18 يناير 2015
سياسي فرنسي بارز:عملية باريس من تدبير الموساد واستخبارات غربية
نقلت صحيفة الاندبندنت البريطانية عن السياسي الفرنسي البارز جين ماري لابين قوله ان احداث شارلي ابيدو من فعل الموساد الاسرائيلي بالتنسيق مع مخابرات غربية .
وهذا نص الحوار:
Paris attacks: Jean-Marie Le Pen says French terror attacks were work of Western intelligence
The Charlie Hebdo massacre may have been the work of an “intelligence agency”, working with the connivance of French authorities, according to Jean-Marie Le Pen, founder of the far right Front National.
In an interview with a virulently anti-Western Russian newspaper, Mr Le Pen, 86, gave credence to conspiracy theories circulating on the internet suggesting that the attack was the work of American or Israeli agents seeking to foment a civil war between Islam and the West.
His comments – only partially retracted in an interview with the French newspaper Le Monde today – provoked outrage amongst French politicians. They will also infuriate Marine Le Pen, his daughter, and successor as leader of the FN, who has been trying to distance the party from her father’s extreme and provocative remarks.
Mr Le Pen stood down as FN leader three years ago but remains President-for-life. He made the comments in an interview withKomsomolskaïa Pravda , a newspaper which had already blamed the United States for the terrorist mayhem in France.
Charlie Hebdo: Mourning in Paris1 of 6
“The shooting at Charlie Hebdo resembles a secret service operation but we have no proof of that,” the newspaper quoted Mr Le Pen as saying. “I don’t think it was organised by the French authorities but they permitted this crime to be committed. That, for the moment, is just a supposition.”
To justify his comments, Mr Le Pen pointed to the fact that one of the Kouachi brothers, who carried out the Charlie Hebdo massacre, left his identity card in a crashed getaway car. He compared this to the “miraculous fact” – beloved by conspiracy theorists – that one of the passports of the 9/11 hijackers was found on the ground in New York after two planes collided with the twin towers of the World Trade Centre in 2001.
Mr Le Pen made two other provocative remarks in the interview. He said that the 1,500,000 who marched “against hatred” in Paris last Sunday were not “Charlies” but “Charlie Chaplins” (ie clowns). He also said that there were 15,000,00 to 20,000,000 Muslims in France – three or four times the generally accepted figures of 5,000,000 people who are practising Muslims or have Muslim backgrounds.
In an interview with Le Monde today, Mr Le Pen repeated his suspicions about the identity card but said he “could not recall” talking about “secret services” to the Russian newspaper.
Mr Le Pen’s original quoted remarks run directly counter to the official line of his daughter and his party. They have suggested that the attacks on Charlie Hebdo and a Jewish supermarket are the final proof that France faces an “enemy within”, which has been created by immigration and open EU borders.
Conspiracy theories of the kind espoused by the elder Le Pen sprang up on the internet within hours of the Charlie Hebdo attacks. They have been repeated in recent days by some – not all - young Muslims in France, torn between identifying with the Kouachi brothers and insisting that they were stooges of the French authorities, Washington and Israel.
The French “pope of conspiracy theories”, Thierry Meyssan, now based in Damascus, insisted that the Charlie Hebdo massacres were “ordered by US neo-cons and liberal hawks”. An American conspiracy site, McLatchy, has claimed that the Kouachi brothers were working for French intelligence.
كاتب استرالي يشرح اسباب الرعب الأوروبي من الإسلام، من باريس إلى دريزدن
جون كين
في نفس اليوم الذي غادرت فيه عائداً إلى البلاد بعد رحلة بحثية طويلة في أوروبا والخليج العربي تناقلت وسائل الإعلام خبر الهجوم الفظيع على هيئة تحرير صحيفة شارلي إبدو في باريس. فجأة انتابني شعور بالتقزز وبالرجة، ولكنني لم أفاجأ. فمثل هذا الحدث الإعلامي العنيف، المعد له مسبقاً والمنفذ بدم بارد بجرأة تتسم بالبساطة وفي عقر دار الغرب العلماني، كان متوقعاً منذ بعض الوقت.
هذا العنف الذي تعرضت له باريس ما هو إلا جزء من نسق أشمل، ومرحلة أخيرة في سلسلة أطول من الهجمات التي ظنها سياسيو فرنسا وصحفيوها، خطأ، عملاً فردياً منفصلاً قام به أفراد مختلون. لعله من المفيد استحضار أن أكثر من عشرين مواطناً أصيبوا بجراح في أواخر ديسمبر في ديجون ونانتي حينما هاجم بعض الرجال بسياراتهم جموعاً من المشاة. وفي جوي ليتور، اقتحم شاب مسلم في العشرين من عمره مركزاً للشرطة وقد تسلح بسكين هاتفاً "الله أكبر" ليطعن ثلاثة رجال شرطة أصابهم بجراح قبل أن يطلق عليه رابعهم النار ويرديه قتيلاً. ثم جاء العنف الذي شهده مقر صحيفة شارلي إبدو وسوق هايبركاشير بالقرب من بورت دي فينسين. ومن المؤكد أن هناك هجمات أخرى على الطريق.
يتوجب على المواطنين الذين يهمهم ما يجري من حولهم السعي إلى فهم طبيعة وأسباب وتداعيات هذا العنف. ومثل هذا السعي يتطلب في حده الأدنى قدراً من التجرد عن لغة الغضب والاستهجان التي اكتسحت فرنسا وباقي أوروبا خلال الأسبوع الماضي.
ما شهده العالم كان بلا أدنى شك أعمالاً همجية من العنف الإجرامي. نعم، لقد كان في غاية الوحشية، ولكن على النقيض مما ساد الخطاب الإعلامي، فإن العنف الذي وقعت ممارسته لا هو "غير إنساني" (كما لو أن الإنسانية لديها سجل مثالي في مجال اللاعنف) ولا هو مما يفهم على أنه "هجوم ضد فرنسا" كما هتف بذلك خلال الأيام الأخيرة فرانسوا أولاند وسياسيون كثيرون غيره. وخلافاً لما هيمن على الخطاب الإعلامي، فإن الأحداث العنيفة لم تكن أحداثاً "فردية معزولة"، كما لا يصح تفسير العنف من خلال المصطلحات الطبية مثل "السرطان الجهادي" (كما ورد على لسان روبرت ميردوخ) أو الزعم بأن من قاموا بالهجوم كانوا "مختلين" كما زعم مراراً وتكراراً وزير الداخلية الفرنسي بيرنارد كازينوفا.
الانتقام
همجية زمننا همجية مختلفة. إنها همجية سياسية، ويتوجب أن تفهم كذلك، بداية بالحقيقة المرعبة التي مفادها أننا نشهد أعمالاً انتقامية ينفذها راديكاليون مسلمون أثار غضبهم تنامي تعصب عالمي من نوع جديد: إنه الخوف من الإسلام والذعر منه وازدراؤه. ففي كثير من مناطق الاتحاد الأوروبي، حيث يعيش اليوم أكثر من عشرين مليون إنسان مسلم، بات استدراج واصطياد المسلمين هواية شائعة. والحقيقة المرة هي أن الشك المنظم بالإسلام والإساءة إليه وتشويه صورته بات هو الوجه الجديد للعداء للسامية.
معظم أصدقائي وزملائي الأوروبيين المسلمين منزعجون ومتضايقون من هذا التوجه، ويشيرون إلى أن المديح المبتهج لمبدأ حرية التعبير المقدس – والذي حظي بدفاع شرس خلال الأيام الأخيرة من المثقفين الفرنسينن – إنما هو، في نظر معظم المسلمين المحبين للسلم، ذريعة لتوجيه الإهانات. ويتهمون المتصدرين للدفاع عن حرية التعبير بالخلط بين التعبير الذي يزعزع أصحاب النفوذ والتعبير الذي يطعن بالمستضعفين.
الإهانة
من يتقصى أصل المصطلح يخلص لا محالة إلى أن هؤلاء المسلمين محقين فيما يقولون. ولك أن تتأمل في إصرار جون ميلتون في مؤلفه آريوباجيتيكا وفي غيره على أن "التركي (أي المسلم) يحافظ على قرآنه ويلتزم به من خلال تحريم النشر"، وهو بذلك لا قبل له بتذوق حرية الصحافة. ثم تأمل في الصحيفة الدنمركية جيلاندز بوستين التي اكتشفت، وتكبدت في سبيل ذلك ثمناً باهظاً، بأن حرية الصحافة ليست فقط حرية الصحافة. إذ لا يوجد شيء اسمه حرية التعبير دون أن يكون له عواقب اجتماعية وآثار سياسية. والرسومات ليست مجرد رسومات، فاستعراضها بحجة "حرية التعبير" يمكن بسهولة أن أن يحولها إلى أسلحة للتحامل على المستضعفين والطعن فيهم.
لا عجب إذن أن حالة من الضيق والغضب عمت أوساط المسلمين الأوروبيين في عام 2012 عندما نشرت شارلي إبدو سلسلة من الرسومات للنبي محمد بما في ذلك واحدة تظهره عارياً يتمدد على سرير بينما يجري تصويره من الخلف وهو يقول "قفاي؟ هل تحبون قفاي؟"المشاهد العارية وكل وسائل النقد من هذا النوع تلقي بظل من الشك على ما زعمه فيليب فال، المدير السابق لشارلي إبدو، حين أخبر البي بي سي في الأسبوع الماضي بأن مجلته يقوم عليها أناس "مجردون من الكراهية ومن التحامل ويظهرون الاحترام للآخرين". هذه هي وجهة نظره، ولكن كثيراً من مسلمي أوروبا، ولأسباب وجيهة، لا يرون الأمور بهذا الشكل، بل هم يرون أن عقيدة العلمانية، التي تعود جذورها إلى الثورة الفرنسية، إنما هي أيديولوجية سلطة الدولة تماماً كما كانت طوال فترة الاستعمار الأوروبي لبلاد المسلمين. ويرى المسلمون أن الإصرار العلماني على أنه ينبغي على كل إنسان "حصيف" – ذكراً كان أم أنثى – أن يتخلى عن الله ليس إلى عالم تتعدد فيه الآلهة وإنما إلى عالم لا إله فيه، إنما هو نوع من التعصب، بل نوع من التسلط، ومجرد ذريعة للانقضاض على أصحاب العقائد الذين يرفضون التخلي عن تدينهم أو الانصياع لمن يريد فرض ذلك عليهم أو حملهم على إخفاء تدينهم في دهاليز أخص الخصوصيات من حياتهم.
إن رفض المسلمين للعلمانية يمكن تفهمه لو أخذنا بعين الاعتبار تصرفات بعض مسؤولي المدارس الفرنسية الذين يرفضون تزويد التلاميذ المسلمين بطعام بديل للحم الخنزير ولا عن تصرفات "المرعوبين من الكباب" الذين يصرون على أن المشويات "الأجنبية" تكاد تتسبب باختفاء الخبز الفرنسي. أمثال هؤلاء يعتبرهم المسلمون متعصبين، بل ومنافقين يتفاخرون بالتمتع بحرية "الاختيار" ولكن لا يتورعون عن تحريم ذلك على غيرهم، إذ يباشرونهم بالمهانة.كما يشعر المسلمون في فرنسا وفي غيرها من أقطار أوروبا بالإهانة بسبب الجدل الذي يثار كل حين حول النقاب والحجاب والعباءة. ويشعرون بالامتعاض الشديد حينما يقول بعض الناس (ممن في العادة لا يعرفون الفرق بين النقاب والحجاب والعباءة) إن هذه الألبسة لا تنسجم مع أساليب الحياة المعاصرة لأنها تضطهد المرأة، والتي يمكن أن تصبح بسبب ضعفها (وهذا هو أغرب ما الأمر) متواطئة محتملة وخطرة في أعمال "الإرهاب".
بالنسبة لمعظم المسلمين في أوروبا، وحتى أكثر الناس تحرراً من الناحية الفكرية من بينهم، مثل هذا الكلام أسخف من سخيف ومتناقض بشكل غاية في الغرابة، تشتم منه رائحة التحامل السياسي، وهو بحد ذاته حامل للفظاظة وانعدام التهذيب. يولد هذا التشويه للسمعة شعوراً بالمهانة، وتصدر عن المهانين تحذيرات بأن الانتقام بات وشيكاً، وهم في هذا محقون بالتأكيد، وذلك أن الإنسان إذا تعرض لما لا يحتمله من ضغوط فيمكن حينها أن يتحول الترويع والامتهان إلى أدوات فتاكة. وهذا ما يؤكده رواد التحليل النفسي من مثل جيمز غيليغان وآدم جيوكس اللذين أثبتا بالدليل العملي أن التحقير والشعور بالعار يشكلان باستمرار وقوداً للأعمال الإجرامية. القتل العمد جريمة، ولكنها نادراً ما تكون فعلاً منفرداً لشخص مجنون أو مختل عقلياً ليس له أي دوافع سياسية.
المجتمع المدني
إن العنف الإجرامي الذي جرى في الأسبوع الماضي سياسي أيضاً من جهة أخرى، فهو يذكرنا بأن المجتمع المدني بما يشتمل عليه من قواعد المدنية السلمية وتقبل الآخر المخالف إنما هي بنى هشة غير مسنودة بأي ضمانات تاريخية. صحيح أن مسيرات التضامن التي رفعت شعارات "أنا شارلي" في فرنسا وفي أماكن أخرى تؤكد أن هذه القيم الثمينة للمجتمع المدني ما تزال حية ونشطة، إلا أنها تثبت أيضاً مدى ضعفها وخاصة حينما تواجه من قبل الجوانب الأكثر إظلاماً في المجتمعات المدنية الأوروبية، والتي هي أدنى من المدنية ليس فقط من حيث إساءتها للمسلمين وإهانتها لهم، ولكن أيضاً من حيث تسهيلها لمن يرغب الحصول على بنادق الكلاشنيكوف وقاذفات الصواريخ مقابل حفنة من المال – بفضل سوق سوداء لا تطالها يد القانون.
الحرب والإرهاب
لقد غدا المقنعون المتشحون بالسواد رموزاً جديدة لحقيقة مخزية، ألا وهي أن التجارة العالمية للأسلحة الخفيفة باتت أكبر قاتل للمجتمع المدني في كل مكان حول العالم، في أوتاوا، في سيدني، في مومباي، في بيشاور والآن في باريس. ثم هناك حقيقة أخرى يجدر بنا ألا نتجاهلها، وقد يكون من غير المألوف أن نعبر عن الأمر بهذه الطريقة، لكنها بالفعل حقيقة مرة، وهي أن هذا النوع من الهمجية التي رأيناها في باريس مؤخراً ما هو إلا ثمرة مسمومة لما يسمى الحرب على الإرهاب. بعد ساعات قليلة من الهجوم على شارلي إيبدو لم يتوان بيرنارد كازانوفا بالتصريح بأن الهجمات أكدت الحاجة إلى توسيع نطاق "الحرب العالمية على الإرهاب". وكان قبل ذلك بأيام قليلة، في اجتماع دولي ضد الإرهاب، قد كرر نفس النقطة مؤكداً أن "الحرب على الإرهاب" تتطلب مقاربة عالمية. تنضوي هذه الطريقة في التفكير على خلل داخلي قاتل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فهي تثير المشاعر لدى مئات الملايين من المسلمين حول العالم ، الذين يرون أن الحرب على الإرهاب تشمل العنف العسكري المرعب الذي تقوده أمريكا بما فيه من هجمات تنفذها طائرات من غير طيار وغارات تشنها طائرات بي1-بي التي تفتك بالأبرياء، والتعذيب والإذلال الذي مورس على معتقلي غوانتانامو وأبو غريب، والرقابة وحملات التفتيش، ودعم الأنظمة الاستبدادية الوحشية في دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية.
بصراحة فجة، يمكن القول بأن الإرهاب الذي نشهده اليوم ما هو إلا الشقيق التوأم للحرب على الإرهاب، ولهذا ينبغي رفض أي حديث عن حرب عالمية ضد الإرهاب، ولا أجد رداً على ذلك أفصح من العبارة التي جاءت على لسان ساشا بارون كوهين في فيلم "بورات" (الذي صدر عام 2006) حيث يقول: تبدو هذه الحرب الدائمة على الإرهاب حرباً من الإرهاب بما فيها من هجمات بطائرات بلا طيار تشكل انطباعاً لدى كثير من المسلمي بأنها حرب شاملة تشن على جميع المسلمين بغض النظر عن مكان إقامتهم سواء كانوا في غزة أو في القاهرة أو في كابول أو كوبنهاغن أو في باريس.
الديمقراطية
هناك سبب أخير، قد يبعث على الاكتئاب، لماذا لهجمات باريس مغزى سياسي هام. ألا وهو أن العنف الذي نشهده يمثل ما يشبه البجعة السوداء حينما تتعرض القيم والمؤسسات الديمقراطية للتحدي وجهاً لوجه من قبل التفكير والسياسات المعسكرة الآخذة في الانتشار والتي باتت تقتحم حدود ما كان في يوم من الأيام ينعت بأنه الغرب العلماني.
تبدو بعيدة على نحو غريب تلك الحرب الباردة التي عشت فيها أعوام نشأتي الأولى. كانت أصعب لحظات تلك الحرب هي أزمة الصواريخ النووية الكوبية في أكتوبر من عام 1962 والتي هددت بتدمير شامل لنمط حياتنا، ولكنها لم تكن تهديداً من مكان قصي كما هو الحال الآن بفضل المتغيرات المذهلة في تقنيات العسكرة وأدوات القتال، وبفضل وفرة وسائط التواصل والإعلام، حيث غدت هذه الحرب الكونية على الإرهاب موجودة في كل مكان، وبات المرء يخشى أن تلفح بدنه نيرانها أو تصيبه شظاياها حيثما وجد، في أي مكان، في أي حافلة أو قطار، أو في أي مكان عمل أو مبنى عام، وفي أي لحظة من اللحظات، ومن حيث لا يحتسب. بإمكاننا القول إن أحداث باريس أثبتت أن حروب الإرهاب التي تدور رحاها في أماكن "أجنبية" بعيدة جداً وصلت إلى مواطننا.
في معرض ردهم على هذا التوجه، أشار كثير من المعلقين الفرنسيين خلال الأيام القليلة الماضية إلى أن جرائم باريس إنما هي عدوان على "الديمقراطية". نعم، هي كذلك بالفعل، وخاصة لأن هذه الهمجية الجديدة تسلب من المواطنين الأبرياء حياتهم وتنشر الرعب والرقابة الذاتية في أوصال المجتمع المدني بأسره. ولكن يمكن القول بأن المصل الذي تلجأ إليه الدولة لمعالجة العنف لا يقل تهديداً، فغارات الفجر التي تشنها الشرطة على البيوت الآمنة، والإنذارات الحمراء، ونقاط التفتيش، كل ذلك يسيء للديمقراطية وينال منها. وكذلك أيضاً المروحيات التي تحلق فوق رؤوسنا، والجنود المنتشرون في شوارعنا، والاشتباكات بالأسلحة النارية في الأماكن العامة، والأسوأ من ذلك كله ذهنية الحصار العسكري التي يؤسس لها ليس فقط استهدافاً للأقليات المسلمة وإنما استهدافاً لديمقراطيتنا ولحق كل واحد منا فيها.
الطريقة التي تسير بها الأمور الآن لا تبشر بخير على الإطلاق، فالبلدان الديمقراطية في أوروبا وفي غير أوروبا ستصبح قريباً أشبه بدول محاصرة داخل ثكنات عسكرية، وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذا التوجه يزعج أكثر ما يزعج مسلمي أوروبا، الذين باتوا يرون بأن نجم الديمقراطية لم يعد يسطع، فالديمقراطية أضحت تعني أن يكذب السياسيون من أمثال طوني بلير، وتعني النفاق وازدواجية المعايير (أهدى إلي صديق مسلم قطعة ممغنطة من القطع التي توضع عادة على أبواب الثلاجات كتب عليها "ترفق بأمريكا و إلا فإنها ستجلب الديمقراطية إلى بلادك"). ولقد أصبحت الديمقراطية تعني البطالة والتمييز بين الناس في التوظيف، والمواطنة من الدرجة الثانية أو انعدام المواطنة من أصله. ترتبط الديمقراطية في أذهان الكثيرين بخيبة الأمل، بالكآبة والإحباط، بالمآسي التي حلت بغزة وليبيا وسوريا والعراق. وفي مواطننا الأوروبية، باتت الديمقراطية تعني الإعلام المعادي بتغطيته النائية عن النزاهة والإنصاف، وتعني الازدراء والصمت والريبة وتنامي القمع من قبل أجهزة الدولة.
هذا هو التوجه الذي يود الرجال المقنعون تعزيزه، وعلى النقيض مما ذكر مراراً خلال الأسبوع الماضي لا تثبت الأعمال الجهادية أن "الإسلام" يخلو من الفكاهة أو أن المسلمين في تركيبتهم الجينية الوراثية ما يبغضهم في الفن الساخر وفي الكلام الصريح. ولا يقل تضليلاً عن ذلك الزعم بأن هجمات باريس ما هي إلا أعراض "لصدام الحضارات" أو ارتداد إلى "العصور الوسطى" (كما ورد على لسان زافي بويغ أحد مؤسسي صحيفة إل موندو توديه).بل إن محتوى ونمط العنف الجديد بكل تفاصيلهما ينتميان إلى القرن الحادي والعشرين.والهدف الأساسي من هذا العنف ذو بعد استراتيجي، وكأنما صمم لكي يحرض على تشريعات أشد صرامة ضد الإرهاب، وعلى رقابة أشد، وعلى عسكرة الحياة اليومية، وعلى مزيد من التصيد للمسلمين.
ولعل الراديكاليين المسلمين يهدفون إلى تسريع عملية سقوط الديمقراطية من خلال إقناع إخوانهم وأخواتهم غير الملتزمين بما هم عليه أن الديمقراطية ما هي إلا زيف في حالة احتضار. إذن، بإمكاننا القول إن الهدف النهائي للراديكاليين المسلمين هو إنهاء وجود الديمقراطيات الأوروبية التي باتت تحفها المخاطر من كل مكان. ولكن الغريب في الأمر أنهم فيما يبدو ينجحون في هذه المهمة بفضل واقع غير سوي وجدوا فيه أنفسهم في توأمة مع الحركات الشعبوية التي تستغل بشكل انتهازي الحريات المدنية والسياسية في أوروبا لكي تروج لمزاعمها العنصرية بأن المسلمين يغزون أوروبا ويسيطرون عليها.
لا نعلم يقيناً بعد، ولكن قد تكون أكثر تداعيات جرائم باريس جسامة هي الطريقة التي ستغذي من خلالها هذه الجرائم تنامي الحراك الشعبوي المناهض للمسلمين في كافة أرجاء أوروبا. وذلك أن هذه الشعبوية الجديدة، الواقعة تحت تأثير أفيون السخط العام على الوضع الحالي، لا تجد أدنى صعوبة في الترويج لمواقفها وإسماع صوتها من خلال وسائل الإعلام بكافة أصنافها وبشكل خاص من خلال الصحف والإذاعات المحلية، ومن خلال الفيسبوك وتويتير (الذي انتشرت فيه هاش تاغ #اقتلوا جميع المسلمين) صعوداً إلى قنوات التلفزيون النوعية وإلى الأدبيات النخبوية.
تعتبر رواية ميشيل أوليبيك "الخضوع" نموذجاً صارخاً للأدب الشعبوي الجديد. لقد أضحت الرواية التي صدرت منذ أسبوع فقط أكثر رواية يُتحدث عنها في أوروبا، وهذا أمر يمكن تفهمه لأن صياغتها الأدبية تعبر عن الإعراض السياسي المتزايد في كالة أرجاء القارة الأوروبية عن الديمقراطية الحزبية. ولكنها في الحقيقة نباح ضد المسلمين على شكل عمل أدبي يصور ما ستؤول إليه الأحوال عام 2022 حينما تصوت أغلبية كبيرة لصالح رفض اليسار واليمين الفرنسيين معاً. وفي تحرك مفاجئ، في الجولة الثانية من التصويت في انتخابات الرئاسة، يقرر مواطنو فرنسا الصالحون منح أصواتهم لمحمد بن عباس الذي يصبح أول رئيس مسلم منتخب في فرنسا. يبادر بن عباس بإباحة تعدد الزوجات، وإقرار صفقات تجارية مع تركيا ويجلب النقاب والشريعة الإسلامية إلى فرنسا العلمانية. يؤدي التغيير الحاصل في الحكومة إلى حالة من الإجلال والتعظيم، والخضوع المتزلف، كذلك الذي تمارسه الشخصية الرئيسية في الرواية، شخصية أكاديمي كئيب يحصل على ترقية للالتحاق بالسوربون التي تصبح الجامعة الإسلامية في باريس، ويعيش حياته مستمتعاً بما يملكه من زوجات.
لقد نفى أوليبيك أنه يساعد على تأجيج المشاعر ضد المسلمين، ومع ذلك تجده في مقابلة مع صحيفة التلغراف البريطانية يؤكد أن السيناريو الذي صوره في روايته "محتمل وقابل للتحقق".
مثل هذا الشعور المناهض للمسلمين هو الذي يغذي صعود حركة بيغيدا في ألمانيا المجاورة.يقود هذه الحركة شخص اسمه لوتز باكمان، وهو صاحب سوابق إجرامية وابن جزار من مدينة دريزدن. الاسم الكامل لبيغيدا هو "الأوروبيون الوطنيون المعارضون لأسلمة الغرب"، وهي بالفعل أوسع نطاقاً من مجرد كونها ظاهرة محلية في دريزدن أو حتى في ألمانيا، ولئن كانت بيغيدا تعني أشياء مختلفة جداً لمختلف الناس، إلا أنها بشكل عام تعبير عن رفض السياسة التي تمثلها إنغيلا ميركيل، وعن الأزمة السياسية الأوروبية بشكل عام، وهي في نفس الوقت مقياس لمدى عزوف الناس عن الديمقراطية البرلمانية.
إلا أن بيغيدا أكثر من مجرد احتجاج على نظام التعددية الحزبية الذي يلفظ أنفاسه في أوروبا، إنها صوت العنصرية الجديدة ضد المسلمين، والمعبرة عن الشعور بأن المسلمين يستولون على أوروبا، والمدهش في هذه الحركة مهارتها في اختراق أعماق المجتمع المدني. تجذب الحركة إلى تظاهراتها (التي يطلقون عليها اسم "تجوالات مسائية") أشخاصاً تملكتهم الإسلاموفوبيا يشتركون أيضاً فيما بينهم في أنهم "مواطنون غاضبون"، وهم ينتسبون إلى مختلف قطاعات المجتمع وألوان الطيف فيه، إذ تجد بينهم مشجعي كرة القدم، ومثقفي الطبقة الوسطى ومعارضي الإنتاج الصناعي للثروة الحيوانية. كما يوجد بينهم نازيون جدد، ومسيحيون، ومتعاطفون مع بوتين، وغوغائيون شوارعيون، وبعض أثرياء الشريحة العليا من الطبقى الوسطى.
قد يبدو أنصار بيغيدا والمتعاطفون معها متباينون ومتنافرون، إلا أنهم يشتركون في عدد من الأشياء المهمة فيما بينهم، ومنها الانزعاج من السياسيين والمؤسسة السياسية، ويلعنون "الإعلام الكاذب"، وهم على يقين بأن النظام الحزبي السائد لا يعبر لا عن مصالحهم المادية ولا عما يشعرون به في أعماقهم من أن وطنهم تتهدده بالغرق الأمواج المتلاطمة للإسلام. لا يرى أتباع بيغيدا حاجة لإبرام "صفقة جديدة" مع المسلمين، رغم أن هذا هو بالذات ما تحتاج إليه بإلحاح كافة المنطقة الأوروبية. هم لا يكنون مودة لأتباع العقيدة الإسلامية، ويقولون إنهم لم يعد بإمكانهم رؤية المزيد من طالبي اللجوء المسلمين بما في ذلك أولئك الذين يفدون من مناطق الحرب في كل من سوريا والعراق. قوم بيغيدا يحبون الأقوام الذين هم على شاكلتهم، يحبون المواطنين ذوي البشرة البيضاء، والقامات المنتصبة، مواطنين يكدحون بجد لكسب قوتهم، مواطنين يرغبون في استعادة وطنهم.
أغرب ما في الأمر على الإطلاق هو اعتبار أنصار بيغيدا أنفسهم ديمقراطيين. إنهم يرون أنهم شعب الشعب، وأصحاب أقصر تعريف للديمقراطية بوصفها حكم الشعب للشعب من قبل الشعب. يبدو شعب بيغيدا جاهلاً عن سبق إصرار وترصد بحقيقة تاريخية مفادها أن أعراف الديمقراطية قد تطورت بشكل مستمر منذ عام 1945. صارت الديمقراطية مع مرور الزمن تعني أكثر بكثير من مجرد الفوز بالانتخابات، وبات من أركانها رفض السلطة التعسفية أياً كان مجال ممارستها وحيثما وجدت. إن من أهم مدلولات الديمقراطية هذه الأيام خضوع السلطة للمحاسبة الشعبية، والتواضع السياسي، واحترام التنوعات والتراكيب، ورفض كافة أشكال الطغيان والبلطجة والعنف الذي يستهدف أبدان الناس ودماءهم حيثما وجدوا.
هذه هي أعراف الديمقراطية في عصرنا الحالي، وهي الأعراف التي يصر أنصار بيغيدا ومن يرتحل في ركبهم على إدارة ظهورهم لها، ويفعلون ذلك باسم مبدأ سيادة الشعب الذي عفى عليه الزمن ولم يعد له من قيمة تذكر، ناهيك عن أن تعريفهم للديمقراطية إقصائي وتحريضي ويمكن أن تكون لها تداعيات قاتلة، إنه تعريف لا مكان للمسلمين فيه. حينما يتكلم هؤلاء الشعبويون الاستبداديون عن الديمقراطية فإنهم في واقع الأمر يقصدون القول "لا مكان لك هنا لأنك لست واحداً منا".
بهذا المعنى يكون شعبويو بيغيدا ارتكاسيين (أي أصحاب سوابق إجرامية يعودون للإجرام المرة تلو الأخرى). إنهم يريدون لأوروبا أن تعيد عقارب ساعاتها إلى الوراء، أو التقدم إلى الأمام من خلال القفز إلى الماضي، إلى عالم يفترض أن الشعب كان فيه يحكم نفسه بنفسه ولنفسه. ولذلك تراهم يهتفون حينما يتجمعون في تظاهراتهم المسائية كل اثنين "نحو الشعب"، وهذا يشبه تماماً ما كان يهتف به العنصريون في الشوارع في الأعوام التي سبقت 1933.
جون كين:
أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدني، وشغل لسنوات طويلة قبل ذلك منصب مدير مركز دراسات الديمقراطية في جامعة ويستمنستر ببريطانيا.
له عدد كبير من المؤلفات في الديمقراطية والإعلام والعنف السياسي والمجتمع المدني
مترجم خصيصا لـ"عربي21" عن موقع "ميديل إيست آي"
فولتير" يحدثكم عن ملابسات العلمانية والعلمانيين؟
بقلم: محمد وراضي / كاتب مغربي
بمساعدة الشيخ فولتير الفرنسي الهوية الذي يؤمن بوجود الله ويكفر بالكهنوت، أي بالفكر الظلامي الديني، نحاول إجلاء الغموض الذي عشش في أذهان المتعصبين للعلمانية دونما تمحيص وروية، وكأنها أصبحت من البديهيات التي لا تقتضي أية براهين للحكم على ما دار حولها ويدور. مع أن الأمر بخصوصها لا يدخل في إطار عملية رياضية بسيطة نظير: 2+2=4.
وقبل إعطاء الكلمة لواحد من أبرز فلاسفة القرن الثامن عشر: فولتير (1694-1778م) كمسيحي على دراية تامة بحقيقة الدين المشوه الذي ناء بكلكله على صدور الغربيين لقرون مظلمة قاتمة، نطرح تساؤلات واقعية تاريخية، غير وهمية وغير ميتافيزيقية. أولها أين ولد السيد المسيح؟ ومتى ولد؟ وما مصير رسالته السماوية التي بعث لتبليغها؟
ولد بعد بناء مدينة روما بسبعة قرون وثمانية وأربعين سنة. ومكان ولادته بيت لحم الفلسطينية التي لا تبعد عن القدس إلا بتسع كيلومترات. ولما بعث نبيا ورسولا، تعرض لمضايقات الرومان واليهود، حيث عقد هذان حلفا للقضاء عليه وعلى دعوته في المهد.
فكان أن انتهى الأمر بهما إلى حد صلبه حسب رواية المسيحيين المخالفة بكل تأكيد لرواية المسلمين الواردة في القرآن الكريم. وعلى الراغبين في الاطلاع على كيفية صلبه مراجعة كتاب "قرية ظالمة" للدكتور المصري الراحل: محمد كامل حسين.
ثم كان أن لجأ أتباعه وتلامذته إلى العمل السري تجنبا للاضطهاد الذي تعرضوا له على يد الرومان الذين كانوا يدينون رسميا وشعبيا بالوثنية وديانات أخرى غير سماوية. واستمر اضطهاد المسيحيين لعدة قرون، إلى حد أن اعتناق ديانتهم يعد جرما في حق الدولة. هذه التي كانت تعتمد كإمبراطورية شاسعة الأطراف في تسيير شؤونها العامة والخاصة على القوانين الوضعية.
ولم تخرج المسيحية من السر إلى العلن إلا بعد أن أخذ الإمبراطور قسطنطين بسياسة الأمر الواقع. فأصدر مرسوم ميلان الشهير عام 313م، معترفا بالديانة المسيحية التي تدرجت في انتشارها إلى أن حلت محل الديانة الوثنية، فأصبحت رسمية.
ثم كان أن تطورت من خلال القيمين عليها من رهبان برتبهم المختلفة. هؤلاء الذين انفردوا بالتنظير للمسيحية في صورة ما يعرف بـ"الكهنوت"! ثم سرعان ما تأسست الكنيسة التي سبقها تأسيس الأديرة، وظهر الموجه الأكبر للمسيحية باسم البابا، حيث أصبحت للكنيسة سلطة لا تقهر، تمثلت حتى في خضوع الحكام العلمانيين للقرارات الباباوية! لا لأن الإنجيل ينص على الممارسات المفروضة باسم الدين، وإنما لطغيان المتفردين بشرحه لأغراض مادية محضة!
والحال أن الإنجيل كما قلنا ونكرر ثم نكرر، لا يتضمن أحكاما شرعية عملية كالقرآن. وهذا ما سوف يوضحه الشيخ فولتير لكل متعصب للعلمانية بالمفهوم الشائع "فصل الدين عن الدولة". وسؤالنا الأساسي الذي ننتظر الرد عليه من العلمانيين هو بكل دقة وبكل وضوح: أي دين تم فصله عن الدولة لدى الغربيين؟
يقول فولتير: "إن الكنيسة تصرح بأن الأفكار التي جاء يسوع المسيح مبشرا بها على الأرض أمانة في عنقها. وتتطلب لهذا السبب أن يقر كل فرد بسلطانها ويمتثل لوصاياها. لا شيء أكذب من هذا الزعم! فليس من علاقة أبدا بين مبادئ يسوع (الواردة في الإنجيل) وبين مبادئ الكنيسة... امسكوا الإنجيل بيد، وهذه المبادئ باليد الأخرى، وانظروا هل من مبدإ من هذه المبادئ في الإنجيل! ثم احكموا، هل المسيحيون الذين يعبدون المسيح هم على دين المسيح؟؟؟ فالمسيح لم يقل في الأناجيل: لقد جئت وسأموت كي أجتث المعصية الأصلية (= أكل آدم وحواء من الشجرة الممنوعة)! إن جوهري وجوهر الله واحد! ونحن أقانيم ثلاثة في الله! وأن لي طبيعتين وإرادتين، ولست إلا شخصا واحدا. لست أبا ولكني والأب شيء واحد! فأنا هو ولست هو؟ وأمي أم الله! آمركم أن تضعوا – بالنطق – في كسرة خبز صغيرة جسمي كله، شعري، أظافري، بولي، دمي! وأن تضعوا في ذات الوقت دمي على حدة في كأس نبيذ... إن المسيح لم يقل شيئا من ذلك كله! ليس هذا فحسب، بل إنه لم يفكر قط فيه! ولو قيض له أن يرجع بيننا فكم سيكون غضبه شديدا وكم ستكون دهشته عظيمة"!!!
ثم يضيف: "ماذا سيقول حينئذ في عادات أولئك الذين يصرحون بأنهم ممثلوه في الأرض؟ فالمسيح استنكر التفاوت في الدرجات بين الكهنة! ولكن الكنيسة تقوم على التسلسل الكهنوتي! البابا والمطارنة ورؤساء الأديرة، يأمرون وينهون على هواهم! وصغار الكهنة لا يملكون سوى حق الارتجاف والطاعة! والمسيح استنكر الغنى وأشاد بالفقر. ولكن البابا والمطارنة ورؤساء الأديرة يرفلون في بحبوحة من العيش، باستثناء صغار الكهنة الذين يحيون حياة بائسة ويموتون جوعا"!
فنصل إلى أن مسمى الإنجيل لا وجود له مطبقا على الأرض كقوانين أو كأحكام عملية شرعية! وإنما الموجود على الأرض لتنظيم الإمبراطورية الرومانية، والدول المنفصلة عنها لاحقا هو القوانين الوضعية! فيكون علينا من باب الموضوعية والنزاهة الفكرية أن نسأل أنصار العلمانية والدعاة إليها عن مؤلفات تضم أحكاما دينية كانت هي التي جرى بها تنظيم الإمبراطورية والدول المستقلة عنها واحدة تلو أخرى!
وسؤالنا هذا كتحد منا للعلمانيين، يرتبط به سؤال آخر هو: هل في الأناجيل فعلا أحكام كانت هي المعتمدة في تسيير شؤون الدول الغربية برمتها؟ وإن لم تكن موجودة فيها، لزم القول بأن ادعاء فصل الدين عن الدولة غير وارد لدى الغربيين! إنما الوارد عندهم: فصل مسمى السلطة الروحية (= كهنوت الرهبان) عن مسمى السلطة الزمنية (= القوانين السائدة حتى قبل ولادة السيد المسيح)!!! وما حصل لدى المسلمين طوال قرون، يختلف تماما عما حصل لدى الغربيين، يعني أنه لا مجال أبدا لأية مقارنة، ولا لأي تطابق يذكر!!!
وهكذا نصل إلى أن فصل الدين عن الدولة لم يعرفه الغرب على الإطلاق. وإنما عرفه المسلمون مباشرة بعد خضوعهم للاحتلال الأجنبي الغربي المقيت!!!
17 يناير 2015
الجنائية الدولية تفتح تحقيقا أوليا بجرائم حرب اسرائيلية بفلسطين
أعلنت المحكمة الجنائية الدولية امس الجمعة 16 يناير / كانون الثاني فتح تحقيق أولي عن جرائم حرب مفترضة ارتكبت منذ يونيو/حزيران 2014 في فلسطين، وانتقدت إسرائيل القرار بشدة، في حين اعتبرته السلطة الفلسطينية "أمرا عاديا”.
وقال مكتب الادعاء في المحكمة الدولية في بيان إنه فتح تحقيقا أوليا (وهو مرحلة تسبق التحقيق) في جرائم حرب محتملة وقعت على الأراضي الفلسطينية، وذلك في أول خطوة رسمية قد تؤدي إلى توجيه اتهامات لمسؤولين هناك أو في إسرائيل.
وشدد بيان المحكمة على أن "الدراسة الأولية ليست تحقيقا، وإنما هي عملية لفحص المعلومات المتاحة بُغية التوصل إلى قرار يستند إلى معلومات وافية بشأن مدى توفر أساس معقول لمباشرة تحقيق عملا بالمعايير المحددة في نظام روما الأساسي”.
وقال مكتب الادعاء إنه سيجري تحليله "باستقلال تام وحيادية"، مضيفا أن من سياساته المعمول بها أن يفتح تحقيقا أوليا بعد أن يتلقى مثل هذه الإحالة.
وفي الأول من يناير/كانون الثاني الحالي قبل يوم من تقديمها طلب عضوية المحكمة الجنائية، طلبت الحكومة الفلسطينية من مكتب الادعاء في المحكمة التحقيق في جرائم تقول إنها ارتكبت في الأراضي الفلسطينية منذ 13 يونيو/حزيران الماضي تاريخ بدء آخر هجوم إسرائيلي على غزة.
ويمكن أن يؤدي تحقيق أولي إلى توجيه تهم بارتكاب جرائم حرب لإسرائيل سواء اتصلت بالحرب الأخيرة أو الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة المستمر منذ 47 عاما.
ومن جانب اخر بدأ مجلس النواب الإيطالي مناقشة ثلاثة بيانات برلمانية تدعو الحكومة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وبيان رابع تتبناه أحزاب اليمين المؤيدة لإسرائيل يعارض المساعي الفلسطينية.
ويلزم أول بيان تم إيداعه في أكتوبر الماضي الحكومة الإيطالية "الاعتراف التام والرسمي بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 وفق قرارات الأمم المتحدة بينما يقتصر بيان متزامن على "الاعتراف بشكل كامل ونهائي بالدولة الفلسطينية" والعمل على وضعها على جدول باقي الدول الأوربية.
وفيما يلزم البيان الثالث الذي تم إيداعه في أواخر نوفمبر الماضي الحكومة "الاعتراف بالدولة الفلسطينية أسوة بالاعتراف بإسرائيل" كخطوة دبلوماسية تحدث تحولا تفاوضيا إيجابيا يؤدي إلى حل "الشعبين والدولتين"، حث بيان أودعه مؤخرا حزب "شعب الحرية" بزعامة بيرلسكوني الحكومة على "عدم تأييد أو تسهيل مساعي السلطة الفلسطينية الحصول على اعتراف دولي كدولة ذات سيادة قبل الاتفاق مع إسرائيل.
ومن المقرر أن تدلي الحكومة برأيها في جلسة لم يحدد موعدها تمهيدا لتصويت على البيانات المطروحة أو بعضها أو تأجيل التصويت في نهاية النقاش الذي بدأ عصر الجمعة الماضي ١٦ يناير\كانون الثاني بحضور سفيرة السلطة الفلسطينية في روما مي الخليل.
وكانت إيطاليا في ظل حكومة ماريو مونتي الائتلافية قد صوتت في نوفمبر 2011 وبعد تردد لصالح الحصول على صفة دولة غير عضو مراقب في الأمم المتحدة.
أخبار فلسطين في أوروبا
أعلنت الخبيرة الأممية البارزة رشيدة مانجو امس الجمعة ١٦ يناير\كانون الثاني إلغاء زيارة كان من المقرر أن تقوم بها إلى الأراضي الفلسطينية تلبية لدعوة من السلطة الفلسطينية بسبب عدم تعاون الاحتلال الاسرائيلي، وقالت خبيرة الأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد المرأة رشيدة مانجو في بيان إن السلطات الاسرائيلية بحكم انها سلطة الاحتلال لم تقدم الدعم الكامل لإتمام الزيارة بما في ذلك أيضا عدم منحها تأشيرة دخول في الفترة ما بين 19 و 29 يناير الجاري.
قالت وزيرة خارجية السويد مارغوت فالستروم امس الجمعة ١٦ يناير\كانون الثاني أن إسرائيل "تخطت كل الحدود" في رد فعلها على اعتراف ستوكهولم بدولة فلسطين. وفي مقابلة أجرتها مع صحيفة "داغنس نيهتر" اعتبرت أن "الطريقة التي يتحدثون بها (الإسرائيليون) عنا وعن الآخرين غير مقبولة،
أعلنت رئاسة مؤتمر فلسطينيي أوروبا ان النسخة الثالثة عشر من المؤتمر السنوي سينعقد في العاصمة الالمانية برلين يوم السبت الموافق 25 نيسان/أبريل 2015 بالشراكة مع مركز العودة الفلسطيني والتجمع الفلسطيني في ألمانيا وبالتعاون مع المؤسسات الفلسطينية والعربية العاملة هناك وعموم أوروبا.
صوت مساء الأربعاء الماضي 14 يناير\كانون الثاني، برلمان إقليم والوني بروكسل، أي برلمان المجموعة الناطقة باللغة الفرنسية، على قرار يدعو الحكومة الفيدرالية البلجيكية الاعتراف بشكل كامل بدولة فلسطين. وبذلك يكون هذا البرلمان الإقليمي الثالث الذي يطالب بالاعتراف بدولة فلسطين . وقد صوت لصالح القرار 61 نائبا من أصل 94 فيما صوت 27 ضد المشروع.
شكلت حادثة الاعتداء الإسرائيلي على سفينة مافي مرمرة عام 2010 محطة فارقة في رحلات فك الحصار عن قطاع غزة، وكانت الناشطة البريطانية ألكسندرا واحدة ممن غيرت الحادثة حياتهم، وتعمل مع زملاء لها على ملاحقة مسؤولين إسرائيليين قضائيا لدى المحاكم البريطانية.
لم يخف وزير الخارجية الإسباني شعوره بالصدمة، خلال زيارته إلى قطاع غزة الثلاثاء الماضي ١٣ يناير\كانون الثاني التي دامت لساعات فقط، بعدما شاهد الدمار الذي خلفته قوات الاحتلال الإسرائيلي، في حربها الأخيرة. وهي صدمة شاطره فيها المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، الذي دعا للإسراع في عمليات الإعمار.
أضاء حقوقيون فلسطينيون، وممثلون عن مؤسسات المجتمع المدني، الشموع، مساء الأحد الماضي ١١ يناير\كانون الثاني، أمام المركز الثقافي الفرنسي، غربي مدينة غزة، تضامناً مع الضحايا الذين سقطوا في الأيام الماضية في فرنسا، مؤكدين أنّ "الشعب الفلسطيني، إذ يدين الإرهاب، فإنه من أكثر المتضررين منه". ونُظّمت وقفة احتجاجية، دعت إليها شبكة المنظمات الأهلية، وحمل المشاركون شعارات تدعو لنبذ العنف، واحترام حرية الرأي والتعبير.
رفض مدير عام اتحاد المنظمات اليهودية في اوروبا الحاخام مناحيم مرغولين، دعوة رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو ليهود فرنسا بالقدوم الى اسرائيل في اعقاب الاعمال الارهابية التي وقعت في فرنسا في الايام الاخيرة
أدانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الهجمات التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس، وقالت إنه لا يوجد مبرر لقتل الأبرياء، واستنكرت ما سمتها المحاولات البائسة لإسرائيل للربط بين أنشطتها والعنف في فرنسا.
وقالت الحركة في بيان -كتب بالفرنسية أيضا- إنها "تؤكد على موقفها المحدد من الأحداث الأخيرة في باريس والمنسجم مع بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والذي استنكر وأدان ما حدث من اعتداء على صحيفة شارلي إيبدو، وأن أي خلاف في الرأي والفكر ليس مبررا لقتل الأبرياء".
د. فيصل القاسم يكتب: إلى متى نبقى نحن العرب فئران تجارب؟
تتخبط المجتمعات العربية في بحر من المتغيرات والزلازل السياسية والثقافية والدينية والاجتماعية المخيفة، بحيث لا تستطيع أن ترسو على بر. لماذا؟ لأنها أولاً محكومة بأنظمة سياسية تابعة وغير مستقلة ولا مستقرة، وتنفذ سياسات وضعها الغير لها، وثانياً لأنها ليست أكثر من مختبرات تجارب، إن لم نقل فئران تجارب. فهي مطلوب منها أن تغير نمط حياتها وثقافتها وتوجهاتها وحتى معتقداتها بين عقد وآخر كي تتماشى مع المتحكمين بها خارجياً.
قبل أكثر من نصف قرن من الزمان – وهي فترة قصيرة جداً في عمر الشعوب – سنّت بعض القوى الكبرى المتحكمة بمنطقتنا جغرافياً وديموغرافياً وثقافياً وإعلامياً ما يشبه الفرمانات والمراسيم الملزمة لبعض دولنا كي تتبع نظاماً إسلامياً متزمتاً ومناهج تعليمية متحجرة، لأنها وجدت في مثل هذا النظام الوسيلة الأنجع للوقوف في وجه بعض النظم السياسية العربية الناشئة التي قد تهدد مصالحها في المنطقة كالنظم القومية والاشتراكية التي كانت تابعة بدورها للمعسكر السوفياتي.
بعبارة أخرى، فإن المجتمعات العربية ذات التوجه الإسلامي أو الاشتراكي أو القومي كانت بمجملها ضرورات أملتها العوامل الخارجية أكثر منها المتطلبات الداخلية. فهذا النظام أقام دولة ‘إسلامية’ كي يرضي أسياده الأمريكيين والأوروبيين، ويحارب إلى جانبهم، وذاك أنشأ نظاماً اشتراكياً نزولاً عند رغبة أسياده السوفيات، بما ينطوي عليه ذلك من فرض وقهر وتوجهات قسرية مخالفة لطبيعة المجتمع وميوله الإنسانية.
وبعد أن تغيرت التحالفات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة وظهور أمريكا كقطب أوحد، كان لا بد للمجتمعات العربية أن تتغير مائة وثمانين درجة كي تواكب سادتها الأمريكيين الجدد الذين لم تعد تناسبهم النظم الاجتماعية التي أمروا بقيامها، ودعموها في النصف الثاني من القرن العشرين.
لهذا السبب تحديداً نرى أن المجتمعات العربية تتخبط منذ سنوات في بحر من الفوضى والاضطرابات والهزات الاجتماعية والسياسية الرهيبة.
لقد دأبت بعض الأنظمة العربية منذ أكثر من خمسين عاماً على بناء ما تزعم أنه مجتمعات إسلامية الطابع، وجندت لها ميزانيات هائلة كي تكرسها، وتقويها، وتثبت أسسها من خلال وسائل إعلام ونظم تعليمية «متأسلمة». وقد كان الهدف من كل ذلك، في واقع الأمر، ليس إقامة مجتمعات إسلامية، بل من أجل صد التغول الشيوعي في المنطقة العربية الذي كان ينافس الهيمنة الأمريكية.
وقد تطور هذا المجتمع الإسلامي المزعوم في ذروة الصراع السوفييتي الأمريكي في أفغانستان كي يزود من يسمون بالمجاهدين الأفغان بمزيد من المقاتلين العرب العقائديين من أجل طرد «الغازي السوفييتي».
وقد تبين فيما بعد أن الاستخبارات الأمريكية ومعها بعض الأجهزة العربية كانت وراء هذه اللعبة القذرة التي راح ضحيتها الألوف من المضحوك عليهم من السذج العرب الذين تحولوا فجأة من «مجاهدين» إلى إرهابيين في عُرف من صنعوهم.
وقد كان الهدف الأول والرئيسي من تلك الحملة ‘الإيمانية’ الملعوبة جيداً طرد المحتل السوفياتي من أفغانستان كي يحل محله الأمريكيون فيما بعد بطريقة منظمة وملعوبة كالشطرنج في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.
لم يعد الإسلام الجهادي مطلوباً بعد أن تخلصت أمريكا من عدوها التقليدي (الشيوعية)، وبالتالي لا بد من تفكيك المجتمعات التي عاشت على الأصولية الإسلامية لعقود. ومطلوب الآن تفصيل إسلام جديد يناسب المجتمعات التي يريدها الغرب.
لا عجب إذن أن قامت بعض المعاهد الغربية بوضع خطط لتكوين إسلام ناعم يتواءم مع المخططات الأمريكية الجديدة في العالم العربي. وكان لا بد للإسلام الجديد أن ينقلب مائة وثمانين درجة على الإسلام الذي كان مطلوباً أيام الحرب الباردة. إنه ‘الإسلام الليبرالي’ الذي يقبل بكل الأطروحات والمفاهيم والقيم الغربية، ويساعد على نشرها وترسيخها في المنطقة.
لا عجب أن رأينا بعض ‘الإسلاميين العرب الجدد’ يقودون الحملة الجديدة لتطهير العالمين العربي والإسلامي من الفيروس الأصولي القديم، ويبشرون بـ’التسامح والمحبة والديموقراطية’.
من هو المخول والقادر إذن على القيام بهذه المهمة التفكيكية للمجتمعات العربية المطلوب إعادة تركيبها؟ إنه الإعلام، وليس أي إعلام، بل الإعلام الترفيهي التجهيلي الهابط المعتمد على إثارة الغرائز ومسح العقول وتغييب الوعي، خاصة وأن المهمة أمامه شاقة للغاية، وتحديداً في البلدان التي حملت مشعل الإسلام الأصولي. فليس من السهل تحويل اتجاه المتزمتين دينياً بالاتجاه المطلوب إلا بفضائيات رخيصة تنتشر كالفطر البري في السموات العربية، وتغزو عقولهم وقلوبهم بما لذ وطاب من أغان ومسلسلات محلية وأجنبية مدبلجة وأفلام وغانيات كاسيات عاريات وراقصات ومطربات ماجنات واحتكارات فنية شيطانية. في الماضي أرادونا أن نكون متدينين متزمتين. وفي لحظة ما يريدوننا أن نكون راقصات وراقصين وطبالين وزمارين، على أن نكون مستعدين مرة أخرى لنصبح «جهاديين» إذا اقتضت الحاجة.
إلى متى نبقى مجتمعات للتركيب والتفكيك عند الحاجة نزولاً عند رغبة هذه القوة الخارجية أو تلك؟ أما آن الأوان لأن تكون لدينا ثقافتنا الخاصة بنا المنبثقة من طبيعتنا وواقعنا وتاريخنا وتراثنا وأحلأمنا وآمالنا؟ بالطبع. لكن ذلك لن يتحقق إلا عندما تكون لدينا حكومات وأنظمة مختارة داخلياً وليس مفروضة من الخارج. وعيش يا كديش ليطلع الحشيش!
٭ كاتب واعلامي سوري
في دراسة غير منشورة .. مجدي حسين يكتب: قصة منع مصر من تصنيع الطائرة بدون طيار
عبادة أمريكا.. هي الشرك المعاصر حلقة (9)..
كتبت في مايو 2014
الشعب
نواصل عرض دراسة مجدي أحمد حسين غير المنشورة وهذه الحلقة بعنوان (لا حول ولا قوة إلا بأمريكا) في إطار نفس الباب (عقيدة عدم القدرة على تحدي أمريكا) وتركز هذه الحلقة على اعتماد مصر الكلي على التسليح الأمريكي مما يجعل الأمن القومي المصري في مهب الريح "الشعب"
التسليح : لا حول ولا قوة إلا بأمريكا :
لا حول ولا قوة إلا بأمريكا .. سلمنا أمرنا لأمريكا .. سلمنا لها أهم شيء، سلمنا لها أرواحنا ودماءنا، سلمنا لها أمننا، اعتمادنا أصبح عليها وليس على الله؛ لأن الله أمرنا ألا نهش ونبش في وجوه الذين ظلموا فكيف، ونحن نأخذ منهم السلاح مجانًا، نحن نعصي الله بصورة مباشرة وبنص قرآني صريح جاء فيهِ (إنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) 9 الممتحنة / حتى العدوان على أفغانستان واحتلالها عام 2001 لم تكن أمريكا تحت البند الأول (القتال المباشر) ولكنها كانت دومًا تحت البند الثاني (وظاهروا على إخراجكم) منذ ورثت من بريطانيا وفرنسا دعم الكِيان الإسرائيلي خاصة منذ الستينيات من القرن العشرين، (وظاهروا على إخراجكم) تعني المساندة وتقديم الدعم خاصة المادي لمن يخرجون المسلمين من ديارهم (أي إسرائيل)، نحن أمام آيات محكمات لا يختلف في معناها مفسران للقرآن الكريم .
وما يحدث في قضية اعتماد الجيش المصري على التسليح الأمريكي بنسبة 70% يماثل في الحياة الشخصية أن يقوم رب أسرة تتعرض ممتلكاته و زراعاته لهجمات اللصوص أو الجيران المخالفين له والمنازعين له على ملكية الأرض، قيام رب هذه الأسرة بالاتفاق مع عصابة لصوص أو بلطجية أو شركة أمنية سيئة السمعة على أن يتولوا حماية الممتلكات (البيت والمزرعة) وحماية الأسرة، في الحياة العادية نسمي هذا الشخص "مغفل" أو "سفيه" أو "أبله" أو "ديوث" أو "مغلوب على أمره"، خاصة عندما نعلم أن هذه العصابة أو الشركة الأمنية لا تتلقى مقابلاً ماليًّا لعملها، إذن لابد أنها ستحقق مكاسب مادية بطريقة أخرى، فهؤلاء ليسوا قديسين ولا يعملون لوجه الله تعالى، وربما يحصلون على مكاسبهم بالاستيلاء على خيرات المزرعة أو السطو على البنات، بل لا شك أنهم سيستهدفون أن تكون المزرعة كلها بمن عليها ملكًا لهم في واقع الأمر، حتى وإن ظل رب الأسرة وصاحب المزرعة هو المالك القانوني وفقًا لسجلات الشهر العقاري التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وفي الحياة العادية نسأل : لماذا فعل رب الأسرة ذلك ؟! هل تعرض لابتزاز مسلح (احتمال) هل تعرض لوعود براقة ومكاسب كبرى من هذه العلاقة الآثمة (احتمال) هل سقط في مديونية ووعده زعيم العصابة بتسوية الموضوع ؟! (احتمال ثالث)
كل هذا حدث لنا مع أمريكا، وأنا لا ألوم القوات المسلحة، ولكن ألوم القيادة السياسية صاحبة القرار والتوجه، ومن كان يتصور أن أفاقًا كانت ستفتح لمصر بهذا الأسلوب المنحط فهو خائب أو لا يفهم في السياسة ولا في الدين، لقد ظلت مصر مذلولة في كل المجالات بهذا الكلمة التي أشرنا إليها وقالها عمر سليمان (لابد أن نراعي أن 70% من تسليحنا من أمريكا)، ولكن من الذي صنع هذه الحقيقة، وحولها إلى حقيقة مقدسة أبدية ؟ .. خزي الحكام وغفلتهم وبؤس خياراتهم التي لابد في نهاية المطاف أن تصل بهم إلى الخيانة، وكما قلنا ونكرر فإن أمريكا المتحالفة استراتيجيًّا مع إسرائيل لا يمكن أن تعطينا سلاحًا يوازي، ولا أقول أقوى مما لدى إسرائيل، وهذا منطق بسيط يدركه الصبية ولا يحتاج لعقول استراتيجية أو خبراء عسكريين، وقد نشرنا كثيرًا من الدراسات العسكرية حول سوء حالة تسليح القوات المسلحة، ولذلك فلا أرى أن الأمر يستحق كثيرًا من الجدل، فهي مسألة إرادة وعزم وتصميم وإيمان.
ولكن أشير إلى بعض المعلومات غير المنشورة لتأكيد هذه المعاني، طبعًا لقد انشغل الناس الطيبين في القوات المسلحة وخارجها بأننا ننوع مصادر السلاح والمقصود الـ30% الباقية، وعسكريًّا فإن تسليح 70% من الجيش هو الذي يحسم أمر النصر والهزيمة، وبالتالي فإن التنوع في حدود الـ 30% لن يفيد كثيرًا .. كما أن معظم الـ30% تحت عين أمريكا، فهي صفقات علنية في معظمها مع روسيا والصين وتظهر في العروض والمناورات وكذلك فرنسا وإيطاليا، ولا شك أننا حصلنا على بعض الصواريخ المتوسطة المدى من كوريا الشمالية، ولكن بلدًا بحجم مصر وفي موقف عسير في مواجهة إسرائيل لابد أن يكون التصنيع الحربي الوطني هو الأساس، وأن يكون الاستيراد حلقة وسيطة لا تطول أكثر مما طالت، ولكن القوم لا يبدو أن حرب إسرائيل في مخيلتهم، بل لقد استيقنوا أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، وأن صداقتنا لأمريكا وإسرائيل أبدية، وهناك بلاد كثيرة في حالة صداقة حقيقية مع الولايات المتحدة، ولكنها تعتمد على صناعتها الحربية الوطنية لتسليح جيشها، كفرنسا وانجلترا والسويد وسويسرا وإيطاليا وغير ذلك كثير .
ونحن قد قطعنا شوطًا معقولاً في التصنيع الحربي ولكنه توقف بصورة أساسية بعد كامب ديفيد وتحول التصنيع الحربي إلى الحلل والأطباق والشوك والملاعق وغيرها ونحن يمكن أن نصدر جزءًا من الإنتاج الحربي كما تفعل إسرائيل وغيرها من الدول، ويمكن أن نحقق مكاسب اقتصادية، وهذه الأمور لا توجد فيها أسرار عسكرية، فإذا صنعنا دبابة مصرية فستكون معروفة ونسلح بها جيشنا ونصدر بعضها ..إلخ
أمريكا لا تتركنا، فهي لا تعطينا 70% من السلاح مجانًا، ثم تنام لنلعب بذيلنا بل تراقب كل شيء قدر الإمكان وبالأخص في مجال التصنيع، وكما ذكرنا فإن التصنيع لا يمكن أن يحدث سرًا، إلا في بعض التفاصيل، وليس في حقيقة المنتج النهائي.
وأعلم علم اليقين أن مصر لديها عقول فذة ومنتجة في مجال بحوث الفضاء والصواريخ والطيران والأسلحة داخل وخارج مصر، عسكريين ومدنيين، ولكن الضوء الأحمر الأمريكي جاهز للإضاءة عند أي محاولة جادة للتصنيع، أضرب مثلًا واحدًا، فالوطنيون الجادون في القوات المسلحة وما أكثرهم لم يغب عن ذهنهم ضرورة تصنيع الطائرة بدون طيار مثلاً .. بعد أن صنعتها حماس وحزب الله بل وصنعها بعض طلاب مصر في كليات الهندسة !! وجرت مباحثات مع عدة دول وتمت دراسة عدة عروض، وتم الاتفاق مع جنوب أفريقيا، وكان اتفاقًا جيدًا؛ لأنه يتضمن التصنيع في مصر، مع خطة لنقل الخبرة بحيث يمكن لمصر خلال فترة زمنية معينة أن تعتمد على نفسها تمامًا في الإنتاج، ولكن قبل بداية التنفيذ تمت إضاءة الضوء الأحمر من واشنطن وتم إيقاف المشروع وبدون بديل آخر .
وقبل ذلك في عهد أبي غزالة وزير الدفاع الراحل، كان هناك مشروع صناعة صواريخ مشتركة مع العراق ودولة من أمريكا اللاتينية (الأرجنتين) وكان انكشاف هذا المشروع فرصة لمبارك للخلاص من منافسه أبي غزالة بالتفاهم مع الأمريكان وقد كان .
ومن الأمور التي تعد أقرب إلى الهزل منه إلى الجد، أن أمريكا أقامت لنا على أرض مصر مصنعًا لإنتاج الدبابة الأمريكية الحديثة M1A1 وهذا ليس تصنيعًا بل تجميع وتركيب، ولا يعلمنا كيف نصنع الدبابة، وغالبًا فإن هذا المصنع قد أغلق منذ سنوات وهو بلا جدوى لأن أمريكا تسيطر عليه تمامًا، والإنتاج منه أو الاستيراد من أمريكا سواء .
قبل أن نترك هذه النقطة لابد من التأكيد على عدة بديهيات : أن الاعتماد الكلي على المعونة الأمريكية العسكرية لتغطية معظم تسليحنا يعني الهيمنة الأمريكية الشاملة والكاملة على الجيش المصري، لأن السلاح الحديث ليس بضاعة روتينية تأخذها وتجري، السلاح المجاني الأمريكي يعني أن نكون خاضعين للأمريكان في صيانة هذه الأسلحة، والإمداد بقطع غيارها، وتنظيم دورات التدريب على استخدامها على الأراضي المصرية أو الأمريكية، وتعويض هذه الأسلحة التي ينتهي عمرها الافتراضي أو تتحطم في التدريب أو الحرب، تطوير هذه الأسلحة، وبالتالي يصبح الجيش المصري كالطفل القاصر العاجز عن الاعتماد على نفسه في السلاح، بينما هو منهمك في صناعة المكرونة وأعمال الصرف الصحي ومد الطرق والكباري .
تجارة السلاح وإفساد العسكر
وقد أدت العلاقات العسكرية الدونية مع الولايات المتحدة إلى إفساد الجيش المصري وقد كان هذا هدفًا مطلوبًا، بل إن الولايات المتحدة واليهود يعتبرون أنهم يشترون أمن إسرائيل بثمن بخس وهو 1.3 مليار دولار سنويًّا هو حجم المعونة العسكرية لمصر مقابل ضمان أمن إسرائيل طوال 40 عامًا حتى الآن، إن قيادة الجيش الإسرائيلي تنام كل يوم ملء الجفون طوال 40 سنة من جهة الجبهة المصرية، حتى أنها لم تعد تحشد أي قوات ذات أهمية على الحدود مع مصر، بينما القلق واليقظة طوال الليل على الحدود مع لبنان وغزة، والمعروف أن أمريكا لا تعطي الجيش المصري هذا المبلغ "كاش" سائلًا، بل يتم تحويل معظم هذا المبلغ لمصانع السلاح الأمريكية لتصنيع ثم توريد المتفق عليه لمصر، وطبعًا يكون ذلك بأسعار مغالى فيها، والجيش المصري لا يستطيع أن يجادل لأن كله ببلاش، ولكن المغالاة في الأسعار تكون لصالح الشركات الأمريكية، وأيضًا تؤدي إلى تقليل كم السلاح المورد لمصر، ويقول خبير مصري إن القيمة الحقيقية للسلاح الأمريكي المورد لا تتجاوز 500 مليون دولار. (يا خسارة بعنا نفسنا بالرخيص قوي) ولكن لا شك هناك بعض الفكة السائلة من المعونة وغيرها للإنفاق على دورات لضباط الجيش المصري، وما يرتبط بها من بدلات وهدايا (شيء لزوم الشيء)، وهذا يتوقف على أهمية الضابط ومدى تعاونه ورتبته وتأثيره، وكما ورد في كتاب أمريكي عقب ثورة 25 يناير فإن المخابرات الأمريكية كانت تسمى مبارك (مستر حقيبة) لأنه كان وهو نائب لرئيس الجمهورية يأتي لواشنطن ويأخذ حقيبة ممتلئة بالدولارات، وهذه حسابات سرية، ولكن هناك تعاملات علنية، فمبارك وأبو غزالة وحسين سالم أسسوا في الثمانينات شركة لنقل السلاح الأمريكي لمصر، فطالما أن المعونة تسلم عينًا لا نقدًا، فلابد من البحث عن سبوبة سائلة لأن مبارك لن يختلس دبابة مثلًا أو طائرة ف – 16 وإذا اختلسها فأين يضعها؟! ومن شروط المعونة أن تقتصر على البضائع الأمريكية وأن تنقل على شركات نقل أمريكية، ومن صفاقة مبارك وحسين سالم وأبي غزالة أنهم أسسوا شركة نقل أمريكية حتى يحصلوا على السبوبة!! ويبدو أن أمريكا كانت تريد قرص ودن مبارك لأي سبب، فتم تحريك قضية رشوة ضد هذه الشركة ونشرت أخبار القضية في الصحف الأمريكية وقام العبد لله (كاتب هذه السطور) بترجمتها ونشرها في صحيفة الشعب في الثمانينات، ولكن ماذا كان رد فعل مبارك؟! عندما التقى بعدها بالأستاذ إبراهيم شكري رئيس حزب العمل، لم ينف مبارك أي معلومة منشورة وقال لشكري : لا داعي يا أستاذ إبراهيم لنشر هذه الأمور فأنت تعرف أن اليهود في أمريكا هم الذين يروجون هذه الأشياء!!
ولكن من يعرف سكة الملايين يريد المزيد بل يريد المليارات، فمكاسب شركة النقل كم ستكون إذا كان إجمالي المعونة نفسها 1.3 مليار دولار، هذه أمور صغيرة. هناك رشاوى لا علاقة لها بأي صفقات كحكاية الحقيبة، والشيك الخليجي بالمليارات الذي تلقاه مبارك بصورة شخصية ونشرت صورته في الصحف بعد الثورة؟ وهناك صفقات سلاح أخرى لا علاقة لها بمصر، وهذه هي عمولات السلاح التي يعترف بها مبارك لمن يزوره في مستشفى المعادي!.
المعروف أن ميزانية الجيش الأمريكي ضخمة وتصل إلى نصف تريليون دولار ولكن ما يهمنا الآن حجم مبيعات السلاح فأمريكا أول مصدر للأسلحة في العالم (حوالي 49% من سوق السلاح) ويتدخل الرؤساء أنفسهم لترويج صفقات السلاح، فهذا مهم جداً لإنعاش الاقتصاد الأمريكي وتعزيز النفوذ السياسي في ذات الوقت. وقد صرح نائب رئيس جمعية الصناعات الحربية الجوية الأمريكية (جونسون) بتصريح خطير كشف فيه أن السلاح المقدم لبلاد مثل مصر هو مجرد خردة وستخرج قريباً من الخدمة وستتوقف صناعتها أصلاً كطائرات ف14 و15 و16 ودبابات M1 (التي أشرت إليها) ومصفحات برادلي وطوافات الأباتشي. وما يخص السعودية والخليج ( طائرات الأواكس وصواريخ الباتريوت )، فقال جونسون إن هذه الأنظمة من تكنولوجيا السبعينيات وسيتوقف تصنيعها في النصف الثاني من القرن العشرين. (هذه الأنظمة وصلتنا في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات أي أنها أصبحت بلا قيمة بعد استلامها بسنوات قليلة). ويواصل جونسون: (الأنظمة الجديدة لن تكون جاهزة لتحل محل القديمة قبل نهاية القرن ولذا فإنه ينبغي ملئ هذا الفراغ طوال عقد التسعينيات بالاتكال على الصادرات مما يسمح بالمحافظة على جودة وسائل الإنتاج وكفاءتها). ويرى جونسون (أن تطور التصدير سيؤدي إلى هبوط أسعار المعدات والتجهيزات وهو أمر مربح للمشتري ولكنه في نفس الوقت يضع بيد الأمريكيين سلطة الاحتكار والتحكم بسوق السلاح إذ تستطيع الولايات المتحدة إذا ما أرادت معاقبة أحد المشترين أو الضغط عليه، إغلاق الحنفية أي وقف الصيانة مما يجعل المعدات والتجهيزات مجرد خردة) (انتهى كلام جونسون) وتحدثنا من قبل عن حكاية الهيمنة والسيطرة وسنعود إليها في واقعة تهريب المتهمين الأمريكيين. ولكن لاحظوا أهم شيء في التصريحات أنه يتحدث عن تشغيل وبيع منتجات المصانع الأمريكية للمشترين البلهاء الذين لا يدركون أفق صناعة التسليح، وطبعًا هذا ينطبق على متلقي المعونة من باب أولى.
هل ابتعدنا عن مصر؟ لا. فهذا إفساد لحالة الجيش المصري أن يحصل على سلاح فقد قيمته، أما على مستوى الفساد الشخصي لقادة الجيش نعود مرة أخرى لحجم المبيعات الأمريكية التي تتجاوز أحيانًا نصف السوق العالمي وتصل إلى 75% من السوق كما حدث عام 1993، وأن حجم المبيعات الأمريكية تجاوزت في أوائل القرن الواحد والعشرين 20 مليار دولار، ولكن هذا يتعلق بالصفقات الرسمية فحسب، فهناك صفقات سرية لا حدود لها لتمويل بعض الدول سرًا أو بعض حركات التمرد بدون العودة للكونجرس كما حدث في نيكاراجوا وأنجولا والعراق وإيران (أثناء الحرب بينهما) ثم للمعارضة السورية حاليًا، توجد شبكة عالمية سرية ومعقدة لتداول السلاح الأمريكي بما يفيد السياسة الأمريكية، وهذه الشبكة تدخل فيها المؤسسة العسكرية المصرية مع كل أسف، فهذا يؤدي إلى تجنيد قوانا لخدمة أهداف التسلح الأمريكية في مختلف دول العالم، ويحصل فيها أفراد من القوات المسلحة على مرتبات وعمولات وعلى رأسهم مبارك، ويشارك ولداه في هذه الشبكة من خارج القوات المسلحة، ولكنه نظام مؤسسي غير مرتبط بشخص مبارك وله شركات في مختلف أنحاء العالم، وربما يكون مستمرًا حتى الآن، ولكنني أقطع – من مصادر موثوقة – أنه كان مستمرًا حتى قيام ثورة 25 يناير 2011، ولكن لا أجد مبررًا لعدم استمراره طالما أن العلاقات بين الجيشين الأمريكي والمصري على خير ما يرام، وهذه الشبكة لا تتعامل إلا بالسلاح الأمريكي أو بالحصول على موافقة أمريكية لتصدير أي سلاح لأي جهة، وكمثال على ذلك فإن الجانب المصري في هذه الشبكة عمل بقوة لتوريد كل أنواع الأسلحة للعراق في ظل حربه ضد إيران . ولكن عندما غضبت أمريكا على صدام توقفت الحنفية، وتوقفت الشبكة المصرية. كذلك حصل أولاد مبارك على عمولات في صفقة طائرات فرنسية وغيرها. وهذه مجرد أمثلة .
سلاح التحكم والسيطرة :
يتصور البعض أن صفوت الشريف هو مخترع نظام التحكم والسيطرة في المخابرات، حيث يتم تصوير بعض الشخصيات بفيديوهات مشينة للتحكم فيهم وإخضاعهم لسيطرة الجهاز عن طريق ابتزازهم بها. والحقيقة أن هذا السلاح القذر معروف لدى أجهزة مخابرات الغرب وإسرائيل. والموضوع لا يتعلق بالفيديوهات فحسب فقد تكون صور أو تسجيلات صوتية أو شيكات أو أوراق مالية..إلخ، بعض الناس لا تصدق هذا، لأن هذه الأسلحة لا تستخدم إلا نادرًا، فهي أشبه بالقنابل النووية يتم التهديد بها دون استخدامها، وهي بالنسبة للشخص قنبلة نووية فعلاً لأنها تؤدي إلى تدميره معنوياً وقد تدفعه للانتحار أو الاستقالة من منصبه. يكفي أن تتصل بالشخص أو تخبره بأي وسيلة بأنك تملك عليه كذا أو كذا كي يخضع لك في أغلب الأحوال، ونادرًا ما تجد إنسانًا لديه الشجاعة ليقول: (افعلوا ما تريدون) لأن هؤلاء الأشخاص ليسوا أصلًا مجاهدين وقعوا في الخطيئة!! أساليب السيطرة والتحكم تمارس على الرؤساء والملوك وكبار القادة العسكريين وأي شخصيات مهمة أخرى. وقد شاهدنا بعض نماذج: (1) في بداية ما يسمى حرب تحرير الكويت، كان الملك فهد مترددًا في الموافقة على حضور قوات أمريكية إلى أرض المملكة توطئة لاجتياح العراق، وكان يأمل في حل سلمي، ولكن الرئيس بوش الأب اتصل به وقال له إن القوات قد تحركت بحريًّا بالفعل وأن الطلائع ستصله جوًا، فلما لاحظ بعض التردد، وكانت مسألة فاصلة بالنسبة للأمريكان تم استخدام سلاح التحكم والسيطرة فصدرت مجلة التايم وصورة الملك فهد على الغلاف وموضوع الداخل يتحدث عن مغامرات فهد عندما كان شابًا في بيروت، وأنواع النساء التي يحبها والخمور التي يفضلها (بلاك آند هواي). ولم يجد بوش بعدها أي ممانعة أو تردد من الملك فهد!!
(2) أي خلافات مع مبارك كانت تترجم لموضوعات مسيئة له في الصحافة الأمريكية سواء فيما يتعلق بعمولات السلاح أو بزنيس جمال. وعندما ترجمنا مرة موضوع عمولات السلاح تم حبس الزميل عبد الستار أبو حسين الصحفي بجريدة الشعب لمدة عام في محكمة عسكرية، وتم تخفيف الحكم إلى نصف عام بعد ذلك. وسنأتي لما حدث لمبارك ساعة الثورة 2011. وكيف استخدم معه سلاح التحكم والسيطرة!
ولا أدعي أن لدي معرفة تفصيلية بما حدث مع قيادات القوات المسلحة الكبيرة والوسيطة في الولايات المتحدة ولكنها دلائل المنهج والتفكير السليم. ولكن لدي معلومات مؤكدة بدون أسماء. العلاقات بين العسكريين الأمريكيين والمصريين كثيفة للغاية لأهمية مصر الاستراتيجية، واللقاءات التي ينشر عنها هي أقل القليل. فهناك تواصل يومي وأسبوعي على مستويات عدة. بعد ثورة 2011 قال لي أحد الصحفيين المتصلين بالمخابرات، إن الجناح العسكري لنظام مبارك يحكم وبالتالي فإن العلاقات مع أمريكا لم تتغير، واللقاءات بين كبار القيادات العسكرية والمصرية كثيفة للغاية وتحدث في القاهرة وواشنطن، ويمكن أن أبلغك بكشف حساب لها أو بعددها، ورحبت جداً، ومعروف عني أنني أنشر الحقائق بدون تهيب طالما هي للصالح العام ولوجه الله. ولكنه ذهب ولم يعد!! هذه العلاقات تشمل التنسيق السياسي والعسكري بين قيادات الجيشين، ولكنها تشمل أيضاً الدورات والمنح العسكرية والدراسات العسكرية التي يذهب إليها الضابط المصري في أمريكا أو بريطانيا ويبقى 6 شهور أو سنة أو أكثر أو أقل، أي ليست زيارات عابرة وسرية لمدة يومين أو ثلاثة. في هذه الدورات والمنح يطلب الأمريكان المتفوقين وبالتالي يرسل الجيش أنبه العناصر، ولا شك أن المتفوقين يطالبون بهذا "الحق". وهناك يتم فرزهم وتصنيفهم وتجنيد بعضهم، والتجنيد درجات، يبدأ بمجرد محبة أمريكا وأسلوب حياتها والإيمان بصداقتها وإدراك الفوائد الشخصية لذلك. وينتهي إلى العمالة الصريحة. وحالة مبارك نموذج حيث بدأ بالعمالة الصريحة للاتحاد السوفيتي (كما تقول الوثائق الأمريكية) ثم تحول إلى العمالة الصريحة للولايات المتحدة وإسرائيل وقد كتبت في ذلك في مقالات عدة. وقد أكد لي ضباط شرفاء في القوات المسلحة برتب تتراوح بين عقيد وعميد وعندما كانوا في الخدمة، أن من يذهب للولايات المتحدة من الضباط خاصة في الدورات الممتدة يتعرض لمخاطر مباشرة، من خلال استغلال يوم الأجازة (السبت والأحد) بدعوة الضباط لرحلة خلوية برية أو بحرية وفقًا لسيناريوهات تبدو طبيعية المهم أنها تكون وسيلة لاصطياده عبر حسناء وكأس من الخمر، وأن بعض الضباط يصمدون ويرفضون الانسياق لذلك، والبعض لا يستطيع المقاومة!! إذن السلاح الثلاثي هو : الخمر – المال – النساء. مع توثيق ذلك بالصوت والصورة والورق.
يتساءل الناس كثيرًا لماذا لا يقول الحكام لأمريكا لا، وماذا تستطيع أن تفعل أمريكا؟ هذا واحد من الأسلحة، فهؤلاء القادة والحكام لا يخافون يومًا تعترف عليهم فيه أعضاء الجسد (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فصلت 20-21 لا يخافون هذا اليوم البعيد ويخافون في العاجلة.. في الدنيا. يخافون أن تكشفهم أمريكا وخطورة ذلك ليس لأن لديهم حساسية إنسانية ولكن لأن هذا سيؤدي إلى طردهم من جنة السلطة سواء في مواقع مدنية أو عسكرية. ونذكر الفضيحة النسائية التي تم نشرها عن أبي غزالة بالتواكب مع إقالته من وزارة الدفاع بينما كان دور أمريكا هو ضبط الضابط عبد القادر وهو يحاول تهريب مادة كربون الكربون من أمريكا لمصر لصناعة الصواريخ. وقد كان تناغمًا واضحًا بين الأجهزة المصرية والأمريكية للخلاص من أبو غزالة القوي لأن أمريكا تحب الشخص الضعيف (مبارك).
إذن الخوف من أمريكا وما تملكه ضد المسئول المدني أو العسكري أهم من الخوف من الله، وبالتالي يتم اتباع أمريكا لا اتباع الله عز وجل، وبهذا المعنى تكون أمريكا هي الرب، أو الشريك في الألوهية.
وأعدوا
قبل أن نطوي هذه الصفحة نؤكد أن الاعتماد على التسليح الأمريكي يؤدي إلى كل هذه الويلات، فقدان الاستقلال والهيبة والكرامة، ومن ثم عصيان الله عز وجل. وإذا كنا نرفض المفاهيم السطحية للإسلام التي تحصره في بعض المظاهر، أو تضفي عليه ما ليس فيه من جمود وتصلب وعدوانية وانغلاق وتطرف، فإن نصوص القرآن والسنة المؤكدة واضحة كفلق الصبح ولا يجوز التفلت منها واستمرار ادعاء أننا مسلمون. كما أنها تحتوي على الحلول الحقيقية لمشكلاتنا. القرآن الكريم يأمرنا بالاعتماد على أنفسنا في التسليح، وإذا كان الرسول (ص) قد أرسل وفداً إلى جرش بالأردن لتعلم كيفية صناعة المجانيق ولكنه لم يستوردها ولم يعتمد على استيرادها بعد ذلك، فكانت أشبه بالحصول على المعرفة التكنولوجية KNCK how بينما ظل تصنيع السلاح على أيدي المسلمين. (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) الأنفال 60 – التصنيع الحربي قامت به مصر في الستينيات ولا يزال لدينا الأنوية والاستعداد والخبرة وبعض التصنيع لا يزال مستمراً. وحدث بشكل أكبر في إيران وباكستان والهند والصين وكوريا الشمالية وتركيا، وهي ليست أعجوبة، ويفيد في التصنيع المدني، ويفيد كما ذكرنا في تحسين ميزان المدفوعات، لا يمكن إقامة دولة إسلامية أو بمرجعية إسلامية أو دولة مستقلة وتعتمد في التسليح على الاستيراد. لأن السلاح سلعة سياسية ويمكن وقفها في أي وقت ولأي سبب يخص المورد. فنحن الآن على وفاق مع روسيا مثلاً ولكن غدًا قد نصطدم.
والعجيب أن العدو الصهيوني يطبق قانون القرآن من زاوية الاعتماد على الذات في التسليح، رغم العلاقة الاستراتيجية مع أمريكا، فنجد أن الصناعات الإسرائيلية الحربية أهم قطاع صناعي في إسرائيل وفي صادراتها، ( نواصل)
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)