه ولكن تبعيتهم الاداريه
للسلطه التنفيذيه ويحكمهم قانون واجب التطبيق , وهذا التماس بين السلطتين محكوم بالقانون
, لكن استقلال هيئة التفتيش القضائيه عن المسائله الاداريه للسلطه القضائيه يعطيها
الاستقلال التام فى التحقيق مع اعضاء السلك القضائى ورفع النتائج الى المستوى الاعلى
المتمثله فى وزير العدل ومن يفوضهم وهم فى الاساس جزء من السلطه القضائيه لكن النظريات
السياسيه ارادت ان تعطيهم صلاحية واستقلال يمكنهم من ممارسة عملهم باريحيه وحياد تام
, ولذا فأن ماطرحه وزير العدل المستشار احمد
مكى فى هذا الصدد فأرى انه قد جانبه الصواب , لكن ما نريد ان ننبه اليه هنا انه يجب
الا تتسرب الاهواء لتهدم الثوابت التى قامت عليها النظم الديموقراطيه , مثل الامه مصدر
السلطات والفصل بين السلطات وننظر من جانب واحد واذا لم يكن لدينا الحكمه فى اختيار
دستور يحكم حياتنا فلنستقى من دساتير الاخرين الاحسن والافضل وما يتناسب مع مكوناتنا
الثقافيه والاجتماعيه والدينيه , وادعو الذين اتخذوا من استراتيجية هدم المعبد على
رؤوس الجميع تحت شعار ليمت الجميع ويحييا مبدئهم , بأن هذه الامه رشيده وتميز بين الغث
والثمين , " فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث فى الارض"
# خبير بجامعة الدول العربية
maw01000@yahoo.com
01220220412
01006075354