https://youtu.be/05rwLLglNNw
((منذ ان التقيت بك فى سبتمبر الماضى ولقد راهنت عليك .... و اعجابى الشديد بشخصيتك المتفردة خاصة فيما يتعلق بمكافحة الارهاب....
بكل قوة وكل وضوح .. ستجدنى انا ومصر بجانبك فى تنفيذ هذه الاستراتيجية لمواجهة الارهاب والقضاء عليه....
ستجدنى وبقوة داعم وبشدة كل الجهود التى ستبذل لإيجاد حل لقضية القرن فى صفقة القرن، ال أنا متأكد ان فخامة الرئيس سيستطيع أن ينجزها)) ـ السيسى لترامب فى البيت الابيض ـ ابريل 2017(1)
***
((فخامة الرئيس .. نحن نحترمكم ونقدركم..ولكم شخصية متفردة قادرة على فعل المستحيل)) ـ السيسى لترامب على هامش مؤتمر الامم المتحدة ـ سبتمبر 2017 (2)
***
((انا أوجه ندائى للرئيس الامريكى .. الرئيس ترامب .. أقول له فخامة الرئيس.. انى اثق بك وفى كلامك وفى قدرتك على انك ستكون مهمتك الاولى هى مواجهة الارهاب فى العالم .. انا متاكد يا فخامة الرئيس انك قادر على تنفيذ هذا الأمر)) مناشدة السيسى لترامب بعد مذبحة المنيا ـ مايو 2017 (3)
***
احتفى السيسى ومؤسساته وأركان نظامه وخبراؤه الاستراتيجيون والعسكريون وأذرعهم الاعلامية بنجاح دونالد ترامب، احتفالا منقطع النظير، الى الدرجة التى شبهه احد كتاب الاهرام "النافذين" بالمهدي المنتظر(4). وكتب المدير الاسبق للشئون المعنوية للقوات المسلحة، سلسلة مقالات فى هذا الشأن يقول فى احداهن بعنوان "صعبان عليهم أن تفرح مصر": (( كيف لا تتفاءلون برؤية مصر وهى تستعيد مكانتها الدولية، وثقلها السياسي؟ وكيف لا تتفاءلون لرؤية الرئيس المصرى يحرك المياه الراكدة، ويتفق مع الرئيس الأمريكى على حلٍ عادل للقضية الفلسطينية ... قضية القرن؟)) (5).
والأمثلة كثيرة.
· ولم يكتفِ السيسى بالاحتفاء، بل اصدر من التصريحات واتخذ من المواقف والقرارات ما خرج عن حدود ما تستدعيه العزة والكرامة الوطنية والتقاليد الرئاسية والدبلوماسية، فقال له على سبيل المثال لا الحصر، فى لقائهما الاول فى البيت الابيض، لقد راهنت عليك، وانت شخصية فريدة، وستجدنى بجانبك فى مكافحة الارهاب و فى صفقة القرن.
· بل انه ارتكب احد الكبائر الوطنية والدبلوماسية حين امر البعثة المصرية فى الامم المتحدة بسحب قرارها بإدانة المستوطنات الاسرائيلية بعد مكالمة تليفونية من ترامب طلب فيها منه ذلك.
· وحين وقع العدوان الارهابى على حافلات الاقباط بالمنيا فى مايو 2017، استنجد السيسى بالرئيس الامريكى علانية وعلى الملأ فى كلمة مسجلة أذيعت على شاشة التليفزيون المصرى، فى سابقة هى الاولى من نوعها.
·ناهيك عن قبوله المشاركة فى لقاء السعودية المهين، الذى تم حشد فيه الملوك والرؤساء العرب والمسلمين لمقابلة الرئيس الامريكى، على طريقة عمال التراحيل حين يقوم بجمعهم مقاولو الأنفار او على طريقة تلاميذ المدارس حين تحشدهم اجهزة الامن فى الشوارع والميادين للهتاف لمواكب الملوك والرؤساء.
· والأهم من كل ما سبق، هو قبوله الزج بمصر فى تحالف عربى اسرائيلى تحت القيادة الأمريكية لمواجهة ما يسمونه بالمخاطر المشتركة التى تهدد المنطقة.(6)
***
ورغم كل هذا الترحيب والاحتفاء والاحتفال والرهان والمبايعة، جاءت النتائج كارثية!
فلم يستجب ترامب لمناشدات السيسى وَعَبَد الله وسلمان وغيرهم من القادة العرب الذين ناشدوه بالتراجع عن اعلان قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، لما سيسببه لهم من حرج بالغ امام شعوبهم. ولكنه استخف بهم جميعا وأصدر القرار.
ولم يكن من الممكن ان يفعلها بالطبع بدون ان يكلف اجهزته قبلها ببحث واستطلاع ردود الأفعال المتوقعة من الدول العربية الرئيسية فى المنطقة ومدى اضرارها بالعلاقات والمصالح الامريكية فى المنطقة.
وواضح ان تقارير الاجهزة والمؤسسات الامريكية جاءت كلها لتطمئنه من ان اتباعه وحلفائه من القادة العرب لن يفعلوا شيئا يمكن ان يضر الولايات المتحدة. وَمصر الرسمية تحت قيادة عَبَد الفتاح السيسى كانت واحدة من هؤلاء.
***
وكيف لا وهو لم يكف عن ارسال الرسالة تلو الأخرى لترامب ونتنياهو والمجتمع الدولى عن السلام الرائع بين مصر واسرائيل وعن العلاقات العميقة والثقة والطمأنينة بينهما، بالإضافة الى اشاداته المتعددة بنتنياهو وتشويهه للفلسطينيين التى كان ابرزها خطابه الأخير فى الامم المتحدة، الذى ناشد فيه "الشعب الاسرائيلى" للوقوف خلف نتنياهو كرجل سلام، بينما طلب من الفلسطينيين ان يثبتوا للعالم انهم يريدون السلام وكأنهم هم الجناة وليسوا الضحايا(7) . الأمر الذى اعطى مصداقية لأكاذيب نتنياهو حول الارهاب الفلسطينى، وحول ان الدول العربية الكبرى أصبحت تنظر لاسرائيل كحليف وليس كعدو، وان فلسطين لم تعد تمثل بالنسبة اليهم قضية اساسية او مركزية، وهى المواقف والتصريحات التى لاشك انها مهدت لقرار ترامب حول القدس.
***
لم يكن هذا هو الرهان الخاسر الوحيد الذى اتخذه السيسى، فقضايا وملفات الفشل متعددة، منها :
· ملف سد النهضة التى عجز حتى تاريخه عن تأمين مصر من مخاطره.
· وملف الاصلاح الاقتصادى الذى طبقه وفقا لروشتات وتعليمات صندوق النقد الدولى التى عصفت بمدخرات المصريين وبقدراتهم الشرائية وزجت بمزيد من طبقات الشعب المصرى فى دائرة الفقر والعوز.
· وملف الارهاب فى سيناء وخارجها الذى اسقط مئات من الشهداء.
· وملف ما تبقى من السلام الاجتماعى والوحدة الوطنية الذى تلقى ضربة غادرة وصاعقة بعد تنازله عن جزيرتى تيران وصنافير مما ادى الى صناعة شرخ جديد فى الضمير الوطنى المصرى اضيف الى الشروخ القديمة المزمنة بين الشعب والسلطة.
· وملف العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات والصراع الطبقى الذى يزداد حدة يوما بعد آخر بعد سلسلة السياسات الاقتصادية المنحازة الى شريحة الـ 10 % الاغنى فى مصر مثل مشروع العاصمة الجديدة وأمثاله.
· ومثل ملف القروض والديون التى اغرقت مصر بأجيالها الحالية والقادمة، لبناء مشروعات مشكوك فى جدواها الاقتصادية مثل مشروع تفريعة قناة السويس.
·وملف النظام الدستورى والحياة السياسية والديمقراطية والانتخابات وتداول السلطة والمشاركة فيها، الذى تم القضاء عليها تماما بعد أن دمج عمليا كل السلطات تحت يده وهيمنته هو والسلطة التنفيذية، وبعد ان أغلق الحياة السياسية وأمم البرلمان و الاعلام وحاصر وحظر كل معارض او رأى آخر من كافة التيارات.
· ناهيك عن ملف الحريات وحقوق الانسان الذى وصل به السيسى الى وضع لم يرَه المصريون فى احلك عصورهم .
***
فى الدول الطبيعية و"شبه الطبيعية"، يتم محاسبة والحكام والحكومات والرؤساء والسلطات على فشلهم وهزائمهم ورهاناتهم الخاسرة.
ولكن من يجرؤ على محاسبة السيسى وكل من حذا حذوه فى الدول العربية فى مبايعة ترامب والتوقيع له على بياض؟
***
ولكن وإحقاقا للحق وقبل ان ننهى هذه السطور، يجب الاعتراف بان رهان السيسى على ترامب لم يكن كله خاسرا، فلقد نجح بامتياز فى تحقيق أهم أهدافه ودوافعه، وهو الفوز بالرضا والقبول والدعم الأمريكى له ولنظامه، وكما قال ترامب للسيسى فى لقائهم الأول فى البيت الأبيض: " لديك حليف وصديق فى الولايات المتحدة الامريكية" (8)
*****
القاهرة فى 15 يناير 2018