تختلف أو تتفق مع بعض أو مجمل سياسات دولة الكويت، لكنك حينما تكون منصفا حتما ستجد نفسك واحدا من الذين يعتبرونها عاصمة التعدد الثقافي العربي بحق، حيث تأخذ على عاتقها ربط التراث بما فيه من أصالة بالحداثة بما فيها من ابهار، وإيجاد التناسق بين جميع ألوان الطيف الفكري دون تنازع أو إقصاء، وهو ما فطن إليه المهتمون برعاية الثقافة العربية في منظمة اليونسكو العالمية ليمنحوها هذا اللقب الذي استحقته بجداره عام 2010.
فوسط تلك الهجمة المعلوماتية الشرسة التي تتعرض لها أمتنا والتي تهدد باختراق الأدمغة العربية ومسح الذاكرة الوطنية كان لزاما على الدول العربية النابهة التصدي لظاهرة خطف الأذهان ، والقيام بعمل التحصينات اللازمة لحفظ الوجدان العربي من النزوع للاستسلام بالتبعية للخارج أو للمقاومة بالتطرف.
ورغم أن الكويت قد حصلت على لقب عاصمة الثقافة العربية من قبل، ومن المقرر أن تحصل عليه مجددا عام 2022 المقبل ، إلا أن النشاط الثقافي الدءوب في هذه الدولة يستدعي التبكير بمنحها إياه مجددا ، كتقدير رمزي لعنايتها بمواكبة الجيل الرابع والخامس من الحروب الفكرية ، خاصة وإنها تخوض حربا ضروسا ضد محاولات تغريب وتغييب العقل العربي ، لتكون الكويت واحدة من دول تعد على كفة اليد الواحدة في كل ربوع وطننا العربي قد تكون من بينها قطر ولبنان التي اتخذت من المواجهة الثقافية والانفتاح على جميع أطياف الفكر سلاحا استراتيجيا يحفظ لها أمنها القومي، وهو بحق نفس الخيار الذي اتخذته الأمم الغربية فعبرت به عصور الظلمات إلي النور، خاصة أن حروب الجيل الرابع هي في الاصل "حرب لا متماثلة" كصراع الدول المركزية مع مجموعات غير مركزية من القوي الإعلامية فيما تتضمن حروب الجيل الخامس ضمن ما تتضمن الحرب الاقتصادية والبيولوجية وأيضا الحرب الإعلامية.
وتقوم الكويت بالإنفاق بسخاء في مجال الحفاظ على التراث الفكري والثقافي ، وربط النشء والشباب بالماضي وتهيئتهم لخوض صعاب المستقبل واللحاق بحرب الفضاءات الاليكترونية وذلك من خلال المهرجانات والاحتفالات والأمسيات والصباحيات الثقافية والفكرية، والكتب والصحف والدوريات الثقافية الشاملة والمتخصصة العابرة للحدود القطرية إلي أفاق الوطن العربي الأكثر رحابة وسعة ، والتي كانت دورية "العربي" -علي سبيل المثال - واحدة من تلك الدوريات التي لاقت صدى واسعا وطيبا في الوطن العربي نظرا لما تحتويه من عمل جاد ومحترم ويحمل مضامين عميقة.
كما تقوم دولة الكويت أيضا بالاهتمام بالعمل المتلفز،ورعت سلسة من الفضائيات ذات المحتوى والطابع الثقافي والتوعوي التي جذبت ملايين المشاهدين إليها.
ولا يمكننا ونحن نتحدث عن النشاط الثقافي المتجدد الذي تميزت به الحياة عامة في دولة الكويت، أن لا نذكر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وما ينتجه من أعمال ثقافية غزيرة وإصدارات متعددة تناسب الجميع على كافة تنوعاتهم العمرية والفكرية والاقتصادية والمذهبية والدينية والعرقية وذلك علي مدار أكثر من أربعين عاما منذ إنشائه، حيث كانت تلك الأعمال تتباين في المحتوى وتخاطب أذواقا وصنوفا فكرية وفنية متعددة بل وتقيم مهرجانات متنوعة تخاطب الكبار والصغار والشباب والنساء والرجال ، كما أن منها التثقيفي والديني والترفيهي والسياسي وغيرها وتتدرج بين أقسام متنوعة ما بين عالم الفكر وعالم المعرفة وإبداعات عالمية والثقافة العالمية والفنون والمسرح العالمي وإصدارات خاصة وإصدارات مجانية.
وكانت مساحة الحرية المطلقة التي أكدها المرسوم الأميري الصادر بإنشاء المجلس ، قد أعطته براحا كبيرا ومساحات واسعة يتمدد فيها ما جعله يحقق مكانته الكبرى في الثقافة العربية ، ويحول الكويت إلى مركز إشعاع ثقافي كبير في كل البلاد والشعوب الناطقة بلغة الضاد ، خاصة أن الأدوار التي أوكلت إلى المجلس وهى التشجيع على القراءة والكتابة وحفظ وتوثيق التراث الشعبي الكويتي والعربي ودعم ورعاية الإبداع الفكري والثقافي المحلي ونشر الثقافة العامة من خلال إصدارات المجلس المتنوعة..
حقا الكويت تشهد حراكا ثقافيا يحفظ للعرب تراثهم ويجب على العرب التحرك لصب المزيد من روافد الدعم والتأييد الإعلامي واللوجيستي إليه.